7 دقائق قراءة

إعادة الإعمار أسلوب آخر لاستمرار العنف ما بعد الحرب في سوريا

عندما بدأت عملية إعادة الإعمار وسط بيروت لأول مرة في التسعينيات، كان أول عمل قام به المخططون المدنيون هو بناء خندق حول الموقع.


14 فبراير 2019

عندما بدأت عملية إعادة الإعمار وسط بيروت لأول مرة في التسعينيات، كان أول عمل قام به المخططون المدنيون هو بناء خندق حول الموقع.

وتم هدم المباني شيئاً فشيئاً، وإزالة الألغام وطرد الأشخاص الذي احتلوا بيوتاً غير مأهولة أو أرض غير مستخدمة بشكل غير قانوني.

وبعد ذلك، بدأ العمل الجدي لإعادة الإعمار وسط بيروت، التي كانت في يوم من الأيام جبهة مشتعلة في حرب لبنان الأهلية التي دامت 15 عاماً.

وقال دين شارب، زميل ما بعد الدكتوراه في برنامج الآغا خان للعمارة الإسلامية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، تعتبر القصة مؤشراً مثالياً على العنف الذي تنطوي عليه مشاريع إعادة الإعمار بعد الحرب “كيف يمكن للمحيط البنيوي أن يشكل استمرارًا للعنف في الصراع ” و أيضاً ” كيف يمكن أن يكون لإعادة الأعمار تأثيراً عنيفاً مثل التدمير”.

في بيروت، قامت شركة سوليدير المسؤولة عن إعادة بناء وسط المدينة بعرض أسهم لأصحاب الأملاك في الشركة مقابل حقوق الملكية الخاصة بهم، قبل تجريف وهدم مناطق كاملة وسط المدينة وإعادة بنائها في نهاية المطاف على شكل بنوك ومحلات أزياء ومجمعات تجارية.

وتم تكرار هذا النظام من الأسهم من قبل السلطات والشركات القابضة العامة والخاصة في دمشق “إلى حد ما”، ولكن في الوقت نفسه “يتم تجريد الناس أيضاً من حقوق الملكية الخاصة بهم بالكامل، ولا يتم إعطاؤهم أي نوع من التعويضات، سواء أسهم أو غير ذلك، في الشركة” على حد قول شارب.

واستخدمت المساحات الحضرية مراراً خلال الصراع السوري – البنية التحتية للمياه، والكهرباء- لخدمة عمليات الحصار ضد المجتمعات المدنية وقطع الطرق. لكن المحللون ومخططو المدن، بمن فيهم شارب، يعتقدون أن عملية إعادة الإعمار يمكن أن تكون عملية عنيفة مثلها مثل سنوات الحرب التي مرت بها سوريا بالفعل.

  وأضاف شارب “إن ذلك ليس واضحاً في حد ذاته، لكنه بالطبع بنفس القدر من العنف، ويمكن أن يسبب الموت والعوز، تماماً كانفجار ضخم في مبنى”.

وتابع “وفي حالة سوريا، من الواضح أن مشاريع إعادة الإعمار التي تستهدف سكاناً معينين هناك، لا تهدف إلى تعزيز التماسك الاجتماعي أو تضميد جروح الحرب”.

وفي هذه المقابلة التي أجراها مراسل سوريا على طول توم رولينز، تحدث دين شارب عن أوجه التشابه بين بيروت ودمشق، آنذاك والآن، وكيف يمكن لعمليات إعادة الإعمار في فترة ما بعد الحرب أن تكون عنيفة في كثير من الأحيان مثل الصراعات التي تتبعها.

[ولقراءة تقرير سوريا على طول عن وسط بيروت وإعادة الإعمار في دمشق هنا].

يبدو أن هناك بعض أوجه التشابه بين سوليدير( الشركة المسؤولة عن إعادة الإعمار) في بيروت وما يحدث في دمشق. هل هناك تقاطع؟

أنا متردد جداً من خلق وجه تشابه بشكل مباشر لأن الهياكل التنظيمية والمعلومات المتوفرة [من سوريا] سيئة للغاية. لكن من الواضح جداً أنهم في سوريا، من خلال [الشركات الخاصة التابعة للحكومة] مثل شركة دمشق شام القابضة، يقومون بهذا النموذج من الشركة المساهمة المشتركة إلى درجة معينة، وهو ما حدث في سوليدير، حيث كان هناك شركة مساهمة مشتركة مدعومة من الحكومة تتكون من المساهمين.

في حالة سوليدير، أدرجت مالكي الأراضي كمساهمين. لذلك مقابل حقوق الملكية الخاصة بهم، تم منحهم أسهم في الشركة التي تجردهم من حقوق الملكية هذه.

ويبدو أن هذا يحدث أيضاً في بعض الحالات في سوريا. هناك حالات مماثلة تماماً ولكن –على ما يبدو – أن السكان يتعرضون لتجريد ممتلكاتهم فقط، دون منحهم أي نوع من التعويضات في الأسهم أو في الشركة، وأن هذه الأسهم يتم تقسيمها من قبل النخب المرتبطة بالنظام السوري فقط.

