5 دقائق قراءة

افتتاح طريقي “M4″ و”M5” الدوليين: التقاء مصالح وغياب استراتيجية التنفيذ

تلتقي مصالح دمشق مع موسكو وأنقرة في استعادة الطرق الدولية، إذ تريد موسكو حصر فصائل المعارضة بعيدا عن الطرق الدولية لبدء عملية إعادة الإعمار، وتركيا معنية بفتح الطرق الدولية لعبور شاحناتها إلى الخليج.


13 يناير 2020

عمان- بما لا يقلّ قسوة عن الحملة العسكرية الشرسة للقوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها على مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، تبدو المدينة الموحشة الآن، من وجهة نظر الشاب محمد العثمان، بعد أن خلت من جميع سكانها، إلا بعض العائدين لتفقد ممتلكاتهم هناك.

على غير عادته، سلك العثمان (30 عاماً) طريقاً فرعياً للوصول إلى المعرة، الأسبوع الماضي، بدلاً من أوتستراد دمشق-حلب الدولي، الذي يعرف أيضاً باسم “M5″، بعد أن صار المرور في هذا الأخير “خطراً جداً”، بحسب ما قال لـ”سوريا على طول”، كونه أصبح تحت مرمى قصف القوات الحكومية نتيجة سيطرتها على مدينة جرجناز الشهر الماضي.

خريطة الطريق

بعد أن كان أوتستراد حلب-دمشق الدولي (M5) الذي يمرّ بأحياء معرة النعمان الشرقية، بمثابة شريان للمدينة الواقعة جنوب إدلب، ويكسبها أهمية جغرافية، فإنه اليوم أحد أهم أسباب استهداف القوات الحكومية للمدينة، سعياً للسيطرة على الطريق الدولي والمدن والبلدات على جانبيه.

ورغم أن محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها في أرياف حماه وحلب واللاذقية، تندرج ضمن “مناطق خفض التصعيد” الثلاث التي أفرزتها مباحثات أستانة في أيار/مايو 2017، برعاية روسية-تركية-إيرانية، فإن حكومة دمشق وحليفتيها روسيا وإيران لم تلتزم ببنود الاتفاق.

كذلك، في أيلول/سبتمبر 2018، توصلت موسكو وأنقرة إلى اتفاق جديد في شمال غرب سوريا، يقضي بإنشاء “منطقة عازلة” منزوعة السلاح بعمق يتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، على طول خطوط التماس بين القوات الحكومية والمعارضة. وتضمن الاتفاق وقفاً لإطلاق النار، وتسيير دوريات روسية-تركية لمراقبة المنطقة، وصولاً إلى استعادة الحركة التجارية على الطريقين الدوليين دمشق- حلب (M5) وحلب- اللاذقية (M4)، وهو ما لم يحصل. إذ منذ شباط/فبراير من ذلك العام توالت الحملات العسكرية لحكومة دمشق وحلفائها على إدلب، تقدمت خلالها إلى مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة، من بينها بلدتي مورك وجرجناز ومدينة وخان شيخون، وأصبحت اليوم على مشارف معرة النعمان من جهة الشرق.

ورغم أن حكومة دمشق تبدو المسؤول عن خرق بنود اتفاق الروسي مع الجانب التركي، إلا أنها لا تملك قرارها العسكري في إدلب، بل “تسير تحت مظلة الروس”، بتعبير نوار شعبان، مدير وحدة المعلومات والشؤون العسكرية في مركز عمران، ومقره اسطنبول. مؤكداً في حديث إلى “سوريا على طول” أن “النظام مسيّر في الجبهتين الجنوبية والشمالية الشرقية لإدلب. [إذ رغم] امتلاكه هامشاً في بعض النقاط، فإنه لا يمكنه اتخاذ قرار سيادي يتعلق بالطريق الدولي”.

واستدلّ شعبان على ذلك بأنه “لو كان النظام يملك قراره لواصل تقدمه إلى معرة النعمان بعد أن سيطر على جرجناز”. لافتاً إلى أنه “بسيطرة [النظام] على جرجناز، رصد بلدة تلمنس ومدينة معرة النعمان نارياً. وعدم تقدمه يؤكد وجود نوع من التوافق الروسي-التركي بخصوص مستقبل المنطقة”.

تلاقي مصالح

اللقاء الذي جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، في اسطنبول في 8 كانون الثاني/يناير الحالي، لافتتاح خط أنابيب “السيل التركي” الناقل للغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، لم يتمخض عن أي جديد معلن، وربما اقتصرت المحادثات المتعلقة بسوريا على “أمن نقاط المراقبة التركية، والتصعيد الأخير في إدلب” بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” أيتون أورهان، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط بأنقرة.

وفيما تبدو مصالح حكومة دمشق واضحة في استعادة الطرق الدولية، فإنها تلتقي في ذلك مع مصالح الحليف الروسي وتركياً أيضاً. إذ تريد موسكو حصر فصائل المعارضة في مناطق صغيرة بعيدة عن الطرق الدولية لبدء عملية إعادة الإعمار، والاستفادة من العقود التي قد يتم توقيعها مع دمشق، لا سيما أن سوريا تعطي أولوية للروس في استثمار تلك الطرق.

