6 دقائق قراءة

الحرب على أوكرانيا: التراجع الروسي في سوريا فرصة إيران للتمدد

إلى جانب إشغال طهران النقاط التي انسحبت منها موسكو بعد غزو أوكرانيا، عززت إيران ممثلة بميليشياتها وجودها في أكثر من 120 موقعاً ومقراً عسكرياً في البادية السورية بنحو 4500 عنصر، وبمنصات الصواريخ والأسلحة الثقيلة والطائرات المسيرة وأجهزة الاتصال.


30 أبريل 2022

باريس- إبان الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير الماضي، أجرت موسكو تغييرات عسكرية في سوريا، تمثلت بإعادة تموضع قواتها في نقاط محددة، مقابل محاولات طهران ملء الفراغ الروسي، ما يكشف عن شهية كبيرة لإيران في التوغل. 

تراجع روسي

خلال الأسابيع الماضية انسحبت القوات الروسية في سوريا من بعض مواقعها وأعادت تجميعها في عدد من النقاط، منها قاعدة حميميم العسكرية، ومطارات القامشلي ودير الزور والتيفور، ولم يتضح إذا كانت عمليات الانسحاب إلى روسيا أو أوكرانيا.

وبدأ التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، في أيلول/ سبتمبر 2015، قلبت بموجبه موسكو الموازين لصالح النظام السوري، وأسهمت في استعادة دمشق السيطرة على مناطق واسعة كانت تحت سيطرة المعارضة مستخدمة “سياسة الأرض المحروقة” بقصف تلك المناطق بالغارات الجوية والأسلحة الثقيلة، أو عبر اتفاقيات التسوية (المصالحة)، التي رعتها موسكو، بصفة ضامن، في جنوب سوريا، والغوطة الشرقية وريف حمص وغيرها.

مقابل إعادة التموضع الروسي، عززت المليشيات الموالية لإيران، متمثلة بحزب الله اللبناني، حركة النجباء، حزب الله العراقي، لواء فاطميون الأفغاني، ولواء الباقر السوري، من تواجدها في مطار النيرب العسكري بحلب، في أواخر آذار/ مارس الماضي، بعد انسحاب القوات الروسية منه، إضافة إلى إخضاع تلك المليشيات عشرات المواقع والمناطق في حلب لسيطرتها.

وأيضاً، سلمت القوات الروسية وقوات من الفيلق الخامس، وهو قوة عسكرية سورية تابعة لموسكو، مستودعات مهين العسكرية شرق حمص، وهي أحد أكبر مستودعات السلاح في سوريا وتضم 25 مستودعاً مجهزاً، للمليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني، مطلع نيسان/ أبريل الحالي، بعد انسحابها إلى مطار تدمر العسكري شرق حمص، الذي انسحبت منه أيضاً، بعد منتصف الشهر، لصالح الميليشيات الإيرانية. ولم تعلن موسكو رسمياً أو عبر وسائل إعلام تابعة لها عن أي من تلك الانسحابات.

تعليقاً على ذلك، اعتبر الخبير العسكري العميد أحمد رحال أن الانسحاب الروسي “حاجة ملحة بعد الغرق في المستنقع الأوكراني”، ونتيجة لحجم الخسائر الروسية الكبيرة في أوكرانيا “خففت موسكو وجودها في سوريا جزء من استراتيجيتها الحالية، كون المعركة الأهم بالنسبة لها هي في أوكرانيا وليس سوريا”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

ومع تأكيده على ارتباط الانسحاب الروسي من سوريا بما يجري في أوكرانيا، أوضح المحلل العسكري والاستراتيجي العقيد الركن المنشق عن قوات النظام مصطفى الفرحات، أن “الانسحابات الروسية لا تقتصر على سوريا، وإنما سحبت جزءاً من قواتها المنتشرة على عدة جبهات في أوكرانيا للزج بها في المرحلة الثانية من المعركة هناك”.

ومع أن التواجد العسكري الروسي في سوريا، المتمثل ببضعة آلاف من الجنود والشرطة العسكرية والمقاتلين في صفوف ميليشيا فاغنر، محدود مقارنة بحجم القوات الروسية التي شاركت بالحرب في أوكرانيا، وقُدرت حسب خبراء بأكثر من 100 ألف جندي، إلا أن موسكو بحاجة لقواتها القادمة من سوريا “للزج بهم في معركتها المصيرية بأوكرانيا، مستفيدة من خبرتهم في القتال والقصف”.

