7 دقائق قراءة

اغتيالات ما بعد التسوية الجديدة في درعا: استمرار الفوضى وتحقيق لمصالح النظام وإيران

وسط استمرار الاغتيالات في درعا وتلاقي مصالح أطراف ضد أطراف أخرى، يبقى نمط الاغتيالات واحداً، في تأكيد على أن الفاعلين هم أنفسهم، وأن "لا شيء يدعو إلى التفاؤل بأن الاغتيالات ستنتهي


29 ديسمبر 2021

باريس- في وضح النهار، وأمام ساحة مجلس مدينة إنخل في ريف محافظة درعا الشمالي، اغتال مجهولون نائب رئيس المجلس التابع لحكومة دمشق مأمون الجباوي، في 9 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، ما تسبب بمقتله على الفور.

وقعت الحادثة بعد مرور ثلاثة أشهر على تسوية محافظة درعا الجديدة (الثانية)، الموقعة في أيلول/سبتمبر الماضي، بين لجان التفاوض في المحافظة والقوات الحكومية برعاية روسية.

الجباوي، وهو ضابط متقاعد برتبة عقيد، واحد من أصل 95 شخصاً قتلوا في 138 عملية اغتيال منذ توقيع التسوية الجديدة وحتى 26 كانون الأول/ديسمبر الحالي، تاريخ جمع هذه البيانات التي حصل عليها موقع “سوريا على طول” من مكتب توثيق الشهداء في درعا، وهو منظمة حقوقية محلية.

ورغم أن عمليات الاغتيال في جنوب سوريا لم تتوقف منذ توقيع التسوية الأولى في تموز/ يوليو 2018، التي وقعت بين النظام وفصائل المعارضة برعاية روسية، إلا أن تصاعدها في أعقاب توقيع التسوية الثانية وتعميمها على كامل محافظة درعا يشير إلى فشل التسوية بنسختها الأخيرة وعودة المنطقة إلى ما كانت عليه قبلها.

“لا فرق بين التسويتين”

في منتصف آب/ أغسطس الماضي، طرح الوفد الروسي على لجنة التفاوض في مدينة درعا خارطة طريق، تضمنت تشكيل مركز تنسيق مهمته تنظيم المفاوضات بين الأطراف الثلاثة الروس والنظام ولجنة درعا لأجل الوصول إلى حل في درعا البلد والإشراف على خارطة الطريق الروسية ومراقبة تنفيذها.  

وفي 6 أيلول/سبتمبر الماضي، استكملت اللجنة الأمنية التابعة للنظام في درعا، تنفيذ بنود التسوية في درعا البلد، بحضور وفد عسكري وأمني روسي. ليتم تعميمها على كلّ مدن وبلدات حوران التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة قبل صيف 2018، إضافة إلى مدينة إزرع بريف درعا الأوسط، والتي لم تخضع لسيطرة المعارضة.

ولم تحمل بنود الخارطة الروسية الجديدة اختلافات جوهرية عن تسوية 2018، سوى ما يتعلق بتسليم السلاح الفردي لمقاتلي المعارضة سابقاً، أو ما يعرفون بعناصر التسوية، وفق ما ذكر لـ”سوريا على طول” مصدر مقرب من لجنة حوران المركزية، التي تم تشكيلها في شباط/فبراير 2020، وهي لجنة تنضوي تحتها كل لجان التفاوض في درعا، وقد كان النظام سمح في تسوية 2018 احتفاظ عناصر التسوية بسلاحهم.

لكن مما يميّز التسوية الجديدة عن سابقتها أنها “تمنع اعتقال أي شخص إلا إذا صدر بحقه طلب توقيف من القضاء أو ادعاء شخصي”، كما قال لـ”سوريا على طول” مصدر من لجنة تفاوض مدينة درعا، مشيراً إلى أن “هذه التسوية جامعة ومعترف بها من كل أفرع النظام الأمنية، بمعنى أنه لن يكون هناك طلبات لكل فرع على حدة”، على عكس تسوية 2018 التي “تخللها بعض المشاكل من قبيل عدم شطب أسماء المطلوبين الذين أجروا التسويات من كل الأفرع الأمنية”.

لكن المصدر المقرب من لجنة حوران المركزية شكك في نجاح التسوية الجديدة، إذ “لا توجد ثقة بالنظام، لأنه قد يغدر بنا حينما يريد كما فعل في مرات سابقة”.

دفع التسوية بالمال!

اتهمت مصادر عدة اللجنة الأمنية في درعا، ممثلة برئيسها السابق حسام لوقا، فرض إتاوات مالية على عشائر من حوران ولجان التفاوض لأجل استكمال التسوية الثانية.

مصدر في الجبهة الجنوبية سابقاً، وهي المظلة التي انضوت تحتها فصائل المعارضة في جنوب سوريا حتى توقيع التسوية في صيف 2018، قال لـ”سوريا على طول” أن لوقا “فرض دفع الإتاوات مهدداً باقتحام المنطقة”، وأشار المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته إلى أن “بعض لجان التفاوض والعشائر دفعت آلاف الدولارات لحسام لوقا واللجنة الأمنية، لاستكمال التسوية الجديدة التي فرضت عليهم”.

وتأكيداً على ذلك، قال أيمن أبو نقطة، الناطق باسم تجمع أحرار حوران، وهو تجمع إعلامي معارض يرصد أخبار جنوب سوريا، أن “لجنة التفاوض في مدينة نوى دفعت مبلغاً مقداره 100 مليون ليرة سورية [27,933 دولار أميركي بحسب سعر الصرف الحالي في السوق السوداء]، وهي تعادل ثمن 50 قطعة سلاح فردي، إضافة إلى تسليمها 50 قطعة”، لافتاً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “اللجنة الأمنية اشترطت على لجنة التفاوض تسليم 100 قطعة سلاح لإتمام التسوية”.

في المقابل، نفى المصدر المقرب من لجنة حوران المركزية والآخر المفاوض في لجنة مدينة درعا أن تكون عشائر درعا ولجان التفاوض قد دفعت أي أموال للجنة الأمنية وللواء لوقا، وأوضحا أن الأموال التي جمعت كانت بغرض شراء أسلحة خفيفة لاستكمال عدد قطع السلاح التي اشترطتها اللجنة الأمنية.

ووفقاً للمصدر المقرب من لجنة حوران المركزية، فإن “غالبية المدن والبلدات لم تستوفي أعداد قطع السلاح التي طلبها النظام، لذلك تم شراء الأسلحة من التجار بهدف تسليمها للجنة الأمنية ووقف تهديدات الاقتحام”، لافتاً إلى أن “شرط تسليم السلاح يستخدمه النظام منذ أشهر، إذ يشترط تسليم سلاح لقاء الإفراج عن معتقلين ومخطوفين، أو لقاء تسويات، أو حتى خدمات!”.

وكانت اللجنة الأمنية في درعا اشترطت على عشائر حوران ولجان التفاوض أن تسلّم كل مدينة أو بلدة عدداً محدداً من قطع السلاح الخفيف كشرط لإجراء عملية التسوية الجديدة. ففي مدينة طفس اشترط النظام على لجنة التفاوض تسليم 100 بندقية، ومدفع هاون وعدة صواريخ محلية الصنع، فيما اشترط على بلدتي تل شهاب جنوب غرب درعا، وسحم غرب درعا، تسليم 10 بنادق من نوع “كلاشنكوف”، أما اليادودة وتسيل غرب درعا 11 بندقية لكل بلدة، وقد “تم تسليم هذه الأعداد فعلاً”، وفقاً للمصدر المقرب من لجنة حوران المركزية.

“أطراف لن تعيش إلا بالفوضى”

يظهر الرسم البياني انخفاضاً في عمليات الاغتيال وأعداد القتلى خلال فترة التصعيد العسكري في درعا البلد وأثناء عمليات التسوية الجديدة، أي في الفترة بين آب/ أغسطس وأيلول/سبتمبر الماضيين، لكن سرعان ما عاد التصعيد كما كان قبل التسوية.

ورغم أن هدف النظام من التسوية الحدّ من انتشار السلاح في المنطقة إلا أن تجدد عمليات الاغتيالات تؤكد أن “الفوضى الأمنية وانتشار السلاح ما زال مستمراً، وأن النظام بشكل أو بآخر يرعى هذه الفوضى”، كما قال عمر الحريري، عضو مكتب توثيق الشهداء في درعا لـ”سوريا على طول”، مستدلاً على ذلك بأن “غالبية الاغتيالات تستهدف مقاتلي المعارضة السابقين”، لكنها أيضاً “تستهدف مدنيين وأعضاء مجالس محلية”.

ويعدّ استمرار عمليات الاغتيال وتصاعدها رغم التسوية الجديدة أمراً متوقعاً “نظراً لكثرة اللاعبين المستفيدين منها، كالنظام وحزب الله اللبناني، وإيران وميليشياتها، وتجار المخدرات، وعناصر داعش الذين خرجوا من سجون النظام، إلى جانب عمليات التصفية بدوافع الثأر”، وفقاً للمصدر المفاوض من لجنة درعا، وعليه “لا يمكن معرفة الجهة المنفذة للاغتيال إلا بمعرفة خلفية الضحية”.

وكذلك، يسهم الصراع بين الأجهزة الأمنية السورية التي انقسمت في ولائها بين إيران وروسيا بعد تسوية الجنوب في العام 2018 في استمرار عمليات الاغتيالات، إذ تًُرجم هذا الصراع إلى عمليات تصفية بين الأجهزة وتطور في أحيان أخرى إلى مواجهات مباشرة، أو تحريض أحد الأطراف للوجهاء والأهالي ضد الطرف الآخر، كما يحدث في مدينة إنخل شمال درعا، إذ “يحاول الأمن العسكري طرد أمن الدولة من المدينة”، بحسب قيادي عسكري سابق في المدينة.

