5 دقائق قراءة

الانتخابات الرئاسية السورية: عشرات المرشحين في “مسرحية هزلية” تقصي اللاجئين!

بعد عقد على اندلاع الثورة السورية صار نصف سكان سوريا تقريباً في عداد النازحين واللاجئين، ما يعني أنهم قد يكونون خارج العملية الانتخابية ترشحاً أو تصويتاً بحسب بنود في الدستور السوري وقانون الانتخابات العامة.


28 أبريل 2021

عمان – واحد وخمسون مرشحاً للانتخابات الرئاسية السورية، بما فيهم بشار الأسد، تقدموا بطلبات ترشحهم إلى المحكمة الدستورية، قبل انتهاء موعد استلام طلبات الراغبين بالترشح للانتخابات المزمع إجراؤها في 20 أيار/مايو المقبل للمواطنين خارج سوريا، و26 من الشهر ذاته للمواطنين داخل سوريا.

وكان رئيس مجلس الشعب السوري، حمودة صباغ، أعلن فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية اعتباراً من 19 نيسان/ أبريل الحالي، على أن يغلق مع نهاية الدوام الرسمي ليوم الأربعاء الموافق لـ28 من الشهر ذاته.

وفيما يُحرم المواطنون المقيمون خارج مناطق سيطرة حكومة دمشق، بما فيهم نحو أربعة ملايين نسمة في آخر مناطق المعارضة السورية شمال غرب سوريا، من الإدلاء بأصواتهم في “المهزلة الانتخابية”، كما وصفها سوريون، فإن ملايين آخرين قد يحرمون أيضاً تحت ذرائع قانونية ودستورية، أو بفعل معوقات أمنية ولوجستية تحول دون مشاركتهم.

لكن هذا ليس جديداً في سوريا، حيث الانتخابات “مصممة على مقاس بشار الأسد، وبما يضمن إعادة انتخابه بوقاحة أمام أنظار العالم”، قال المعارض السوري جورج صبرا، ورئيس المجلس الوطني السوري (المعارض) السابق، لـ”سوريا على طول”، مستشهداً بالتعديل الدستوري “الذي استغرق دقائق فقط، وأوصل بشار الأسد إلى كرسي الرئاسة”، في إشارة إلى التعديل الدستوري على المادة 82 من الدستور، بتخفيض الحد الأدنى المطلوب لسن الرئيس من 40 عاماً إلى 34 عاماً هو سن بشار الأسد، الذي ورث حكم أبيه.

معوقات الترشح والانتخاب

بعد عقد على اندلاع الثورة السورية صار نصف سكان سوريا تقريباً في عداد النازحين واللاجئين، ما يعني أنهم قد يكونون خارج العملية الانتخابية ترشحاً أو تصويتاً بحسب بنود في الدستور السوري وقانون الانتخابات العامة.

وتشترط المادة 84 من الدستور السوري، والمادة 30 من قانون الانتخابات العامة على الراغب بالترشح أن يكون “مقيماً في الجمهورية العربية السورية مدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح”، ما يعني إقصاء الراغبين بالترشح، المقيمين خارج البلاد، وخاصة المعارضين السياسيين، وغالبيتهم غادر البلاد.

فيما تشترط المادة 105 من قانون الانتخابات العامة على الناخب السوري المقيم خارج البلاد أن الاقتراع “بجواز سفره السوري العادي ساري الصلاحية والممهور بختم الخروج من أي منفذ حدودي سوري”. هذا الشرط يحرم كل لاجئ سوري فرّ من سوريا عبر معابر غير رسمية أو عبر شبكات التهريب، من المشاركة في الانتخابات.

لكن الخشية من ابتزاز السفارات والقنصليات السورية، وارتفاع تكاليف إصدار وتجديد الجواز السوري، الأغلى في العالم، يحرم السوريين في الخارج ممن انتهت صلاحيات جوازات سفرهم، أو من هم بحاجة لاستصدار وثائق ثبوتية ممن وصلوا إلى السن القانونية للانتخابات وهم خارج البلاد، من المشاركة في الانتخابات، كما قال عضو أمناء الرابطة السورية لكرامة المواطن، د. مازن كسيبي لـ”سوريا على طول”.

يضاف إلى ذلك، بحسب كسيبي، عقبات أخرى، من قبيل “عدم قدرة بعض اللاجئين من الوصول إلى السفارات السورية، أو عدم وجود سفارات في بعض البلدان”.

الإقصاء بموجب الدستور يطال أيضاً المواطنين داخل البلاد، الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية، إذ “لا يقبل طلب الترشيح إلا إذا كان طالب الترشيح حاصلاً على تأييد خطي لترشيحه من خمسة وثلاثين عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب”، بموجب المادة 85، كما “لا يجوز لعضو مجلس الشعب أن يمنح تأييده إلا لمرشح واحد”. هذا من شأنه أن يحرم غالبية المرشحين الذين تقدموا بطلبات ترشح للانتخابات الحالية، إذ من أصل 250 مقعداً في مجلس الشعب فاز حزب البعث العربي الاشتراكي وحلفاؤه في قائمة “الوحدة الوطنية” بـ177 مقعداً، في الانتخابات التشريعية التي أجريت في تموز/يوليو 2020، ما يعني ضمان بشار الأسد تأييدهم، كونه الأمين القطري لحزب البعث.