من جهته، قال الباحث الروسي كبرييل سيمينوف، الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسية (RIAC) إن تدخل روسيا في سوريا خلال السنوات الماضية كان “من أجل التصدي لمحاولات توسع نفوذ إيران في سوريا خشية أن تكون الأكثر تورطاً في المواجهة الإيرانية مع الولايات المتحدة وإسرائيل”، لذلك وجدت موسكو نفسها مضطرة “لاحتواء إيران في سوريا”.

لكن “بعد أن وجدت روسيا نفسها في صراع مع الولايات المتحدة، وانتهى الأمر بإسرائيل إلى اتخاذ موقف مناهض لموسكو ومؤيد لأوكرانيا”، رأت موسكو بأن “ليس من الضروري الالتزام بالقواعد القديمة”، كما قال سيمينوف لـ”سوريا على طول”. 

فرصة لتعزيز الدور الإيراني

بعد ثلاثة أيام من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، التقى مدير مكتب الأمن الوطني التابع للنظام، علي مملوك، بأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران.

وفيما كان الهدف المعلن من الزيارة، وفقاً لوسائل إعلام إيرانية، بحث العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية، ومناقشة الوجود الأميركي “المخرّب” في سوريا، فإن زيارة شخصية أمنية بارزة من النظام السوري في مثل هذا التوقيت، لها أبعاد أكثر من ذلك.

وربما يسعى النظام من زيارة مملوك إلى تعزيز الدور الإيراني مقابل ما قد يحدثه تراجع الدور الروسي في سوريا، يرجّح ذلك ردّ طهران على لسان شمخاني بضرورة “تسريع الاتفاقيات” بين البلدين، ما قد يُفهم عزم إيران على التوغل بشكل أكبر عسكرياً واقتصادياً مستفيدة من انشغال المجتمع الدولي بالملف الأوكراني.

ولا يبدو أن موسكو تمانع اعتماد دمشق على طهران بشكل أكبر، خاصة أن القوات الروسية سبق لها إخلاء عدد من النقاط لصالح الميليشيات الإيرانية، إذ بالنسبة لروسيا “إيران أفضل من يشغل المناطق التي انسحبت منها القوات الروسية إلى أن ينتهي بوتين من معركته في أوكرانيا”، بحسب العقيد الركن مصطفى الفرحات.

وتوقع الفرحات عودة بوتين إلى سوريا “بقوة” في حال “انتصر في معركته بأوكرانيا”، معتبراً أن “التنسيق والتعاون وتبادل المصالح بين الطرفين [روسيا وإيران] طبيعياً”، خاصة أن النظام “لا يمتلك قوات كافية لنشرها في أماكن الانسحاب الروسي”.

لكن يبدو أن طهران ذهبت أبعد مما كان مرسوماً، إذ “اغتنم الإيرانيون الفرصة، وهم أكثر من يقتنص الفرص”، وفقاً للعميد أحمد رحال، لكن توغلها لم يبدد مخاوف النظام “الذي يعيش حالة رعب شديدة من الانسحاب الروسي، خاصة أن الإيرانيين لوحدهم غير قادرين على المواجهة في ظل غياب القوة الجوية”.

توغل إيراني 

إلى جانب إشغال طهران النقاط التي انسحبت منها موسكو بعد غزو أوكرانيا، عززت إيران ممثلة بميليشياتها وجودها في أكثر من 120 موقعاً ومقراً عسكرياً في البادية السورية بنحو 4500 عنصر، وبمنصات الصواريخ والأسلحة الثقيلة والطائرات المسيرة وأجهزة الاتصال، وفقاً لصحيفة الشرق الأوسط. 

وافتتح الحرس الثوري الإيراني باب التطوع في صفوفه لقاء راتب شهري، قدره 200 ألف ليرة سورية (52 دولاراً أميركياً، بحسب سعر الصرف البالغ في السوق السوداء 3870 ليرة)، مشترطة على المتطوعين العمل في البادية السورية. ويقوم تجنيد طهران للسوريين على أسس دينية وإيديولوجية وإقليمية، وقد بدأت مبكراً بعد أشهر من اندلاع الثورة السورية، في آذار/ مارس 2011، بمشاركة حزب الله اللبناني، المدعوم من إيران، في قمع الاحتجاجات الشعبية المناهضة للأسد، وتالياً أسهمت إيران في تأسيس ودعم عشرات الميليشيات الطائفية. 

وفي هذا السياق، اجتمع وفد إيراني وضباط من النظام السوري بأحد وجهاء عشيرة الطيء، في مطار القامشلي شمال سوريا، الشهر الماضي، من أجل تأسيس مجلس عسكري بتمويل إيراني، قوامه من أبناء عشائر المنطقة، للوقوف في وجه المشروع الأميركي مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

كذلك، استولى حزب الله اللبناني، على حقل غاز “زملة المهر1” في بادية حمص، أواخر الشهر الماضي، وحوله إلى مقر عسكري له، بعد طرد الموظفين التابعين للحكومة السورية من الحقل، الذي تم اكتشافه قبل أشهر من قبل وزارة النفط والثروة المعدنية التابعة للنظام.

