8 دقائق قراءة

إصابات الحرب والصيدليات العشوائية تغذي الإدمان على مسكنات الألم في شمال حمص

كان خالد يقف في مدخل متجر الأجهزة الخلوية الذي يملكه […]


29 أبريل 2018

كان خالد يقف في مدخل متجر الأجهزة الخلوية الذي يملكه والده، في شمال حمص، منذ ثلاث سنوات عندما سقطت قذيفة مدفعية على بعد أمتار قليلة منه، حيث انفجرت وتناثرت شظاياها في كل الاتجاهات، وعلى إثرها أصيب خالد بتلف عصبي كبير في أطرافه السفلية وشلل في القسم السفلي من جسده.

بعد إصابة خالد في تموز ٢٠١٥، خضع الشاب البالغ من العمر ٢٣ عاماً لجلسات علاجية خلال الأشهر الثمانية عشر التالية في المستشفى الميداني في الرستن، أكبر مدينة في ريف حمص الشمالي المحاصر والخاضع لسيطرة المعارضة.

وفي المستشفى، وصف الطبيب الترامادول، وهو مسكن ألم مركزي، كجزء من خطة خالد العلاجية، من أجل تخفيف الألم الناجم عن تلف الأعصاب.

يقول خالد أنه بعد انتهاء فترة العلاج، أخبره الطبيب المشرف على حالته أنه لا حاجة للاستمرار في تناول الترامادول. ولكن بعد فوات الأوان، بحسب ما يقوله لسوريا على طول حيث لم يستطع التوقف.

يوضح خالد لسوريا على طول، من منزله في الرستن قائلاً “لقد ذهب الألم، لكني واصلت تناول الدواء لأنني لم أستطع تحمل إيقافه”. وطلب خالد عدم استخدام اسمه الكامل، خوفاً من الضرر على سمعته ومكانة عائلته في المجتمع المحلي.

قصة خالد هي حالة واحدة ضمن الأزمة الصحية التي انتشرت على نطاق واسع في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في جميع أنحاء سوريا: إساءة استخدام الأدوية من قبل إصابات الحرب.

وفي الريف الذي تسيطر عليه المعارضة، شمال مدينة حمص وحدها، يعاني ما لا يقل عن ٧٠٠ شخص حالياً من الإدمان على الأدوية، بحسب ما يقوله مجد رجب، رئيس فريق مكافحة الإدمان، لسوريا على طول.

وبالرغم من أن الإدمان على الأدوية الموجودة ضمن الوصفات الطبية في سوريا موجود قبل اندلاع الحرب، إلا أن مجموعة من الإصابات الخطيرة الناجمة عن القصف المتكرر وعدم وجود الضوابط الدوائية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة كريف حمص الشمالي، تجعل العاملين في المجال الطبي وأعضاء المجتمع المدني والمدنيين غير قادرين على كبح جماح انتشار الإدمان على مسكنات الألم.

متطوعون يلصقون منشورات للتوعية حول مخاطر الإدمان في شمال حمص، كانون الأول ٢٠١٧. تصوير: فريق مكافحة الإدمان التطوعي في ريف حمص الشمالي

“لا توجد بدائل”

يعيش خالد حياته بشكل روتيني. في كل صباح يتناول وجبة الإفطار مع والديه، وفي العاشرة صباحاً، يتوجه إلى متجر الهاتف الخليوي مع والده ويعمل هناك حتى وقت مبكر من المساء، ثم يعود إلى المنزل لتناول العشاء مع عائلته، وفي الليل، يزور الشاب البالغ من العمر ٢٣ عاماً أصدقاءه في الرستن أحياناً أو يدعوهم إلى منزله.

لكن لدى خالد طقوس أخرى ثابتة: جرعة يومية من الترامادول، وعادة ما تكون ٥٠ ملغ في الصباح والأخرى في الليل، وهذه الجرعة يقوم بها منذ عام ونصف تقريباً.

يقول خالد إنه حاول التخلص من مسكن الألم من قبل، لكن محاولته باءت بالفشل.

ويتابع “لقد توقفت عن أخذ الدواء لمدة يومين”، لكن بدون الترامادول “لا يمكنني فعل أي شيء، لا أستطيع العمل”.

