6 دقائق قراءة

الأزمة الاقتصادية بعد خطاب الكراهية: لبنان ليس خياراً للاجئين السوريين

فيما تنذر الأزمة الاقتصادية في لبنان بتصاعد الغليان الشعبي في الشارع، تتزايد المخاوف من انعكاس الأزمة الاقتصادية على اللاجئين السوريين، كونهم "الحلقة الأضعف، والأضعف هو من يدفع الثمن دائماً"


عمان- أمس، سجلت الأزمة الاقتصادية اللبنانية التي تكشفت قبل أشهر، ذروة جديدة، تمثلت في إعلان الحكومة تخلفها، لأول مرة، عن سداد ديون يستحق دفعها غداً بقيمة 1.2 مليار دولار، من أصل مجموع دين تبلغ قيمته 90 مليار دولار، ويشكل أكثر من 170% من إجمالي الناتج المحلي. وهو ما يعني شروع الحكومة في تنفيذ “قرارات غير شعبية”، لكن لا مناص منها، بحسب وزيرة الإعلام منال عبد الصمد. 

في هذا السياق، شهد لبنان، الشهر الماضي، “أزمة خبز” بعد تهديد اتحاد نقابات المخابز والأفران بالدخول في إضراب مفتوح، على خلفية توقف الدولة اللبنانية عن دعم رغيف الخبز، كما ذكر رئيس الاتحاد كاظم إبراهيم لوسائل إعلام لبنانية، متسائلاً: “كيف نبيع رغيف الخبز بالليرة اللبنانية ونستورد المواد الأولية بالدولار”. إذ دفع ذلك مواطنين لبنانيين إلى شراء الخبز بكميات كبيرة، بشكل أدى إلى نفاده وبالتالي وقوع حوادث من قبيل قطع أوتستراد في “محلة عدلون” في محافظة الجنوب، واصطدام المواطنين والباعة في بيروت.

وفيما تنذر التطورات المتسارعة بتصاعد الغليان الشعبي في الشارع اللبناني، تتزايد المخاوف من انعكاس الأزمة الاقتصادية على اللاجئين السوريين، كونهم “الحلقة الأضعف، والأضعف هو من يدفع الثمن دائماً” كما قالت باحثة سورية في العلوم الاجتماعية مقيمة في لبنان لـ”سوريا على طول”.

ورغم أن “السوريين لا دخل لهم بالثورة اللبنانية التي اندلعت في 17 تشرين الأول [2019]، ضد الفساد الاقتصادي، بل على العكس [من ذلك] كانوا عاملاً إيجابياً ساهم في جلب مساعدات أممية دعمت خزينة الدولة اللبنانية”، كما شدد المحامي اللبناني طارق شندب في حديث لـ”سوريا على طول”، إلا أن الأزمتين السياسية والاقتصادية “تؤثران بشكل كبير على الوجود السوري” الذي يبلغ 914,648 لاجئاً مسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

كذلك، ففيما أشغلت التطورات الأخيرة، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لبنان رسمياً وشعبياً عن اللاجئين السوريين، فإن “تعمق الأزمة الاقتصادية، وما قد ينتج عنها من إحباطات متزايدة وتدهور نوعية الحياة، يساعد في اندلاع موجة جديدة من المشاعر المعادية للاجئين السوريين”، برأي أليكس سايمون، مدير برنامج سوريا في مركز “سينابس” للأبحاث، ومقره بيروت. لافتاً في حديثه إلى “سوريا على طول” إلى أن “مثل هذا التوترات تنحسر وتتصاعد عبر الخطابات السياسية أو بحوادث عشوائية على المستوى المحلي”.

ثورة في وجه الكراهية

في أعقاب اندلاع الاحتجاجات الشعبية، في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حذر ناشطون حقوقيون سوريون ولبنانيون من تداعيات الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان على اللاجئين السوريين. في هذا السياق، دعا مركز “وصول” لحقوق الإنسان إلى تحييد ملف اللاجئين السوريين عن المعترك السياسي، وعدم استخدامهم باعتبارهم “أحد أسباب عدم نجاح الحكومة اللبنانية في إنقاذ الشعب اللبناني”.

وجاء بيان “وصول”، كما ذكر مدير المركز محمد حسن لـ”سوريا على طول”، على خلفية “خطابات الكراهية التي كانت [شائعة] ضد اللاجئين لسنوات، وخشية أن يتم إقحامهم في الاحتجاجات الأخيرة”. لافتاً إلى أن التوتر السياسي في لبنان “أثّر سلبياً على ملف اللاجئين، كونه غير مرغوب فيهم من بعض التكتلات السياسية”.

