7 دقائق قراءة

الاتحاد الأوربي يفرض عقوبات جديدة تطال شخصيّات أساسية في إعادة الإعمار بسوريا

مشهد من الأعلى لمشروع البناء في مدينة مورتا، الصورة من […]


24 يناير 2019

مشهد من الأعلى لمشروع البناء في مدينة مورتا، الصورة من بداية فيديو ترويجي في تشرين الأول 2018.

أعلن الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين، فرض عقوبات على 11 رجل أعمال سوري، وخمسة كيانات تجارية، يرتبط الكثير منهم بمشروع إعادة الإعمار المثير للجدل، الذي يجري تنفيذه بالفعل جنوب غربي دمشق من أجل “دعم وإفادة نظام الأسد من خلال استخدام الممتلكات المصادرة”.

وتأتي هذه الأخبار في الوقت الذي اجتمع فيه وفد من رجال الأعمال السوريين، بما في ذلك شخصية مرموقة على ارتباط بالحكومة، سبق أن وافقت عليها الحكومة الأمريكية، في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة هذا الأسبوع، حيث تمحور النقاش حول العلاقات التجارية بالإضافة إلى إعادة إعمار المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا.

وعدد من الأفراد الذين وافق الاتحاد الأوروبي على إدراجهم، هم مستثمرون معروفون في مشروع “مدينة ماروتا“، وهو مشروع إعادة إعمار جنوب غربي دمشق، ويتوقع المحللون وجماعات حقوق الإنسان أن المشروع سيشهد استبدال مجتمعات الطبقة العاملة والمجتمعات الموالية للمعارضة سابقاً بناطحات السحاب والمراكز التجارية.

وكان سامر فوز، رئيس مجموعة أمان، التي استثمرت الملايين في إعمار دمشق، مدرجة ضمن قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي، وكذلك مازن الترزي، وهو رجل أعمال سوري له علاقات مع الكويت، معروف بأنه استثمر نحو 320 مليون دولار في المشروع من خلال صفقة مع شركة شام القابضة.

والكثير من هذه الأسماء تصنف اسمياً على أنها من القطاع الخاص في سوريا، رغم وجود علاقات وثيقة مع المسؤولين الرئيسيين في الحكومة وأجهزتها الأمنية.

وأعلن الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين، أنه يفرض عقوبات على كبار رجال الأعمال الذين “يحققون أرباحًا كبيرة من خلال علاقاتهم مع النظام ويساعدون في تمويل النظام بالمقابل”، من خلال المشاريع المشتركة “التي شكّلها بعض رجال الأعمال والكيانات البارزة من أصحاب الشركات المدعومة من الدولة لإعمار الأراضي المصادرة”.

وأضاف البيان ” أن رجال الأعمال والكيانات يدعمون ويستفيدون من نظام الأسد، بما في ذلك استخدام الممتلكات المصادرة”.

ويجري حالياً إعمار مشروع “مارواتا” في حي بساتين الرازي سابقاً، والذي انتقدته جماعات حقوق الإنسان على نطاق واسع، وهو تجمع سكاني عشوائي للأهالي من الطبقة العاملة والتي كانت مسرحاً للاحتجاجات المبكرة ضد حكومة الأسد.

وجاء في  قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي الخاصة بسوريا أن العقوبات “تشمل الآن 270 شخصًا و 72 كيانًا مستهدفًا بحظر السفر وتجميد الأموال“.

كما أن عقوبات الاتحاد الأوروبي الحالية تشمل أيضاً حظراً نفطياً، وقيوداً على استثمارات معينة، وتجميد أصول البنوك المركزية السورية الموجودة في الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن قيود التصدير كالمعدّات والتقنيات التي يمكن استخدامها للقمع الداخلي.

القطاع الخاص الإماراتي: “فتح آفاق جديدة”

جاءت العقوبات الأخيرة في الوقت الذي توجه فيه وفد من رجال الأعمال السوريين إلى الإمارات هذا الأسبوع، في محاولة على ما يبدو لإعادة فتح العلاقات التجارية بين الشريكين التجاريين السابقين.

وتشير الاجتماعات إلى تقارب مستمر بين سوريا ودول الخليج، بعد شهر من إعلان الإمارات عن عزمها إعادة فتح سفارتها في دمشق.

ويرى المحللون أن الحكومة السورية قد تسعى إلى تنويع مصادر الدخل، لإعادة الإعمار التي أصبحت الآن أكثر صعوبة، نتيجة للعقوبات والعزلة الدبلوماسية بعد سنوات من القمع الوحشي والصراع.

وبحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، فقد أكد المندوبون السوريون الذين وصلوا إلى الإمارات يوم الأحد الماضي على أهمية “إعادة تنشيط وفتح آفاق جديدة للاستثمارات والتجارة”، في إشارة إلى أن “التعافي السوري من الإرهاب يوفر بيئة استثمارية مستقرة” في المستقبل.

جرّافة تحمل شعار مجموعة أمان في موقع بناء مدينة موراتا، في فيديو ترويجي في تشرين الأول 2018.