وبالرغم من أن منظمة الصحة العالمية تصنف الترامادول على أنه “مسكن آمن نسبيًا”، فإن مسكن الألم يمكن أن يحفز التبعية الذهنية والجسدية “عند استخدامه لفترات طويلة من الزمن”، لأكثر من عدة أسابيع أو شهور، وفقاً لتقرير حزيران ٢٠١٤ الصادر عن لجنة خبراء منظمة الصحة العالمية.

ويؤدي التوقف الفجائي عن تعاطي الترامادول إلى إثارة أعراض معينة، بما في ذلك الألم المعدي المعوي وآلام العظام والأرق والاكتئاب والتعرق المفرط والتهيج.

يقول خالد، وهو يصف يومًا بدون ترامادول “يبدو الأمر كما لو أن هناك شيئاً غير طبيعي يحدث في جسدي، وهو شعور مزعج بأن هناك شيء مفقود”.

إلا أن السبب الرئيسي في استمرار خالد في تناول مسكنات الألم، كما يقول، هو تأثر حالته العقلية والعاطفية في حال عدم تناول الجرعة.

ويضيف خالد “أكسر أي شيء حولي، أصرخ في وجه أي شخص يقف أمامي”.

ويقول “أهلي تعبوا من حالتي ويشعرون بالشفقة علي”، مضيفاً أنه يتظاهر بأنه ما زال يتألم ليبرر سلوكه وحاجته لمزيد من الترامادول.

يُعتبر الترامادول واحداً من مجموعة من المسكنات والأدوية التي تؤدي عادة إلى الإدمان بين سكان ريف حمص الشمالي الذي تسيطر عليه المعارضة، بحسب ما قاله رئيس قسم علم النفس والأعصاب في مستشفى الرستن الميداني لسوريا على طول.

علبة الترامادول. تصوير: خالد.

يقول الدكتور أحمد البيروتي، الذي يشرف على قسم العيادات الخارجية في الرستن، إنه لاحظ زيادة في الاستخدام غير الطبي لمسكنات الألم مثل ترامادول وأوكسيكودون، فضلاً عن مرخيات العضلات والأدوية النفسية، منذ أن بدأ العمل في شمال حمص، قبل ست سنوات.

وبالرغم من أنه تدرب كطبيب أطفال، إلا أن البيروتي هو واحد من عدد قليل من الأطباء الذين لديهم اهتمام وخلفية في الطب النفسي والأعصاب في شمال حمص، وهي منطقة محاصرة يعيش فيها ما يقدر بنحو ٢٤٠ ألف نسمة. لذا “يتم إخطاره بجميع حالات الإدمان” من قبل العاملين في المجال الطبي في جميع أنحاء المنطقة، كما يقول، بالإضافة إلى فريق مكافحة الإدمان التطوعي، وهو مبادرة لمكافحة المخدرات بدأت في شمال حمص عام ٢٠١٧.

يقول البيروتي إن الغالبية العظمى من حالات الإدمان في شمال حمص، تقع ضمن ثلاث فئات عامة.

ويحصل بعض السكان على الأدوية النفسية في محاولة للتداوي الذاتي. ومن دون أي إشراف طبي، غالباً ما يقومون بتكثيف جرعاتهم أو أخذ أدوية أقوى.

ويعاني جزء من السكان أيضاً من الإدمان على المخدرات غير المشروعة، وهي مخدرات ليس لها استخدام طبي حالي، وهو موضوع يقول البيروتي أنه ليس على دراية جيدة به، لأنه لا تتم مناقشته “على العلن”.

ويوضح الطبيب إن الجزء الأكبر من الحالات، حتى الآن، يتعلق بالإدمان على مسكنات الألم مثل الأوكسيكودون والترامادول، والتي أصبحت قضية رئيسية بعد القصف الذي طال شمال حمص في عام ٢٠١٢.

حيث سيطرت فصائل المعارضة على شمال حمص، وهي مجموعات من مدن وقرى وبلدات شمال حمص مباشرة، في عام ٢٠١٢ عندما تحولت الاحتجاجات ضد حكومة بشار الأسد إلى نزاع مسلح.

وطوقت قوات الجيش السوري وحلفاؤه شمال حمص على مرحلتين خلال العامين التاليين، وشنت قوات النظام غارات جوية وقصف مدفعي منتظم على المواقع العسكرية للمعارضة والمناطق السكنية في المنطقة، مما تسبب بوقوع إصابات بين المدنيين.

