6 دقائق قراءة

اتفاق بين فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام يوقف تقدمها ويمنحها سيطرة إدارية كاملة

مقاتلو الجبهة الوطنية للتحرير يقفون على تلة تطل على المناطق […]


13 يناير 2019

مقاتلو الجبهة الوطنية للتحرير يقفون على تلة تطل على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في ريف حلب الشمالي الغربي في تشرين الأول 2018. تصوير عارف وطن.

توصلت هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة المتنافسة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يشمل المناطق الواقعة شمال غرب سوريا في وقت مبكر من يوم الخميس، الأمر الذي أوقف الهجوم العنيف الذي يشنه الائتلاف الإسلامي المتشدد ويهيئ الأرضية لسيطرته الإدارية الكاملة على المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة.

ونص اتفاق يوم الخميس على “وقف فوري لإطلاق النار” بين هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير، وهي مجموعة من فصائل المعارضة المدعومة من تركيا في الشمال الغربي من “الأراضي المحررة” نسبة إلى بيان نشرته هيئة تحرير الشام على شبكة إباء الأخبارية.

ودعا الاتفاق أيضاً إلى إطلاق سراح المعتقلين وإزالة نقاط التفتيش والحواجز في المنطقة، ومن المقرر أن تتولى هيئة الحكم التابعة لهيئة تحرير الشام مهام الادارة المدنية، بحسب البيان.

وأضاف البيان “بهذا الاتفاق يطوي الشمال المحرر صفحة من الاقتتال الداخلي بغير عودة بإذن الله” دون أن يحدد في أي المناطق سيبدأ تنفيذ وقف إطلاق النار.

وتنافست الجبهة الوطنية للتحرير، التي تشكلت في منتصف عام 2018 كقوة موازية لنفوذ هيئة تحرير الشام في الشمال الغربي، طويلاً مع هيئة تحرير الشام من أجل السيطرة على المناطق المتبقية التابعة للمعارضة في سوريا. ومع ذلك، فإن فصائل المعارضة المدعومة من تركيا تراجعت إلى الخلف بعد أكثر من أسبوع من الخسائر، حيث سيطرت هيئة تحرير الشام على على مساحات شاسعة من أراضيها منذ بداية العام.

وفي غضون أيام، وسّعت هيئة تحرير الشام، التي كانت تسيطر بالفعل على غالبية محافظة إدلب قبل الهجوم الأخير، سيطرتها بمقاومة قليلة تدعو للدهشة، حيث استسلم عدد من المدن وفصائل المعارضة أو أعلنت حيادها بدلاً من محاولة التصدي والقتال.

وبقي السكان المحليون في المناطق التي لا تزال خارج سيطرة هيئة تحرير الشام ينتظرون ماسيحدث بفارغ الصبر، في حين كانت فصائل المعارضة التابعة للجبهة الوطنية للتحرير تتحضر لهجوم هيئة تحرير الشام من خلال حشد القوات وبناء حواجز ترابية على حدود المدينة – ومن تلك المناطق معرة النعمان وأريحا وهما مدينتان استراتيجيتان في ريف إدلب الجنوبي.

وقال خالد محمد، أحد السكان المحليين لسوريا على طول ” لقد كان الوضع يوم الخميس في معرة النعمان أفضل بشكل ملحوظ”.

وأضاف أن الطرق قد أعيد فتحها، تماشياً مع شروط اتفاقية هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير .

وصرح أحد ممثلي المكتب الإعلامي للجبهة الوطنية للتحرير لسوريا على طول، يوم الخميس، أن الفصائل التابعة للجبهة الوطنية للتحرير ستبقى في المناطق التي لم تسيطر عليها هيئة تحرير الشام خلال الأحداث الأخيرة، مثل معرة النعمان،  لكنه أكد أن حكومة الأنقاذ السورية التابعة لهيئة تحرير الشام ستتولى الإدارة المدنية في هذه المناطق.

وتوسعت حكومة الأنقاذ السورية، التي شكلت من قبل هيئة من تحرير الشام في أواخر عام 2017، كبديل عن الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من قبل المعارضة في الشمال الغربي، من خلال التقدم العسكري الذي حققته هيئة تحرير الشام وحل المجالس المحلية وتطبيق تعاليمها الصارمة للشريعة الإسلامية على المجتمعات المحلية.

