6 دقائق قراءة

التفشي الصامت لوباء كورونا بمخيمات اللاجئين السوريين في لبنان

وادي البقاع- "أن تصاب بفيروس كورونا أشبه بالإصابة بالجرب، إذ يتجنبك الناس"، يشتكى اللاجئ السوري رياض الفرج. فرغم أنه الآن في طور التعافي من الفيروس عقب دخوله المستشفى، فإن جيرانه في المخيم العشوائي الذي يقيم فيه ما يزالون يتحاشونه، كما يرفض أطفال المخيم اللعب مع أطفاله.


26 نوفمبر 2020

وادي البقاع- “أن تصاب بفيروس كورونا أشبه بالإصابة بالجرب، إذ يتجنبك الناس”، يشتكى اللاجئ السوري رياض الفرج. فرغم أنه الآن في طور التعافي من الفيروس عقب دخوله المستشفى، فإن جيرانه في المخيم العشوائي الذي يقيم فيه ما يزالون يتحاشونه، كما يرفض أطفال المخيم اللعب مع أطفاله.

وصمة العار التي ترتبط بالإصابة بالفيروس، والمعلومات المغلوطة عنه، كما التردد بشأن إبلاغ السلطات المختصة في حال الإصابة، جميعها تنذر بسيناريو قاتم للوضع في مخيمات اللاجئين السوريين المكتظة في لبنان. إذ شهد البلد الواقع أيضاً في دوامة الانهيار الاقتصادي، ارتفاعاً حاداً في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، مسجلاً ما مجموعه 120,341 إصابة مؤكدة، انتهت 950 منها بالوفاة. ومن بين هؤلاء 1,369 لاجئاً سورياً، توفي 31 شخصاً منهم، بحسب منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة.

وخلال الإغلاق الشامل الذي بدأ في لبنان في 14 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي لمدة أسبوعين، وثقت “سوريا على طول” التغيير الذي أحدثته الجائحة على نمط حياة اللاجئين السوريين في وادي البقاع.

بين الوصمة والمعلومات المغلوطة

تغطي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تكلفة إجراء اللاجئين السوريين في لبنان فحص “بي. سي. آر” للكشف عن الإصابة بفيروس كورونا، كما نفقات العلاج. إذ من الناحية النظرية، يفترض أن اللاجئ السوري الذي تظهر عليه أعراض المرض يقوم بالتواصل مع المفوضية أو مع منظمة غير حكومية شريكة لها أو البلدية، لتنسق هذه الجهات بدورها مع وزارة الصحة اللبنانية لإرسال فريق ميداني للمعاينة.

لكن معظم السوريين الذين تمت مقابلتهم خلال إعداد هذا التقرير تبين أنهم دفعوا مبلغ 150,000 ليرة لبنانية [100 دولار بسعر الصرف الرسمي] لإجراء فحص “بي. سي. آر”، أو أنهم أحجموا عن إجراء الفحص مكتفين بعزل أنفسهم في خيمهم. أيضاً، فيما لم يكن بعض اللاجئين على دراية بإمكانية تكفل جهة ما بتكاليف “بي. سي. آر”، ارتأى آخرون الذهاب مباشرة إلى المستشفى وتحمل تكاليف الفحص تجنباً لوصمة الإصابة بالفيروس وإثارة المخاوف بين الجيران. 

“وصمة كورونا هي شغلهم الشاغل. حينما تظهر عليهم الأعراض، يخشون أن يعلم من حولهم بإصابتهم”، كما يقول الدكتور محمد التغليي، الطبيب الرئيس في منظمة إندلس ميديكال أدفانتج، لـ”سوريا على طول”. 

وتقدم المنظمة الدعم لنحو أربعين مخيماً في سعدنايل والمرج بالبقاع. إذ حينما يتلقى الفريق الطبي إشعاراً بوجود اشتباه بحالة إصابة بكورونا، يقوم بزيارة المريض في المخيم والبدء بعملية المعاينة الطبية، كما يحيطون المريض وعائلته علماً بالإجراءات الواجب اتباعها بشأن المرض. وبحسب التغلبي، تم خلال الأسابيع القليلة الماضية اكتشاف “الكثير من حالات كورونا في المخيمات. لكن جميعها تتراوح ما بين الخفيفة والمعتدلة”، في مقابل “ثلاث حالات خطرة تم نقلها إلى المستشفى”.

