5 دقائق قراءة

البحث عن علاج بتكلفة محتملة: عودة قسرية من نوع آخر للاجئين السوريين

عمان- لم يكن تشخيص أحمد الشحادات بمرض "السرطان" هو الصدمة الوحيدة التي تعرض لها وعائلته. فارتفاع تكاليف العلاج كان أيضاً صدمة لا تقلّ بشدتها عن الأولى.


22 أغسطس 2019

ياسين المبارك

 

عمان- لم يكن تشخيص أحمد الشحادات بمرض “السرطان” هو الصدمة الوحيدة التي تعرض لها وعائلته. فارتفاع تكاليف العلاج كان أيضاً صدمة لا تقلّ بشدتها عن الأولى.

الشحادات (54 عاماً) لاجئ سوري عاش في محافظة إربد، شمال الأردن، حيث تم تشخيص إصابته بسرطان الإثني عشر. وهو مرضٌ نادر يصيب بداية الأمعاء الدقيقة، بما يستدعي “إجراء عملية استئصال للجزء المصاب على وجه السرعة” بحسب ما قال ابنه محمد لـ”سوريا على طول”.

بناء على طلب الطبيب المشرف، راجع محمد عدداً من مستشفيات إربد لإجراء العملية الجراحية لوالده، والتي تبين أنه ليس بمقدور العائلة تحمل تكلفتها، إذ “تتراوح بين 5 و10 آلاف دينار أردني”، علماً أن العائلة استدانت “مبلغ ألفي دينار لدفع تكاليف الفحوصات والتحاليل”، كما كشف الابن.

وزارة الصحة الأردنية كانت قد أصدرت، في نيسان/أبريل الماضي، قراراً يقضي بمعاملة اللاجئين السوريين المراجعين للمستشفيات والمراكز الصحية الحكومية معاملة المواطنين الأردنيين غير المؤمّنين. لكن التكلفة تظل، بالرغم من ذلك، مرتفعة للاجئين، بحيث صارت سبباً لعودة عدد منهم إلى سوريا لتلقي العلاج هناك، لا سيما بعد فتح الحدود بين البلدين في تشرين الأول/أكتوبر 2018.

ودّع الشحادات عائلته، في نيسان/ أبريل الماضي، متوجهاً إلى سوريا عبر المعبر الحدودي جابر- نصيب، حيث تم إدخاله إلى مستشفى المجتهد في دمشق، والذي بلغت تكلفة إجراء “عملية استئصال الورم فيه ما لا يزيد عن ما يعادل 550 دينار أردني” أي 10 بالمائة من تكلفتها في عمّان، بحسب محمد. 

وقد وافت أحمد الشحادات المنية بعد العملية بأيام.

ويؤكد الناشط الأردني محمود صدقة، المتطوع في مجال تقديم المساعدات الطبية للأردنيين واللاجئين السوريين، “ارتفاع التكاليف العلاجية في الأردن لبعض الأمراض”.

وهو أمر لا يقتصر على اللاجئين، وإنما يمس المواطنين الأردنيين أيضاً، كما قال صدقة لـ”سوريا على طول”؛ إذ إن “العمليات القلبية وأمراض السرطان تكاليفها مرهقة للأردنيين والسوريين على حدّ سواء”. مشيراً في الوقت ذاته إلى “حصول لاجئين سوريين على مساعدات لعلاج السرطان وغيره عبر منظمات أو مبادرات فردية، لكن ليس في كل الحالات”.

وأعلن البنك الدولي، بحسب بيان صادر عنه في حزيران/يونيو الماضي، اقراره “مشروعاً بقيمة 200 مليون دولار أميركي لدعم الحكومة الأردنية لضمان استمرار تقديم الخدمات الصحية الأولية والثانوية المهمة في مرافق وزارة الصحة، لكل من الأردنيين غير المؤمنين واللاجئين السوريين”.

عودة طبية قسرية

فيما تعلن الحكومة السورية تشجيعها اللاجئين على العودة إلى وطنهم، بما في ذلك تقدّيم تسهيلات إجرائية رمزية تتعلق بتصويب أوضاع اللاجئين وتوثيق أحوالهم المدنية عبر سفاراتها، تشير أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى عدم تجاوز أعداد اللاجئين العائدين من الأردن ما مجموعه 27 ألف شخص منذ إعادة فتح الحدود بين البلدين في تشرين الأول/ أكتوبر 2018.

وربما كانت الظروف الطبية لعدد غير قليل من اللاجئين السوريين في الأردن واحدة من الأسباب التي تدفع بعضهم إلى التفكير في العودة إلى وطنهم الذي لم يتعاف من ويلات الحرب، عدا عن استمرار خطر الملاحقة والاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية السورية.

هذا ما حدث مع محمد الأحمد (31 عاماً)، والذي لجأ إلى الأردن في العام 2013، حيث يدرس حالياً في إحدى الجامعات الأردنية، إضافة إلى العمل بدوام مسائي لإعالة زوجته وطفليه.

إذ عقب ترقب لوضع زوجته “توأمين”، تحولت السعادة إلى قلق، مع تبين أن أحد المولودين “يعاني من التصاق بعظم الجمجمة أو ما يعرف بـ”الرأس الزروقي””.