وكان وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل، الذي يمثل أنموذجاً في نشر خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين، قد اعتبر مؤخراً أن أحد حلول الأزمة الاقتصادية في لبنان يتمثل في “تنفيذ خطة عودة [اللاجئين] مُنعنا من إقرارها سابقاً، ومراقبة عمل المنظمات الدولية، وإلزام أن تذهب نصف المساعدات التي تأتي للنازحين إلى الدولة اللبنانية”. 

لكن على النقيض من هكذا تصريحات، “أوجدت الثورة اللبنانية نوعاً من الكيمياء [التقارب] بين الناشطين اللبنانيين والسوريين بشكل إيجابي”، على حد وصف الباحثة السورية المقيمة في لبنان. الأمر الذي أكد عليه أيضاً المحامي شندب، مستدلاً على ذلك بهتافات رفعها متظاهرون في لبنان، من قبيل “من إدلب إلى بيروت ثورة واحدة ما بتموت”. فاللاجئون السوريون، كما أضاف، “لم يكونوا مستهدفين من المتظاهرين اللبنانيين الذين قاموا ضد سياسة الهدر والفساد المتبعة في الوزارات والإدارات اللبنانية، والتي أسهمت في تدهور الوضع الاقتصادي”.

أزمة تضرب اقتصاد اللاجئين

رغم استمرار مصرف لبنان المركزي في اعتماد سعر صرف الدولار البالغ 1507.5، يتراوح السعر في السوق السوداء عند حدود 2500 ليرة للدولار، أي فقدان العملة اللبنانية أكثر من 35% من قيمتها. وهو ما أدى إلى توقف نشاط مؤسسات اقتصادية، أو أقلها تخفيض كلفها التشغيلية من خلال الاستغناء عن جزء من العمالة لديها، بحيث تُظهر أرقام غير رسمية انضمام 160,000 شخص إلى صفوف المعطلين عن العمل منذ تفجر الأزمة الاقتصادية أواخر العام الماضي، مع توقع تضاعف هذا العدد في السنة الحالية ليبلغ بين 250,000 و300,000 شخص.

وبما أن الأزمة تنعكس على عمالة اللبنانيين، فإن من باب أولى أن “يتأثر السوريون وغيرهم من العمالة الأجنبية بالأوضاع الاقتصادية”، كما قالت الباحثة السورية، مبينة “أن فقدان اللبنانيين لوظائفهم، أو انخفاض قيمة رواتبهم، يدفعهم إلى الاستغناء عن بعض [أعمال] الخدمات، من صيانة وغيرها، التي يمتهنها السوريون وهو ما يزيد من تأثرهم”.

وبالفعل، فإن “الوضع في لبنان صار صعباً، والشغل مستحيلاً” بالنسبة للشاب سامر عز الدين. مضيفاً في حديث لـ”سوريا على طول”، بأن المحال في طرابلس، شمال غرب لبنان، حيث يقيم لاجئاً من مدينة حماه، “تغلق أبوابها، وأعلنت إفلاسها، ولا يوجد سيولة في الأسواق”.

من ناحية أخرى، تبدو أيضاً تداعيات التفاوت في سعر صرف الدولار، والتي يلخصها حال أحد السوريين العاملين في المجلس النرويجي للاجئين في بيروت، بإجباره على استلام راتبه بالليرة اللبنانية بدلاً من الدولار وفق سعر الصرف الرسمي، كما قال لـ”سوريا على طول”، فيما يجبر على شراء الدولار من السوق السوداء لتحويل المال خارج لبنان.

وكما توضح الباحثة السورية، فإن “العامل الذي كان يتقاضى 500 دولار أميركي راتباً شهرياً، كان سعر صرفه 750,000 ليرة لبنانية، فيما هو اليوم يتقاضى نفس الراتب بالليرة اللبنانية [بسعر الصرف الرسمي، بما يعادل 307 دولارات]”، هذا في الوقت الذي يمنع فيه إرسال الحوالات المالية من لبنان بالليرة اللبناني، أي إن “العامل السوري الذي يريد أن يرسل 100 دولار أميركي لأهله في سوريا، عليه أن يشتري الدولار من السوق السوداء بسعر مرتفع”.

استجداء المفوضية

تشارك ردينة شهاب (23 عاماً) في اعتصامات اللاجئين السوريين أمام مبنى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في طرابلس، منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي، للمطالبة “بإيجاد حلّ للواقع الذي نعيشه” كما قالت لـ”سوريا على طول”.

شهاب التي تنحدر من محافظة طرطوس في الساحل السوري، والعاجز زوجها عن العمل بشكل تام، مهددة “بالطرد من منزلي، لأننا لم ندفع الإيجار منذ ستة أشهر”. مشيرة إلى أن حياتها “تدهورت بعد توقف الجمعيات عن مساعدتنا. إذ كنا نتدبر أمورنا من بعض المساعدات الغذائية والألبسة، ولكن حالياً كل شيء توقف”.

