6 دقائق قراءة

إلى غويانا الفرنسية: رحلة غير متوقعة لثلاثة لاجئين سوريين 

رغم رفض طلب اللجوء الخاص به، ما يزال أحمد يشعر أن الحظ حليفه. "لم أكن أتخيل أن أخرج من لبنان"


23 ديسمبر 2020

بيروت- أسفر بحث على الانترنت انتهى إلى عرض نتيجة هي “غويانا الفرنسية” عن تغيير مصير كل من علاء الطويل، وأحمد الياسين، ومحمود الذي طلب تغيير اسمه لدواعي أمنية. إذ سافر هؤلاء السوريون الثلاثة، أسوة بمئات اللاجئين السوريين، إلى أميركا اللاتينية، ليعبروا منها إلى غويانا الفرنسية؛ الإقليم الصغير الواقع ما وراء البحار الفرنسية والمحاذي للبرازيل، في محاولة للوصول إلى أوروبا. 

لجأ معظم السوريين الذين فروا من بلدهم منذ العام 2011، والمقدر عددهم بـ5.6 مليون نسمة، إلى بلدان الجوار، لاسيما لبنان وتركيا والأردن. كما خاطر البعض بحياتهم وعبروا البحر الأبيض المتوسط الذي غرق فيه 265 شخصاً في العام 2020 وحده. وفيما أُعيد توطين أكثر من 220,000 سوري في أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، سلك قرابة 600 سوري طريقاً غير مباشرة إلى أوروبا: عبر غويانا الفرنسية. 

خلال الفترة بين 2016 و2018، كان هناك حوالي ستين طلب لجوء سنوياً من سوريين في هذا الإقليم الأمازوني. فيما بعد، ارتفع عدد الطلبات إلى 258 في العام 2019، و150 في كانون الثاني/يناير 2020. وكان معظم طالبي اللجوء يصلون عبر البرازيل التي تقدم تأشيرات إنسانية للسوريين. وبحسب ماتياس جيرود، رئيس جميعة لاسيماد التي تقدم الدعم القانوني لطالبي اللجوء في غويانا الفرنسية، فإن هكذا رحلة إلى الإقليم تنطوي على كثير من محطات التوقف، لاسيما في البرازيل. موضحاً لـ”سوريا على طول”، أن البعض قد يمضي أشهراً عديدة أو سنوات للوصول، وبعضهم يعمل في البرازيل للتمكن من تأمين التكاليف. 

وكما لاحظ جيرود، فإن السوريين الذين وصلوا في العامين 2016 و2017 أتوا من دمشق مباشرةً، وكانوا من ذوي الدخل المرتفع. أما مؤخراً، فوصل العديد من السوريين واللاجئين الفلسطينين في سوريا عبر لبنان، ينتمون “للطبقة الدنيا”. ولا تعد تكلفة الرحلة عبر المحيط الأطلسي بمتناول معظم اللاجئين السوريين؛ حيث بلغت التكلفة بالنسبة لأحمد 900 دولار، مقارنة بـ2,500 دولار في حالة علاء.

أعداد طلبات اللجوء المقدمة في غويانا الفرنسية (2016-2020)

المصدر: إدارة الهجرة والجنسية في غويانا الفرنسية، سوريا على طول.

وكان انخفض عدد الوافدين بعد إغلاق الحدود ضمن إجراءات احتواء وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وقد “طالبنا السلطات”، كما أوضح جيرود، “السماح لطالبي اللجوء بدخول الإقليم ضمن إجراءات صحية معينة. لكن طلبنا قوبل بالرفض”. فيما حاول البعض الوصول بقارب في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، لكنه غرق، وفُقد العديد ممن كانوا على متنه في المحيط الأطلسي.

