6 دقائق قراءة

“الأنسولين السريع” ومنتهي الصلاحية البديل الوحيد لتخفيف معاناة مرضى السكري في شمال سوريا

ترفض تالا، ذات الخمسة عشر عاما، النظر إلى نفسها في […]


10 يناير 2017

ترفض تالا، ذات الخمسة عشر عاما، النظر إلى نفسها في المرآة. حيث تقول أنها لا تتحمل النظر إلى عينها اليسرى “الناقصة”، كما تصفها تالا، والتي فقدت قدرتها على الرؤية قبل ثلاثة أشهر.

تعاني تالا من النوع الأول من مرض السكري، وهو مرض مزمن يحدث نتيجة عجز الجسم عن تنظيم مستوى السكر في الدم أثناء إنتاج الأنسولين.

وخلافا لمرضى النوع الثاني من السكري، الذي يمكن علاجه عن طريق الأدوية الفموية، فإن مرضى النوع الأول، مثل تالا، بحاجة لجرعات يومية من الأنسولين المختلط، وهي مكلفة ويصعب العثور عليها في شمال سوريا، الخاضع لسيطرة المعارضة، حيث تعيش تالا.

وبعد أن أخبرها طبيبها عن احتمالية فقدان الرؤية في عينها اليمنى، بدأت تالا تنام دون أن تطفئ النور، خوفا من أن تستيقظ يوما ما لتجد عينها اليمنى وقد عميت أيضا.

وتقول تالا “لا أنام والضوء مطفي خوفا من أن أفقد نظري دون أن أشعر”.

وفقدت تالا القدرة على الرؤية بعينها اليسرى، بسبب عدم تمكنها من الحصول على الأنسولين المطلوب، لتنظيم مستويات السكر لديها.

وبما أنها غير قادرة على الحصول على الأنسولين المختلط، فإن تالا والآلاف غيرها من مرضى النوع الأول من السكري، في إدلب، يستخدمون الأنسولين السريع، كبديل أقل سعرا.

ويخفض هذا النوع من الأنسولين نسبة السكر في الدم، لكنه لا يؤدي إلى استقراره، على عكس الأنسولين المختلط، وغالبا مايكون منتهي الصلاحية أو أنه مخزن بطريقة غير صحيحة.

وبالنسبة للمرضى الذين يعتمدون على الأنسولين السريع، فإنه لا يضبط مستوى السكر في الدم بشكل كاف، وهذا يعرضهم لخطر فقدان النظر والفشل الكلوي والنوبات القلبية والسكتة الدماغية وبتر الأطراف السفلى. حيث أصيبت تالا بالعمى في عين واحدة بسبب التغيرات الحادة وغير النظامية في نسبة السكر في الدم لديها، مما أدى إلى تلف شبكية العين.

” أيقظني عندما تنتهي الحرب”، فرح علي. تصوير: الذاكرة الإبداعية للثورة السورية.

وقال أيمن اليوسف، عضو في مديرية صحة إدلب مسؤول عن توزيع الأدوية على الصيدليات والمستودعات، لسوريا على طول، أنه بالرغم من المخاطر، فإن استخدام الأنسولين السريع ” منتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء محافظة إدلب”.

في السياق، قال أيمن جبس، مدير منطقة طبية، في كفرتخاريم، وهي بلدة تقع شمال غرب إدلب، حيث تعيش تالا “يوجد صعوبة في تأمين الأنسولين، وجرعات الأنسولين غالية جداً بالنسبة الى المواطن بسبب وضع الحرب، وبسبب احتياج المريض أحيانا نستخدم أنسولين سريع منتهي الصلاحية”.

وتالا هي واحدة من 400 ألف مريض سكري، يعتمدون على العلاج بالأنسولين، في سوريا. كما أن 60 بالمئة منهم تحت خطر المضاعفات الطبية، بسبب نقص الأنسولين في البلد بأكمله، وفقا لما أوردته منظمة الصحة العالمية في آذار الماضي.