وتم عرض المشروع في وقت مناسب ومرحب به من قبل رجال الأعمال السوريين والإماراتيين من القطاعين الخاصين في البلدين، ويضم الوفد على الأقل شخصية تجارية مرتبطة بالحكومة وهي جزء من الدائرة الداخلية للرئيس السوري بشار الأسد. ترأس وفد هذا الأسبوع محمد حمشو، أحد أبرز الشخصيات التجارية في سوريا، وله علاقات مع لاعبين رئيسيين في دمشق، بما في ذلك الرئيس الأسد وشقيقه ماهر وبشكل متزايد – بحسب التقارير – حلفاء سوريا من إيران.

وفي عام 2011، فرضت وزارة المالية الأمريكية عقوبات على حمشو، مؤسس مجموعة شركات حمشو التي تضم الاسمنت والمقاولات وغيرها من الفروع، في أعقاب اندلاع الانتفاضة المناهضة للحكومة.

وقال بيان وزارة المالية الأمريكية إنها فرضت عقوبات على حمشو “لتقديمه خدمات لدعم الرئيس السوري بشار الأسد والعمل من أجله أو نيابة عنه”، والعمل بالنيابة عن شقيق الأسد، قائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد.

وكان حمشو شخصية مهمة لكل من الحكومة السورية ومجتمع الأعمال، وقبل وقت قصير من بدء الحراك الشعبي، تم التعاقد مع شركة حمشو لإنشاء مشروع فندق ياسمين روتانا الفاخر في منطقة المزة جنوب غربي دمشق، وذلك من خلال التعاقد مع الشركات السورية والإماراتية.

لم تتمكن “سوريا على طول” من التحقق بشكل مستقل مما إذا كان أي من الأفراد الذين أقرهم الاتحاد الأوروبي حديثاً، يوم الاثنين، قد توجهوا إلى الإمارات كجزء من وفد هذا الأسبوع.

التقارب الإقليمي مع دمشق

هناك المزيد والمزيد من الدول في المنطقة التي تثير ضجة إيجابية حول إعادة فتح العلاقات مع دمشق، بعد أن سافر الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق للقاء الأسد في وقت سابق من هذا الشهر.

وفي خضم مؤتمر القمة العربية الاقتصادية هذا الأسبوع في لبنان، ازدادت التكهنات حول إمكانية إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية للمرة الأولى منذ عام 2011.

وفي نهاية كانون الأول، أعلنت كل من الإمارات والبحرين أنها ستعيد فتح سفاراتها في دمشق للمرة الأولى منذ سنوات.

ويمكن للخليج أن يزود دمشق برأس المال الاقتصادي، وكذلك الدعم السياسي، الذي تحتاجه البلاد، في حين تروج سوريا بصورة متزايدة لرواية الدولة المنتصرة التي خرجت من سنوات الحرب التي قاتلت فيها ما أسمته ب”جماعات إرهابية”.

ووفقاً للمحلل توماس بيريت، الباحث في CNRS-IREMAM ، Aix-en-Provence ، فإن الإمارات على وجه الخصوص يمكن أن تكون نقطة انطلاق لدمشق لإعادة استئناف العلاقات الدبلوماسية والتجارية ، بسبب السياسة البراغماتية لها تجاه سوريا مقارنة ببعض جيرانها.

وبينما دعمت الإمارات العربية المتحدة جماعات المعارضة التي تقاتل قوات الأسد بعد عام ٢٠١١، قال بيريت إن الدعم كان “قليلا لمعارضة الأسد مقارنة بمعارضة خصوم الأسد”، وبعبارة أخرى “لمواجهة نفوذ عملاء قطر وتركيا (في المعارضة السورية)، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين وأي مجموعة مرتبطة بهم”.

وأضاف بيريت لسوريا على طول “كان هذا هو السبب الرئيسي لمشاركتهم في العملية”.

الوفد التجاري السوري في أبو ظبي، يوم الأحد. تصوير: سانا.

وفي الوقت ذاته، لم تقطع الحكومة الإماراتية علاقاتها مع دمشق، حيث بقي موظفو القنصلية السورية في الإمارات العربية المتحدة، ومن جهة أخرى كانت دبي قناة مهمة لأموال مسؤولي الحكومة السورية والأفراد المقربين من الحكومة في السنوات الأخيرة.

وقد تلعب دول الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة، قريباً، دورا أكبر في عملية إعادة الإعمار المثيرة للجدل في سوريا.

وربط المجتمع الدولي بشكل مستمر دعم إعادة الإعمار بالحل السياسي في سوريا. وفي الوقت ذاته، يفتقد حلفاء سوريا الرئيسيين،ـ إيران وروسيا، على الأرجح النفوذ الاقتصادي المحلي والاستقرار لدعم عملية إعادة الإعمار التي قدّر البنك الدولي في السابق تكلفتها بمبلغ ٣٥٠ مليار دولار.

كما أن استثمارات القطاع الخاص من الدول المجاورة التي لها مصلحة في استقرار سوريا يمكن أن تسد فجوة في المشاريع العقارية والبناء وإعادة الإعمار على المدى القصير.