لكن، حتى وإن أتيح للنازحين واللاجئين السوريين المشاركة في الانتخابات، فإن ذلك لن يغير في نتائجها، إذ بحسب استبيان أجرته الرابطة السورية لكرامة المواطن، يرى 84.8% من المشاركين في الاستبيان أن الانتخابات في سوريا لم تكن عادلة أو شرعية قبل العام 2011، فيما تعرض 53.5% من المشاركين في الاستبيان لضغوط وأجبروا على التصويت.

الموقف الدولي من الانتخابات

في أعقاب الإعلان الرسمي عن موعد الانتخابات الرئاسية السورية، أعلنت الأمم المتحدة عدم انخراطها في هذه الانتخابات، وجاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده الناطق باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، بالمقر الدائم للمنظمة الدولية في نيويورك، الذي قال بأن “هذه الانتخابات ستجري في ظل الدستور الحالي، وهي ليست جزءاً من العملية السياسية”. مشدداً على ضرورة التوصل إلى حل سياسي بموجب قرار مجلس الأمن 2254، وهو قرار يدعو إلى إنهاء الأعمال العدائية، وتشكيل حكومة إنتقالية، وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.

كذلك، أعلن وزراء خارجية كل من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا في بيان مشترك، في 15 آذار/مارس الماضي، رفضهم أي عملية سياسية دون مشاركة جميع السوريين، بما فيهم النازحين واللاجئين، معتبرين أن الانتخابات المقترحة هذا العام لن تكون حرة ونزيهة.

ومع أن قانون الانتخابات العامة وضع آلية للإشراف على الانتخابات ومراقبة سير العملية الانتخابية، من خلال منح المحكمة الدستورية العليا حق الإشراف، بموجب المادة 34، فإن تسمية أعضاء المحكمة السبعة من رئيس الجمهورية، بموجب المادة 141 من الدستور يشكك في استقلالية العملية الانتخابية ونزاهتها وحياديتها.

من جهته، اعتبر الباحث في شؤون الشرق الأوسط وسوريا في الوكالة السويدية لأبحاث الدفاع (FOI)، آرون لوند، أن “الانتخابات الرئاسية الحالية لا تنسجم مع القرار 2254″، الذي رسم خارطة طريق سياسية “تتضمن دستوراً جديداً، وهيئة حاكمة وانتخابات جديدة”.

ولا يتوقع لوند أن يكون للانتخابات الرئاسية تأثير مباشر على المفاوضات، التي تقودها الأمم المتحدة عبر مباحثات جنيف، كما توقع أن لا تبشّر بتغيير في الواقع السياسي، لأنها “ببساطة تجري لأن الدستور السوري يطالب بضرورة إجرائها كل سبع سنوات” كما قال لـ “سوريا على طول”.

لكن في حال تمكنت دمشق من ضمان وجود مشاركة واسعة داخل البلاد وخارجها، في الانتخابات “التي تنظمها الحكومة السورية وتتحكم في نتيجتها”، بحسب لوند، فإنها “ستكون وسيلة لإظهار أنها [الحكومة السوري] ما تزال مسيطرة ومستقرة وقوية”.

موقف المعارضة السياسية من الانتخابات

تتزامن الانتخابات الرئاسية الحالية، وهي الثانية منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، مع مفاوضات سياسية بين نظام الأسد والمعارضة، عبر مسار جنيف الذي تقوده الأمم المتحدة، ومسار آستانة بضمانة كل من روسيا وتركيا وإيران.

ورغم انخراط نظام الأسد في عملية المفاوضات، وتالياً في اللجنة الدستورية، لصوغ دستور جديد للبلاد، إلا أنه “لم يكن يوماً مهتماً بالحل السياسي”، كما قال رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، د. نصر الحريري لـ”سوريا على طول”، متهماً النظام “السعي للقضاء على الحل السياسي بكل وسيلة، ومن خلال استمرار ممارساته العسكرية التي لا يعترف بغيرها هو وحلفاؤه”.

وعدم شرعية العملية الانتخابية المقبلة لا يقتصر على كونها تحرم الشعب السوري من المشاركة، بحسب الحريري، لكن أيضاً بسبب “جرائم النظام وسجله الحافل في انتهاكات حقوق الإنسان، واستخدامه الأسلحة الكيميائية وغيرها”.

ويعمل الائتلاف الوطني، وهو أعلى هيئة سياسية معارضة، على “إطلاق حملة بالتشارك مع منظمات وقوى ثورية لمواجهة النظام”، إضافة إلى تواصله “مع عدة أطراف دولية للعمل على ضغوط حقيقية تدفع النظام نحو الحل السياسي”.

واعتبر الحريري أن المجتمع الدولي مشارك في “إعادة عرض هذه المسرحية الهزلية بائسة الإخراج كون النظام لم يتعرض لأي ضغط أو تحد حقيقي يمنعه من إجراء الانتخابات”، مشدداً على أن “إجراء الانتخابات يمثل إساءة للديمقراطية والشرعية”.

لذلك، يتعين على المجتمع الدولي والأمم المتحدة “اتخاذ موقف حقيقي وصارم تجاه المحنة السورية المستمرة منذ عشر سنوات”، بحسب المعارض السوري جورج صبرا، معتبراً أن “كرة الحل السياسي اليوم في ملعبهم”.

وفيما يعني “إصرار النظام على إجراء الانتخابات مؤشر على انعدام الحل السياسي، وعدم توفر الإرادة الدولية لذلك”، كما قال صبرا، فإن الاستمرار في هذه الانتخابات يعني “استمرار الاحتلال الروسي والإيراني لسوريا، من خلال مجرم حرب يجري تثبيته بالآلة العسكرية الروسية وتسويقه على أنه زعيم دولة”.

شارك هذا المقال