وقال أطباء ومسؤولون في قطاع الصحة، في محافظة إدلب، الخاضعة لسيطرة المعارضة، لسوريا على طول، أن مرضى النوع الأول من السكري يعانون من “نقص الأنسولين الحاد” بسبب توقف الإمدادت عن المحافظة منذ عام 2015. وبسبب نقص التمويل، توقفت SAMS، الجمعية الطبية السورية الأمريكية، عن توفير الأنسولين للمحافظة، بعد أن كانت المصدر الوحيد الذي يوزع الأنسولين مجانا لمرضى السكري في إدلب.

قلة الإمدادات مع ارتفاع الطلب

قبل بدء الحرب، كان الأنسولين، المنتج محليا، يوزع بالمجان على جميع المرضى المسجلين في البرنامج الوطني لمرضى السكري الذي تديره الحكومة. ولكن في عام 2014، توقفت آسيا للصناعات الدوائية، المنتج الوحيد للأنسولين في سوريا، عن العمل بعد اشتباكات بين قوات النظام والمعارضة في ريف حلب الغربي، والذي ألحق الضرر بالمنشأة. واستمر القصف على بلدة كفر حمرة الخاضعة لسيطرة المعارضة، حيث توجد آسيا للصناعات الدوائية، لأنها تقع على الحدود مع مناطق النظام.

ومع غياب أي جهة منتجة للأنسولين في سوريا، اعتمد مرضى السكري في مناطق سيطرة النظام ومناطق المعارضة، على حد سواء، على جرعات محدودة من الأنسولين من المنظمات الإغاثية في الخارج، أو على شراء الأنسولين المهرب، والذي تصل تكلفته إلى 40 دولارا شهريا، وهو ضعف راتب الموظف، في مناطق سيطرة المعارضة مثل إدلب، وفقا لما نشره موقع Syria Deeply، في آب.

وتحتاج تالا ثلاث حقن من الأنسولين المختلط يوميا. ويكسب والدها، مصطفى، والذي يعمل  نجارا، ما بين 20 $ و30 $ في الشهر، في حين أن تكاليف العلاج تصل 40 $ في الشهر، وفقا لأسعار الأنسولين.

وتقول تالا، التي يعمل والدها على تأمين العلاج لها بعد تراكم الديون عليه “الذي يؤلمني أنه لولا الحصار وغلاء الأسعار لكان الدواء متوفراً في بلدي بسهولة، ولكان من اليسير علاجه”.

وكان سعر الأنسولين المختلط  550 ليرة (2.50 $) أي أنه رخيص جدا قبل الحرب. الآن، أمبولة الأنسولين الواحدة يمكن أن تباع بـ 3000 ليرة (13،95 $)، وفقا لما ذكره موقع الصوت السوري، شريك سوريا على طول، في آب.

حلول قصيرة الأمد

يقول الدكتور أحمد، أخصائي الغدد الصماء في كفر تخاريم، والذي يعالج تالا، أنه يدرك تماما أن الأنسولين السريع ليس بديلا مناسبا للأنسولين المختلط.

“الأنسولين السريع يعطى في الحالات الإسعافية”، ويوضح أنه يصل إلى الدم بعد نصف ساعة بينما يستمر مفعوله لمدة أربع ساعات فقط.

كما أن عدم القدرة على إعطاء الأنسولين السريع في الفترة الزمنية المطلوبة، أو استخدام الأنسولين السريع منتهي الصلاحية، وهو فعال فقط لمدة ساعة، يؤدي إلى عدم استقرار في مستوى السكر في الدم لدى المرضى.

ووفقا للدكتور أحمد، هذا هو سبب إصابة تالا بالعمى في عين واحدة.

إن ارتفاع الأنسولين وهبوطه خلال اليوم أكثر من مرة، تسبب في حدوث ضرر في شبكية العين، وأضرارا أخرى”.

وعندما لا يتمكن والد تالا من شراء الأنسولين المختلط، يعطي الدكتور أحمد لتالا الأنسولين السريع، والذي يحصل عليه من الأقارب في تركيا. كما يوجد لديه أيضا أمبولات أنسولين متبقية من مساعدات SAMS الماضية في 2015، والتي توقفت الآن.