لكن النقطة الأوسع نطاقاً هي أن هذه العلاقة بين الدولة والشركات المساهمة، والتي تمت صياغتها على ماكانت تدور حوله عملية إعادة الإعمار اللبنانية، تتكرر في سوريا.

والعلاقة بين الدولة والمؤسسة تمنح هذه الشركات استقلالية نسبية عن الدولة للقيام بالبناء الفعلي لهذه البقع الحضرية.ولكن من حيث، من الذي يتم وضعه في هذه الشركات ومن هم الذين يخضعون للمساءلة المالية، فإنه يعود إلى الدولة. كما أنه يتم اعطائهم صلاحيات معينة من الدولة مثل نزع الملكية التي لا ترتبط عادة بمشروع خاص فقط. 

لماذا يسبب النظام الخاص بنقل حقوق الملكية إلى أسهم مشاكلاً بالنسبة للمقيمين أو أصحاب الأملاك في مناطق مثل وسط بيروت أو بساتين الرازي في جنوب غرب دمشق؟

سأتحدث بإيجاز عن ذلك في سياق لبنان وفيما يتعلق بما حدث مع سوليدير ولماذا كان يمثل مشكلة.

دستوريا، إن مصادرة الأراضي في لبنان، يجب أن يكون لمنفعة عامة. وعندما تحدثت إلى بهيج طبارة، المحامي الذي صمم إطار سوليدير باسم الحريري، كان – كما أخبرني – قلقًا للغاية بشأن حقيقة أن هذا المخطط قد ينتهك الدستور. لذلك ذهب وتحدث مع خبير دستوري في باريس. وكانت النتيجة هي أن الطريقة الوحيدة لجعل هذا النظام لاينتهك الدستور، هو أن يتم تحويل حقوق الملكية مباشرة إلى أسهم ووضعها في سوق الأوراق المالية، بحيث يبدو أن أصحاب الأسهم سيستفيدون ظاهرياً من ارتفاع قيمة الأرض وكل البنى التحتية التي وضعتها سوليدير.

واتضح، وهذا هو الشيء المميز في شركة سوليدير، أن قيمة الأسهم تساوي نفس قيمتها عندما تم عرضها لأول مرة. لذلك اليوم، يتم تقييم الأسهم على ماهي عليه قبل حدوث أي عملية بناء أو إعادة إعمار. وبهذا تكون قيمتها منخفضة جداً، إن لم تكن بلا قيمة. ومن الواضح أن هذا تسبب في غضب هائل داخل لبنان. لكن إذا وضعنا هذه المسألة على جنب، فالحقيقة هي أن سوليدير لم تصمم لتحقيق أي منافع اجتماعية. لقد تم تصميمها كشركة خاصة لزيادة أرباح مجموعات معينة – ظاهرياً مساهميها. ولكن بالتأكيد لم يحدث ذلك على أرض الواقع.

ولذلك أصبحت عمليات إعادة الإعمار بالفعل طريقة أخرى تمكنت من خلالها الجماعات المتنافسة المختلفة من متابعة الصراع الذي اندلع قبل اتفاقية الطائف في عام 1989. ومن الواضح الآن، أن مشروع سوليدير صُمم لتحقيق أقصى قدر من القوة الاقتصادية والسياسية لمجموعات اجتماعية معينة، ليست بالضرورة المساهمين، بل مجموعات مختلفة مرتبطة بفصائل وطنية ودولية أوسع.

لقد كتبت قبل ذلك عن كيف أن عملية إعادة الإعمار في سياق بيروت كانت استمرارًا لسنوات الحرب. لقد قيل الكثير عن كيفية تدمير شركة سوليدير للهندسة المعمارية والنسيج الحضري وسط مدينة بيروت، ولكن اجتماعياً أو من حيث الانقسامات الطبقية والطائفية، ماذا فعلت سوليدير من حيث المساحات الحضرية في بيروت؟

الموضوع الرئيسي الذي أركز عليه الآن هو كيف يمكن استخدام البيئة المبنية كأداة لاستمرار العنف في الصراع، وكيف يمكن أن يكون لإعادة الأعمار تأثيرا عنيفا مثل التدمير.

لذا في حالة لبنان، وفي حالة سوريا، من الواضح أن مشاريع إعادة الإعمار التي تستهدف سكاناً معينين هناك، لا تهدف إلى تعزيز التماسك الاجتماعي أو تضميد جروح الحرب، بل أنها ستؤدي إلى مزيد من التهجير ومزيد من التحكم ليس فقط في المسارات السياسية للسلطة ولكن أيضا الاقتصادية والاجتماعية.

