5 دقائق قراءة

الجمود والانشقاقات والتحالفات المتغيرة تضع جنوب سوريا على مفترق طرق

سحبت جبهة النصرة، في الآونة الأخيرة، معظم مقاتليها من المعارك […]


سحبت جبهة النصرة، في الآونة الأخيرة، معظم مقاتليها من المعارك الدائرة ضد الفصائل المرتبطة بتنظيم الدولة في جنوب سوريا، لتنهي بذلك أربعة أشهر من التنسيق مع الفصائل المدعومة من الولايات المتحدة، وذلك حسب ما صرحت به مصادر عسكرية ومدنية لسوريا على طول.

وجاءت تقارير الانسحاب عقب أكثر من أربعة أشهر من المعارك الدائرة جنوب غرب درعا، والتي قاتلت فيها أحرار الشام وجبهة النصرة والجبهة الجنوبية، المدعومة من الولايات المتحدة، الفصائل المتحالفة مع تنظيم الدولة والمتواجدة بالقرب من الحدود السورية الجنوبية مع إسرائيل والأردن.

ومن جهتها، لم تصدر جبهة النصرة أي بيان تؤكد فيه تقليص مشاركتها في المعارك، لكن اثنين من قادات الجيش الحر ومصدر مدني مستقل، أكدوا لسوريا على طول أن جبهة النصرة قامت بسحب قواتها.

وفي شهر آذار الماضي، شن لواء شهداء اليرموك الحليف لتنظيم الدولة، هجوما مفاجئا من مقره في حوض اليرموك جنوب غرب درعا، على بلدات ومواقع تابعة للجبهة الجنوبية والفصائل الإسلامية بما فيهم جبهة النصرة وأحرار الشام، مما أدى إلى تقدم لواء شهداء اليرموك مايقارب سبعة كليومترات باتجاه الشرق في غضون أسابيع، وربط أراضيه مع أراض واقعة تحت سيطرة حركة المثنى.

وردا على ذلك، قامت جبهة النصرة وأحرار الشام والجبهة الجنوبية بهجوم مضاد لصد تقدم لواء شهداء اليرموك واسترجاع مكاسبه المأخوذة منهم.

وفي شهر آيار، أعلن لواء شهداء اليرموك اندماجه مع الفصائل المماثلة له فكريا، في كيان جديد تحت مسمى جيش خالد بن الوليد جنوب غرب درعا والقنيطرة المجاورة.

 

أحد المقاتلين على جبهات القتال في مدينة درعا، في شهر حزيران الماضي. حقوق نشر الصورة لوكالة نبأ

وبعد أشهر من القتال، ومقتل مئات المقاتلين وعشرات المدنيين ونزوح الآلاف، وصل القتال مع تنظيم الدولة، في جنوب غرب درعا، إلى طريق مسدود؛ قصف يومي، مع عدم وجود تقدم كبير على الأرض.

إلا أن جبهة النصرة الآن لم تعد مهتمة بالقتال، ويزعم أنها سحبت معظم مقاتليها من المعارك الدائرة ضد جيش خالد بن الوليد، في حين بقي مقاتلو أحرار الشام في أماكنهم.

إلى ذلك، قال عمر الجولاني، ناشط اعلامي متواجد في المنطقة، أن “جبهة النصرة لم تنسحب بشكل كامل من القتال والمعركة ضد جيش خالد بن الوليد، لكنها سحبت أعدادا كبيرة من عناصرها، ولم يبقى هناك أعداد تذكر في نقاط التماس ضد جيش خالد بن الوليد”.

ومن جهته، قال مصدر عسكري في الجبهة الجنوبية، رفض الكشف عن اسمه، إن “جبهة النصرة انسحبت من المعارك الدائرة ضد جيش خالد بن الوليد المبايع لتنظيم الدولة، قبل عدة أيام، وأبدت فصائل الجيش الحر امتعاضها من انسحاب جبهة النصرة”.

وفيما يتعلق بالدافع الذي قد يكون وراء سحب جبهة النصرة قواتها من القتال الدائر ضد لواء شهداء اليرموك الآن، خصوصا مع عدم وجود بيان رسمي من النصرة، فإنه من الصعب معرفة اليقين، إلا أن قادات الجبهة الجنوبية والنشطاء المحليين، ممن تحدثوا إلى سوريا على طول في الأيام الأخيرة، يرون هذه الخطوة بأنها استعداد من قبل جبهة النصرة لفتح جبهة جديدة في درعا وزيادة نفوذها في المنطقة.

وأضاف الجولاني “اذا تمكنت جبهة النصرة وأحرار الشام من فتح الجبهات ضد النظام والتقدم في المعارك، فإن هذا الامر سيرفع الحاضنة الشعبية لهم”.

وبعد أن كانت جبهة النصرة قوة فاعلة على الأرض في درعا، إلا أن أشهرا من القتال مع لواء شهداء اليرموك وسلسلة من الاغتيالات ونقل قيادة النصرة في درعا إلى شمال سوريا، في وقت سابق من هذا العام، أدت إلى تقلص فعالية الفصائل جنوبا في درعا، والتي يعتبر معظم مقاتليها من المحافظة نفسها.

وعلى الرغم من انخفاض تعداد مقاتليها، إلا أن جبهة النصرة “تسعى لأن يكون لها قرار حاسم في المنطقة، وهي تحاول جاهدة تعزيز موقفها في المنطقة”.

