5 دقائق قراءة

الأطفال السوريون الصمّ في مخيمات الأردن: مجتمع صامت يكسره ضجيج “كورونا”

في عالمه الصامت رغم الضجيج في الكرفان الصغير الذي يقطنه مع أسرته، ينشغل علي بتركيب مكعباته الملونة، مشكلأً مجسماً لفيروس كورونا كما يتخيله: رجل آلي يقف على باب مدرسته التي حرم من ارتيادها منذ بدء تفشي وباء الوباء. 


24 نوفمبر 2020

عمان – في عالمه الصامت رغم الضجيج في الكرفان الصغير الذي يقطنه مع أسرته، ينشغل علي بتركيب مكعباته الملونة، مشكلأً مجسماً لفيروس كورونا كما يتخيله: رجل آلي يقف على باب مدرسته التي حرم من ارتيادها منذ بدء تفشي الوباء.

علي، ذو الثمانية أعوام، والذي يعاني صمماً تاماً منذ الولادة، يعيش في القرية الثالثة بمخيم الأزرق للاجئين السوريين، شرق الأردن، والذي وصل إليه مع أسرته بعد رحلة معاناة بين عدد من مخيمات اللجوء من دون أن تتاح له فرصة الوصول لجهة تقدم له المساعدة، كما قالت والدته لـ”سوريا على طول”.

وقد افتتح “الأزرق” في 29 نيسان/أبريل 2014، ويعتبر ثاني أكبر مخيم للاجئين السوريين، بعد مخيم الزعتري، من حيث المساحة المقدرة بنحو 14 كيلومتراً، ويضم حوالي 53 ألف لاجئ سوري موزعين في أربع “قرى”، هي الثانية، والثالثة، والخامسة، والسادسة.

 في مخيم الأزرق، وبعمر ست سنوات، انضم علي لمركز الصم والبكم التابع لمؤسسة الأراضي المقدسة، والتي تدير مركزاً مماثلاً في مخيم الزعتري، ويقدم خدمات تأهيلية وتعليمية للأطفال الصم والبكم، بما يسمح لهم بالاندماج لاحقاً بالمدارس الرسمية. 

وبحسب رئيس فريق الامتداد المدرسي والدمج في مؤسسة الأراضي المقدسة التي يوجد مركزها الرئيس في مدينة السلط الأردنية، صبري الشنتير، فقد “بدأت المؤسسة العمل في مخيم الزعتري في العام 2013، ووصل عدد الحالات التي تم الوصول إليها هناك سبع عشرة حالة”. فيما تم افتتاح مركز “الأزرق” في العام 2017، مقدماً خدماته حالياً لعشرة أطفال صم وبكم، كما أضاف الشنتير لـ”سوريا على طول”. موضحاً أنه “يتم أولاً تدريس الأهالي لغة الإشارة، ومن ثم تأهيل الاطفال”.

معوقات التعليم عن بعد للصم والبكم

مع تحول الأردن منذ أواخر آذار/مارس الماضي إلى التعليم عن بعد، بسبب تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، واجه الطلبة من ذوي الإعاقة السمعية صعوبة بالغة في تلقي دروسهم اليومية. 

 إذ “يتم إرسال الدروس عن طريق فيديوهات قصيرة وعليه تعلمها ثم إعادة إرسالها للمشرفة”، بحسب والدة علي، لكن “لا نملك إلا جهاز خليوي واحد، بحيث يضطر علي لانتظار دوره؛ فلديه ثلاثة أخوة ملتحقين بالمدرسة التابعة لمفوضية [الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين] يتلقون أيضا تعليمهم عن بعد”. عدا عن أن العائلة لا تحصل إلا على 10 جيجابايت [من الانترنت]  بدعم من اليونيسف لا تكاد تكفيهم.

هذه العوائق أكدتها أيضاً  أخصائية السمع والمرشدة التربوية في مؤسسة الأراضي المقدسة، عروبة طيفور، بأن “الصعوبة المشتركة لدى غالبية الطلبة، سواء في الأزرق أو في الزعتري، هي عدم وجود جهاز فردي للأطفال، وكذلك الصعوبات التقنية كانقطاع الكهرباء وضعف شبكة الإنترنت، ما ينعكس صعوبةً في تحميل مقاطع الفيديو”. معتبرة في حديثها إلى “سوريا على طول” أن “التحدي الأكبر” في حالة تعليم الصم، هو اعتماده  “على حركة الشفاه والجسد لتعلم النطق، الأمر الذي نجد صعوبة في إيصاله للطلبة سواء عبر الفيديوهات أو عبر أوراق العمل”.

من جهتها وسعت اليونيسف أيضًا نطاق المساعدات النقدية من خلال زيادة المستفيدين من برنامج حاجاتي لدعم 30,000 طفل في الأردن استجابة لجائحة كوفيد-19 والبقاء بأمان أثناء تفشي الوباء.

الآثار النفسية لتحول التعليم عن بعد

لأجل ريما، كما تقول والدتها، “انتقلنا من القرية الخامسة إلى القرية الثالثة”، في مخيم الأزرق، “كونها تحتوي على مركز الصم والبكم”. وخلال سنتين من التحاقها بمركز الأراضي المقدسة، “تغير الكثير في حياة ريما بعد تعلمها  لغة الإشارة، إذ كانت تعاني من الانعزال والخوف الشديد من الغرباء”، كما روت الأم لـ”سوريا على طول”. 

قبل تفشي وباء كورونا، كانت ريما ذات التسع سنوات تقضي معظم نهار اليوم  مع أقرانها في المركز. إذ يقلها الباص من أمام كرفان عائلتها في الثامنة صباحاً، لتعود في الثانية عشرة ظهراً. ممضية  ما تبقى من وقتها في المنزل بحل واجباتها.

“بعد رؤيتها فرق التقصي الوبائي في المخيم  خلال عملية أخذ عينات لأفراد من الكرفان المجاور، عرفت ريما أنه بسبب فيروس كورونا حرمت من الذهاب لمدرستها”، كما قالت الأم. بحيث صار “لديها وقت فراغ طويل، والدروس التي تصلها عبر الهاتف المحمول لا تأخذ منها إلا ساعة، ولتقضي وقتها بعد ذلك في الكرفان، لا تخرج منه خوفاً من انتقال العدوى إليها، وتمارس هوايتها بالرسم”. كذلك تقوم ريما بإرشاد والدتها، بلغة الإشارة، إلى  طرق الوقاية من  فيروس كورونا، وتنبهها دوماً إلى غسل اليدين لعشرين ثانية. لكنها “تشتاق لمعلمتها وأصدقائها في المدرسة”.

وبحسب المعالج النفسي الإكلينيكي (السريري)، مهند العبسي، فإن “الطفل الأصم يميل بسبب إعاقته الحسية إلى الانسحاب من المجتمع. لذلك فهو بحاجة دائمة أن يكون ضمن بيئة صديقة”. مضيفاً لـ”سوريا على طول”: “أسلوب التواصل (عملية التفاعل الحيوي) مهم بين المعلم والطلبة. ناهيك عن العوائق الأخرى التي يواجهها الطلبة في المخيمات، سواء كانت في البنية التقنية، أو الإنترنت، أو عدم القدرة التقنية في الوصول للفئة المستهدفة”.

وكانت منظمة اليونيسف قد نبهت إلى تضرر الفتيات والأطفال ذوي الإعاقة بشكل غير متناسب خلال جائحة كورونا، كما حذرت منظمة هيومن رايتس ووتش، من أن الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة خلال الجوائح، يعتبرون الفئة الأكثر هشاشة وتهميشاً وهم في خطر بسبب التمييز والعوائق التي تحول دون حصولهم على المعلومات. وأنه ومع تحول التعليم حيث قد يُستبعد الأطفال ذوو الإعاقات المختلفة من الحصول على التعليم إذا لم يكن متاحاً لهم عبر الإنترنت، بما في ذلك توفر المواد التعليمية واستراتيجيات التواصل المكيّفة والمتاحة. وشددت أنه على الحكومات أيضاً ضمان توفير مواد وخطط دراسية بصيغة متاحة للطلاب الذين لا يستطيعون الاتصال بالإنترنت.

للمعاقين “المدمجين” نصيبهم من المعاناة

بدأت مروى، الطالبة الصماء في الصف التاسع الابتدائي، تعليمها في سوريا إلى حين لجوئها وأسرتها إلى الأردن العام 2014. حيث التحقت بالمدرسة الحكومية الموجودة في مخيم الأزرق. 

لكن المدرسة مدمجة بالاسم فقط، كما قالت والدة مروى.  إذ لا يتم أخذ حالة مروى الصحية بعين الاعتبار، و”التي تتطلب متابعة خاصة من معلمة الصف”، كما قالت الأم لـ”سوريا على طول”.

وكما أوضحت: “تعد حركة الشفاه والبطء في الكلام من الضرورات للصم، لتسهيل تواصلهم مع الآخرين ممن لا يعرفون لغة الاشارة، وحرمان [الصم] منها يحرمهم من أي تواصل مع الآخر”. 

كذلك،  “لا توجد في المدرسة التي ترتادها مروى غرفة مصادر يجب تواجدها في المدارس المدمجة، وتعمل على مساعدة الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة على متابعة تعليمهم في هذه المدارس”.

ومع التحول إلى التعليم عن بعد، فقدت مروى أي أمل في متابعة تعليمها لغياب أي مناهج تعليمية مخصصة للصم. 

وكان المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أعلن عن توفر المناهج الدراسية للأطفال الصم بلغة الإشارة  للصفوف الثلاثة الأولى فقط، على أن يتم استكمال المناهج لباقي الصفوف لاحقاً.

مع كل التحديات، علي متفائل بانتهاء الوباء قريباً، ولتترجم لنا والدته كلماته بلغة الإشارة، ومع ابتسامة متفائلة، كما يظهر بالفيديو المرفق، أنه يحلم بالسفر على متن الطائرة ليلتقي بجدته، كما يتمنى أن “يكمل دراسته بتخصص الهندسة” بحسب أمه. أما أمنية ريما، كما تقول أمها، “إكمال دراستها بعد انتهاء كورونا وعودتها للمدرسة لتصبح معلمة للصم وتساعد الأطفال في تجاوز الصعوبات التي مرت بها”.

لكن يبقى حلم مروى معلقاً لما بعد عودة التعليم الوجاهي، بأن تلتحق بمدرسة متخصصة للصم وتكمل تعليمها الثانوي.  

شارك هذا المقال