وقال ممثل عن الجبهة الوطنية للتحرير أن “الفصائل في هذه المناطق لديها أسلحتها وستبقى هناك ولكن حكومة الإنقاذ ستدخل” وطلب عدم الكشف عن هويته لأنه لم يسمح له بعد بالتعليق حول تفاصيل الاتفاق.

تهديد وجودي لاتفاقية وقف إطلاق النار بوساطة روسية وتركية

في الوقت الذي تستعد فيه فصائل المعارضة للانتقال إلى بعض مظاهر حكم هيئة تحرير الشام، وضع اتفاق يوم الخميس أيضاً الاتفاقية الدولية المنفصلة بشأن معقل المعارضة الأخير في سوريا – الذي توسطت فيه روسيا وتركيا في الخريف الماضي – في خطر أكبر بعد أشهر من الشكوك وتجاوز المواعيد النهائية.

وعندما خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين من المفاوضات في منتجع سوتشي على البحر الأسود، في ايلول، للإعلان عن اتفاقية وقف إطلاق النار الشاملة، تفائل العديد من فصائل المعارضة والسكان المحليين على حد سواء ولكن بحذر.

ودعا الاتفاق، الذي نُسب إليه الفضل في وقف الهجوم الحكومي الشامل على الشمال الغربي، إلى إنشاء منطقة منزوعة السلاح مساحتها 15 إلى 20 كيلومترًا حول محافظة إدلب، مع وضع جدول زمني لسحب الأسلحة الثقيلة وتشكيلات الجماعات المتشددة من تلك المنطقة في 10 و 15 تشرين الأول على التوالي.

ووقع الكثير من عبء الوفاء بتلك المواعيد النهائية على عاتق تركيا.

قبل إبرام اتفاق يوم الخميس، المعارضون يغلقون  الطرق في معرة النعمان استعدادًا لهجوم متوقع من قبل هيئة تحرير الشام الصورة من مركز معرة الإعلامي.

كما نص اتفاق سوتشي على اعادة فتح طريقين رئيسيين يمران من الأراضي الحكومية عبر مناطق تسيطر عليها المعارضة في إدلب، وهما م4 و م5 ، بحلول نهاية العام.

وبمتد طريق ال م5 من حلب في الشمال إلى الحدود السورية الأردنية في الجنوب، بينما يمر طريق م4 عبر الشمال الغربي، ويصل بين معاقل الحكومة على الساحل السوري ونقاط في الشرق.

ومع ذلك، واجهت اتفاقية سوتشي منذ البداية تحديات وجوديّة محتملة لاستمرارها، من بينها الشكوك في قدرة تركيا على الوفاء بالتزاماتها بموجب هذه الاتفاقية.

وكان وجود الفصائل الإسلامية المتشددة التي هيمنت على معظم الإقليم – بما في ذلك هيئة تحرير الشام وحزب تركمستان الإسلامي وسلسلة من الجماعات الأخرى المرتبطة بالقاعدة – يشكل نقطة خلاف دائمة. وبينما أفادت التقارير بأن الفصائل المرتبطة بالجبهة الوطنية للتحرير أزالت أسلحتها الثقيلة، بما في ذلك عرباتها المدرعة وقاذفات الصواريخ، إلا أن الموعد النهائي لانسحاب الفصائل المتشددة لم يتم الالتزام به.

وفي الأشهر التي تلت ذلك، هدد الاتفاق مراراً وتكراراً فصائل المعارضة في المنطقة العازلة وحولها، فضلاً عن وقوع عنف متبادل بين القوات الموالية للحكومة من جهة ومختلف الفصائل المعارضة والمتشددة من جهة اخرى.

وانقضى الموعد النهائي لإخلاء الطريقين م4 و م5 دون أن يحصل أي تغيير في نهاية العام الماضي.

“معارك على طرق التجارة”

وقال نيكولاس هيراس، الزميل بشؤون الأمن في الشرق الأوسط بمركز الأمن الأمريكي الجديد في واشنطن، إن إعادة فتح الطريقين السريعين م4 و م5 له أهمية كبيرة للحكومة السورية وحلفائها الروس.