وبالتوازي مع تلك الاعتصامات، أصدرت 25 منظمة حقوقية بياناً مشتركاً، في 6 شباط/فبراير الماضي، تطلب فيه “بشكل عاجل تحرك مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان لوضع خطة عملية لحماية اللاجئين قانونياً، وتحسين ظروفهم المعيشية”، محذرة من أن قرار مجلس الدفاع الأعلى (اللبناني)، في نيسان/أبريل 2019، والقاضي بترحيل اللاجئين السوريين الذين دخلوا بطريقة غير قانونية بعد تاريخ 24 من الشهر ذاته، عرض آلاف اللاجئين لخطر الاضطهاد والترحيل القسري إلى سوريا. 

ومع أن المفوضية “اجتمعت مع مجموعة من المؤسسات والمنظمات الحقوقية الداعمة للاجئين السوريين في لبنان استجابة لطلب [هذه المنظمات] الاجتماع، وبما يدل على حسن نيتها في التجاوب”، برأي محمد حسن، مدير مركز وصول، فإن المفوضية “لم تقم بأي تجاوب فعلي مع مطالب اللاجئين منذ بدء اعتصاماتهم في تشرين الأول الماضي” كما قال.

وكما ذكر خضر نيعو (31 عاماً)، اللاجئ السوري المقيم في طرابلس، لـ”سوريا على طول”، فإن “مطالبنا تتمثل في الحصول على أبسط الحقوق، من مثل التغذية والتعليم والتأمين الصحي”. لافتاً إلى أنه “غير قادر عن العمل من دون تصريح تبلغ قيمة رسوم الحصول عليه 1200 دولار سنوياً، كما أنه لا يمكنني الحصول على [التصريح] لأنني مسجل كلاجئ”.

وقد حاولت “سوريا على طول” الحصول على رد من مكتب المفوضية في لبنان، لكنها لم تتمكن من ذلك حتى نشر هذا التقرير. 

العودة إلى سوريا  

ست سنوات قضاها الشاب حسن حميد (30 عاماً) في لبنان، تحمّل خلالها كل التحديات التي واجهته كلاجئ في لبنان، بما في ذلك “تصريحات الحكومة اللبنانية وسياساتها ضد اللاجئين السوريين، والتي أسهمت في تعزيز خطاب الكراهية ضدنا” كما قال لـ”سوريا على طول”. لكن “الأزمة الاقتصادية تدفعني إلى التفكير في العودة إلى سوريا مع ما تحمله من مخاطر أمنية”، مشيراً إلى أن “الوضع الاقتصادي كان سبباً في عودة الكثير من اللاجئين السوريين”.

ينحدر حميد من الغوطة الشرقية التي سيطرت عليها القوات الحكومية في آذار/ مارس 2018. وكما قال، فإن اثنين من عائلته اعتقلا “أثناء تسوية أوضاعهما لدى النظام، ولا نعرف عنهما شيئاً، ومع ذلك أفكر في العودة”. 

ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في لبنان، أعلنت مديرية الأمن العام اللبناني عودة أربع دفعات من اللاجئين إلى سوريا، آخرها في 13 شباط/فبراير الماضي، وضمت 1093 لاجئاً، في إطار العودة الطوعية بالتنسيق مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان. ليبلغ إجمالي عدد العائدين رسمياً منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر وحتى الآن نحو 4,648 لاجئاً. يضاف إلى ذلك العائدون “عبر طرق التهريب لتجنب دفع الغرامات المترتبة عليهم، والتي تفرضها الحكومة اللبنانية على اللاجئين الذين دخلوا إلى لبنان بصورة غير شرعية” كما قال لـ”سوريا على طول” أحد العاملين السوريين في المجلس النرويجي للاجئين، طالباً عدم الكشف عن اسمه، إذ تبلغ غرامة “كسر الإقامة [الإقامة غير الشرعية] 300,000 ليرة لبنانية عن كل سنة [200 دولار بحسب سعر الصرف الرسمي، و 123 دولاراً بسعر السوق السوداء]”.

كذلك، أمهلت مديرية الأمن العام اللبناني اللاجئين السوريين الذين خالفوا نظام الإقامة ويرغبون في العودة إلى بلادهم، شهراً واحداً، اعتباراً من 12 شباط/فبراير الماضي، لتسوية أوضاعهم شريطة المغادرة.

ورغم أن “ثورة لبنان كبحت خطاب الكراهية المعادي للاجئين من خلال إجماع قطاع واسع من المتظاهرين على إدانة النخبة الحاكمة”، برأي سايمون، فإن “لبنان لم يعد خياراً للسوريين”، كما ذهبت الباحثة السورية. وهو ما أكد عليه اللاجئ نيعو بقوله: “تعب قلبي هنا. كل شيء صغير أو كبير ينعكس علينا، والحق [اللوم] علينا بكل ما يحدث”. 

شارك هذا المقال