7 دقائق قراءة

إلغاء الجولة التاسعة لـ”اللجنة الدستورية” ينبئ بمسار روسي تركي جديد

يجب الأخذ بعين الاعتبار أن موسكو وأنقرة هما من أوجد مسار اللجنة الدستورية عبر أستانة، وهذا يعني أن خيار إغلاق اللجنة مرتبط بتوافقهما على إيجاد مسار جديد


22 يوليو 2022

باريس- بعد إعلان المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، في 16 تموز/ يوليو الحالي، أن انعقاد الجولة التاسعة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية، التي كان مزمعاً في الفترة بين 25 و29 من هذا الشهر “لم يعد ممكناً”، يبدو أن اللجنة الدستورية التي لم تحقق تقدماً ملمومساً في جولاتها السابقة وصلت إلى طريق مسدود.  

جاء إلغاء الجولة التاسعة بعد اشتراط وفد النظام السوري إلى اللجنة الدستورية تغيير مكان انعقاد الاجتماعات بعيداً عن مدينة جنيف السويسرية، وأن الوفد الذي يمثل دمشق “سيكون مستعداً للمشاركة في الدورة التاسعة فقط عندما تتم تلبية ما وصفه بالطلبات المقدمة من الاتحاد الروسي”، كما أوضح الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن وفد المعارضة السورية هادي البحرة.

وكان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، كشف في منتصف حزيران/ يونيو الماضي أن بلاده اقترحت نقل مقر اجتماع اللجنة الدستورية السورية من جنيف إلى أبو ظبي أو مسقط أو الجزائر أو نور سلطان (أستانة)، كون هذه العواصم الأربع أكثر حيادية من جنيف، وأن “استمرار العمل في جنيف بالنسبة لروسيا أصبح صعباً، بسبب الموقف غير الودّي والعدائي لسويسرا تجاه روسيا”، وفق قوله.

السجال حول المكان

في 30 كانون الثاني/ يناير 2018، أوجدت موسكو مساراً سياسياً جديداً استناداً إلى مباحثات أستانة، عرف بـ”مؤتمر سوتشي”، أو “مؤتمر الشعوب السورية” أو “الحوار الوطني”، دعت إليه وجهاء المجتمع السوري من أبناء العائلات السورية العريقة وممثلي الطوائف والأعراق والقوميات المختلفة، وممثلي النظام والمعارضة السورية، كما زعمت آنذاك.

وفي ختام المؤتمر اتفق المشاركون على 12 بنداً بهدف الوصول إلى تسوية سياسية لـ”الأزمة السورية”، أحدها تشكيل لجنة دستورية من طرفي الصراع (النظام والمعارضة) للإصلاح الدستوري، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، الصادر في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015، ويدعو إلى وقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية في سوريا.

وبعد أشهر من الخلافات والمباحثات حول آلية تشكيل “اللجنة الدستورية”، برعاية موسكو والمبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 23 أيلول/ سبتمبر 2019، عن اتفاق الأطراف السورية على تشكيل لجنة لإعداد الدستور.

طيلة السنوات الثلاث الماضية كان الخلاف بين أطراف اللجنة الدستورية والضامنين لها سمة بارزة، لدرجة أن نتائجها في تلك الفترة كانت صفرية، واليوم مع الاتهامات الروسية بعدم حيادية سويسرا عاد السجال السياسي والإعلامي بين أطراف اللجنة من السوريين.

ورداً على الاتهامات الروسية، قال نائب المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، في مؤتمر صحفي بمقر المنظمة في نيويورك “إننا نعيد التأكيد على حيادية سويسرا كمنبر للكثير من العمل الذي تقوم به الأمم المتحدة”، مشيراً إلى أنه “في المرحلة الحالية ليس لدي أي منصة أخرى [بديلة عن جنيف] أعلن عنها”.

من جانبه، استنكر الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن وفد المعارضة، هادي البحرة، في بيان صحفي عقب الإعلان عن الجولة التاسعة، ما وصفه “تعطيل أعمال” اللجنة الدستورية، مشدداً على أنه “لا يمكن القبول بتعطيل أعمالها لأي سبب كان، لا سيما خدمة لتحقيق مطالب طرف أجنبي”.

وطالب البحرة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا “بصفته كميسّر لأعمال اللجنة، وضمن إطار تفويضه وفق قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ (٢٠١٥) بضرورة تقديم تقرير متكامل إلى مجلس الأمن عن أعمال اللجنة الدستورية منذ تأسيسها وإلى الآن، وتحديد المعوقات التي تواجهها”.

وشدد البحرة على ضرورة إلزام الأطراف كافة بجدول زمني منتظم لانعقاد اجتماعات اللجنة بشكل دوري في جنيف، بحيث “يكون الفاصل بين كل دورة اجتماعات والدورة التي تليها أسبوع واحد”، مما يتيح لها إنجاز مهمتها بموجب تفويض قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤، الذي نص من بين بنوده على “جدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد”، من دون أن يحمل بيانه رداً رسمياً واضحاً عن موقف المعارضة السورية من المطالب الروسية. 

حاولت “سوريا على طول” الحصول على تصريح رسمي من هادي البحرة وبدر جاموس، رئيس هيئة التفاوض السورية، إلا أنها لم تتلق رداً حتى لحظة نشر هذا التقرير.

وفي ذلك، قال أحمد العسراوي، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، وعضو الهيئة المصغرة للجنة الدستورية من هيئة التفاوض السورية، أن “المعارضة السورية ممثلة بهيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية لا ترفض المقترح الروسي”، مشيراً لـ”سوريا على طول” أنها “تعمل على ترشيده للاستفادة من كل نقطة يمكن أن تدفع بالعملية السياسية للأمام، فالغاية الأساسية هي التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل والانتقال السياسي”.

واعتبر العسراوي أن المشكلة ليست في مكان انعقاد جولات اللجنة الدستورية، إذ “يمكن اختيار موقع آخر ضمن المواقع الرسمية للأمم المتحدة غير جنيف”، لكن قبل ذلك يجب “إعادة النظر بالتفويض الممنوح للمبعوث الدولي لإعطائه الصلاحيات التي تمكنه من التدخل عند اللزوم”، معتبراً أن تسمية بيدرسون على أنه “ميسر لأعمال اللجنة وليس وسيطاً يعدّ ثغرة، لأن ذلك يعني أنه يتابع ولا يدير”.

وشدد عسراوي على ضرورة “إعادة النظر بالقواعد الإجرائية لعمل اللجنة الدستورية لتتمكن من إنجاز مهمتها بأسرع ما يمكن”، على أن يتزامن ذلك مع “فتح بقية المسارات الأخرى للعملية السياسية التفاوضية”، وعلى رأسها “هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات، التي تضمن توفير البيئة الآمنة والمحايدة للاستفادة من مخرجات المحاور الأخرى بما فيها العملية الدستورية، ومن ضمنها اللجنة الدستورية، كمفتاح للعملية السياسية وليست بديلاً عنها”. 

انتهاء اللجنة الدستورية؟

لم تلمّح موسكو في تصريحاتها الرسمية إلى رفض إشراف الأمم المتحدة على العملية السياسية في سوريا، لكن مطالبهم بـ”مكان آخر أكثر حيادية قد يتحول إلى رفض غطاء الأمم المتحدة في ظل المتغيرات العسكرية والسياسية الدولية”، كما قال من مكان إقامته في دمشق، أنس جودة، رئيس حركة البناء الوطني، وهي حركة مدينة اجتماعية.

ولا يستبعد جودة أن تطلب موسكو مساراً جديداً بعيداً عن الأمم المتحدة، معتبراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “هذا الطرح لم يكن بعيداً عن قمة طهران، وهو يعبر عن النفس الروسي والإيراني والتركي”، وهم رعاة مسار أستانة الذي أفضى إلى تشكيل لجنة دستورية، وقد اجتمعوا في طهران، في 19 تموز/ يوليو الحالي، لمناقشة عدد من الملفات، منها الملف السوري، حيث أكدوا في بيان قمة طهران الختامي، أو ما أطلق عليها “قمة أستانة”، على التزامهم بسيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها.

يسهم في ذلك “حصول الأتراك على مكاسب جديدة من الجانب الروسي، وبذلك قد يقبلون بالطرح الروسي الحالي أو أي طرح جديد مستقبلاً”، وفق جودة، وبذلك “ستجد المعارضة نفسها في مكان سيء، لا سيما في حال ضغط الأتراك عليهم للموافقة”.

وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار أن موسكو وأنقرة هما من أوجد مسار اللجنة الدستورية عبر أستانة، “وهذا يعني أن خيار إغلاق اللجنة الدستورية مرتبط بتوافقهما على إيجاد مسار جديد”، بحسب جودة، الذي أشار إلى “وجود مؤشرات على ذلك”، مستشهداً على ذلك بـ”ما جاء في تصريحات أردوغان الأخيرة عندما قال: ننتظر أن تبدأ الحكومة السورية بالحل السياسي، وهي جملة غير مسبوقة”.

في المقابل، رغم أن جنيف مكان انعقاد فقط، إلا أن “بيدرسون لا يستطيع الاستجابة للروس” في نقل أعمال اللجنة الدستورية، لا سيما أن موسكو تسعى إلى “الإثبات بأن القضية الروسية بيدهم، ويحاولون إزاحة مظلة الأمم المتحدة عن العملية السياسية وحصرها بروسيا”، كما أوضح الدكتور يحيى العريضي، المتحدث السابق باسم هيئة التفاوض السورية (المعارضة)، وهذا من شأنه “إنهاء دور المبعوث الأممي، كونه مبعوثاً أممياً وليس روسياً”.

كذلك، يستبعد جودة الاستجابة لمطلب روسيا “كونه سيقابل برفض أمريكي”، لكن ذلك من شأنه أن يفضي إلى انتهاء اللجنة لأن موسكو التي رفعت سقف مطالبها “لن تتنازل كونها غير مضطرة للتنازل”، وفقاً لجودة، مشدداً على أن “اللجنة الدستورية ليست مسار حل، وإنما هي مسار للنقاش وتقريب وجهات النظر بين الأطراف السورية”.