وأضاف القيادي في حديثه لـ”سوريا على طول”: “تطور الأمر بين الطرفين إلى أن الأمن العسكري طلب من وجهاء المدينة تحريك الشارع للخروج بمظاهرات ضد أمن الدولة”، مقدماً وعوداً بأن “يدخل المدينة ويحسن واقع الخدمات والوضع الأمني، بما في ذلك طرد خلايا إيران”.

وإذ يتفق المفاوض من لجنة درعا مع تصريح القيادي العسكري السابق في الجبهة الجنوبية في “أن النظام يتحمل مسؤولية الفلتان الأمني والاغتيالات، سواء لضلوعه في تنفيذها، أو لكونه مسؤولاً عن ضبط الأمن في المنطقة”، فإنه يشدد على “وجود أطراف لا تريد التهدئة في الجنوب، لأنها لن تعيش إلا بالفوضى، من قبيل: إيران وحزب الله وعناصر داعش، لذلك يسعون إلى استمرار الفوضى في المنطقة”.

الدور الإيراني 

اتهم ثلاثة مصادر في حديثهم لـ”سوريا على طول” إيران والمليشيات المرتبطة بها في الوقوف وراء الاغتيالات في محافظة درعا. هذا الاتهام لا ينفي مسؤولية النظام عن الفلتان الأمني، خاصة وأن “التيار الإيراني المتمثل بالمخابرات الجوية، وفرع المداهمات 215، ومكتب أمن الفرقة الرابعة يقف وراء تنفيذ غالبية الاغتيالات في ريف درعا الغربي”، بحسب المصدر المقرب من لجنة حوران المركزية.

يتفق ذلك مع إحصاءات مكتب توثيق الشهداء في درعا، إذ بحسب عمر الحريري، العضو في المكتب، “لاحظنا أن منطقة ريف درعا الغربي شهدت القسم الأكبر من عمليات الاغتيال بعد التسوية الجديدة”، فيما “تراجعت الاغتيالات في درعا البلد بشكل واضح للغاية مقارنة بالأشهر التي سبقت التسوية الجديدة”. 

وقد وثق مكتب توثيق الشهداء في درعا خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي 48 عملية اغتيال ومحاولة اغتيال وقعت في محافظة درعا، 32 منها وقعت في ريف درعا الغربي، و16 عملية نفذت في ريف درعا الشرقي، فيما لم يوثق المكتب بحسب تقريره أي عملية في مدينة درعا.

ويعود تراجع الاغتيالات في درعا البلد إلى “تراجع وجود الميليشيات الإيرانية والنظام فيها، بموجب التسوية الأخيرة”، وفقاً للمصدر المفاوض في لجنة درعا، إذ يقتصر وجود النظام حالياً على “بعض النقاط الأمنية التي لا تتدخل بأحد، إضافة إلى وجود حاجزين عسكريين على مدخل مدينة درعا الجنوبي والشرقي، ولكنهم لا يوقفون أحد، لأن علاقتهم مع لجنة التفاوض”.

في المقابل، فإن استمرار الاغتيالات في ريف درعا الغربي، يفسر “استمرار محاولات التيار الإيراني التوغل في غرب درعا، وتصفية كل الشخصيات المعارضة لتواجد إيران في المنطقة”، بحسب القيادي العسكري السابق في الجبهة الجنوبية، لافتاً إلى أن إيران تتمسك بالريف الغربي “نظراً لأهميته الجغرافية”، والتي تتمثل في محاذاته للجولان المحتل والحدود الأردنية.

وتتلاقى مصالح إيران مع مصالح النظام، الذي “يعتبر أن التسويات الأخيرة غير كافية، ويسعى إلى بسط قبضته الأمنية على كامل مدن وبلدات حوران”، وفقاً للقيادي العسكري، لذلك “تستغل إيران توجه النظام لأجل تحقيق هدفها في تحويل المنطقة لضاحية جنوبية [على غرار الضاحية الجنوبية في لبنان، التي تقع تحت نفوذ حزب الله] “.

وسط استمرار الاغتيالات في محافظة درعا وتلاقي مصالح أطراف ضد أطراف أخرى، يبقى نمط الاغتيالات واحداً، في تأكيد على أن الفاعلين منذ اليوم الأول هم أنفسهم، وهو ما يعني أن “لا شيء يدعو إلى التفاؤل بأن الاغتيالات ستنتهي قريباً”، بحسب العضو في مكتب توثيق الشهداء في درعا، عمر الحريري، نافياً أن يكون هناك نوايا لوقفها على أقل تقدير.

شارك هذا المقال