7 دقائق قراءة

البطاقات الشخصية الصادرة عن “الإنقاذ” في إدلب: “حلول مؤقتة” أم تعزيز لفوضى الوثائق؟

مشكلة الاعتراف بالوثائق من أبرز التحديات التي تواجه سكان شمال غرب سوريا. حكومة_الإنقاذ تعتمد على الوثائق الصادرة عنها، وللحكومة السورية المؤقتة في ريف حلب وثائق خاصة بها، ووثائق الجهتين غير معترف بها دولياً


21 سبتمبر 2022

إدلب- مع إعلان حكومة الإنقاذ في شمال غرب سوريا البدء بمنح البطاقات الشخصية (الهوية) للمقيمين في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، تجد سيرين سعد الدين (اسم مستعار) نفسها مضطرة للتسجيل في أحد المراكز المخصصة لاستصدار بطاقة شخصية، هي الثالثة، بعد بطاقة صادرة عن أحد المجالس المحلية التابعة للحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، وقبلها الصادرة عن النظام السوري.

بدأ التسجيل على البطاقات الشخصية الجديدة، في 17 أيلول/ سبتمبر الحالي، وخصصت حكومة الإنقاذ خمسة مراكز في مدينة إدلب وريفها لهذا الغرض، وتهدف من هذه الخطوة مواجهة “الكثير من المشاكل والتحديات، أبرزها: صعوبة التوثيق أثناء تثبيت عقود الزواج، وعقود البيع والشراء، وتثبيت المعاملات العقارية، وفي حالة الخصومات أمام القضاء”، كما جاء في مؤتمر صحفي لوزير الداخلية في حكومة الإنقاذ، محمد عبد الرحمن، عقده قبل يوم واحد من بدء التسجيل.

نظرياً، تحلّ “الهوية” الجديدة محلّ البطاقات الصادرة عن جهات أخرى، لكن بالنسبة لعدد من سكان شمال غرب سوريا، البالغ عددهم نحو أربعة ملايين نسمة، نصفهم نازحون داخلياً، لا يمكن الاستغناء عن محفوظاتهم من الوثائق الأخرى، خاصة الصادرة عن مؤسسات المعارضة المدعومة من تركيا في ريف حلب الشمالي، كما اشتكت سيرين سعد الدين في حديثها لـ”سوريا على طول”.

غادرت سيرين حي التضامن بدمشق، في عام 2014، رفقة ابنها الوحيد، بعد اعتقال النظام السوري لزوجها، وتعيش حالياً في بلدة حزانو بريف إدلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، لكن عملها كمسؤولة ميدانية مع منظمة مجتمع مدني، مكاتب إدارتها في تركيا، اضطرها في عام 2019 إلى استخراج بطاقة شخصية صادرة عن المجلس المحلي لناحية جنديرس في ريف عفرين، التابع للحكومة السورية المؤقتة، باعتبارها شرط أساسي لفتح حساب بنكي في مؤسسة البريد التركي (PTT)، المنتشر في مناطق الجيش الوطني بريف حلب، حتى تتمكن من قبض راتبها الشهري.

إضافة إلى ذلك، تحمل سيرين بطاقة صادرة عن المنظمة التي تعمل معها، وهي ليست وثيقة رسمية صادرة عن السلطات المحلية، إلا أنها بطاقة تعريفية “تسهّل مروري على الحواجز العسكرية” بين مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام ومناطق نفوذ الجيش الوطني.

وثائق سيرين سعد الدين، وهي من الأعلى يمين: دفتر عائلة صادر عن حكومة الانقاذ، بطاقة تعريف من المنظمة التي تعمل بها، دفتر عائلة صادر عن النظام السوري، كرت البريد التركي PTT، بطاقة شخصية صادرة عن النظام.

عبّرت سيرين عن استيائها من وجود أكثر من إثبات شخصية على أرض سورية واحدة، غير أنها لا تستطيع الاستغناء عن أي منها، كما قالت. البطاقة الشخصية الصادرة عن المجلس المحلي لناحية جنديرس تخولها الحصول على خدمات في مناطق النفوذ التركي، أما الوثائق الصادرة النظام “حتى إن كانت منتهية الصلاحية، قد أحتاجها مستقبلاً”.

قبل اعتقاله بشهر واحد، اشترى زوج سيرين بيتاً في حي التضامن، ولكنها نزحت إلى شمال غرب سوريا قبل توثيق الشراء في المؤسسات الحكومية المعنية، ولا تملك إثباتاً على ملكية البيت إلا “عقد البيع، وفواتير الماء والكهرباء”، لذلك “أحتفظ بها على أمل أن تسهم هذه الأوراق في صون حقي وتثبيت ملكيتنا مستقبلاً”، بحسب سيرين.

فوضى اعتراف داخلية

تعد الوثائق من أبرز التحديات التي تواجه سكان شمال غرب سوريا، نظراً لعدم الاعتراف بها خارج حدود المنطقة أو في دول اللجوء، لكن الأسوأ بالنسبة لهم عدم الاعتراف بهذه الوثائق ضمن حدود المنطقة، من قبيل عدم اعتماد حكومة الإنقاذ للوثائق الصادرة عن الحكومة السورية المؤقتة في ريف حلب الشمالي أو العكس.

“معي ثلاث بطاقات مزاولة مهنة صادرة عن النظام، حكومة الإنقاذ، مديرية الصحة في إدلب”، قال الطبيب محمد خير العلي (اسم مستعار) لـ”سوريا على طول”، لدرجة “صرت أعاني من فوضى الأوراق وكثرتها عند تنقلي بين إدلب وريف حلب”، معبراً عن استيائه كون “كل جهة ترفض الاعتراف بالأوراق الصادرة عن الجهة الأخرى في نفس البلد”.

يحمل العلي “ترخيصاً دائماً لمزاولة مهنة طب الأسنان، حصلت عليها عام 2007، وبموجب الترخيص يحق لي مزاولة المهنة في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية، لكن لم يُعترف به من وزارة صحة إدلب”، واضطر إلى الحصول على ترخيص مزاولة مهنة جديد منها، كما أوضح.

وفي منتصف حزيران/ يونيو الماضي، طلبت وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ من أصحاب المهن الطبية والعاملين في المجال الطبي الحصول على ترخيص مزاولة المهنة من وزارة الصحة خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القرار، وبذلك ألغي الاعتراف بتراخيص مزاولة المهنة الصادرة عن مديرية صحة إدلب التابعة للحكومة السورية المؤقتة.

وشبه العلي حال الناس في شمال غرب سوريا بالسيارات في المنطقة “حيث للسيارة الواحدة أكثر من لوحة، ولا أحد يعترف عليها”، مستأنفاً: “ونحن كذلك لا أحد يعترف بنا وبوثائقنا عالمياً لحدّ الآن”، بحسب العلي.

سيارة تحمل لوحتين: على اليمين لوحة صادرة عن حكومة الإنقاذ، وعلى اليسار لوحة صادرة عن الحكومة السورية المؤقتة في ريف حلب الشمالي، 18/ 5/ 2022، (محمود حمزة)

في حزيران/ يونيو الماضي، حررت مخالفة سير بحق أحمد العثمان، أثناء مروره في مناطق نفوذ الجيش الوطني بريف حلب الشمالي، لأنه لا يحمل رخصة قيادة صادرة عن أحد المجالس المحلية في ريف حلب، رغم أنه يحمل رخصة قيادة صادرة عن النظام السوري ومعترف بها في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ.

يقيم العثمان في مخيمات أطمة بريف إدلب الشمالي، التابعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، منذ نزوحه عن مسقط رأسه في جبل الزاوية، عام 2020، ولكن بحكم عمله كسائق شاحنة لنقل البضائع يضطر إلى التنقل بين مناطق الهيئة والجيش الوطني.

وعندما قال العثمان لعناصر حاجز عفرين، الذين حرروا له المخالفة، بأنه يقود على الرخصة الصادرة للنظام ولم يواجه مشكلة في إدلب طلب منه أحد العناصر بـ”استخراج رخصة من أحد المجالس المحلية بمناطق نفوذ الجيش الوطني حصراً”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وبدوره، قال حسن المصطفى، مدير المكتب الإعلامي في المجلس المحلي لمدينة جرابلس، في مناطق نفوذ الجيش الوطني أن “الأشخاص الذين لا يحملون بطاقات شخصية صادرة عن المجالس المحلية في ريف حلب لا يمكنهم التنقل بين المناطق، وهم معرضون للتوقيف على الحواجز العسكرية”، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن “المجلس لا يعترف بالهوية الشخصية الصادرة عن النظام أو دفتر العائلة الصادر عنه”.

لذلك يتعين على الشخص المقيم في مناطق نفوذ الجيش الوطني “الحصول على بطاقات شخصية صادرة عن المجالس المحلية في المنطقة للحصول على الخدمات المدنية والطبية ضمن مناطق الجيش الوطني”، كما أوضح المصطفى. 

تصدر المجالس المحلية البطاقات الشخصية للمدنيين “استناداً إلى الهوية الشخصية أو إخراج القيد الصادر عن النظام”، وفي حال عدم وجود هذه الوثائق “يمكن الحصول عليها بإحضار سند إقامة من المختار أو شاهدين يحملان بطاقة شخصية من نفس المجلس ويقيمان في المنطقة، لإثبات هويته وكفالته لدى المجلس”، ويتوقف إصدار البطاقة على “نتيجة البحث الأمني” الصادر عن مؤسسات الجيش الوطني.

في المقابل، تعترف المجالس المحلية بريف حلب الشمالي ببعض الأوراق الصادرة عن النظام، من قبيل الشهادات الجامعية، ويُعتمد عليها “لمنح الشخص وثائق مزاولة المهنة الصادرة عن الجهات المختصة في مناطق الجيش الوطني، كوزارة الصحة أو مديريات التربية والتعليم”، بحسب المصطفى.

“أساس لحفظ الحقوق”

على صعيد شخصي، يعاني المحامي فهد الموسى، المقيم في مدينة بنش شمال شرق إدلب، الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، من أزمة الاعتراف بالوثائق الشخصية والمهنية في شمال غرب سوريا، وقد تعرضّ لمضايقات من أحد قضاة إدلب “عندما علم أنني عضو في نقابة المحامين الأحرار بمناطق الجيش الوطني، ولست منتسباً لنقابة المحامين في إدلب”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

ومع ذلك، تشكل الوثائق الصادرة عن الجهات المسيطرة في شمال غرب سوريا “أساساً لحفظ الحقوق”، وفقاً للموسى، خاصة بالنسبة للنازحين والمهجرين “الذين تركوا ديارهم قسراً، وبشكل جماعي مفاجئ، وبالتالي خرجوا من دون وثائقهم الشخصية”، معتبراً أن الوثائق الصادرة عن سلطات الأمر الواقع “لا تشكل فوضى، وإنما هي حل مؤقت، تسهل معاملات الناس في الزواج والطلاق وتراخيص العمل، وقد يكون لها صفة قانونية في المستقبل”، بحسب قوله.

وبدوره، اعتبر المحامي عبد الناصر حوشان، عضو مجلس نقابة محامي حماة الأحرار، المقيم في تركيا، أن البطاقات الشخصية الصادرة عن حكومة الإنقاذ أو الحكومة السورية المؤقتة في شمال غرب سوريا “بطاقات تعريفية وليست شخصية، لأنها لا تمنح الجنسية لحامليها، ولا تغيّر في الأحوال المدنية”، كون هاتين الجهتين “لا تتمتعان بالشخصية القانونية الدولية، وأي إجراء منهما ليس له تأثير على الأحوال المدنية للسوريين”.

هذا لا ينفي أهمية إصدار الوثائق من الجهات المعنية في شمال غرب سوريا، وهو “إجراء ضروري وإيجابي”، خاصة في ظل “وجود جيل من السوريين النازحين إلى شمال سوريا لم يحصلوا على أي وثائق تثبت هويتهم السورية”، وفقاً المحامي حوشان، لكن يتعين على حكومة الإنقاذ والحكومة السورية المؤقتة “التعاون والتنسيق فيما بينهما وتسهيل التعامل بالوثائق الصادرة عن كلّ منهما”.

إضافة إلى ذلك، فإن إصدار البطاقات الشخصية “هي وسيلة ضرورية لتعقّب الجرائم المرتكبة من قبل مجهولين، لأن الهوية تتضمن بصمة حاملها وصورته وبياناته الشخصية، وهي معلومات يمكن الاعتماد عليها في التحقيقات”، بحسب حوشان.

تفقد الوثائق الصادرة عن مؤسسات المعارضة في شمال غرب سوريا بمجرد الخروج من حدود المنطقة، ليصطدم سكان هذه المناطق بأزمة وثائق جديدة بعد لجوئهم إلى الدول المجاورة أو أوروبا، كما حدث مع الناشط الإعلامي علاء فطراوي، الذي وصل إلى ألمانيا أواخر عام 2020، ضمن منحة لجوء استفاد منها عدد من الناشطين الإعلاميين آنذاك.

حمل فطراوي وثائقه الشخصية، ومنها “دفتر عائلة صادر عن حكومة الإنقاذ في إدلب، ورخصة قيادة سيارة صادرة عن النظام السوري”، وتقدم بهذه الأوراق للسلطات الألمانية، لكن الأخيرة “لم تعترف بدفتر العائلة باعتباره صادر عن جهة غير معترف بها، وطالبتني باستخراج دفتر عائلة من القنصلية في برلين”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

في المقابل “اعترفت برخصة القيادة الصادرة عن النظام، واشتريت بموجبها سيارة فور وصولي إلى ألمانيا”، بحسب فطراوي.

بعيداً عن أزمة الاعتراف بالوثائق السورية داخلياً وخارجياً، يحافظ الطبيب محمد خير العلي على وثائقه “كأنها ولد من أولادي”، بحسب قوله. أما سيرين سعد الدين تحتفظ بأرشيف وثائقها باعتبارها جزء من تاريخها وشخصيتها، وأثناء تنظيف منزلها وجدت “إخراج قيد قديم تعرض للبلل وأخفت المياه مضمونه لكني أحتفظ به إلى الآن”.

شارك هذا المقال