5 دقائق قراءة

البحث عن مخرج: مناطق المعارضة شمال سوريا ملاذ الفارين من “التجنيد” والتدهور الاقتصادي

تشهد مناطق المعارضة السورية شمال غرب سوريا إقبالاً مستمراً للمدنيين من مناطق النظام هرباً من التجنيد الإجباري، ونتيجة تدهور الظروف الاقتصادية، لكن غالباً ما تكون مناطق المعارضة ممراً يعبرون منه إلى تركيا، وقد يصل بعضهم إلى أوروبا.


1 أبريل 2022

إدلب- في 10 آذار/ مارس الحالي، وصلت فاطمة العلي (اسم مستعار)، إلى بلدة أطمة في ريف إدلب الشمالي، التابعة لسيطرة المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام، قادمة من مدينة التل بريف دمشق، تحت سيطرة النظام السوري.

قبل اندلاع الثورة السورية، منتصف آذار/ مارس 2011، وتالياً تقطيع أوصال الجغرافية السورية بحكم سيطرة القوى المختلفة، كان يمكن للعلي الوصول إلى محافظة إدلب في غضون أربع ساعات وبتكلفة لا تتجاوز 200 ليرة سورية (4 دولار أميركي بحسب سعر الصرف آنذاك)، لكن رحلتها الأخيرة، كما ذكرت السيدة البالغة 45 عاماً لـ”سوريا على طول” استغرقت يومين وبتكلفة 600 دولار أميركي، عن طريق المهربين، الذين كان لهم الجزء الأكبر من التكاليف، لقاء إيصالها إلى “مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي” الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري (المعارض)، ومنها واصلت رحلتها إلى أطمة.

تمكنت فاطمة العلي ” اسم مستعار” 45 عام من الوصول الى بلدة اطمه شمال إدلب في 10 من شهر آذار الحالي قادمة من منطقة التل غرب دمشق، رافقها ولدها عمر 12 عاما في رحلتها التي استمرت ليومين، ما رتب عليها 200$ إضافية على 400$ التي اخذها المهربون لقاء نقلها الى منطقة جرابلس شمال حلب والخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري.

ومع أن إخوتها نازحون في مخيمات أطمة، إلا أن ظروفهم المعيشية أفضل من تلك التي عاشتها في مدينة التل بمناطق سيطرة النظام، بحسب قولها، لذلك قررت المجازفة للوصول إلى إدلب رفقة ابنها البالغ من العمر 12 عاماً، من دون زوجها، الذي “يعمل في مجال النجارة”، وإذا تبين أن البيئة مناسبة “لإيجاد فرصة عمل سيلحق بي”، أو قد تضطر إلى “مواصلة الرحلة إلى تركيا”.

وتشهد مناطق المعارضة السورية شمال غرب سوريا إقبالاً مستمراً للمدنيين من مناطق النظام هرباً من التجنيد الإجباري، ونتيجة تدهور الظروف الاقتصادية، لكن غالباً ما تكون مناطق المعارضة ممراً يعبرون منه إلى تركيا، وقد يصل بعضهم إلى أوروبا.

يؤكد ذلك، تصريحات وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في شباط/ فبراير الماضي، قال فيها أن “جزءاً كبيراً من القادمين من سوريا يأتون من محيط العاصمة دمشق. هذه عملية تستهدف الغرب عبر تركيا بسبب الأزمة الاقتصادية”، مشيراً إلى أن “القادمين من تلك المناطق سيتم وضعهم داخل المخيمات ولن نمنحهم وضع الحماية المؤقتة”.

المال يحكم الطريق

في أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي وصل علي الحسين، 19 عاماً، فراراً من التجنيد الإجباري، إلى مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، قادماً من دمشق رفقة  20 شخصاً آخرين، غالبيتهم مطلوبون للخدمة العسكرية.

انطلقت الحافلة التي تقلّ الحسين، من كراج السيدة زينب في جنوب العاصمة دمشق، واتفق مع المهرب أن يدفع تكاليف الرحلة، وقدرها 450 دولاراً، بعد وصوله إلى وجهته. 

كان الحسين “خائفاً من وقوع خطر علينا في الطريق”، لكن كانت “الرحلة ميسّرة، كون شبكة التهريب تنسق عملها مع متنفذين وضباط في صفوف النظام”. وخلال رحلته، التي استغرقت 24 ساعة، توقفت الحافلة على أكثر من حاجز للنظام، ولكن “دفع المهرب والشخص الدليل معه المال لعناصر الحاجز مقابل أن نتابع طريقنا من دون تدقيق”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وأضاف الحسين “مهما كنت مطلوباً لقوات النظام فالمال هو الحل”، وفي بعض الأحيان “يكفي أن يقول المهرب لعناصر الحاجز أننا من طرف الضابط فلان ليسمح بعبورنا، وهو ما حدث معنا”.

وتعمل شبكات التهريب بـ”أسلوب عمل مترابط في سوريا بمختلف مناطق النفوذ”، بحسب ما ذكر قيادي في الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني السوري بمنطقة جنديرس لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن الشبكات التي تعمل في مناطق النظام لها امتداد في مناطق المعارضة أيضاً.

وبحسب القيادي، يعبر الأشخاص من مناطق سيطرة الإدارة الذاتية إلى مناطق المعارضة عبر نقطتي الساجور- جرابلس، ومنبج- الباب، فيما يعبرون من مناطق سيطرة النظام عبر نقاط تادف-الباب، الباسوطة- أناب، وجبل الشيخ عقيل غرب حلب- إدلب، لافتاً إلى ضبط “أشخاص يحملون جنسيات أخرى، من اليمن وفلسطين، ومن إفريقيا، ويقدر عددهم بنحو 167 شخصاً”.

إجراءات أمنية

نظراً لعدم وجود معابر رسمية لدخول المدنيين إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية، يدخل القادمون إلى المنطقة بطريقة غير رسمية، لكن في حال ضُبطوا لحظة دخولهم “يتم توقيفهم والتحقق من ملفهم الأمني، وإذا تبين أنهم ليسوا عملاء لأي جهة، ولا يشكلون خطراً على المناطق المحررة يتم إطلاق سراحهم”، وفقاً للقيادي في الشرطة العسكرية بجنديرس.

وأضاف القيادي: “تتم عملية التوقيف عن طريق إبلاغ النائب العام في منطقة إلقاء القبض عليهم، وينقلون إلى مركز الشرطة العسكرية للتحقق من هوياتهم ومقتنياتهم الشخصية”، إلى جانب “التأكد من مكان سكنهم الأصلي وطريق العبور واسم المهرب” ومن ثم “تعرض الضبوط على القاضي، وقد تستغرق مدة توقيفهم من 4 إلى 24 ساعة”.

وتُعامل النساء معاملة خاصة، إذ يتم التعامل معهم “عبر الشرطة النسائية في ريف حلب الشمالي، ويتم إطلاق سراحهم فوراً في حال وجود صلة قرابة مع أشخاص موجودين في المنطقة ويتكفلون بخروجهم على مسؤوليتهم”، وفقاً للقيادي.

وبعد وصوله “يحصل الشخص القادم من مناطق النظام أو قسد [قوات سوريا الديمقراطية] على هوية شخصية من المجلس المحلي للمنطقة التي يسكنها، شريطة استخراج سند إقامة من أحد المخاتير”، كما قال حسن المصطفى، مدير المكتب الإعلامي في مجلس جرابلس المحلي.

وشدد المصطفى على ضرورة حصول القادمين الجدد “على هوية صادرة عن المجلس المحلي، لتسهيل مرورهم على الحواجز المنتشرة شمال غرب سوريا، وإمكانية دخولهم إلى المشافي في المنطقة”، موضحاً أن “الشخص الذي لا يملك هوية صادرة عن المجالس في المنطقة في حال توقيفه من الشرطة لا يتم إطلاق سراحه قبل استصدارها”.

وحاول موقع “سوريا على طول” الحصول على أرقام تقريبية لأعداد القادمين إلى مناطق المعارضة شمال غرب سوريا، لكن “ذلك غير ممكن لعدم وجود قاعدة بيانات مشتركة بين المجالس المحلية في مناطق الجيش الوطني، ونظراً لعدم وجود معابر رسمية يدخل منها القادمون”، بحسب المصطفى.

النظرة للقادمين الجدد

في شمال غرب سوريا، يعيش نحو خمسة ملايين نسمة، ثلاثة ملايين منهم نازحون، غالبيتهم اضطروا إلى النزوح نتيجة العمليات العسكرية أو عمليات “التهجير القسري”، كما في تهجير مدينة حلب أواخر العام 2016، والغوطة الشرقية في آذار/ مارس 2018.

ومع عمليات خروج المدنيين من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة شمال غرب سوريا تتباين نظرة المدنيين، خصوصاً المهجرين قسراً للقادمين الجدد، كما بالنسبة لمحمد الحسن، النازح من بلدة كفرعويد في ريف إدلب الجنوبي، معتبراً أن “هؤلاء لو عارضوا النظام منذ البداية ربما تغير حالنا أفضل”.

وأضاف الحسن لـ”سوريا على طول”: “في وقت الشدة كان الأشخاص في مناطق النظام يسخرون منا ومن معاناتنا ومن سكننا في الخيام، واليوم يتهافتون إلى هذه المناطق للعبور منها إلى خارج سوريا”.

لكن هذا لا ينفي أن “معظم القاطنين في مناطق النظام مقيّدين ومجبرين على الحياة في ظروف صعبة، وسط انعدام الأمن الغذائي والسطوة الأمنية التي تفرضها أجهزة النظام وميليشياته”، كما قال الناشط الإعلامي فادي شباط، المهجر من جنوب دمشق.

ومن وجهة نظر شباط، المقيم حالياً في مخيم دير بلوط بريف عفرين، “من حق هؤلاء الانتقال والتنقل على الأرض السورية، والاستقرار في أي منطقة تحفظ كرامتهم وتوفر لهم مقومات الحياة”، لكنه حذر في حديثه لـ”سوريا على طول” من “خطورة تفريغ مناطق النظام من سكانها، ومع ذلك لكل إنسان الحق في تقرير مصيره واختيار المكان الذي يرغب العيش فيه”.

شارك هذا المقال