خريطة تظهر موقع غويانا الفرنسية على الساحل الشمالي لأميركا الجنوبية على المحيط الأطلسي (ويكيميديا)

ثلاث رحلات بمحض الصدفة

كانت عائلة أحمد قد تفرقت إثر القصف على بلدتهم في ريف حلب الشمالي العام 2013. إذ لجأ والداه إلى بلدة مجاورة لمدينة عفرين، فيما توجه أحد إخوته إلى ألمانيا، وآخر إلى هولندا. أما أحمد، الذي كان حينها في الثامنة عشرة من عمره، فلجأ إلى لبنان ليتفادى الخدمة العسكرية الإلزامية. لكنه واجه ظروفاً صعبة هناك. إذ “ليس هناك عمل؛ فكنت حبيس المنزل”، كما قال لـ”سوريا على طول”. 

لاحقاً قرأ أحمد على الانترنت عن غويانا الفرنسية. واستطاع الحصول على تأشيرة إنسانية إلى البرازيل التي سافر إليها في كانون الثاني/يناير الماضي. وفور وصوله، توجه مباشرةً إلى حدود سانت جورج ومنها دخل إلى غويانا الفرنسية.

أما علاء، فبعد أن أتم دراسته الجامعية في العام 2017، علم أن تجنيده بات وشيكاً. “لم أرد أن أخدم في الجيش؛ ولا المشاركة في ارتكاب المجازر”، كما قال المهندس المدني ذو الثلاثين عاماً والقادم من مدينة شهبا في محافظة السويداء جنوب سوريا. لذلك، سافر إلى فنزويلا عبر لبنان في آذار/مارس 2018، حيث له أقارب هناك، كما أوضح لـ”سوريا على طول”. لكن سرعان ما دخلت فنزويلا في أزمة، فأخذ يبحث عن طريقة للوصول إلى أوروبا إلى أن قاده بحثه إلى غويانا الفرنسية. وفي تموز/يونيو 2019، سافر إلى البرازيل ومنها إلى غويانا.

محمود المتحدر أيضاً من مدينة السويداء، كان قد عاد إلى مدينته في العام 2017، بعد عقدٍ من العمل في أكثر من دولة خليجية. وقد تزوج ورزق بطفل. كما كان دفع في العام 2011 مبلغ 5,000 دولار بدل خدمة عسكرية. لكن في أيار/مايو 2019، اعتدى عليه مسلحون في الطريق وأصابوه بجروح وسرقوا شاحنته. “قلت في نفسي، ما عدت أريد أن أعيش في سوريا”، كما روى محمود، البالغ 35عاماً لـ”سوريا على طول”. وقد حاول الانتقال إلى العراق، لكن الأخير كان يشتعل بالتظاهرات. ثم في كانون الثاني/ يناير 2020، بعث صديق للعائلة دعوة له وعائلته للسفر إلى البرازيل، وهنالك، سمعوا عن غويانا الفرنسية وتوجهوا إليها. 

العثور على السكينة

علاء يقف في متحف في غويانا الفرنسية، تشرين الأول/أكتوبر 2019 (علاء الطويل)

في غويانا، أحس السوريون الثلاثة بالترحاب في غويانا. “استقبلونا بأفضل مما يمكنني أن أتخيل؛ شعرنا أننا بين أفراد عائلتنا”، بحسب علاء. وأضاف محمود: “كانوا إنسانيين جداً، وساعدونا كثيراً حينما وصلنا. شعرت بالاحترام بينهم”. 

ويحفل تاريخ غويانا بالهجرات؛ إذ إن 60% من مواطنيها من أصول أجنبية، وفقاً لجيرود، ما أسهم في “إنشاء شبكة تضامن” مع الواصلين الجدد. إذ ساعد المتطوعون طالبي اللجوء في إنجاز إجراءات اللجوء أو بإعطائهم دروساً في اللغة الفرنسية. مع ذلك يظل محرك جزء من سكان الإقليم هو “الوطنية، والحمائية وأحياناً العنصرية”، كما حذر جيرود.

وقد قام الصليب الأحمر بتأمين سكن لعلاء ومحمود عقب أيام من وصولهم، فيما أقام أحمد لثلاثة أشهر في خيمة بمخيم “ديز أمنديي” (Des Amandiers)، إلى أن وفرّ له الصليب الأحمر أيضاً، في أذار/ مارس، مع تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، مأوى في مهجع مسبق الصنع (هنغار) يضم أربعين طالب لجوء آخر. 

