6 دقائق قراءة

التداعيات الإنسانية لهجوم تنظيم داعش على الحسكة مستمرة ومخاوف من عواقب طويلة المدى

كان هجوم تنظيم داعش على سجن الصناعة بمدينة الحسكة صادماً بالنسبة للمدنيين، ورغم الإعلان الرسمية عن إحباط الهجوم، إلا أن التداعيات الإنسانية ما تزال مستمرة، ويتخوف المدنيون، وخصوصاً الناجون من انتهاكات التنظيم عودته كقوة منظمة


31 يناير 2022

باريس- رسمياً، أحبطت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، هجوم تنظيم داعش على سجن الصناعة بمدينة الحسكة شمال شرق سوريا، في 30 كانون الثاني/ يناير الحالي، بعد عملية تمشيط الجيوب الأخيرة التي تحصن بها عناصر داعش في المهاجع الشمالية للسجن.

انتهت المعارك، التي استمرت قرابة أسبوع في سجن الصناعة ومحيطه، بمقتل 374 عنصراً للتنظيم، و121 من مقاتلي “قسد” والعاملين في السجن، إضافة إلى أربعة مدنيين، بحسب بيان رسمي لـ”قسد”، مقابل استسلام 3500 سجين من تنظيم داعش، تم إجلاؤهم إلى سجون أخرى في شمال شرق سوريا، وقد كانت “قسد” تحتجز في السجن أكثر من 3000 مقاتل سابق في التنظيم و700 طفل لهم ارتباط مع داعش.

ومع أن الأوضاع العسكرية في مدينة الحسكة تبدو مستقرة نسبياً، إلا أن الحياة لم تعد إلى طبيعتها، خاصة أن الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تأثرت بفعل المعارك ما زالت متوقفة، وسط عواصف شتوية غير عادية، يضاف إلى ذلك تخوف المدنيين من تداعيات هجوم التنظيم، خاصة مع الأنباء الواردة عن فرار مقاتلين تابعين له إلى أحياء في مدينة الحسكة وخارجها. 

تحت الحصار

في 20 كانون الثاني/ يناير الحالي، بدأ تنظيم داعش هجومه بتفجير سيارتين مفخختين على أطراف سجن الصناعة، غربي المدينة، ليقتحم 200 مقاتل السجن من الخارج، تزامن ذلك مع أعمال شغب داخل السجن، تمكن على إثرها بعض المعتقلين من الاستيلاء على أسلحة حراس السجن.

ومع احتدام الاشتباكات وامتدادها إلى محيط السجن، فرضت قوات “قسد” حظراً كلياً في مدينة الحسكة، وجزئياً في مدن أخرى، وحثّت المواطنين، عبر مناشير ألقتها من الجو، على الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة والفارّين من عناصر التنظيم.

كان الهجوم صادماً لسكان الحسكة، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين في منازلهم طوال الليل، بالقرب “من أخطر تجمع لقيادات تنظيم داعش وعناصره في سجن الصناعة”، كما قالت عالية (اسم مستعار)، وهي سيدة مقيمة في حي غويران بمدينة الحسكة التي استنكرت “احتجاز عناصر داعش في سجن وسط الأحياء السكنية”.

كنا لا نجرؤ على فتح الباب، لأنهم قالوا أن بعض السجناء فرّوا بسلاحهم. هل يمكنك تخيل خوفنا؟ هل يمكنك أن تشعر بما نشعر؟

ومع استمرار المعارك وفرار عناصر من التنظيم خارج السجن انتشر الذعر بين أوساط المدنيين، ما دفع الآلاف منهم إلى النزوح من أحياء غويران والزهور والنشوة، وسط ظروف إنسانية ومناخية صعبة. وبحسب التقييمات الإنسانية بلغ عدد النازحين حوالي 45,000 شخصاً، بما في ذلك 6,000 من الأحياء القريبة من السجن. وتوزع النازحون في أحياء أخرى من المدينة أو في المدن المجاورة كالقامشلي وعامودا، ولجأ آخرون إلى مراكز إيواء مؤقتة افتتحت في عدة مناطق بمدينة الحسكة.

الخوف كان مضاعفاً بالنسبة لمن التزموا منازلهم “كنا لا نجرؤ على فتح الباب، لأنهم قالوا أن بعض السجناء فرّوا بسلاحهم. هل يمكنك تخيل خوفنا؟ هل يمكنك أن تشعر بما نشعر؟”، كما قالت عالية، مؤكدة أن الخوف ليس من عناصر التنظيم فقط وإنما “ما يخيفنا فكرة عودة داعش كقوة منظمة”.

