6 دقائق قراءة

اضطراب في حركة أسواق الركبان وضعف القدرة الشرائية للنازحين

محل في الركبان يوم الخميس. تصوير عمر الشاوي لسوريا على […]


محل في الركبان يوم الخميس. تصوير عمر الشاوي لسوريا على طول.

 

تشكل المحلات التجارية ذات الجدران الطينية السوق المركزي لمخيم الركبان، وكانت تشهد ازدحاماً من الصباح حتى المساء بالنازحين، الذين يسارعون لشراء الإمدادات الشحيحة من الغذاء والدواء، ولكن اليوم هذا السوق مهجور بشكل كبير.

وقال أبو سمير الحمصي، صاحب بقالة صغيرة في المخيم المعزول، الواقع في الصحراء الجنوبية الشرقية في سوريا  “السوق هو عبارة عن محلات خالية من الزبائن”.

يتوفر في المحلات التجارية بمخيم الركبان كل شيء هذه الأيام، من الفواكه والخضروات الطازجة إلى البقوليات واللحوم المهرّبة من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، لكن السكان لايشترونها، ويبدو أن التسوق توقف لأن سكان المخيم يعانون في سبيل توفير أبسط الضروريات اليومية، على حد قولهم، وأكد الحمصي أن “كل شيء متاح ماعدا المال”.

ومما يثير مخاوف النازحين، إغلاق النظام للطريق المؤدي إلى منطقة الركبان لليوم الخامس على التوالي، مما يثير قلق سكان المخيم حول المدة التي تنفد فيها المواد الموجودة في المخيم.

ويعاني النازحون منذ بدء استقرارهم في الركبان قبل عدة سنوات – حيث هرب كثير منهم من المعارك مع تنظيم الدولة في محافظة حمص – من نقص في الإمدادات، وإغلاق الحدود الأردنية ووجود مقاتلي تنظيم الدولة على بعد كيلومترات في الصحراء، ويعيش نحو 50 ألف نازح في المخيم بعزلة اقتصادية منذ سنوات، يكافحون من أجل الحصول على المواد الأساسية بما في ذلك الأدوية ومواد التنظيف ومستلزمات النظافة الشخصية.

والآن، ومع تراجع تنظيم الدولة وحالة الهدوء النسبي في الصحراء القاحلة التي تسيطر عليها الحكومة والتي تحيط بالركبان، بدأت الإمدادات الغذائية وغيرها من المنتجات تدخل المخيم بعد سنوات من انقطاعها، إلا أن مرورها يتم عبر طريق معقد مليء بنقاط التفتيش والمهربين المنتشرين على طول أكثر من 160 كيلو متراً غرب دمشق، بحسب وصف أصحاب المتاجر، مما يجعل البضائع تصل إلى الركبان بأسعار أعلى بكثير من أي مكان آخر في سوريا.

 

سكان الركبان في السوق المحلية الأسبوع الماضي. تصوير عمر الشاوي لسوريا على طول.

وقال خضر الحصين، أحد سكان المخيم، ويعمل في إدارة نقطة إغاثية صغيرة، لسوريا على طول “سابقاً كان هناك مال ولكن لم يكن هناك منتجات، والآن هناك منتجات ولكن لا يوجد مال”.

وأضاف “يذهب الجائعون إلى السوق وينظرون حولهم، لكن لا يشترون أي شيء”.

الركبان الأرض المحرمة قانونياً وعملياً

بدأ المخيم المؤقت في الركبان بالظهور في عام 2014، عندما فرّ بضعة آلاف من السوريين من شرق البلاد باتجاه الأردن هرباً من تنظيم الدولة، ووجدوا أنفسهم فجأةً عالقين في الصحراء بعد أن أغلقت الحكومة الأردنية حدودها القريبة، ومع استمرار الصراع ازداد تدفق السوريين الفارين من مسقط رأسهم وكبر المخيم غير رسمية ليشكل مدينة كبيرة.

وتقع المنطقة المحرمة قانونياً وعملياً بين سوريا والأردن، وتعرف باسم “الساتر الترابي” وهي جزء من المنطقة المنزوعة السلاح مساحتها 55 كيلومتراً رسمتها روسيا والولايات المتحدة سابقاً، وواجهت المنظمات الانسانية فيها عقبات كبيرة من أجل الوصول إلى المخيم المغلق، وتقتصر المساعدات الدولية إلى حد كبير على المساعدات المتقطعة التي تصل عبر الحدود من الأراضي الأردنية، ووصلت آخر شحنة مساعدات في كانون الثاني من هذا العام، أي منذ تسعة أشهر.

ومع عدم وجود خيارات أخرى، يعتمد سكان المخيم بشكل كبير على شبكات التهريب غير الرسمية المنتشرة عبر مساحات شاسعة من الصحراء، وأدت الاشتباكات الدائرة في الصحراء المحيطة إلى جعل تهريب البضائع من دمشق مهمة خطيرة ومعقدة.

وقال سعيد سيف، المتحدث باسم تجمع الشهيد أحمد العبدو، التابع للجيش السوري الحر، أن “كانت أي سيارة تتنقل في البادية عرضة للاستهداف بالطيران”، وأضاف “ولكن”مع توقف القتال، انتعشت التجارة والتهريب من جديد”.

متجر لبيع الأدوات المنزلية في الركبان الأسبوع الماضي. تصوير عمر الشاوي لسوريا على طول.