يبدو أن الحكومة السورية تجدد تركيزها على انتزاع السيطرة على شمال حمص من قوات المعارضة هذا الشهر، كما استهدفت القوات التابعة للحكومة شمال حمص بمئات الغارات الجوية وقذائف المدفعية في الأسبوعين الماضيين إلى جانب الهجوم البري الذي يهدف الی كسر خطوط المعارضة الدفاعية.

وقال البيروتي ان علاج المدنيين الذين أصيبوا بجروح خطيرة اثر الغارات الجوية، والذين غالباً ما يحتاجون إلى بتر أحد الأطراف “تحتاج إلى مسكنات قوية لتسكين الألم”.

وأضاف “لا يوجد بدائل” وعلى الرغم من خطر الاعتماد على المسكنات واستخدامها لفترة مطولة إلا أنه”لا يمكننا منع المسكن فقط لأنه يسبب ادمان”.

صيدليات غير مرخصة

كل بضعة أسابيع، يذهب خالد إلى صيدلية محلية في الرستن ويشتري ظرف ترامادول، وشاب مثل خالد، غير متزوج يعيش في المنزل مع عائلته، ولديه القليل من المسؤوليات المادية، كان من السهل بالنسبة له توفير المال الذي يجنيه من  العمل في محل والده لبيع الهواتف الخلوية من أجل تغطية تكاليف المسكنات.

حتى بعد توقف الطبيب خالد عن كتابة الوصفات الطبية في أوائل عام 2017، لم يجد أحد سكان الرستن صعوبة في شراء الترامادول من جديد.

وقال البيروتي “يمكنك الحصول على هذه الأدوية من أي صيدلية حتى دون وصفة طبية بسبب غياب الرقابة وهنا تكمن المشكلة”.

وأصدرت مديرية صحة حمص، وهي هيئة معارضة تشرف على المرافق الطبية والصيدليات في ريف المحافظة الشمالية، بيانا في أوائل شهر كانون الثاني يدعو إلى تسجيل جميع الصيدليات غير المرخصة، بحسب تقرير نشره المركز الإعلامي للأنباء “SNP” التابع  للمعارضة.

غارة جوية على مدينة الرستن شمال حمص يوم الأربعاء. صورة من الدفاع المدني السوري في محافظة حمص.

وقالت رحاب الرضوات، رئيسة شعبة الرقابة الدوائية في مديرية صحة حمص، في التقرير ذاته أن “الاحصائيات الأولية تشير إلى وجود 70 صيدلية عشوائية” تبيع الأدوية دون ترخيص أو رقابة ”  .

وذكر طلال مردود، رئيس مديرية صحة حمص التي تديرها المعارضة، أن تلك الصيدليات التي تعمل “خارج سيطرتنا” هي واحدة من الأسباب الرئيسية لمعدلات الإدمان المرتفعة في المنطقة.

وأضاف أن المشكلة الأساسية هي أن الأدوية غالباً ما تدخل ريف حمص الواقع تحت سيطرة المعارضة من  خلال قنوات تقع خارج نطاق المديرية الصحية والمجالس المحلية التي تديرها المعارضة في المنطقة.

وعلى الرغم من أن قوات الحكومة السورية تفرض حصاراً على ريف حمص الشمالي، إلا أن المواد الغذائية والأدوية والسلع الأخرى تدخل بانتظام إلى الجيوب الواقعة تحت سيطرة المعارضة من خلال المعابر الرسمية أو طرق التهريب.

وتدخل قوافل المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الإمدادات الطبية الأساسية مثل المسكنات، إلى شمال حمص عدة مرات في السنة عبر معابر الحكومة والمعارضة، وتقوم مجالس وهيئات محلية مثل مديرية الصحة بتوزيع المساعدات على السكان.

كما أن التجار الذين تربطهم صلة بالسلطات الحكومية، أو الذين يدفعون للذين يعملون في نقاط التفتيش يقومون بنقل البضائع عبر هذه المعابر من أجل ادخالها وبيع الأدوية المهربة بعد ذلك إلى الصيدليات العشوائية التي تعمل خارج نطاق إدارة الصحة.