حالة من الامتعاض

وجه الأهالي والعديد من رجال الدين مؤخرا، في جنوب سوريا، نداءات إلى الجبهة الجنوبية والفصائل الاسلامية لإعادة تركيز جهودها في مقاتلة قوات النظام، بعد أشهر من المعارك الطاحنة مع الفصائل المبايعة لتنظيم الدولة.

وكانت مجموعة من أهل العلماء الاسلاميين، منذ أسبوعين، بما فيهم الشرعي العام السابق لجبهة النصرة أبو ماريا القحطاني، والقاضي في جيش الفتح عبد الله المحيسني، أصدرت بيانا دعت فيه فصائل درعا إلى اطلاق معارك ضد قوات النظام للتخفيف عن الجبهات في كل من حلب و أطراف دمشق.

وحث البيان، الذي نشر على الانترنت في منتصف شهر تموز، على “اشعال الجبهات والمعارك في الأيام القليلة المقبلة، وأنه لا يجوز لأي فصيل أن يستجيب لأي ضغط كان ومن أي جهة كانت، داخلية أو خارجية في عدم فتح الجبهات”، مشيرا إلى أن الداعمين الخارجيين أمروا مقاتلي الجبهة الجنوبية بالتركيز في المقام الأول على مقاتلة تنظيم الدولة في درعا بدلا من النظام.

حيث يتم توزيع الرواتب وتسلم شحنات الأسلحة إلى مقاتلي الجبهة الجنوبية، بالتنسيق مع  قيادة العمليات العسكرية في الأردن، ومن قبل الداعمين الإقليميين والدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة.

وقال المحيسني، في رسالة له وجهها إلى ثوار درعا عبر الواتس اب، الأسبوع الماضي “أننا منذ أشهر طويلة ونحن ننتظر معركة درعا، والتاريخ سيشهد، إما خذلان أهل حوران لأهل داريا وحلب وإما نصرتهم ورد الجميل”.

ورغم التأثير غير الواضح لهذه الدعوات الخارجية، على جبهة النصرة والفصائل الاخرى في جنوب سوريا، إلا أنها تترافق بإحباط واضح من قبل الأهالي لعدم وجود معارك كبرى ضد قوات النظام.

إلى ذلك، قال الجولاني، ناشط اعلامي مستقل، إن “هناك حالة من الاستياء لدى بعض الأهالي، حيث فقدوا الثقة بالجيش الحر، بعد فشل عدة معارك قام بها الجيش الحر، فضلاً عن حالة الإنفلات الأمني التي تعيشها بعض مناطق الحر”.

وبدوره، أشار المصدر العسكري في الجبهة الجنوبية، إلى أن “المدنيين في المنطقة يطالبون بضرورة فتح معركة ضد قوات النظام، لأن هدفهم الرئيسي هو الخلاص من قوات النظام”.

وتابع “اذا قامت جبهة النصرة بالعمل ضد قوات النظام، سينتج عن ذلك انضمام العديد من المقاتلين إليها”.

سينضمون لمن يدفع أكثر

وبحسب ما ورد فإن الإحباط بسبب تقاعس الجبهة الجنوبية ضد النظام، إلى جانب وجود مشاكل مالية، دفع مئات من مقاتلي الجبهة الجنوبية للانضمام للألوية الإسلامية على مدى الأسبوعين الماضيين.

واشار مصدر عسكري في الجبهة الجنوبية، لسوريا على طول، الأسبوع الماضي، إلى أن “أكثر من 200 مقاتل من الجبهة الجنوبية انضموا لجبهة النصرة وأحرار الشام، جنوب سوريا”.

وفي السياق، قال الجولاني إن “توقف القتال على الجبهات مع النظام قاد معظمهم للانضمام إلى النصرة والأحرار”. ويعتقد أن عدد الانشقاقات يمكن أن يزداد في الأيام المقبلة، “خصوصا أن هناك أنباء متداولة حول إعادة فتح الجبهات مع النظام في المنطقة”.

وأضاف الجولاني “كان بعض الأشخاص الذين انضموا مؤخرا للأحرار والنصرة، تخلوا عن أسلحتهم، لكنهم عاودوا للالتحاق بهم ثانية”.

ولا تقل أهمية رواتب المقاتلين الذين انضموا إلى الفصائل الإسلامية عن أهمية عودة الاقتتال مع النظام.

وقال قائد ثان في الجبهة الجنوبية، لسوريا على طول، هذا الأسبوع، والذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن بعض المقاتلين في الجبهة الجنوبية “لم يتلقوا أي مبالغ مالية خلال ثلاثة أشهر”. وزعم القائد، أن الدعم المالي لفصائل الجيش السوري الحر قد تأخر وانقطع خلال تلك الفترة.

وأضاف “المقاتلون لديهم أطفال وعائلات، ويتبعون آيديولوجيا وحيدة وهي توفير المال لهم. سينضمون لمن يدفع أكثر”.

وتابع “الكتائب الإسلامية تعطي رواتب مغرية، حيث يتلقى المقاتلون غالبا حوالي 50 دولارا شهريا، كما أن أجورهم لاتنقطع على الإطلاق، وهذا هو الحافز الأكبر للانضمام إليهم”.

 

ترجمة: بتول حجار

 

شارك هذا المقال