والأب النازح أبو حمدان، هو أحد سكان الركبان الذي استفاد من تحسين مسار التهريب، حيث قام في نيسان الماضي بالاعتماد على إنتاج وبيع المثلجات في المخيم من أجل العيش.  

ويحصل أبو حمدان على المحروقات والحليب والبيض والسكر من دمشق مرتين في الشهر، وقال أن البضائع تمرّ عادة عبر العديد من نقاط التفتيش التي تديرها إما القوات الموالية للحكومة أو فصائل محلية تابعة للجيش السوري الحر، وهذه النقاط تطلب “رسومًا” على كل سيارة تمر من خلالها وتختلف الرسوم بحسب نوع الشحنة وكميتها.

وقال أن البضائع عندما تصل إلى الركبان، يرتفع سعرها بنسبة تصل إلى 50 بالمائة، علاوة على ذلك، يضيف أبو حمدان على سعر البضائع بضع مئات من الليرات السورية كهامش ربح، وع ذلك فهو بالكاد يحقق الربح.

وأضاف “في بعض الأحيان نخسر بعض المال على المنتجات، والدخل الذي أجنيه من عملي لا يكفي لأعيش حياة جيدة”، وأضاف “الناس ليس لديهم دخل أو عمل”.

ويقدر أبو حمدان أن النشاط الاقتصادي في المخيم انخفض بشكل كبير منذ العام الماضي، وقال “هذا الركود الذي نعيشه له تأثير كبير عليّ”.

شوارع سوق الركبان الأسبوع الماضي. تصوير عمر الشاوي لسوريا على طول.

ويلقي هو وسكان آخرون باللوم في خسائرهم على ضعف القوة الشرائية لدى سكان المخيم، حتى مع دخول السلع.

ويشرح أبو حمدان “الناس يعتمدون على الأموال التي جلبوها معهم إلى المخيم” لكن بعد سنوات من النزوح، نفدت مدخرات الكثير من السوريين في الركبان.

وقال الحمصي أحد سكان المخيم “ليس للناس دخل أو عمل يساعدهم على شراء السلع” مضيفاً أن “المساعدات أقل مما كانت عليه من قبل”.

كما أن النقص في الأموال الشخصية شمل المقاتلين المحليين أيضاً، وبعد أن خفضت الولايات المتحدة التمويل المخصص للفصائل التابعة للجيش السوري الحر العاملة في صحراء البادية الشرقية العام الماضي، فقد مئات المقاتلين مصدر دخلهم الأساسي، والذي كان يستخدم في كثير من الأحيان لدعم أفراد عائلاتهم في الركبان، وفقاً لما قاله سعيد سيف المتحدث باسم تجمع الشهيد أحمد العبدو.

وقال سيف، كانت الفصائل جزءًا هامًا من الاقتصاد المحلي، حيث كانت تشتري المواد الغذائية والوقود والسلع الأخرى من الركبان، وفي الوقت نفسه كانت توظف سكان المخيمات في وظائف البناء.

وأضاف سيف “جزء من دعم الفصائل كان يتداول وينفق في منطقة[الركبان]”.

تحقيق الغايات

وبينما أكد السكان أن السلع بدأت في الدخول إلى المخيم بشكل أكثر انتظاماً مقارنة بالعام الماضي، إلا أن اقتصاد الركبان لا يزال متقلبًا ويتأثر بالظروف المحيطة.

السوق المحلي في الركبان الأسبوع الماضي. تصوير عمر الشاوي لسوريا على طول.

وفي الوقت نفسه، لا تزال الطرق المؤدية إلى المخيم تمر عبر الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، وبالتالي فإن مرور السيارات يعتمد على موافقة القوات الموالية للحكومة بالسماح لها بعبور نقاط التفتيش التابعة لهم.

ووفقاً لعدد من المقيمين وأصحاب الأعمال داخل الركبان، فإن القوات الموالية للحكومة “أغلقت الطريق” من دمشق بالكامل يوم الخميس الماضي، ولا يزال من غير الواضح كيف قامت القوات الموالية للحكومة بتطبيق الإغلاق.

إن هشاشة الركبان الاقتصادية تشكل ضغطاً آخر على سكان المخيم، الذين يعانون بالفعل من أجل تغطية نفقاتهم بمساعدة خارجية ضئيلة، ومن بينهم عبد الرحمن اسماعيل، البالغ من العمر 42 عاماً، الذي ينفق على زوجته وخمسة أطفال وأمّ وأب مريض من الدخل الضئيل الذي يجنيه من إصلاح الأجهزة الكهربائية.

وقال إسماعيل “ما أكسبه لا يغطي حتى جزءًا من مصاريفي، وإذا تم إغلاق الطريق لمدة أسبوع، فلن يتبقى أي منتجات في الركبان، وسيقوم التجار برفع الأسعار على الفور”.

كما يعاني الحمصي، صاحب متجر، من “ركود” على مستوى المخيم، مما جعل العمل يسير “ببطء” على حد قوله.

وأخيراً، المدنيون هم الذين يتحملون وطأة التدهور الاقتصادي في المخيم، وفقاً لما أقره الحمصي، وقال”إن الأكثر تضرراً من اقتصاد الركبان هم الأشخاص النازحون العاديون”.

 

هذا التقرير هو جزء من تغطية سوريا على طول لأوضاع النازحين في سوريا، بالتعاون مع منظمة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض هناك. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

 

ترجمة: بتول حجار

شارك هذا المقال