وأضاف أن الطريقين يمكنهما أن “يحفزا التجارة”، كما يمكنهما “على المدى الطويل من منظور روسيا، إعادة تمكين الأسد بما فيه الكفاية، بحيث يمكن أن تتدفق مساعدات إعادة الإعمار إلى سوريا وبالتالي تحمل سوريا هذا العبء عن كاهل روسيا”.

ومع ذلك، فإن هذه الطرق نفسها تعتبر مفتاح لهيئة تحرير الشام، فهي تضم أيضاً جميع المعابر التجارية الرئيسية في المقاطعة وتسمح للمجموعة بالتحكم في تدفق السلع والأشخاص من وإلى المنطقة. كما أن تلك الطرق لا غنى عنها للقوات التركية لإيصال إمداداتها إلى عشرات نقاط المراقبة التركية، التي تحيط بالمنطقة الشمالية الغربية الواقعة تحت سيطرة المعارضة.

ووفقاً للسكان المحليين وقادة المعارضة التابعين للجبهة الوطنية للتحرير، فإن هيئة تحرير الشام لم تظهر أي علامة على رغبتها في تسلم السيطرة على الطرق – وبشكل خاص بعد سيطرتها على المدن الكبرى مثل دارة عزة والأتارب في ريف حلب الغربي، وكذلك بعض القرى الصغيرة في منطقة سهل الغاب في الأيام الأخيرة.

وقال أحد قادات الجبهة الوطنية للتحرير في سهل الغاب لسوريا على طول، يوم الأربعاء، أن “ما نراه الآن هو معارك حول طرق التجارة” وذلك قبل الاتفاق مع هيئة تحرير الشام، مضيفاً أن “هيئة تحرير الشام تقاتل من أجل المعابر والطرق الدولية”.

وتحدث القائد بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث مع الصحافة.

وفي الوقت نفسه، ذكر أبو محمد صقور، قائد في فصيل صقور الشام التابع للجبهة الوطنية للتحرير، أنه من خلال التركيز على المواقع الاستراتيجية بما في ذلك الطرق السريعة والمعابر التجارية، تهدف هيئة تحرير الشام إلى “إثبات نفسها كقوة كبرى، وأنها تسيطر على المنطقة”.

وأضاف “أنها تريد أن تقول لكل شخص بأنها يجب أن تكون جزءاً في أي اتفاق للمنطقة”.

هيئة تحرير الشام “تفرض نفسها” على اتفاق سوتشي

وأكد المحلل هيراس، أن هيئة تحرير الشام  تريد إرسال رسالة قوية إلى الأتراك بأنه لا يمكن بيع الهيئة في أي صفقة بين تركيا وروسيا.

و أضاف هيراس “إن إتفاق وقف إطلاق النار الأخير يعني أن هيئة تحرير الشام ستواصل معاركها في إدلب، سواء أحبت تركيا أو روسيا ذلك أم لا”.

وفي حين تسعى المعارضة إلى ترسيخ نفسها كلاعب مهيمن – واللاعب الذي يجب على اللاعبين الدوليين مواجهتهفيالمستقبل- فإن هيئة تحرير الشام تعمل في نفس الوقت على افشال الاتفاق الدائم، وفقاً للمعارضة.

وقال أحد قادة الجيش السوري الحر في ريف إدلب الجنوبي، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته “أن إجراءات هيئة تحرير الشام الحالية – السيطرة على غرب حلب والطريقين السريعين والمعابر – تهدف إلى منع تنفيذ سوتشي”.

كما ادعى قائد صقور الشام في معرة النعمان أن هيئة تحرير الشام “تفرض نفسها بالقوة على الاتفاق”.

وفي هذه الأثناء، قال العديد من قادات المعارضة لسوريا على طول أنهم يخشون من أن اتفاق سوتشي -الذي تم اختباره و تأجيله لعدة أشهر- ربما لم يعد قادراً على منع هجوم القوات الموالية للحكومة بعد التقدم الصاعق لهيئة تحرير الشام في محافظة إدلب.

وذكر أبو محمد صقور، القائد في صقور الشام “لسوء الحظ، فإن تواجد هيئة تحرير الشام يمنح الروس والتحالف والنظام ذريعة لقصف الشمال الغربي بحجة محاربة الإرهاب”.

وختم “هذا سيقود المنطقة نحو مصير دموي”.

 

ترجمة: بتول حجار

 

شارك هذا المقال