ويرتبط عدد من كبار أعضاء الوفد الموجودين حالياً في الإمارات العربية المتحدة بشركة دمشق الشام القابضة التي تقوم بتمويل مشروع “مدينة ماروتا” جنوب غربي دمشق- بمن فيهم الرئيس التنفيذي لشركة “دمشق الشام” نصوح النابلسي ووسيم القطان، رئيس غرفة تجارة ريف دمشق، التي تشارك أيضا في المشروع.

وتأسست “دمشق الشام” في أواخر عام ٢٠١٦ لتمويل مشروع ماروتا. وقد وقّعت بالفعل عقوداً مع العديد من الشركات، ومنها مجموعة أمان القابضة ورئيسها التنفيذي سامر فوز.

وتفيد الأنباء بأن فوز، أحد رجال الأعمال الأحد عشر الذين فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليهم، يوم الإثنين، وقع اتفاقا مع “دمشق الشام” لبناء عدة مباني مرتفعة بواجهة زجاجية في الموقع جنوب غربي دمشق.

كما تقوم قناة “لنا” المملوكة من قبل فوز بعرض إعلانات للمشروع بشكل مستمر، مشيرة إلى أنه “علامة فارقة” جديدة للعاصمة السورية. 

إعلان في قناة لنا لمشروع ماروتا.

و”مدينة ماروتا”، كما هي معروفة الآن في الدوائر الحكومية، كانت في السابق بساتين الرازي- امتداد لأرض زراعية ومساكن عشوائية جنوب غربي دمشق، وتطورت على مدى عقود حتى ثورة عام ٢٠١١.

وكانت المنطقة نموذجا للأحياء العشوائية التي نشأت في المدن السورية وحولها بعد السبعينيات، بسبب عدم وجود تخطيط حضري متناسق وهجرة متزايدة من الريف إلى المدينة في العقود التالية.

وهُجر أهالي بساتين الرازي، التي كانت موقعا للاحتجاجات ضد حكومة الأسد بين عامي ٢٠١١ و٢٠١٢، ومن ثم الاشتباكات بين الجيش السوري والمعارضة- من منازلهم مع وعود بالتعويض المادي أو الحصول على أسهم في المشاريع المستقبلية- بما يتماشى مع المرسوم ٦٦ الصادر عام ٢٠١٢، والذي وقعه الرئيس الأسد في أيلول من ذلك العام.

وفي وقت لاحق هدمت الأراضي الزراعية ثم المساكن، قبل أن تبدأ عمليات البناء. وباستخدام شبكة جديدة من الطرق المرصوفة التي كانت توجد فيها منازل في السابق، بدأت المركبات تنقل مواد البناء ذهاباً وإياباً عبر الموقع.

وأصبح المرسوم ٦٦ مخططا لمشروع قانون لاحق، وهو القانون رقم ١٠ لعام ٢٠١٨، الذي حذرت جماعات حقوق الإنسان من أنه سيجرد الأفراد من حقهم في الملكية وربما يتسبب بالنزوح الدائم لعدد لا يحصى من السوريين من منازلهم.

وقال بيريت لسوريا على طول “إن الكثير من مشاريع التنمية الحضرية التي نراها الآن حول دمشق هي أيضا مشاريع سياسية”، معنية بإعادة تصميم مساحات المدينة والمجتمعات داخلها، التي تسعى للسيطرة، مع “محاولة معاقبة المجتمعات الموالية للمعارضة بشكل واضح، حيث سيُشرد البعض منهم بشكل دائم”، بحسب بيريت.

ومن المقرر أن تبدأ مشاريع القانون ١٠ في عدد من ضواحي العاصمة السورية في وقت لاحق من هذا العام.

ومن المرجح أن تجعل العقوبات الأخيرة التي فرضها الاتحاد الأوروبي الأمور صعبة للغاية بالنسبة للأفراد والكيانات المحظورة، من حيث تنفيذ خطط الإعمار الجارية لناطحات السحاب ومراكز التسوق والمساكن الراقية التي تستهدف بشكل كبير العائلات الدمشقية من الطبقة العليا.

وأشار بعض المحللين إلى أن الاستثمار الخليجي في مشاريع البناء يمكن أن يوفر بدايات لرأس المال الذي تحتاجه الشركات السورية التي تتطلع إلى الاستثمار في تدمير وإعادة إعمار مساحات شاسعة من البلاد، وليس فقط في جنوب غرب دمشق.

ووفقاً للأكاديمي والناشط السويسري – السوري جوزيف ضاهر، والذي أجرى بحثاً في شبكات المحسوبية التي تشكلت حول إعادة إعمار سوريا، فإن “العقارات يمكن أن تكون استثماراً مبكراً، وما تتطلع إليه سوريا والمنطقة برمتها أكثر من ناحية السياسية الاقتصادية، هي الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتي تتيح بفعالية البنية التحتية للمستثمرين”.

وفي الإطار الاقتصادي الحالي الذي تتبعه الحكومة، قال ضاهر “تحتاج المشاريع الكبرى إلى رأس مال خاص- وإلا فلا يمكن تنفيذها”.

شارك هذا المقال