من جانبه، اعتبر عامر محمد، مدير أبحاث في شركة انتيغريتي غلوبال للأبحاث والاستشارات في لندن، أنه “من المبكر الحديث عن إغلاق مسار اللجنة الدستورية، خاصة أن المطالب الروسية تأتي من باب المناكفة مع الغرب، ويمكن التعامل معها من قبل الدول الضامنة لمسار أستانة التي تحظى بتأثير على جميع الوفود”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

ورجّح محمد استمرار مسار اللجنة الدستورية، لأنها “تعكس رغبة روسيا وإيران في إيجاد إطار لتقديم تسوية سياسية تمكنهم من حصاد ما أنفقتاه في سوريا”، وبالتالي فإن “استمرار هذه الدوافع يعزز الحرص على عدم إنهاء عمل اللجنة”، ناهيك عن مشاركة النظام في اللجنة الدستورية “حتى إن كانت من دون نية جادة لإنجاحها تحقق غاية النظام في إيهام الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بسلوك سياسي إيجابي يجنبه العقوبات”.

وبالتالي، فإن إنهاء عمل اللجنة الدستورية بشكل كامل “بفعل موقف النظام والروس سيفضي إلى ردة فعل للغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، تجاه تعنت النظام”، وفقاً لمحمد، ما قد يؤدي إلى “تصعيد العقوبات على النظام في حال أرادت واشنطن”.

ما هي أوراق المعارضة؟

مع أن المعارضة طرف أساسي في اجتماعات اللجنة الدستورية إلا أنها “لا تملك قرارها بشكل مستقل كما هو حال النظام”، وفقاً لعامر محمد، ولو كان قرار المعارضة بيدها “لكان من بين خياراتها رداً على ما حصل، محاولة استغلال عرقلة النظام لعمل اللجنة بالتصعيد سياسياً ضده”.

الأكثر من ذلك، استقلالية المعارضة يعني أنه “يمكنها مطالبة بيدرسون بتحميل النظام المسؤولية علناً في تقرير مجلس الأمن، واللجوء إلى المجلس والجمعية العامة”، لتحويل التركيز الدولي من عمل اللجنة الدستورية “الفاشل”، كما يصفه محمد، إلى “محاسبة النظام وممارسة ضغوط جدية عليه للحصول على تنازلات حقيقية”.

لكن تصعيد المعارضة بهذا الشكل مستبعداً، بحسب محمد، إذ يتوقع أن “يتماهى موقف المعارضة مع ما سيتم اقتراحه من تركيا أو ما تتوصل إليه أنقرة مع موسكو وبيدرسون”.

وأضاف محمد: “من المتوقع أن ينتظر بيدرسون من تركيا، التي ترعى إلى حد كبير وفد المعارضة، أن تقدم مقترحاً موازياً للمقترحات الروسية بخصوص مكان الاجتماعات”، مشيراً إلى أن تصريحات الرئيس التركي بعد قمة طهران “توحي بهذا التوجه، مع عزم تركيا الدفع باتجاه استئناف عمل اللجنة”

يتفق جودة مع أن “المعارضة السورية لا تمتلك خياراً سوى رفض قبول المقترح الروسي”، لكن مع وجود مصالح مشتركة بين أنقرة وموسكو، وغياب التناقض بينهما قد لا يمكن للمعارضة استخدام هذا الخيار، من وجهة نظره.

لذلك، على المعارضة أن “تعود إلى توحيد مواقفها وجهودها، التي تركز على التغيير الوطني الديمقراطي، وإعادة تفعيل هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، باعتبارها الممثل المعترف به دولياً”، وفق أحمد عسراوي، مشدداً على ضرورة “الالتفات حولها وترشيد دورها وموقفها، وعدم السماح بتمرير محاولات البعض الرامية إلى التغول على رؤيتها وقرارها”.

بدوره، اعتبر الدكتور يحيى العريضي أن “المعارضة لم تكن بحاجة لهذه الصفعة من روسيا لاتخاذ قرار بعدم المشاركة بجلسات اللجنة العبثية في مسار لم يتقدم”، مشيراً إلى أن نتائج اجتماعات اللجنة “ليست صفراً فحسب، وإنما صارت جزءاً من مخطط جهنمي خبيث لإعادة تأهيل النظام عبر إطار مبادرة خطوة بخطوة”.

وكان يجب على المعارضة أن تقول “لن نتحرك من دون جدول زمني ينهي المطلوب من اللجنة بمدة لا تزيد عن 3 أشهر”، بحسب العريضي، لافتاً إلى أن “دستور 2012 لم يستغرق إعداده أكثر من 45 يوماً”.

لذلك، يتعين على المعارضة اليوم “فتح المسارات الموجودة في القرار الدولي 2254 ووقف العمل بمبدأ خطوة بخطوة”، بحسب العريضي، الذي اعتبر أن المعارضة تمتلك أوراق أخرى، أهمها: “الالتصاق بالسوريين والتعبير عن حقهم بالشكل الصحيح”.

شارك هذا المقال