ويؤكد رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في لبنان، باتريك ويلاند، أن “الناس [المصابين] يبتعدون عن الأنظار أو لا يبلغون عن الحالات، ما يسهم في نشر العدوى إلى غيرهم”. وبحيث تعد الأرقام الرسمية المعلن عنها بشأن تفشي فيروس كورونا، كما يتفق التغلبي وويلاند، أقل بكثير مما هي عليه في الواقع.

عرسال: ارتفاع خطر في الإصابات

في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، أجرى فريق تابع لمنظمة أطباء بلا حدود مسحاً لمخيمي “بنيان القلمون” و”مساكن القلمون” في منطقة عرسال شمال شرق البقاع. وبعد إجراء 41 فحص “بي. سي. آر”، تبين وجود 16 حالة إصابة مؤكدة. “وتتجلى المشكلة في أننا حينما نقوم بإجراء المسح، فإن النتائج تظهر بعد أربعة إلى ستة أيام، أي بعد فوات الآوان”، بحسب ويلاند.

وسجلت بلدة عرسال 160 إصابة منذ آذار/مارس الماضي، ووثقت البلدية مؤخراً عشرين حالة في أوساط المواطنين اللبنانيين وأربعة وعشرين إصابة بين اللاجئين السوريين. وفي 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، فرض رئيس البلدية حجراً على العائلات الـ 150 القاطنة في المخيمين السابقين، ومنعها من الخروج منهما. علماً أنهم “يتلقون مساعدات غذائية، ويتاح للمنظمات غير الحكومية التي تنسق مع المجلس البلدي دخول المخيمين”، كما يذكر رئيس بلدية عرسال، باسل أحمد الحجيري، لـ”سوريا على طول”.

وخلال الشهر الحالي وحده، سجلت عرسال تسع حالات وفاة بفيروس كورونا في أوساط المواطنين اللبنانيين. لكن “لا يمكننا تأكيد حالات الوفيات في أوساط السوريين” بسبب الفيروس، وفقاً للحجيري، “لأنهم يمتنعون عن إبلاغنا أحياناً”. وقد وثقت منظمة أطباء بلا حدود ست حالات وفاة بين اللاجئين السوريين، ثلاث منها مؤكدة بفيروس كورونا، وثلاث أخرى لحالات مشتبه بها. 

عقبات إضافية

 

د. محمد التغلبي يعاين مريضاً داخل وحدة طبية متنقلة لفريق “إندلس ميديكال أدفانتج”، في أحد المخيمات العشوائية بوادي البقاع، 16/ 11/ 2020 (سوريا على طول)

تحقيق التباعد الجسدي في مخيمات اللاجئين المكتظة هو أقرب إلى المستحيل. وبرغم وجود عشرين مركزاً للعزل في لبنان، فإن قاطني المخيمات لا يريدون الذهاب إلى هذه المراكز، كما يلفت ويلاند، كونهم “لا يريدون أن تلحقهم وصمة العار، ويفضلون المكوث في المنزل مع عائلاتهم”.

إضافة إلى ذلك، يشير ويلاند إلى ظهور “مشكلات إدارية” عند تحويل المرضى من المخيمات العشوائية إلى المستشفيات، من قبيل التعقيدات التي تواجه غير المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو ما يواجهونه من مشاكل أثناء عبور الحواجز العسكرية والامنية. 

ويقدم نحو 488 لاجئاً سورياً ذوي خلفية صحية “إشرافاً صحياً مجتمعياً”، بالتنسيق مع المفوضية. أحدهم الممرض عبدالعزيز العباس الذي استطاع، من خلال الجمعية الخيرية الأرثوذكسية العالمية، الوصول إلى 350 عائلة سورية لاجئة في مدينة طرابلس، شمال لبنان، حيث يقيم. وكما يوضح، فإن “اللاجئين السوريين يشعرون بوجود عوائق تحول بينهم وبين المستشفى، وبينهم وبين السلطات الصحية. وربما يرون أن الحصول على الخدمات ليس بالأمر الهين كونهم سوريين”. ومن ثم، يتمثل دور العباس في إقناعهم بأنه يمكنهم الإبلاغ عن الحالات المشتبه إصابتها بفيروس كورونا وعلاجها بالمجان.

