6 دقائق قراءة

الحظر الشامل في تركيا لمواجهة كوفيد 19: تعميق لأزمة العمالة السورية وهدر مزيد من حقوقها

فيما يعمل 3% فقط من السوريين المتواجدين على الأراضي التركية بوظائف رسمية تشمل الأمن الوظيفي والحد الأدنى للأجور والضمان الاجتماعي، "لا يتمتع غالبية السوريين بالحماية التي يوفرها القانون".


بقلم عمر نور

5 مايو 2021

اسطنبول- الأسوأ من عملٍ مضنٍ”يهدّ الجسد لمدة 11 ساعة يومياً” بالنسبة للطفل محمد حوراني، أن يتوقف عمله لأسابيع نتيجة “الحظر الشامل” الذي فرضته تركيا كأحد التدابير الوقائية لمواجهة فيروس كوفيد-19، اعتباراً من 29 نيسان/أبريل الماضي وحتى 17 أيار/ مايو الحالي.

حوراني، 16 عاماً، لاجئ سوري، يعمل في ورشة لتنجيد المفروشات بولاية أزمير التركية، حيث يقيم مع عائلته المهجرة من حي جوبر الدمشقي في العام 2018، لم يتقاض “أي تعويض أو أجر من صاحب العمل عن أيام الحظر”، كما قال لـ”سوريا على طول”، ليزيد الوضع سوءاً بعد أن علم بأن والده أيضاً “لم يحصل على أي تعويض من عمله”. 

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن في 26 نيسان/أبريل الماضي عن حظر شامل في كافة الولايات التركية، بعد تصاعد منحنى الإصابات بفيروس كورونا خلال الأشهر الماضية، إذ سجلت تركيا حتى الرابع من الشهر الحالي 4,9 مليون إصابة تقريباً.

تجسّد قصة حوراني واقع العمالة السورية في تركيا، وخصوصاً من يعملون من دون أذونات عمل، ففي حالة أبو سليم، المقيم في اسطنبول والأب لأربعة أطفال، “ليس مصرحٌ لي بالعمل في فترة الحظر، كما لم ولن أحصل على أي مبلغ مالي كتعويض من صاحب العمل”، بحسب ما قال لـ”سوريا على طول”، متسائلاً: “كيف لصاحب العمل أن يعطيني تعويضاً مادياً أو أجراً عن أيام الحظر، وهو يخصم علينا إجازاتنا حتى لو كانت الإجازة مرضية؟!”. 

عمال في مواجهة الحظر

“تراكمت عليّ الديون من الحظر الماضي نتيجة توقف عملي، ولا أدري من أين أستدين في الحظر الحالي”، هذا ما قاله عبد الرحمن عبيدة (اسم مستعار)، وهو أب لثلاثة أطفال، يعمل في مهنة تمديد الكهرباء بنظام “المياومة”، ليقف عاجزاً أمام تأمين احتياجاته خلال فترة الحظر.

وكما أن توقف عمل عبيدة يمثل كارثة له ولعائلته، فإنه كذلك بالنسبة لعائلتين في دمشق، حيث ينفق المهجّر من إحدى بلدات الغوطة الشرقية على اثنين من إخوانه يقيمون هناك، كما قال لـ”سوريا على طول”، معبراً عن أسفه لعدم قدرته إرسال أي شيء يعينهم على “شراء مستلزمات العيد”.

ويفكّر عبيدة جدياً بالعودة إلى سوريا “إذا استمرت الظروف المعيشية على ما هي عليه”، موضحاً أن “عدداً من أصدقائه تراودهم الفكرة ذاتها”. 

وفي هذا السياق، قال رئيس رابطة المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل، المقيم في تركيا، إن “600 لاجئ سوري، ممن يعملون بنظام المياومة، عادوا إلى سوريا في غضون 72 ساعة”، مضيفاً في حديثه إلى “سوريا على طول” أن “بعض هؤلاء لم يعد خيار البقاء في تركيا ممكنا له، خاصة وأن مدة الحظر ليست قليلة، وربما بعضهم لا يملك ثمن طعام لثلاثة أيام”.

تداعيات الحظر الشامل على محمد نور الدين (اسم مستعار) كانت مضاعفة، إذ أصيب قبل أسبوعين تقريباً بفيروس كورونا، ما اضطره إلى “أخذ إجازة بدون راتب” من مكان عمله في أحد معامل اسطنبول، كما قال لـ”سوريا على طول”، ليُواصل عطلته بسبب الحظر “من دون تعويض مالي أيضاً”، ما يعني مزيداً من العجز خصوصاً مع زيادة مصاريفه في شهر رمضان واستعداداً لاستقبال عيد الفطر..

ففيما يعجز اللاجئون السوريون في هذه الظروف عن “تأمين إيجار منازلهم وفواتير الخدمات، كما المستلزمات الأساسية من الطعام والشراب”، بحسب الباحث الاقتصادي د. فراس شعبو، فإنهم يواجهون أيضاً مشكلة “تأمين مصاريف شهر رمضان الحالي وعيد الفطر” كما قال لـ”سوريا على طول”.