(وفي أعقاب المشروع الذي يجري تنفيذه بالفعل في جنوب غرب دمشق من الطبقة العاملة، “مدينة ماروتا”، يتوقع المحللون وجماعات حقوق الإنسان أن جهود إعادة الإعمار المستقبلية المبذولة، ستشهد كيف أن المجتمعات السابقة ذات الدخل المنخفض والمجتمعات الموالية للمعارضة قد حل محلها ناطحات سحاب مشرقة ومراكز التسوق.

كان هذا واضحًا أيضًا في حالة لبنان بعد الحرب. حيث أصبحت عملية إعادة الإعمار بالفعل طريقة أخرى اتبعتها المجموعات المتنافسة المختلفة لاستمرار الصراعات التي كانت سائدة قبل اتفاقيات الطائف في1989.

هناك العديد من الحالات التي تم توثيقها، لكنها غالبًا ما تكون مدفونة في وسائل الإعلام، حيث ضغط نظام الأسد، على سبيل المثال، على مجتمع لاخضاعه عن طريق قطع المياه أو إمدادات الكهرباء الخاصة به. لذلك لم يتم إطلاق رصاصة أو صاروخ، لكن عقلية الحصار هذه كانت من خلال قطع الخدمات الحضرية الأساسية. وهذا ليس مرئيًا في حد ذاته، لكنه بالطبع بنفس القدرمن العنف – ويمكن أن يسبب الموت والعوز – كانفجار ضخم في مبنى.

هل يمكن أن تشرح كيف تم تنفيذ هذا النوع من العنف في إعادة الإعمار في بيروت ما بعد الحرب؟

أول عمل قامت به سوليدير هو بناء خندق حول أراضي سوليدير. وبالنسبة لي، لا يمكن أن يكون هناك شيء مادي أكثر، ولكن بالطبع هو رمز بأن عملية إعادة الأعمار هو استمرار للنزاع من خلال حقيقة أن أول شيء بدأ به مشروع إعادة الإعمار هو بناء خندق.

ولكن هناك أيضًا العديد من الأشخاص الذين لم يكونوا يرغبون في التخلي عن ممتلكاتهم في منطقة سوليدير، فأصبحت المباني بشكل أساسي غير آمنة من خلال ما يسمى بـ “الإصلاحات” التي نفذتها سوليدير. كان هناك حادث ملحوظ في عام 1996 عندما انهار مبنى في وادي أبو جميل، مما أسفر عن مقتل 15 شخصا، والكثير من وسائل الإعلام في ذلك الوقت اتهمت سوليدير بإضعاف أسس المبنى ولكن لم تتم مقاضاة أي شخص.

وكما قال بهيج طبارة، محامي سوليدير، فإن نقل الملكية من المالكين إلى هذه الشركة – سوليدير – كان عملاً عنيفًا للغاية. وقد أدى إلى الكثير من الاحتجاجات والقلق بين اللبنانيين. كان مخطط مثير للجدل منذ البداية.

وأجرى شارب سابقا مقابلة مع بهيج طبارة حول الاستعدادات لتطوير سوليدير. وقال طبارة: “كان المفهوم هو إجبار المستأجرين وملاك الأراضي على تشكيل شركة مساهمة مقابل قيمة حصصهم”. كان نوعاً من نزع الملكية، لكنه لم يكن مصادرة حقيقية. ولكن تم إجبارهم في الدخول في الشركة.

هل تعتقد أن إعادة الإعمار في سوريا ستكون في نهاية المطاف ممارسة عقابية وعنيفة أكثر مما كانت عليه في بيروت؟

لأكون صادقاً، أحاول أن أكون حذرا حتى باستخدام مصطلح إعادة الإعمار. لأنني لا أعتقد أننا أمام عملية إعادة إعمار حقيقة في سوريا. و أنا أتساءل أيضا عما إذا كنا شهدنا حتى عملية إعادة إعمار حقيقية في لبنان. الآن أرى كثيراً من الفشل الحضري الكامل وهذا ما نشهده في لبنان اليوم – سواء كان ذلك أزمة القمامة، أو أزمة الكهرباء، أو المياه، أو الحصول على الخدمات الأساسية مثل الغاز وما إلى ذلك، وهذا بالطبع ما نراه في سوريا الآن، متجذرة إلى حد كبير في حقيقة أن الحرب استمرت من خلال وسائل أخرى.

أرى أن الكثير من ذلك يحدث في سوريا، ومن الواضح أنه أسوأ بكثير، وسوف تستمر هذه الأنواع من القضايا والمشاكل.

ومن الواضح جداً أن العديد من هذه المشاريع لن تعزز التماسك الاجتماعي، أو تمنح السكن الأفضل للشعب السوري، بل أنها ستكون استمراراً لأزمة في الخدمات الحضرية الأساسية – الكهرباء والإسكان والطرق – وبصورة أساسية ستكون سببا لعدم قدرة الغالبية العظمى من السوريين أن يعيشوا حياة كريمة وإنسانية.

الحرب ضد الشعب السوري لم تنته بعد.

 

ترجمة بتول حجار

شارك هذا المقال