وشهد الجنوب السوري تحركات إيرانية حذرة وغير مباشرة، خاصة أن المنطقة الجنوبية يحكمها اتفاق روسي-إسرائيلي، بإبعاد إيران وميليشياتها عن المناطق الحدودية مع إسرائيل، لذلك كان التحرك على شكل إجراء النظام السوري عدة تغييرات على مستوى قادة الأفرع الأمنية في المحافظة، معززاً وجود التيار الإيراني.

بدأ ذلك، في أعقاب اغتيال الرائد في الأمن السياسي ومسؤول معبر نصيب الحدودي ماهر وسوف، في مطلع آذار/ مارس الماضي، الذي عين من القصر الجمهوري، قبل أشهر على خلفية احتجاج الأردن على تهريب المخدرات عبر المعبر الحدودي.

ووجهت أصابع الاتهام في اغتيال وسّوف للتيار الإيراني في المنطقة، الذي يقود عمليات تهريب المخدرات، إذ كان تعيينه صفعة لهم، خاصة مع تراجع حجم المواد المهربة. يؤكد ذلك تعيين الرائد يحيى ميا، رئيس مفرزة الأمن السياسي في مدينة إزرع بريف درعا، مسؤولاً عن معبر نصيب الحدودي خلفاً لوسّوف، ويعرف المسؤول الجديد بولائه لإيران وعلاقته القوية مع الميليشيات الإيرانية في درعا.

وفي آذار/ مارس الماضي، أجرى رئيس اللجنة الأمنية في درعا اللواء مفيد الحسن، المعروف بولائه لإيران، عدة تغييرات على صعيد قادة الأفرع الأمنية في المحافظة، منها: تعيين العميد بسام شحادة رئيساً لأمن الدولة في درعا، خلفاً للعميد عقاب صقر، وتعيين العقيد سامر سويدان، رئيساً لفرع الأمن السياسي بدرعا، خلفاً للعقيد أسامة الأسعد. ويعرف المسؤولان الجديدان بتبعيتهما للتيار الإيراني، “في تأكيد على تعزيز التواجد والتغلغل الإيراني في درعا”، كما قال مصدر عسكري سابق في فصائل المعارضة بدرعا لـ”سوريا على طول”.

مستقبل الحليفين 

على مدار العامين الماضيين، عملت المليشيات الإيرانية على حفر أنفاق في محافظة دير الزور شرق سوريا، من أجل نقل وتخزين السلاح، وفقاً لما تداولته وسائل إعلام سورية معارضة ودولية، وما أظهرته صور الأقمار الصناعية.

عمليات حفر الأنفاق “مستمرة” وفقاً لمصدر إعلامي سوري مقرب من ميليشيا حركة النجباء، مؤكداً في حديثه لـ”سوريا على طول” “استمرار وصول أسلحة نوعية، ويتم تخزينها تحت الأرض لتفادي الضربات الجوية الأميركية والإسرائيلية”.

وكذلك، تعمل الميليشيات الإيرانية على “نشر راجمات صواريخ، وصواريخ أرض جو محمولة على الكتف، بين الأحياء السكنية في قرى وبلدات دير الزور”، وفقاً للمصدر المقرب من النجباء.

وتتزامن محاولات طهران الأخيرة تعزيز قوتها وإخفاء سلاحها، في ظل “غياب وجود استراتيجية روسية، كونها مشغولة في أوكرانيا”، بحسب العقيد الركن الفرحات، لذلك تسعى موسكو إلى “تثبيت ما هو قائم، والحيلولة دون تقدم قوات المعارضة إلى حين انتهاء حربها في أوكرانيا”.

ربما يترتب على ذلك “تمرد إيران وتمددها، بما يضعف الورقة الروسية في سوريا”، وفقاً للعميد رحال، وبالتالي قد تقرر موسكو “التخلص من أعبائها والانسحاب نهائياً من سوريا، أو تخفف من قوتها”، ما يعني إعطاء المجال لإيران بشكل أكبر.

وفيما تبدو حظوظ إيران كبيرة بتعزيز دورها مستقبلاً، فإن عدم إمكانية “تعويض الغطاء الجوي الروسي”، سيحول دون قدرة دمشق وطهران “على مواجهة الجيش الحر أو قسد أو غيرهم من القوى”، يزيد هذا العجز قصف إسرائيل المستمر لأهداف تابعة للميليشيات الإيرانية في سوريا.

شارك هذا المقال