5 دقائق قراءة

الآلاف يفرون من ريف إدلب الجنوبي بعد تهديدات من قبل الحكومة السورية بشن هجوم وشيك على المحافظة

ارتفاع الدخان قرب بلدة التمانعة في ريف ادلب إثر القصف […]


ارتفاع الدخان قرب بلدة التمانعة في ريف ادلب إثر القصف الحكومي يوم الأربعاء. الصورة من أحد السكان المحليين.

فر خالد العدنان وعشرات من أفراد عائلته من منازلهم أثر استهداف ريف ادلب الجنوبي بوابل من البراميل المتفجرة والصواريخ يوم الجمعة الماضي.

وشقوا طريقهم عبر الأراضي الزراعية التي تجتاح معظم المحافظة الريفية، قبل أن يجدوا ملاذاً آخراً في بلدة مجاورة.

ولكن على ما يبدو لا مفر من القصف الحكومي، حيث كان “الوضع نفسه في كل القرى، جميعها تتعرض للقصف” على حد قول أحد المزارعين.

وكان الخيار الوحيد هو التوغل في الجيب الشمالي الغربي الذي أصبح الآن موطناً لما يقدر بـ 2.5 إلى 3.3 مليون مدنياً، بما فيهم أكثر من مليون نازح من مختلف أنحاء سوريا، وهو المنطقة الوحيدة التي لاتزال تحت سيطرة المعارضة بعد أكثر من سبع سنوات من النزاع.

بحلول الليل وصل العدنان إلى مدينة أرمناز الحدودية حيث يقيم الآن هو وعائلته في منزل للإيجار.

ويقع مسقط رأس العدنان في جنوب إدلب وسط عدد قليل من المستوطنات بالقرب من خطوط المواجهة الأمامية للمعارضة والحكومة في المحافظة، والتي كانت خالية تقريباً من سكانها، هذا الأسبوع، بسبب استمرار الهجوم التابع للحكومة، وفقاً لمجموعة منسقو الإستجابة شمال سوريا التابعة للمعارضة التي تتعقب حركة النزوح في جميع أنحاء شمال سوريا.

وبالرغم من أن المدنيين، الذين قدر عددهم بالآلاف، فروا من التهديد المباشر الذي يتعرضون له بسبب القصف الحكومي، إلا أن الشائعات حول هجوم وشيك لحسم مصير إدلب جعل المدنيين مثل العدنان يخمنون المصير الذي ينتظرهم.

وقال العدنان “عندما غادرنا، نظرنا إلى الوراء، وتساءلنا عما إذا كنا سنعود مرة أخرى أو لا”.

“إدلب هو هدفنا”

استعادت القوات الموالية للحكومة، الشهر الماضي، سيطرتها على كامل جنوب غرب سوريا في هجوم جوي وبري ضخم على محافظتي درعا والقنيطرة، مستهدفةً كلا من المعارضة  وتنظيم الدولة.

ومنذ ذلك الحين، كانت جميع الأنظار متوجهة نحو إدلب تحسباً لما يعتقده العديد من المراقبين أنه هجوماً وشيكاً لاستعادة السيطرة على آخر ما تبقى من الأراضي الواقعة تحت سيطرة المعارضة في سوريا.

وقال الرئيس السوري بشار الأسد لوسائل الإعلام الروسية في أواخر شهر تموز “والآن إدلب هي هدفنا” مع اقتراب نهاية المعركة في الجنوب.

وبعد أيام ألقت مروحيات عسكرية سورية مناشيرا على محافظة إدلب تدعوا فيها المدنيين إلى “الانضمام إلى المصالحة الوطنية كما فعل الكثيرون في سوريا” في إشارة إلى سلسلة من الاتفاقيات التي شهدت تنازل المعارضة عن السيطرة للحكومة، ونقل المقاتلين والمدنيين إلى الشمال الغربي الواقع تحت سيطرة المعارضة في قوافل حافلات الإجلاء.

وجاء في أحد المناشير “إن تعاونك مع الجيش العربي السوري سيُخلصك من حكم المقاتلين والإرهابيين وسيحافظ على حياة أسرتك”.

كما تم تفسير إغلاق معبر قلعة المضيق يوم الأحد الماضي، وهو نقطة تفصل بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والمعارضة جنوب إدلب، على أنها علامة على هجوم وشيك محتمل. وفي غضون ذلك أفادت وسائل الإعلام التابعة للحكومة عن “تعزيزات عسكرية ضخمة [تابعة للحكومة]” متجهة إلى المنطقة نفسها.

وبدأ القصف يوم الجمعة واستمر طوال هذا الأسبوع مستهدفاً عدة مناطق في ريف محافظة إدلب الجنوبي والغربي، فضلاً عن بلدات في محافظة حلب المجاورة حيث أعلنت فصائل المعارضة العديد من القرى كمناطق عسكرية، كما قتل عشرات المدنيين في الهجوم الأخير، وفقاً للأمم المتحدة (UN) وعمال الدفاع المدني المحليون.  