وعلى أية حال، ليس بمقدور جميع المرضى في إدلب الاعتماد على أطبائهم من أجل تأمين الأنسولين السريع.

وطالما أن الكمية الموجودة لدى الدكتور أحمد محدودة، فإنه يمكن أن يعطي تالا ثلاث حقن من الأنسولين السريع يوميا فقط، كل ست ساعات، مع أنه لا يدوم إلا لمدة أربع ساعات.

وقال الطبيب “أنا لا أستطيع إعطاء تالا الأنسولين السريع بشكل دائم، لأن الكميات محددة ويوجد لدي مرضى كثيرون”.

وأضاف “يوجد الكثير من الأشخاص الذين ساءت حالتهم بسبب نقص الأنسولين المختلط”، حيث أن  الأنسولين السريع هو حل مؤقت لا يحافظ على مستويات السكر في الدم على المدى الطويل.

“لا يوجد تمويل كاف”

في عام 2015، وزعت SAMS الأنسولين السريع، العادي، والمختلط على أربع نقاط طبية في محافظة إدلب.

وقال بشير تاج الدين، مدير برنامج SAMS في مكتبها في تركيا، لسوريا على طول “ليس لدينا تمويل كاف الآن لشراء الأنسولين”.

وأضاف أن SAMS تبحث عن تمويل من أجل استئناف توزيع الأنسولين في الشمال السوري في المستقبل.

حتى ذلك الحين، فإن آلاف من مرضى السكري في إدلب مسؤولون عن تأمين الأنسولين بأنفسهم.  حيث يدفعون مبالغ كبيرة من المال للأنسولين المهرب أو يطلبون من أقاربهم في تركيا إرسال الأنسولين.

وعلى الرغم من تكلفته العالية، فإن الأنسولين الذي يشتريه مصطفى وغيره من سكان إدلب من المهربين أو التجار ليس مضمونا وفعالا كالأنسولين الذي تقدمه منظمات الإغاثة، الحريصة على الحفاظ على الأنسولين مبردا، أثناء الشحن.

وقال اليوسف “طرق جلب الأنسولين عن طريق التجار ليست سليمة”.

“لماذا يحدث كل هذا لي؟”

تعبر تالا عن قلقها من أن يسوء الوضع بدون حقن الأنسولين المختلط مسبقا لتخفيف أعراض المرض.

وتقول “لا أعلم متى سيتوقف هذا، وأي عضو في جسدي سيتضرر في المستقبل”.

والداها أخرجاها من المدرسة العام الماضي بسبب عدم توفر جرعات الأنسولين المختلط كما أنهم يخشون أن تتناول أطعمة سكرية. ففي أحد المرات تناولت قطعة من الخبز والحلوى خلسة وأغمي عليها في المدرسة.

حيث تقول “يخافون من أن يغمى علي بدون أن يشعر بي أحد”.

في المنزل، تقفل والدة تالا الثلاجة لمنع تالا من تناول الأطعمة التي من شأنها أن تسبب ارتفاع في نسبة السكر في الدم لديها.

إن التغيرات في النظام الغذائي ليست السبب الوحيد الذي يزيد من معاناة تالا المرضية، فبالإضافة إلى فقدان البصر، يقول أبواها أنها تتعرض لنزيف حاد وتورم خلال فترة الدورة الشهرية، وعندما تأخذ إبرة الأنسولين، تبقى مستيقظة ليلا وتذهب كثيرا إلى الحمام كما تصرخ بشدة.

تالا التي فقدت طفولتها على حد تعبيرها، تقول أنها تريد النوم ليلا، ومواصلة الدراسة، وتناول الحلوى وعدم رؤية نظرات الشفقة في أعين أصدقائها. كما تريد أن تنظر إلى “عيونها العسلية” في المرآة وتبتسم، كما كانت تفعل في السابق. وتتساءل “لماذا يحدث كل هذا لي؟”، قائلة “هذا المرض يتمتع بتدمير أعضاء جسمي”.

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال