5 دقائق قراءة

اختطاف “ثورة الحرية”: معتقلو رأي في سجون هيئة تحرير الشام

عمان- بشعارات مناهضة لهيئة تحرير الشام وقائدها "أبو محمد الجولاني"، هتف متظاهرون، خلال الأيام الماضية، في مناطق متفرقة بمحافظة إدلب، شمال غرب سوريا، تعبيراً عن غضبهم من سياسة الهيئة ورفضهم لها مع تعرض المحافظة لحملة عسكرية شرسة على يد القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها.


4 سبتمبر 2019

عمان- بشعارات مناهضة لهيئة تحرير الشام وقائدها “أبو محمد الجولاني”، هتف متظاهرون، خلال الأيام الماضية، في مناطق متفرقة بمحافظة إدلب، شمال غرب سوريا، تعبيراً عن غضبهم من سياسة الهيئة ورفضهم لها مع تعرض المحافظة لحملة عسكرية شرسة على يد القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها.

فمع سيطرة القوات الحكومية ومليشياتها على ريف حماة الشمالي وأجزاء واسعة من ريف إدلب الجنوبي، شهد الأسبوع الحالي تظاهرات ضد الهيئة في كل من مدينتي سراقب وكللي بريف إدلب الشمالي، توسعت رقعتها لتصل إلى مدينتي معرة النعمان جنوب إدلب وكفرتخاريم في شمالها الغربي.

وفيما أعاد المتظاهرون “تدوير” شعارات كانت قد رُفعت ضد بشار الأسد، من قبيل “جولاني ولاك.. ما بدنا ياك”، “سورية حرة حرة.. جولاني اطلع برا”، استعارت الهيئة، في المقابل، “من النظام السوري أسوأ التصرفات الاستبدادية بإضافة صبغة إسلامية متشددة ولذلك تخرج بهيئة غاية في التشوه”، بحسب وصف مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، لـ”سوريا على طول”.

هيئة تحرير الشام، التي غيّرت اسمها أكثر من مرة؛ جبهة النصرة، فجبهة فتح الشام، ثم هيئة تحرير الشام، كانت قد شاركت في معارك السيطرة على محافظة إدلب في آذار/ مارس 2015. لكنها تمكنت من تعزيز سيطرتها ونفوذها في مناطق واسعة في شمال غربي سوريا، على حساب فصائل المعارضة السورية، في كانون الثاني/يناير الماضي، بعد حملة عسكرية ضد أبرز منافسيها؛ الجبهة الوطنية للتحرير. تبع ذلك فرض هيمنة الهيئة مدنياً عبر إنشاء ما يسمى “حكومة الإنقاذ”، التي تتولى شؤون الحياة المدنية في إدلب، بديلاً من الحكومة السورية المؤقتة المنبثقة عن “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

وفيما تدعي “الهيئة” انتسابها للثورة السورية التي اندلعت قبل ثماني سنوات ضد الاستبداد، إلا أن الواقع يثبت انتهاج “تحرير الشام” سياسة تقييد الحريّات على نحو يقترب من سياسات حكومة دمشق التي ثار الشعب ضدها، وهي سياسة لا تقف عند حد الاعتقال، بل تمتد أيضاً إلى ممارسة التعذيب الذي قد يفضي إلى الموت، بحسب ما وثق حقوقيون، إضافة إلى الضلوع في عمليات الخطف والنفي تحت التهديد.

وتشير أرقام حصلت عليها “سوريا على طول” من الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إلى اعتقال الهيئة نحو 182 شخصاً منذ مطلع العام 2019 وحتى نهاية آب/أغسطس الماضي، بينهم معتقلو رأي وناشطين إعلاميين. فيما كانت الشبكة ذاتها وثقت، كما كشف مديرها فضل عبد الغني، اعتقال “تحرير الشام” 183 و257 شخصاً في العامين 2017 و2018 على التوالي.

هذا الواقع، أوجد شعوراً عند أهالي إدلب بضرورة إطلاق “ثورة أخرى ضد الظلم الذي نعيشه” بحسب ما عبّرت لـ”سوريا على طول” فاطمة، وهي سيدة من مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي. إذ أصبحت تتوجس من إمكانية “سماع خبر اعتقال أي من أولادي في أي لحظة”.

التحريض على الفتنة

إلى جانب الاعتقالات لأسباب جنائية، شنّت هيئة تحرير الشام حملات أمنية ضد من وصفتهم بأنهم أعضاء خلايا لتنظيم الدولة (داعش)، أو النظام السوري، أو الأكراد. إلا أن مصادر قالت لـ”سوريا على طول” إن بعضاً من هذه التهم “ملفق، وبحجج واهية”. كما لا تشفع شهادات الوسط “الثوري” لمنتقدي الهيئة من الاعتقال، بتهم من مثل “التحريض على الفتنة”.

مثال ذلك، الناشط السياسي ياسر الددو، مدرس اللغة الإنجليزية من بلدة كفرعويد في جبل الزاوية، والذي فقد زوجته وأربعة من أبنائه في قصف حكومي على بلدته، ويصفه من حوله بأنه “رجل ثوري”؛ إذ شارك في فعاليات مدنية ضد النظام. لكنه في الوقت ذاته يعدّ من أبرز معارضي سياسة “تحرير الشام” وممارساتها، بحسب ما ذكر أحد أقاربه لـ”سوريا على طول”، ما أدى إلى اعتقاله منذ أربعة أشهر في “سجن العقاب” التابع للهيئة. 

ويطلق أهل إدلب على “سجن العقاب” اسم “صيدنايا إدلب”، في إشارة إلى سجن صيدنايا بريف دمشق، أحد أقسى وأبشع سجون الحكومة السورية، والذي يضم سجناء الرأي إلى جانب سجناء آخرين.

جاء اعتقال الددو على خلفية منشور له على حسابه الشخصي في “فيسبوك”، إذ كتب متهكماً إنه سيبيع سيارته، ليستبدلها بذخيرة وسلاح ويحارب النظام، وذلك بعد مصادرة الهيئة السلاح من فصائل المعارضة كافة. فكان أن وجهت له تهمة “التحريض على الفتنة”. علماً أن هذا لم يكن منشوره الوحيد، كما قال قريبه، إذ “انتقد الهيئة وقائدها الجولاني في أكثر من مناسبة”.

الداخل مفقود والخارج مولود

في آب/ أغسطس الماضي، نعى الناشط محمد السلوم، من مدينة كفرنبل، شقيقه سامر الذي قضى -مع 45 آخرين- بعد عام ونصف العام على اعتقاله في “سجن العقاب”. وقد قتل سامر “تحت التعذيب في النصف الأول من نيسان/ أبريل الماضي، من دون أن يسمح لذويه، بما فيهم أطفاله بزيارته”، بحسب ما قال شقيقه محمد لـ”سوريا على طول”.

وكان سامر ناشطاً في الحراك السلمي، ومسؤولاً عن طباعة وتوزيع مجلة “الغربال” السياسية، ومجلة “زورق” للأطفال، واللتين يعمل فيهما مع شقيقه محمد.

مع انتشار خبر مقتل سامر، سارعت “وكالة إباء الإخبارية” التابعة للهيئة، إلى نشر تسجيل مصور حمل اسم “سامر السلوم بريء أم متورط”، ظهر فيه سامر يقدم اعترافات بالتعامل مع حزب العمال الكردستاني التركي (ب.ك.ك)، وتنسيقه مع لواء الشمال لخطف وقتل مقاتلين من الهيئة، عدا عن تنسيقه مع عمر الرحمون، من لجنة المصالحات التي تعمل تحت كنف حكومة دمشق.

وقد نفى محمد لـ”سوريا على طول” ما جاء في التسجيل على لسان أخيه جملة وتفصيلاً. مشدداً على أن “اعتقال سامر من بيته في كفرنبل، كان على خلفية كتابة منشورات عبر “فيسبوك” تنتقد سياسة هيئة تحرير الشام وتضييقها على الإعلاميين”.

ولم تنف الهيئة مسؤوليتها عن قتل سامر، لكن ذلك تم بشكل مقصود وليس تحت التعذيب، بحسب مدير مكتب العلاقات الإعلامية التابع للهيئة، لـ”سوريا على طول”. في تصريح لـ”سوريا على طول”، قال المسؤول الإعلامي إن سامر مات عبر “تنفيذ حكم القصاص عليه، [لأنه] متورط بالعمالة لصالح عدة جهات. [إضافة إلى] تورطه في خلية اغتيالات وخطف في سهل الغاب لتسليم [الضحايا] للنظام لقاء مبلغ مادي كبير عن كل شخص”.

وفي تعليقه على حادثة السلوم، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن “تصفية المعتقلين في السجون من دون إخبار ذويهم، وعدم السماح بزيارتهم، بالإضافة إلى تنفيذ الأحكام من دون محاكمات علنية للمعتقلين، هو أسلوب يتبعه النظام السوري”.

ولفت إلى “استمرار الهيئة في سياسة القمع ضد المجتمع المدني، كونها تسعى لاغتنام حصتها في إدلب، بفرض نفسها على الأرض”. معتبراً أنها “تعدّ نفسها جزءاً من التسويات السياسية الحالية”، في إشارة إلى المفاوضات السياسية التي تجري تحت سقف “محادثات أستانة” بضمانة روسية- تركية.

الإعلام عدو الهيئة

دعت هيئة تحرير الشام المؤسسات الإعلامية العالمية وصحافييها مراراً لزيارة إدلب، بهدف توثيق جرائم القوات الحكومية بحق المدنيين. لكن بالتوازي مع ذلك، طالت حملات الهيئة الأمنية ناشطين وصحافيين في مناطق نفوذها.

وفي آخر حادثة تُسجل ضد إعلاميين في إدلب، اعتقل المكتب الأمني للهيئة، في 24 آب/أغسطس الماضي، ناشطين اثنين، هما محمد دعبول الذي يعمل مراسلاً لمركز إدلب الإعلامي، وفاتح رسلان الذي عمل مع وكالة “ستيب” الإخبارية سابقاً، من دون أن تُعرف التهم الموجهة إليهما. لكن في حوادث مشابهة، يتم اعتقال الناشطين بتهم “تصوير مناطق عسكرية ممنوع عليهم الاقتراب منها أو تصويرها” بحسب ما قال لـ”سوريا على طول” الناشط الإعلامي معاذ الحلبي.

الحلبي، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لدواع أمنية، كان قد اعتقل مطلع العام الحالي في سجون الهيئة بتهمة تصوير مناطق عسكرية، بعد تصويره معاناة نازحين في أحد المخيمات العشوائية. وقد تم الإفراج عنه بعد قضاء شهرين في السجن، بموجب “تعهد بعدم تكرار ذلك”، بحسب ما قال.

ومنذ إطلاق سراحه تضاءل نشاط الحلبي الإعلامي. إذ صار يمارسه بشكل “خفي، بعيداً عن أي منطقة أشكّ في أنها عسكرية”. كما ضاعف التدابير الاحترازية، من مثل “حذف المحادثات عبر برامج التواصل الاجتماعي، وخاصة التي تتحدث عن انتهاكات الهيئة”.

في مقابل هذه حالة الحلبي، فضّل إعلاميون وناشطون إعلاميون آخرون مغادرة إدلب، بعد رفضهم ذلك طيلة السنوات الماضية، رغم ما حملته من قصف وتدمير. إذ اجتاز علي دندوش الحدود إلى تركيا، عبر مهربين، بعد مداهمة المكتب الأمني لهيئة تحرير الشام منزله في كفرنبل.

وجاءت مداهمة منزل دندوش، الذي عمل مصوراً، وكان عضواً في المكتب الإعلامي لراديو “فرش”، على خلفية اتهامه للهيئة بالمسؤولية عن مقتل رئيس “فرش” رائد الفارس وزميله حمود جنيد، وتحريضه على المظاهرات ضدها، بحسب ما قال لـ”سوريا على طول”.

واغتيل الفارس وجنيد في كفرنبل، بريف إدلب الجنوبي، على يد مجهولين، في تشرين الثاني/نوفمبر 2018. وكان دندوش مرافقاً لهما، لكنه نجا من الموت. 

شارك هذا المقال