وقامت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتوزيع مجموعة أدوات نظافة شخصية وتنظيم جلسات توعوية بشأن الفيروس، استفاد منهما 480,509 لاجئ سوري في المخيمات العشوائية. وفي غرب البقاع،  قام اتحاد جمعيات الإغاثة والتنمية (URDA) بتوزيع مستلزمات النظافة الشخصية على أكثر من 2,000 أسرة وتعقيم المخيمات وتوزيع النشرات التوعوية، بحسب مدير مكتب “الاتحاد” في البقاع، عمر جنون.

ويضيف جنون لـ”سوريا على طول”: “كان هناك عدد كبير من اللاجئين السوريين الذين يعتقدون أن الفيروس مجرد تضخيم إعلامي. لكن بعد ازدياد عدد الحالات، بدأ الخوف ينتابهم”. ويندرج انعدام الثقة في فحص “بي. سي. آر”، وأن الفيروس ليس سوى خدعة، ضمن الشائعات السبع عشرة التي حددتها مؤسسة مهارات ومنظمة انترنيوز  في نشرة الشائعات الخاصة بهما.

علاوة على ذلك،  كان هناك ارتفاع في العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال فترات الإغلاق لمواجهة الوباء. ففي دراسة أجرتها المنظمة السورية غير الحكومية “النساء الآن” على عينة من 55 امرأة تقمن في البقاع الأوسط، أفادت 40% منهن بـ”زيادة مستوى العنف ضدهن خلال أزمة كوفيد-19″. وتراوح العنف من الإيذاء النفسي إلى الإيذاء اللفظي والجسدي. كما ذكر “معظم النساء” أنه ازدادت الأعمال المنزلية والواجبات الأسرية المترتبة عليهن، بما في ذلك تعليم الأطفال، في وقت نأى الرجال بأنفسهم عن المشاركة بمثل هذه الأعمال. كما إن 40% من النساء فقدن وظائفهن جراء الإغلاق.

ومع ارتفاع معدل التضخم وانخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية ليصل إلى 8,000 للدولار في السوق السوداء(مقارنة بسعر الصرف الرسمي البالغ 1,500 ليرة- فإن 55% من سكان لبنان يعيشون حالياً تحت خط الفقر. وقد تفاقمت المعاناة الاقتصادية منذ الإغلاق وانفجار مرفأ بيروت في آب/أغسطس الماضي.

في الأثناء، يكافح نظام الرعاية الصحية الذي تعود أغلبية مؤسساته للقطاع الخاص، لاحتواء الوباء. وفي إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب عن الإغلاق الحالي، قال إن الحكومة تخشى الوصول إلى نقطة “يموت فيها الناس في الشوارع في ظل غياب الأماكن الشاغرة في المستشفيات”.

وقد أصاب الوباء اللاجئين الذين يعانون من فقر مدقع، إذ “هم أحياناً لا يملكون ثمن الكمامة، وتتركز أولوياتهم على شراء الطعام”، وفق عبد العزيز، و”بعض اللاجئين يقول: إما أن أموت جوعاً أو أموت من كورونا. الجوع كافر”.

وقبيل انتحاره ببيروت في تموز/يوليو الماضي، خطّ مواطن لبناني على ورقة عبارة من أغنية للفنان زياد الرحباني “أنا مش كافر بس الجوع كافر”. وفي شباط/فبراير الماضي، أقدم لاجئ سوري في البقاع على إشعال النار بنفسه، وهو ما كرره هذا الشهر لاجئ آخر في بيروت. إذ يبدو أن تغلغل الإحباط إثر الانهيار الاقتصادي لا يعرف الحدود، تماماً كما الإصابة بفيروس كورونا.

 

نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال