4 دقائق قراءة

الجفاف الغامض لبحيرة الرستن يقتل مهنة صيد السمك

دخلت الصناعة الغذائية المحلية في منطقة محاصرة يحكمها الثوار بريف […]


11 مايو 2017

دخلت الصناعة الغذائية المحلية في منطقة محاصرة يحكمها الثوار بريف حمص الشمالي في دوامة الخطر بعد أن أفرغت قوات النظام، وفق ما تواردت الأنباء، بحيرة مجاورة كانت تؤمن مياه الري وآلاف الأسماك، بحسب ما قالت مصادر ميدانية لسوريا على طول، الأربعاء.  

ويشكل سد الرستن بحيرة اصطناعية على نهر العاصي وكان يوفر مصدراً حيوياً من الأسماك والدخل لأهالي بلدة الرستن في ريف حمص الشمالي التي يحاصرها النظام السوري منذ عام 2014.

ويمثل شهر أيار عادة موسم الصيد في البحيرة، إذ تفقس آلاف الأسماك الصغيرة من البيوض.

ولكن الآن “ماتت جميع بيوض الأسماك”، وتكاد تكون البحيرة فارغة، وفق ما قال أبو أيوب، صياد ومزارع من الرستن، لسوريا على طول، الثلاثاء.

ويلوم أبو أيوب وغيره من الصيادين المحليين الحكومة السورية لفتحها عنفات السد في الشهور الآخيرة، وفق ما تواردت الأنباء، مما أدى إلى جفاف السد بانحسار المياه عنه، إلى الشمال.

وقال أبو أيوب “هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها السد لهكذا انخفاض منذ تاريخ بنائه”.  

أبو أيوب عند سد الرستن في نيسان. حقوق نشر الصورة لوكالة سمارت نيوز.

وفقدان السمك، ومياه الري بالنسبة للمزارعين في الرستن يهلكها ويشدد الخناق عليها والبلدات المجاورة في الجيب المحاصر بحمص، حيث أن جلب الغذاء عبر حواجز النظام صعب ومكلف جداً.

وما يزال من غير الواضح وبدقة متى بدأ مستوى المياه بالاضمحلال. وفي الشهر الماضي، ذكر موقع أخبار تمدن، الموالي للمعارضة أن “قوات النظام” فتحت عنفات السد لترفع منسوب مياه النهر “لتستطيع الحد من حركة المقاتلين في ريف حماه، وتشكيل طوق مائي حول مدينة حماه، يعرقل حركة الثوار، بإغراق الجسور التي يستخدمونها كطرق استراتيجية”.

ويتدفق نهر العاصي من الرستن شمالاً باتجاه محافظة حماة، حيث يتصدى النظام السوري للثوار في المعركة التي شنوها في أذار الماضي.  

ولم يأت الإعلام السوري على ذكر فتح العنفات.

وتظهر مشاهد الفيديو في آواخر نيسان مجرى هزيل من المياه يحل مكان بحيرة الرستن. ومضخة مياه مهجورة تعود للحقبة العثمانية تقف وسط ضفاف البحيرة الجافة.

في أيام الربيع الخالية “عادة، يكون منسوب مياه البحيرة مرتفعاً”، وفق ما قال أبو محمد، صياد سمك آخر، وممن يحصلون على دخلهم وقوت يومهم من سد الرستن، مضيفا “والآن لم اعد أستطيع صيد الأسماك وبيعها والتي هي مهنتي التي اعتمد عليها لإطعام أطفالي”.

مطعم سمك في الرستن، في 28 نيسان. حقوق نشر الصورة لـ مهند القاسم.

وأبو محمد ليس وحيداً بمعاناته، فعشرات الصيادين الآخرين ليس لديهم مصدر دخل، ولا سمك لإطعام البلدة.

ومن بينهم أبو جاسم، رجل في الأربعينيات من العمر، ويعمل صياداً مذ انشق عن الجيش السوري في عام 2014. وكان أصيب بطلق ناري بقدمه أثناء فراره من الجيش، مما أعاق حركته وجعله غير قادر على أي عمل يدوي آخر سوى الصيد.

وقال الصياد لسوريا على طول، الثلاثاء، “عملت في مهنة صيد الأسماك في الرستن، والذي كان خياري الوحيد لأستطيع تأمين بعض متطلبات الحياة لعائلتي”. وفي الشهر الماضي، أنجبت زوجه صبياً، جعل أبو جاسم الذي تكاد نقوده تجف أيضاً يشعر بعبء إضافي، حيث يقول “ليست وحدها الثروة السمكية في خطر، بل دخلي الوحيد أيضاً، وزدادت المعاناة والمتطلبات العائلية بزدياد أفراد عائلتي”.

ولشراء السمك، بات أهالي الرستن الآن وبعد فقدان المحصول لهذا العام يعتمدون على “الأسماك التي يُدخلها بعض التجار تهريباً عبر حواجز النظام بكميات محدودة” إلى الجيب المحاصر، وفق ما قال الصياد أبو أيوب.

وأشار إلى أنه ونتيجة الاعتماد على المهربين، ارتفعت أسعار السمك إلى ستة أضعاف منذ جفت مياه البحيرة.

وقال أبو أيوب “خلال عملي في صيد السمك والتجارة به في السنوات الماضية، كان سعر كيلو السمك في الرستن نحو 600 ليرة”، وأضاف “وفي هذه السنة ارتفع سعر كيلو السمك إلى 4000 ليرة للكيلو الواحد”. ولم يعد باستطاعة الناس شراؤه.

وفي إشارة إلى الصفعة الحادة التي أصابت صيد السمك في الرستن، قال مراسل حمص بوست، عمر أبو ريان لسوريا على طول، “أن صانعي شبك وصنارات الصيد، توقف عملهم، وذلك لأن الصياديين لم يشتروا الشبك والصنارات في ظل عدم وجود الأسماك في السد”.

وبالنسبة لمزارعي الرستن الذين يزرعون محاصيل البطاطا والخيار على ضفاف نهر العاصي، فإن خسارة مياه البحيرة تعني أيضا فقدان مصدر الري الرئيسي لمحاصيلهم.

وتسبب ذلك بتلف ما يقدر بنحو 20% من المحاصيل الزراعية الآن، وفقا لما ذكره أحد أعضاء المجلس المحلي في الرستن لسوريا على طول، والذي طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي. وقال عضو المجلس المحلي إن “مساحات زراعية واسعة”، على طول نهر العاصي الذي يمر بالرستن، باتت الآن خارج نطاق العمل.

وبسبب مخاوفهم من فقدان محاصيلهم الزراعية، قال محمد، وهو واحد من أهالي الرستن، أن المزارعين الذين تتواجد أراضيهم قرب العاصي قاموا بجني المحاصيل قبل نضوجها بشكل كامل   “لعلّ وعسى أن يكون حجم الضرر أقل”.

وأضاف عضو المجلس المحلي أن الأراضي الزراعية الممتدة على ضفاف سد الرستن، وحتى وقت قريب، كانت  تشكل المصدر الغذائي الأكبر في ريف حمص الشمالي، بحيث تمد السوق المحلي بأكثر من 75% من الخضراوات والمحاصيل المتنوعة، وتعد من أهم عوامل “صمود الريف الحمصي في وجه الحصار” المفروض عليه منذ عام 2014.

إلا أن أهالي الرستن البالغ عددهم 100 ألف شخص، عانوا مسبقا من نقص المواد الغذائية والمياه والوقود، قبل جفاف السد بشكل كلي تقريبا هذا العام.

وعلقت شركة التطوير والتنمية الأمريكية “كيمونكس” دعمها للمجلس المحلي في الرستن العام الماضي، وشمل ذلك الدعم المقدم لتوفير المياه، وفقا لما ذكرته سوريا على طول في ذلك الوقت. وأدى نقص حليب الأطفال الصناعي في تشرين الثاني الماضي إلى إصابة مئات الأطفال حديثي الولادة بسوء التغذية. وفي كانون الثاني، نفد الوقود اللازم لضخ االمياه في الرستن.

ويشعر أبو أيوب، تاجر الأسماك الذي خسر عمله الآن، بالقلق من عدم عودة الإنتاج والأسماك التي فُقدت هذا الربيع لسابق عهدها، حيث يقول لسوريا على طول “إن بقي السد بمنسوب مياهه هذا حتى العام القادم فإننا سنخسر محصولنا من السمك العام القادم أيضا”.

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال