7 دقائق قراءة

التخلص من المخلفات المتعلقة بفيروس كورونا شمال غرب سوريا: الجانب الآخر لمواجهة الوباء

في شمال غرب سوريا، حيث يمثّل تصاعد المنحنى الوبائي للإصابات بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) تهديداً لنحو أربعة ملايين نسمة، نصفهم نازحون، يصطدم القطاع الطبي أيضاً بتحديات أخرى ذات صلة، منها صعوبة إتلاف المخلفات الطبية الناتجة عن مراكز العزل والمراكز الصحية الخاصة باستقبال مصابي كورونا.


17 يناير 2021

إدلب – في شمال غرب سوريا، حيث يمثّل تصاعد المنحنى الوبائي للإصابات بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) تهديداً لنحو أربعة ملايين نسمة، نصفهم نازحون، يصطدم القطاع الطبي أيضاً بتحديات أخرى ذات صلة، منها صعوبة إتلاف المخلفات الطبية الناتجة عن مراكز العزل والمراكز الصحية الخاصة باستقبال مصابي كورونا.

إذ منذ أواخر أيلول/سبتمبر 2020، تصاعد بشكل ملفت منحنى الإصابة بالوباء في منطقة شمال غرب سوريا الخاضعة لسيطرة المعارضة وهيئة تحرير الشام، ليبلغ عدد الإصابات، حتى 16 كانون الثاني/يناير الحالي، 20,822، منهم 376 حالة وفاة، بحسب أرقام نشرتها مديرية صحة إدلب. وعدا عن أن الأرقام المسجلة في آخر معاقل المعارضة تتجاوز تلك المسجلة في مناطق سيطرة نظام الأسد والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مجتمعتين، فإن “تدمير 54 مشفى ومركزاً ونقطة طبية منذ نيسان/أبريل 2019 في أرياف حماة وحلب وإدلب بفعل الحملة العسكرية للنظام السوري وحليفه الروسي، أسهم في تردي الواقع الطبي في المنطقة”، كما ذكر لـ”سوريا على طول” عضو في  المكتب الإعلامي لمديرية صحة إدلب.

وفيما يتركز الاهتمام على إحصاء عدد المصابين بالفيروس، وقدرة المراكز الطبية العاملة في شمال غرب سوريا على التعامل مع تفشي الوباء، يغيب في المقابل الاهتمام بملف المخلفات الطبية الخاصة بالتعاطي مع الفيروس ومقتنيات المصابين والمتوفين بفعل الوباء، رغم خطورة هذا الأمر وإسهامه في استمرار تزايد الإصابات.

إتلاف ضمن الإمكانات

لا توجد أرقام رسمية عن حجم المخلفات الطبية الخاصة بالوباء في شمال غرب سوريا، “نتيجة التفاوت في عدد المصابين يومياً وعدد المحجور عليهم في المراكز، وكذلك الخاضعين للرعاية في المشافي”، بحسب د. حسام قره محمد، الطبيب المسؤول عن ملف كورونا في مديرية صحة إدلب.

عامل ينقل حاويتين لمخلفات طبية أفرغها في حرّاق مشفى النسائية والتوليد بمنطقة حارم بريف إدلب، 4/ 1/ 2021 (سوريا على طول)

مع ذلك، يظل حجم المخلفات “كبيراً جداً”، كما أضاف لـ”سوريا على طول”، تتوزع بين “مخلفات غير طبية، يتم ترحيلها إلى مكبات القمامة عبر آليات المجالس المحلية؛ ومخلفات طبية غير خطرة تشبه إلى حدّ كبير المخلفات المنزلية، نسبتها 80% من إجمالي النفايات”.

إضافة إلى ذلك، كما أوضح د. حسام، “توجد مخلفات طبية خطرة، منها الكيماوية والمعدية، مثل معدات التشريح والمخلفات الدوائية والمواد المشعّة. وأخطرها تلك التي تشمل على سوائل جسم المريض والدم”. ويتم تكديس المخلفات الخطرة خارج مباني المؤسسات الطبية، “على أن لا يتعدى وجودها 48 ساعة صيفاً و72 ساعة شتاء، ومن ثم يتم تحويلها إلى الحرق”.

لكن “عدم وجود محرقة طبية مركزية أو محارق مخصصة في مراكز كورونا لإتلاف المخلفات يعدّ واحداً من أهم التحديات التي تواجه القطاع الطبي”، كما لفت د. حسام. إذ إن “المحرقة التابعة للمديرية في [قرية] بسنقول [التابعة لمنطقة أريحا في ريف إدلب] غير مفعلة منذ ستة أشهر بسبب غياب الدعم. فيما المحرقة الأخرى في منطقة حارم مخصصة للمخلفات الطبية العادية، وقد يُستعان بها في حال الطوارئ للتخلص من مخلفات كورونا”. وكانت الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز) قد أنشأت أيضاً محرقة في أحد مشافي منطقة حارم بريف إدلب الشمالي، لكن “قدرتها الاستيعابية لا تزيد عن 20% من إجمالي المخلفات الطبية [في إدلب] كحد أقصى”، بحسب د. حسام.

أيضاً، يعاني القطاع الطبي في ريف حلب الغربي من غياب القدرة على التخلص من مخلفات كورونا. إذ “يوجد في دارة عزة حراق مدعوم من منظمة سوريا للإغاثة والتنمية (أس. آر. دي)، بطاقة 20 كيلوغراماً في الساعة فقط”، كما قال لـ”سوريا على طول” د. حسن درويش، أحد العاملين في المنظمة.

ومع زيادة مخلفات كورونا، والذي انعكس على عدم قدرة المراكز الطبية والمشافي على التخلص منها، “اتجهت “أس. آر. دي” إلى تدريب كوادر لفرز النفايات بحسب خطورتها”، كما قال درويش. لافتاً إلى أنه يتم “تقسيم النفايات إلى نفايات عادية توضع في أكياس سوداء، وأخرى خطرة توضع في أكياس حمراء محكمة الإغلاق، ونفايات خطرة حادة توضع عبر صناديق السلامة”. تالياً “تُنقل النفايات الخطرة الحادة والخطرة في سيارات مخصصة إلى المحرقة، أما العادية فيتم ترحيلها إلى مكبات القمامة”.

وكما يتفاوت أيضاً حجم المخلفات الناتجة عن المشافي والمراكز التي تديرها “أس. آر. دي” في ريف حلب الغربي، بحسب عدد المحجورين وعمل المراكز، يقدّر درويش “حجم المخلفات في مركز سراج بنحو 400 لتر أسبوعياً، ونحو 1,000 لتر أسبوعيا في مركز كفركومين. فيما تصل مخلفات مشفى الأمل في كفركومين إلى نحو 6,000 لتر أسبوعيا”.

فقر توعية

في مخيمات أطمة بريف إدلب الشمالي، يعيش راشد أبو علي (اسم مستعار)، النازح من ريف حماة الشمالي، مع عائلته المكونة من سبعة أفراد في خيمة واحدة.

ومع إصابة أبو علي بفيروس كورونا، في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، كان عاجزاً عن عزل نفسه عن باقي أفراد عائلته، ما دفع “اثنين من أبنائي إلى المبيت عند أصدقائهم طيلة فترة إصابتي لتوفير قليل من المساحة داخل الخيمة”، كما روى لـ”سوريا على طول”. فيما حال عجزه المالي دون قدرته على “اقتناء أوانٍ تستخدم لمرة واحدة. لذا كنت أتناول الطعام إلى جانب أفراد أسرتي بطبق وملعقة خاصين. وتُغسل الأواني الخاصة بي بعد استخدامها”.

أبو راشد واحد من نحو مليون نازح سوري يعيشون في مخيمات شمال غرب سوريا التي تعدّ بيئة خصبة لتفشي الوباء، نتيجة الاكتظاظ السكاني وعدم إمكانية تطبيق الحجر على المصابين، إضافة إلى غياب التوعية والتثقيف بالأساليب الصحية للتخلص من مقتنيات المصاب بالفيروس أو مخالطيه.

وإضافة إلى بقاء أبو راشد مع عائلته في خيمة واحدة، كان ثمة مكمن خطر في عدم معرفته “بالطرق المثلى للتخلص من المقتنيات والأدوات التي استخدمها فترة إصابتي”، كما قال. لكنه كان يتخلص من الكمامة يومياً “بوضعها في كيس نايلون، يضعه ابني في حاوية قمامة بالقرب من خيمتنا”، كما قال.

في السياق ذاته، نفى رامي العلاوي، المقيم في مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي، والذي أصيب أحد أبنائه بالوباء، تلقي قاطني المنطقة أي “نصائح وإرشادات تثقيفية عن كيفية التخلص من مقتنيات المصاب بفيروس كورونا”. إذ “لم نسمع قبل ذلك عن طرق إتلاف آمنة”، كما أضاف لـ”سوريا على طول”، بحيث كان يرمي “الكمامات، بما فيها كمامة ابني المصاب، في حاوية أمام المنزل”.

في المقابل، وبمبادرة شخصية، عمدت سامية السليمان، العاملة في أحد مراكز إدلب الصحية وتسكن في مخيمات دير حسان، إلى حجر نفسها عن محيطها بعد تعرضها للإصابة بالفيروس المستجد. وقد استخدمت أثناء إصابتها “أوانٍ ورقية تستعمل لمرة واحدة”، كما قالت لـ”سوريا على طول”. كما إنه “بعد شفائي جمعت الأواني وملابسي وحرقتها في فناء المنزل”. 

من جانبه، أكد مشرف الصحة المجتمعية في منظمة خبراء الإغاثة بريف جسر الشغور، د. محمد سلطان، تنفيذ عدة منظمات عاملة في شمال غرب سوريا برامج توعوية لمواجهة فيروس كورونا، منذ آذار/مارس 2020. وقد استهدفت منظمته، كما ذكر لـ”سوريا على طول”، “2.5 مليون شخص شمال غرب سوريا، عبر الزيارات المنزلية وأماكن العمل. كما استهدفت 1.4 مليون شخص بتوزيع الكمامات القماشية القابلة لإعادة الاستخدام، وكذلك توزيع مواد النظافة الشخصية على 170,500 عائلة”. مقراً في الوقت ذاته بأنه “لم نتطرق إلى كيفية تعامل المدنيين مع المخلفات خارج المنزل”.

وحذّر سلطان من أن “المجتمع حالياً غير مؤهل للتعامل مع الارتفاع الكبير لمخلفات مراكز العلاج التي تتعامل مع مرضى كوفيد-19″، معتبراً أنه حال تقديم نصائح وتوصيات بآليات الوقاية والتخلص من مخلفات كورونا فإن “نسبة كبيرة من المجتمع قادرة على الالتزام”.

في السياق ذاته، أوضح المدير العام للمجالس المحلية في حكومة الإنقاذ المدعومة من هيئة تحرير الشام، أحمد اليوسف، أن “المديرية أطلقت حملة توعية للأهالي بخصوص وضع القمامة في أكياس بلاستيكية مغلقة حرصاً على عدم انتقال العدوى”. مضيفاً لـ”سوريا على طول” أنه “تم التأكيد على الأشخاص المحجورين في بيوتهم بضرورة وضع مخلفاتهم في أكياس خاصة، ليتم نقلها ومعالجتها مع النفايات الطبية من المشافي والمراكز الصحية”. 

مكبات الموت

على أطراف مخيمات شمال غرب سوريا، وبالقرب من التجمعات السكانية في المدن الكبرى، تنتشر مكبات نفايات تشكل، بدورها، مصدر رزق لمئات العائلات في المنطقة. إذ يعتمد هؤلاء على جمع النفايات التي يمكن إعادة تدويرها وبيعها لتأمين متطلبات حياتهم.

جانب من مكب نفايات عشوائي بالقرب من أحد الأحياء السكنية في مدينة سلقين بريف إدلب، 4/ 1/ 2021 (سوريا على طول)

وفي أعقاب الحملة العسكرية التي شنها نظام الأسد والمليشيات المساندة له أواخر العام 2019، وما نتج عنها من عمليات نزوح، ارتفعت معها نسب الفقر والبطالة. وهو ما دفع مزيداً من العائلات إلى العمل بمهنة جمع النفايات. 

لكن ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد ينذر بارتفاع إصابة العاملين في جمع النفايات بأمراض معدية، خصوصاً مع إمكانية رمي المخلفات الشخصية لمصابي كورونا في المكبّات العامة.

منير الأسمر، النازح من ريف إدلب الجنوبي إلى مخيمات الشمال السوري، أجبرته ظروف النزوح وغياب فرص العمل على جمع النفايات مع اثنتين من بناته “بحثاً عما يمكن بيعه لأجل تأمين طعامنا. لا نريد شيئاً أكثر من الطعام”.

وعدا عن أن الأسمر لم يكن راضياً عن العمل في جمع النفايات، كما عبّر لـ”سوريا على طول”، فإنه يقدّر “خطورة العمل في هذه المهنة، لا سيما مع انتشار فيروس كورونا”. لافتاً إلى أنه خلال عمله “صادفت وجود مخلفات طبية، من قبيل الكمامات والمحاقن. ومع ذلك الموت بالفيروس أفضل عندي من الموت جوعاً” كما قال.

وبحسب د. درويش، العامل في منظمة “أس. آر. دي”، فإن “فترة نشاط الفيروس على المخلفات الطبية والأسطح مرهون بعدة شروط، منها درجة الحرارة والرطوبة ونوع السطح”. لافتاً إلى أن “الفيروس ضعيف في الوسط الخارجي ولا يعيش لفترة طويلة”. 

وفيما اعتبر أنه في حالة المخلّفات المرتبطة بكورونا “لا ضرورة لاتخاذ تدابير مختلفة عن طريقة التعامل مع المخلفات الطبية الأخرى، خاصة أن توصيات منظمة الصحة العالمية لم تميز بين مخلفات الفيروس والمخلفات الطبية الأخرى”، شدد درويش على أن هذا “لا ينفي ضرورة توعية الناس من إمكانية انتقال الفيروس عن طريق اللمس”، وعليه “تقع المسؤولية الكبرى في عملية التوعية، وخصوصاً في المخيمات، على عمال الصحة والتوعية المجتمعية” مشدداً على ضرورة تعريف سكان المخيمات بطرق التخلص من مخلفات الوباء من قبيل “جمع تلك المخلفات في أكياس محكمة الإغلاق ووضعها في حاويات مغلقة تجنباً لإمكانية نبشها من الأطفال أو وصول الحيوانات إليها”.

شارك هذا المقال