وعلى صعيد الخدمات، فإن قرب السجن من مركز توزيع المحروقات “سادكوب”، والإغلاق التام الذي فرضته “قسد”، توقف تزويد المدنيين بالمحروقات، ما أدى إلى حرمان السكان من الخدمات الأساسية، إذ بحسب عالية “نعتمد على الوقود لتشغيل مولدات الكهرباء، ونتيجة لعدم وجود وقود كاف لتشغيلها، لا نحصل على الكهرباء إلا ساعة أو ساعتين في اليوم”، مشيرة إلى “تراكم القمامة في الشوارع” بسبب الإغلاق أيضاً. 

وبذلك فاقم هجوم داعش أزمة الخدمات التي تعاني منها الحسكة أصلاً، فالمدينة “كانت تعاني من أزمة سكّر ومازوت بسبب إغلاق معبر سيمالكا [مع كردستان العراق]”، كما قال الناشط أحمد البرو لـ”سوريا على طول”.

عرقلة العمل الإنساني

أدى انعدام الأمن في الحسكة إلى “الحد من قدرة المنظمات الإنسانية على الاستجابة”، بحسب ما ذكرت لـ”سوريا على طول” إيميلي وايت، المتحدثة باسم منظمة إنقاذ الطفولة، مشيرة إلى وجود “فجوات في المساعدات الغذائية، والحصول على المياه النظيفة، والرعاية الطبية”.

وتنتشر في محيط مدينة الحسكة عدد من مخيمات النازحين التي تعتمد عليها في الحصول على المياه والغذاء والوقود، التي يتم نقلها الشاحنات، لذلك فإن عزل المدينة عن محيطها، وفرض حظر التجوال داخلها أدى إلى عرقلة عمل منظمات الإغاثة، خاصة أن عدداً من عمال الإغاثة المحليين كانوا محاصرين في منازلهم خلال فترة المعارك.

كان هناك فجوات في المساعدات الغذائية، والحصول على المياه النظيفة، والرعاية الطبية

وفي هذه الأثناء، تبادلت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا والنظام السوري الذي يسيطر على أحياء جنوب مدينة الحسكة الاتهامات بشأن المساعدات الإنسانية، إذ اتهم كل طرف الآخر بالتدخل في المساعدات أو تأخير وصولها.

وقد اتهمت الإدارة الذاتية، في 25 كانون الثاني/ يناير الحالي، محافظ الحسكة المعين من النظام بعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطقها، كما استنكرت ما وصفته “تسييس” المساعدات من اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وجاء ذلك رداً على بيان صحفي للصليب الأحمر يدعو فيه “السماح بمرور إمدادات الإغاثة الإنسانية وتيسير مرورها على وجه السرعة من دون عوائق”، ولم يحصل “سوريا على طول” على تعليق من الصليب الأحمر حتى وقت نشر هذا التقرير.

من جانبه، قال مدير الشؤون الاجتماعية والعمل التابع للنظام، إبراهيم الخلف، أنه تم تأمين 3900 أسرة نازحة من المنطقة الجنوبية لمدينة الحسكة في خمسة مراكز إيواء مؤقتة، وتقديم المساعدات من الهلال الأحمر العربي السوري وجمعيات محلية “في ظل غياب كامل للمنظمات الدولية العاملة في الشأن الإغاثي والإنساني بمحافظة الحسكة”.

أبعاد ديموغرافية

تجاوز الخلاف بين الإدارة الذاتية والنظام الاتهامات المتبادلة بخصوص ملف المساعدات الإنسانية، ليصل حدّ اتهام دمشق لقوات “قسد” بتدمير 10 منازل تعود لسكان من المكون العربي في الحسكة خلال العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش.

من جانبه، أعرب ناشط من الحسكة، معارض للنظام السوري، عن مخاوفه من استخدام هجوم تنظيم داعش على سجن الصناعة لتبرير الانتهاكات وعمليات الإخلاء التي تستهدف السكان العرب في الأحياء القريبة من السجن، مؤكداً ما تم تداوله عن هدم منازل لمدنيين “في حي غويران والزهور بتهمة موالاتهم أو وجود عناصر للتنظيم، كما قال لـ”سوريا على طول”. هذه المخاوف لم تتحقق بعد، لكنها تكشف عن توترات واسعة من شأنها أن تزيد بسهولة من زعزعة الاستقرار في المنطقة.

كل شخص غادر منزله يجب أن يكون قادراً على العودة إليه

وفي ذلك، قال بسام الأحمد، مدير منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، لـ”سوريا على طول” بأن “لا شيء يحدث في سوريا من دون بعد طائفي أو مناطقي أو عرقي”. لذلك، منعاً لأي تداعيات عرقية أو طائفية “يجب أن لا تشن “قسد” أي عمليات تعسفية وأن تكون أي عمليات توقيف مبنية على تهم واضحة، وأن يُسمح للمتهم توكيل محامين للدفاع عنه”

وشدد الأحمد على ضرورة عودة النازحين إلى مكان إقامتهم الأصلي، فحتى إذا “استغرقت المداهمات والعمليات الأمنية أياماً، إلا أن كل شخص غادر منزله يجب أن يكون قادراً على العودة إليه”.

“حلول مستدامة”

في أعقاب معارك الحسكة بين “قسد” وتنظيم داعش، طالبت 130 منظمة سورية، بما في ذلك سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، مجلس الأمن “باعتماد آلية عمل فعالة تضمن مثول قيادات وعناصر داعش أمام محاكم عادلة لمحاسبتهم حيال الانتهاكات والجرائم التي قاموا بارتكابها”.

واستنكرت المنظمات الموقعة على البيان، الذي نشر في 26 كانون الثاني/ يناير الحالي رفض العديد من الدول استعادة مواطنيها المنتمين لتنظيم داعش، معتبرة أن المحتجزين من عناصر داعش في مراكز الاحتجاز شمال شرق سوريا، والذي يقدر عددهم بنحو 10,000 مقاتل “يشكلون نواة قنبلة موقوتة تهدد استقرار سوريا والمنطقة والعالم أجمع”.

وسجن الصناعة، الذي شهد الأحداث الأخيرة، هو أكبر مراكز احتجاز قادة تنظيم داعش ومقاتليه، ويشكل منذ فترة طويلة مصدر قلق متزايد بسبب الاستعصاءات وأعمال الشغب المتكررة فيه، إذ شهد السجن عدة محاولات هروب لعناصر التنظيم خلال الأشهر الماضية، منها أعمال شغب وفوضى، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وكانت “قسد” حذرت مراراً وتكراراً من أنها تفتقر إلى وسائل مراقبة السجن المكتظ، ما يتيح للسجناء فرصة التنظيم الذاتي.

واليوم، يخشى العديد من السكان من عواقب طويلة المدى للهجوم، الذي وُصف بأنه “أخطر هجوم” ينفذه التنظيم منذ هزيمته على الأرض عام 2019، إذ بحسب الصحفي نورهات حسين “أثار الهجوم مخاوف واسعة النطاق من داعش بين سكان المدينة”، مضيفاً في حديثه لـ”سوريا على طول” “يقول الناس أن قوات [قسد] تمكنت من السيطرة على الوضع هذه المرة، لكن قد لا يكون الحال كذلك دائماً”، وصفاً حالة الناس بأنهم “تحت رحمة الإرهابيين”.

ويعيش الناجون من جرائم داعش على وجه الخصوص مخاوف استثنائية، كما في حالة خضر، 40 عاماً، وهو نازح من الطائفة الأزيدية، يعيش في مخيم كبير شرقي مدينة الحسكة، قال لـ”سوريا على طول”: “نخشى هروب عناصر داعش وزعزعة استقرار هذه المنطقة مرة أخرى”، مشيراً أن “عناصر التنظيم قد يستخدمون المدنيين كدروع بشرية” في قتالهم ضد قوات “قسد”. “لا نريد أن تتكرر مأساتنا”. 

ومنعاً لارتكاب مزيد من الجرائم على يد تنظيم داعش، وتفادياً لوقوع انتهاكات بذريعة قتالها، يجب على المجتمع الدولي “أن يتعامل مع تنظيم داعش وعائلات عناصره بما يحقق حلولاً مستدامة، لا أن يبقى الآلاف من التنظيم في شمال شرق سورية قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت”، بحسب الناشط الحقوقي بسام الأحمد.

___________

*تم تحديث عدد القتلى استناداً إلى البيان الرسمي لـ”قسد”

شارك هذا المقال