أيضاً تسعى روسيا، من خلال السيطرة على الطرق الدولية، إلى “تحقيق تأثير معنوي وسياسي، يوحي بعودة سيطرة النظام على الشرايين الحيوية للاقتصاد والنقل”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” القيادي العسكري في جيش العزة، العقيد مصطفى بكور.

تركيا، بدورها، معنية بفتح الطرق الدولية، إذ يتيح ذلك عبور الشاحنات التركية إلى دول الخليج. عدا عن أن ذلك “يسهل الأعمال الاقتصادية الرئيسة في سوريا، ويولد ربحاً للجميع، ويساعد على إعادة إعمار سوريا”، برأي عمر أوزكيزيليك، الباحث في مؤسسة “سيتا” البحثية المقربة من الحكومة التركية، ومقرها أنقرة، لاسيما وأن تركيا “كانت قبل اندلاع الثورة السورية رابع مصدّر لسوريا، فيما تحتل الصدارة اليوم، بما في ذلك بالنسبة لمناطق النظام السوري”. 

لكن رغم أن الحديث عن فتح طريق دمشق- حلب (M5) الذي يصل إلى مدينة غازي عنتاب التركية مستمر منذ وقت طويل، إلا أنه “لم يحدث شيء بخصوصه حتى الآن، ومن غير المرجح أن يتم ذلك قريباً”، كما قال أوزكيزيليك لـ”سوريا على طول”.

من مورك إلى معرة النعمان

فوق الخلاف على ما إذا كان الخميس أم الأحد الماضيان هما موعد دخول الاتفاق الروسي-التركي الأحدث على وقف إطلاق النار في شمال غرب سوريا حيز النفاذ، فإن دمشق لم تلتزم بـ”الهدنة” الجديدة، بحسب بيان للدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء).

إذ وثّق الدفاع المدني السوري، اليوم الإثنين، استهداف القوات الحكومية 15 منطقة في ريفي إدلب وحماه، بأكثر من 138 قذيفة مدفعية و10 قذائف من راجمات صواريخ.

ويعيد خرق اتفاق “وقف إطلاق النار” الحالي من دمشق إلى الأذهان سيطرة القوات الحكومية على مدينة خان شيخون، الواقعة جنوبي معرة النعمان، على أوتستراد دمشق- حلب الدولي (M5)، في آب/ أغسطس 2019. إذ تم ذلك بعيد انهيار الهدنة التي تم التوصل إليها خلال عقد الجولة الثالثة عشرة من محادثات أستانة قبل ذلك بأيام.

ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، فإن القوات الحكومية والمليشيات التابعة لها تمكنت منذ انهيار وقف إطلاق النار في 5 آب/أغسطس 2019 وحتى 23 من الشهر ذاته من تحقيق تقدمات متسارعة على الأرض، تمثلت بالسيطرة على أكثر من 35 مدينة وبلدة وقرية وتلة في ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي، من بينها بلدة مورك ومدينة خان شيخون، وبذلك وصلت إلى مواقع ونقاط استراتيجية من مثل أوتستراد دمشق-حلب الدولي الذي يمر من مدينة خان شيخون.

موقف المعارضة

تحاول فصائل المعارضة السورية وقف تقدم القوات الحكومية من محور بلدة جرجناز إلى معرة النعمان الخالية من سكانها.

وقال النقيب ناجي مصطفى، الناطق الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير، العاملة في إدلب، لـ”سوريا على طول” إن “عمليات الفصائل العسكرية هدفها تثبيت النقاط وعدم السماح للنظام ومليشياته الطائفية بالتقدم إلى المناطق المحررة”.

ويبدو أن فصائل المعارضة السورية ما تزال تعوّل على موقف الضامن التركي. إذ رأى العقيد بكور أن “الموقف التركي يميل إلى فتح الطرقات مع الاحتفاظ بالسيطرة عليها من الفصائل، لما يحققه ذلك من مصلحة لهم، [على عكس] سيطرة روسيا التي تريد الوصول إلى الطرقات. فالحديث عن الروس يعني وصول النظام، وهذا مرفوض بالنسبة لنا”.

وأشار العقيد بكور إلى أن الحملة العسكرية على إدلب هي “حملة روسية”. واصفاً إياها بأنها “حملة واسعة وليست محدودة، يتم تمريرها على مراحل، وربما تكون المرحلة الحالية هي الطرق الدولية”.

مع ذلك، استبعد العقيد بكور فتح الطرق الدولية وتسيير القوافل التجارية عليها، لأن ذلك من شأنه “الدفع إلى استهداف كل من يسير على هذه الطرق لصالح النظام”. وعليه، فإن الضامنين والحليفين الروسي والتركي، كما يرى الباحث شعبان، يسعيان إلى “التوصل إلى اتفاق [بهذا الصدد] بأقل التكاليف”.

شارك هذا المقال