بالإضافة إلى قوافل المساعدات والشحنات التجارية التي تُدخل معها سلع غذائية وأدوية إلى الجيب عبر سلسلة من طرق التهريب التي تربط المناطق التي تسيطر عليها الحكومة بشمال حمص الواقع تحت سيطرة المعارضة.

قال كل من مردود ومجد رجب، رئيس فريق مكافحة الإدمان الذي يعمل على زيادة الوعي حول موضوع الإدمان في شمال حمص، لسوريا على طول أنهم يرون أن التهريب المستمر لأدوية المسكنات في المنطقة يشكل عقبة رئيسية في كبح الإدمان.

ويقر رئيس مديرية الصحة بأن التضييق على هذه الصيدليات غير المرخصة هو جزء من الحل.

وقال مردود أن السبيل الوحيد للحد من ذلك هو “التفتيش والمراقبة المنتظمة” للمستودعات والصيدليات لضمان عدم توزيع الأدوية القوية إلا على السكان الذين لديهم وصفة طبية.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها مديرية الصحية للقضاء على الصيدليات غير المرخصة منذ بداية العام، إلا أنه لايزال لاتوجد أي مشكلة في الحصول على الترامدول، وفقاً لما قاله أمده خالد لسوريا على طول.

وأضاف خالد “أشتريها من الصيدليات بشكل طبيعي حتى بدون وصفة طبية، حتى أن الصيدليات حفظوني”.

“موت صامت”

“الإدمان: موت صامت” لقراءة منشور فريق مكافحة الإدمان التطوعي “VACT” في ريف حمص الشمالي في تشرين الثاني 2017 هنا.

وقال مجد الرجب، مدير منظمة VACT، لسوريا على طول لقد عملت مبادرة مكافحة الإدمان منذ إطلاقها قبل تسعة أشهر على تحطيم هذا الصمت.

وكان هو وزملاؤه من المتطوعين متحمسين لخلق فريقاً لمكافحة الإدمان بعد أن لاحظوا ارتفاعاً في تعاطي المسكنات في شمال حمص، على حد قوله، مضيفاً أنه بدأ “يصبح طبيعياً”.

ويعمل الفريق المكون من 15 متطوعاً على زيادة الوعي حول مخاطر إدمان المسكنات وآثاره الصحية الضارة من خلال حملات عبر وسائل الاعلام الاجتماعية وتوزيع بروشورات توعية في المدن والبلدات والقرى في شمال حمص.

لكن الهدف النهائي للفريق هو إنشاء أول مركز لإعادة تأهيل المدمنين في ريف حمص الواقع تحت سيطرة المعارضة، كما يوجد بالفعل مراكز متخصصة لتعاطي مواد الإدمان في الجنوب والشمال الواقعان تحت سيطرة المعارضة.

وحددت المنظمة الموظفين الطبيين الراغبين في التطوع في المركز المقترح، وهما صيدليان و 10 ممرضات وسبعة أطباء بما فيهم الدكتور البيروتي، لكن المشروع لا يزال في مراحله المبكرة، وفقاً لما قاله رجب.

وأضاف أن  VACT لا تتلقى المنظمة أي دعم مالي خارجي وأن جميع أنشطة المؤسسة تمول من التبرعات الفردية لأعضائها.

وفي مركز متخصص، فإن معالجة الإدمان على مادة مثل ترامادول لن تكون معقدة بشكل مفرط، كما يراها البيروتي، فإن المريض يحتاج إلى حجر صحي لمدة 10 أيام على الأقل.

وصرح خالد، الذي يجلس في منزله في الرستن، أنه يشعر بأن ليس هناك مكان يلجأ إليه للحصول على المساعدة التي يحتاجها، إنه لا يستطيع أن يرى وسيلة للخروج من الحالة التي يجد نفسه فيها.

وقال خالد لسوريا على طول “بصراحة ، أشعر بالإحباط بسبب الوضع الذي أنا فيه، لكن لا يوجد علاج ولا يوجد مراكز لحالات مثل حالتي، ماذا أفعل؟”.

وتخلى خالد عن محاولة ترك الترامادول بمفرده، وذكر أنه طالما أتناول الدواء فأنا بخير”مضيفاً أن الترامادول يساعده في الحفاظ على علاقات “طبيعية” مع عائلته وأصدقائه.

وختم كلامه “أخبرهم أنني ما زلت أشعر بالألم”.

 

شارك هذا المقال