ومع بلوغ طفله المريض شهره الرابع تبيّن أنه يعاني من وجود سوائل في دماغه، ما يستدعي أكثر من عملية جراحي تقدّر تكاليفها بنحو 7 آلاف دينار أردني، لا يملك منها شيئاً، إذ “بالكاد أغطي مصاريف عائلتي اليومية” كما قال لـ”سوريا على طول”.

أغلقت الأبواب في وجه الأحمد بعد أن اعتذرت منظمات وجمعيات أردنية تعنى بتقديم المساعدات الطبية للاجئين، عن تقديم المساعدة، كونها “لا تغطي هذا النوع من العمليات”.

بالنتيجة، بدأ التفكير في علاج طفله في دمشق، رغم أن هكذا قرار كان يبدو حتى فترة وجيزة “ضرباً من الخيال”، كما يقول، نتيجة المخاطر الأمنية على العائلة، لا سيما وأن زوجته “غادرت سوريا إلى الأردن بطريقة غير شرعية”.

إضافة إلى ذلك، لفتت متطوعة سورية تعمل على دعم الحالات الطبية في الأردن، إلى أن “مسألة العلاج في سوريا ليست سهلة بالنسبة للاجئين السوريين”. ذلك أن “المرضى يصطدمون بأوضاع الحرب في سوريا، كما الأنظمة والتعليمات المعمول بها في الأردن بشأن مغادرة اللاجئين السوريين”.

وكما قالت المتطوعة لـ”سوريا على طول”، فإن المريض الراغب في تلقي العلاج في سوريا ثم العودة يحتاج “ورقة (خروج وعودة) للسماح له بدخول الأراضي الأردنية مجدداً. لكن في الحالات الإسعافية لا يمكن للمريض انتظار صدور الموافقة [التي] تحتاج 15 يوماً على الأقل، ما يوقعه أمام خيارين: إما المغادرة مجازفاً بإمكانية عدم العودة [إلى الأردن]، أو الانتظار وتحمّل ما ينتج عن ذلك من تدهور في حالته الصحية”.

عجز طبي وانخفاض الدعم

أثناء تواصل “سوريا على طول” مع المتطوعة السورية، كانت ترافق في مستشفى البشير الحكومي في العاصمة عمان، سيدة سورية مصابة بـ”سرطان الثدي”، بحاجة لجرعات “كيماوي”، لكنها تعجز عن تأمين تكاليفها.

بعد مناشدات لأفراد، تم تأمين مبلغ 160 دينار أردني، يغطي تكلفة الجرعة الأولى فقط، فيما “لا يوجد رصيد مالي لتغطية جلسات العلاج الأخرى، [عدا عن] عدم وجود منظمة إنسانية تتحمل مسؤولية هذه الحالة” بحسب المتطوعة.

بالنتيجة، “لم يبق أمام السيدة المسنة سوى العودة إلى سوريا لمواصلة علاجها، [إذ] لا يتجاوز ثمن جرعة [الكيماوي] هناك أكثر من 8 آلاف ليرة سوري، أو ما يعادل 10 دنانير أردنية فقط”. 

لكنها مع تقدم سنها ومرضها، فإنها ستكون مضطرة للسفر وحدها”، كما ذكرت المتطوعة. موضحة أنه “لا يمكن لولدها مرافقتها في رحلة العلاج إلى سوريا” بسبب المخاوف الأمنية.

وأكدت مصادر طبية لـ”سوريا على طول” الصعوبات التي تواجه اللاجئين السوريين في الأردن، على صعيد تلقي الدعم الطبي المنتظم. 

إذ بحسب مدير المناصرة في الجمعية الطبية السورية-الأميركية (سامز)، الدكتور محمد كتوب، لـ”سوريا على طول”، تغطي الجمعية “الجانب الطبي في الأردن بطريقتين: العيادات، وهي تعمل بشكل داعم، أو من خلال بعثات طبية تقوم على حضور أخصائيين من الخارج إلى الأردن لعدة أيام”، لافتاً إلى أنّ “سامز” “لا تقدم دعماً للعمليات الجراحية، [إذ] لا يوجد مانحون يغطون ذلك”.

وقالت المتطوعة إنها “تعتمد خلال عملها في دعم بعض الحالات الطبية على مساعدات مالية من أفراد، كما محاولة الحصول على خصومات من المشافي الخاصة”.

وتتفاقم التحديات الطبية التي تواجه اللاجئين السوريين عموماً، بمن في ذلك المتواجدين على الأراضي الأردنية، نتيجة تراجع تمويل الدول المانحة. إذ هناك مؤشرات على تخفيض المنظمات الإنسانية المعنية وجودها في البلدان المجاورة لسوريا وتحويل اهتمامها إلى الداخل. ساهم في ذلك ترويج حكومة دمشق لفكرة أن الحرب تقترب من نهايتها وأن عودة اللاجئين أصبحت آمنة.

 

تم إنجاز هذا التقرير ضمن مشروع مؤسسة سوريا على طول “ربط المجتمعات من خلال التشارك المهني” والذي ينفذ بالشراكة مع برنامج “دايركت إيد” التابع للسفارة الأسترالية في عمان. 

 

شارك هذا المقال