مخيمات النازحين “لا يمكنها استيعاب المزيد”

يمكن أن تؤدي العملية العسكرية الحكومية الشاملة في محافظة إدلب إلى عرقلة الجهود الرامية إلى إيصال المساعدات إلى السكان في المنطقة، حيث تكافح المنظمات الإنسانية بالفعل لتلبية الاحتياجات الضخمة.

وحذر بانوس مومتزيس، منسق الأمم المتحدة الإقليمي للأزمة السورية، في بيان له يوم الثلاثاء من أن العملية العسكرية الشاملة “ستعرّض المدنيين للخطر، وتؤثر بشدة على قدرة العاملين في المجال الإنساني على تقديم المساعدة لإنقاذ حياة السكان”.

وذكر أبو علي، مدير مخيم الميدان الواقع قرب بلدة كفردريان في ريف إدلب، لسوريا على طول يوم الأربعاء، أن أكثر من 100 عائلة نزحوا من الريف الجنوبي هذا الأسبوع.

وأضاف أن المخيم “لا يمكن أن يستوعب المزيد، أكثر العائلات تسكن في العراء ليس لديهم مأوى ولا خيام”.

ولكن بالنسبة للسكان الهاربين من القصف الحالي- أو أولئك الذين قد يفرون في حالة وقوع هجوم أوسع- فإنه لا يوجد سوى عدد محدود من الأماكن المتاحة أمامهم.

وما تزال الحدود التركية إلى الشمال، ومجموعة من المخيمات المزدحمة التي أقيمت في شمال إدلب، مغلقة أمام القادمين الجدد. ويبدو أن تركيا، التي تستضيف فعليا أكثر من ٣,٥ مليون لاجئ سوريمصممة على منع هجوم الحكومة السورية الذي قد يهدد الوضع الراهن.

وكجزء من “اتفاقية خفض التصعيد” التي تم التوصل إليها مع إيران وروسيا العام الماضي، أقامت تركيا ١٢ نقطة مراقبة في إدلب إلى جانب دعمها لمجموعة من فصائل المعارضة التي تسيطر على جزء كبير من محافظة حلب.

ودعا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في أنقرة، يوم الثلاثاء، إلى إيجاد بديل عن هجوم الحكومة الذي قال إنه قد يكون “كارثيا”.

وقال أوغلو “يجب أن نفرق بين المعارضة المعتدلة والإرهابيين. وبما أن هذه الجماعات وكذلك المدنيين غير راضين عن وجود الإرهابيين، فينبغي علينا جميعا أن نكون متعاونين”.

وفي تصريح خاص من أنقرة، سعى لافروف أيضا إلى التمييز بين ما يسمى بـ “الجماعات الإرهابية” والفصائل الأخرى التي تشكل شبكة النفوذ والسيطرة المعقدة في الشمال الغربي.

وقال لافروف “نعرف أن هناك الآلاف من مقاتلي جبهة النصرة نشطون في إدلب”، مشيرا إلى التحالف الإسلامي المتشدد، هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على أجزاء كبيرة من محافظة إدلب، فضلا عن أجزاء من محافظات حلب وحماة المجاورة.

وأضاف “يجب أن يتم فصل الجماعات المسلحة عن الجماعات الإرهابية”، مشيرا إلى أن هذه المجموعات لا يُفترض إدراجها في منطقة خفض التصعيد في إدلب.

وعلى الرغم من تصريحات يوم الثلاثاء، قال قيادي في الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا، في شمال حماة لسوريا على طول، أنه لا يوجد توجيهات رسمية من تركيا تشير إلى أنه سيتم تنفيذ عملية ضد الهيئة، وأن الجيش السوري الحر ما يزال يركز على “سبب انطلاق الثورة”.

وأضاف القيادي إن “أي مواجهة داخل إدلب ستكون خطرا على شمال سوريا بأكمله… نحن نستعد حاليا للمعركة الكبيرة ضد النظام والروس”، وطلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث إلى الصحافة.

وبينما تتم مناقشة مصير إدلب من قبل القوى الدولية والفصائل العسكرية، لا يوجد أمام المدنيين في المحافظة سوى القليل من المؤشرات على ما قد يحدث قريبا.

وقال محمد اليوسف، ناشط إعلامي في منطقة جبل الزاوية في جنوب إدلب، طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية “ليس لدينا أي فكرة عما يحدث. يوم سيحدث هذا ويوم سيحدث ذاك. كل ما نعرفه هو التصريحات”.

وبالرغم من استمرار القصف في المناطق المجاورة، إلا أن يوسف قال إنه لا يخطط للفرار إلى مكان آخر في إدلب في الوقت الحالي.

وقال لسوريا على طول، يوم الخميس “الوضع في المخيمات مأساوي. تذهب وتنام تحت الأشجار مع عائلتك”.

“بالنسبة لي أفضل البقاء في المنزل”.

 

ساهم كل من تامر طلال وبشير البري ومحمد الحوراني في إعداد هذا التقرير.

 

شارك هذا المقال