مهجع مسبق الصنع (هنغار) في العاصمة كايين، يحمل اسم “النسيج (La Fabrique)، والذي يقيم فيه أحمد حالياً مع أربعين طالب لجوء آخر، تشرين الثاني/نوفمبر 2020 (أحمد الياسين)

وفيما تبلغ نسبة طالبي اللجوء الذين تُقدم لهم فرنسا مأوى على أراضيها (في القارة الأوروبية) 47%، تتراوح النسبة في غويانا الفرنسية بين 5 و10%، بحسب جيرود. مشيراً إلى أن “الحدود مغلقة حالياً، ومع ذلك هناك 150 طالب لجوء في الشوارع. فحينما يُعاد فتح الحدود، سيكون الوضع بائساً”. وكانت سلطات غويانا أعلنت تخفيض أماكن الإيواء البالغ عددها حالياً 420. وهو القرار الذي وصفه جيرود بـ”اللامنطقي”. 

من ناحية أخرى، يحق لطالبي اللجوء الحصول على مساعدة مالية شهرية من المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج، تختلف قيمتها باختلاف حجم الأسرة ووضع المأوى. هكذا، فيما يتلقى علاء 110 يورو، يحصل أحمد على 250 يورو، ومحمود وزوجته وابنتهما البالغة من العمر عاما واحداً على 330 يورو. علماًَ أن الراتب الأساسي في كايين يقدر بحوالي 1,200 يورو. وبشكل عام، يتلقى اللاجئون في غويانا مساعدة مالية أقل مما يتلقاه طالبو اللجوء في فرنسا، بحسب جيرود.

أيضاً، تقدم فرنسا نوعين من الحماية: لجوء لعشر سنوات أو حماية ثانوية تعادل إقامة مدتها بين سنة وأربع سنوات. وقد حصل علاء ومحمود على اللجوء، في حين رُفض طلب اللجوء الخاص بأحمد. “اعتقدوا أنني أكذب”، قال أحمد، “إلى الآن لا أفهم ما حدث”. وهو الآن بانتظار نتيجة الاستئناف الذي قدمه للمحكمة الوطنية. وكما أوضح جيرود، فقد “شهدنا تغييراً عمّا كان سابقاً. إذ يُرفض طلب الكثيرين في المرة الأولى، ويُضطرون للاستئناف. كما يُمنح العديد الحماية الثانوية بدلاً عن اللجوء”.

تصورات الحياة الجديدة

في آذار/مارس 2020، وصل علاء إلى مدينة تولوز، جنوب غرب فرنسا. وبعد يوم واحد، تم فرض الحظر الخاص بتفشي وباء فيروس كورونا المستجد. إلا أنه تمكن من تأمين سكن من خلال جمعية. وفيما يعمل في الدهان أحياناً، فإنه يتطلع لمواصلة دراسة الهندسة المدنية في فرنسا. “أنا واثق من أنه يمكنني العيش هنا والاستقرار كفرد منتج يستطيع أن يترك بصمة في المجتمع”، كما قال.

أما محمود، فسافر إلى مدينة متز شمال شرق فرنسا في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. واصفاً حالته بأنه “سعيد، لأنني أشعر بالأمل على الأقل”. وهو يعتزم تعلم اللغة الفرنسية والعمل سائق تكسي في فرنسا. “كل أحلامي الآن تكمن هنا؛ الآن لديّ حياة جديدة”، كما قال.

ورغم صدمة أحمد برفض طلب اللجوء الخاص به، فإنه ما يزال يشعر أن الحظ حليفه. “لم أكن أتخيل أن أخرج من لبنان”، كما قال، “ظننت أن لا خيار أمامي سوى العودة إلى سوريا، وكنت سأقع بمأزق كبير حينها”. حالياً، يعتزم تعلم اللغة الفرنسية، وبات يألف بيئة الأمازون حد تفكيره في البقاء في غويانا وعدم الذهاب إلى فرنسا. “ربما أقيم هنا. فهذا المكان ساحرٌ. إنه حلم”.

تم نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.

شارك هذا المقال