لذلك، بالنسبة لنور الدين: “سأضطر بيع خاتم زوجتي للاستفادة من ثمنه في تأمين مصاريفنا”، معتبراً أنه الحل “الأخير والوحيد”.

حقوق ضائعة

تعمل شريحة واسعة من السوريين في تركيا “بظروف عمل غير سليمة وسيئة، إذ لا يملكون أذونات عمل، ولا توجد منظمات أو نقابات ترعى حقوقهم”، بحسب د. فراس شعبو، لذلك يقعون ضحية “العمل لساعات طويلة وبأجر قليل، ليأتي الحظر كارثة بكل ما تعنيه الكلمة”.

وبعد مرور أكثر من عام على تفشي فيروس كورونا، استنزف اللاجئون السوريون مدخراتهم، وأثقل الوباء كاهل العمال غير الحاصلين على وثائق “إذن عمل” على وجه الخصوص، بسبب تكرار فرض الحظر وعدم حصولهم على تعويض.

وفي ذلك، أوضح المحامي غزوان قرنفل أن “العامل الحاصل على إذن عمل، ومؤسسته مصرح لها بالعمل في وقت الحظر، فإنه قادر على مزاولة عمله”، لافتاً إلى أن “إذن العمل يخوّل صاحبه التجول، إذ يستطيع استصدار إشعار من تطبيق خدمات الحكومة التركية الإلكترونية [e-Devlet] بموجب الإذن”.

وحتى إذا أوقفت المؤسسات التجارية عملها فترة الحظر الشامل، فإنها بموجب قانون العمل التركي “تتحمل مسؤولية دفع أجور العامل، سواء أجر كامل أو نصف أجر”، كما قال قرنفل، وهذا ينطبق فقط “على حملة أذونات العمل”.

وإذا كان نصف السوريين قد خسروا أعمالهم أو تأثرت مصادر رزقهم بسبب جائحة كورونا، فإن “عمال المياومة هي الشريحة الأكثر تضرراً”، كما أوضحت لـ”سوريا على طول” مسؤولة الاتصال في اللجنة السورية التركية المشتركة، إيناس النجار.

وبحسب ما أفاد عدد من العمال لـ”سوريا على طول” فإن عدم حصول العمال الأجانب، ومن ضمنهم السوريون، على “إذن عمل” يلغي حقهم في المطالبة بتعويضات أو حتى المطالبة بحقوقهم الأساسية. وقد خسر محمد نور الدين 12,000 ليرة تركية (1437 دولار أميركي بحسب سعر الصرف في السوق الموازية البالغ 8.35 ليرة للدولار)، وهي حقوقه عند صاحب المعمل، لكن “لا أستطيع المطالبة بها”، متابعاً باستنكار “لا شيء يلزمه بتسديد رواتبنا. أحياناً نحصل على جزء من الراتب بعد مرور 20 يوماً على استحقاق الراتب أو حتى 30 يوماً”.

مشكلة العمالة السورية ليست مع أرباب العمل من الأتراك فقط، بحسب عبد الرحمن عبيدة، مشيراً إلى أن له “ذمماً مالية عند أتراك وسوريين، لا أستطيع تحصيلها ولا التقدم بشكوى ضدهم”.

وفيما يعمل 3% فقط من السوريين المتواجدين على الأراضي التركية بوظائف رسمية تشمل الأمن الوظيفي والحد الأدنى للأجور والضمان الاجتماعي، “لا يتمتع غالبية السوريين بالحماية التي يوفرها القانون” بحسب النجار.

ويلزم القانون التركي أصحاب العمل باستخراج أذونات عمل للعامل الأجنبي، كما يفرض غرامة مقدارها 4,323 ليرة تركية (518 دولار) على العامل الأجنبي بدون إذن عمل، فيما يغرّم رب العمل بغرامة تتجاوز 10,800 ليرة (1293 دولار) عن كل شخص أجنبي يعمل لديه بلا إذن عمل، وفقاً للمحامي قرنفل.

لكن، أرباب العمل يتهربون من استخراج “أذونات العمل” بهدف التهرب من الالتزامات المالية المترتبة عليها، من قبيل: الضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي، وتبلغ رسومها نحو 850 ليرة (102 دولار) شهرياً، قال قرنفل، إضافة إلى “تشغيل العامل بأجر أقل من الحد الأدنى للأجور المقرر قانوناً، وبساعات عمل قد تصل إلى 12 ساعة، بدلاً من 8 ساعات المحددة في القانون”، كما أضاف.

وتفادياً لوقوع انتهاكات على العامل السوري، نصح قرنفل الراغبين في العمل “بالتسجيل في مؤسسة إشكور/İŞKUR للحصول على فرص عمل من خلالها”، لافتاً إلى أنها “جهة حكومية يلجأ إليها أصحاب العمل للبحث عن عمال باختصاصات متعددة”. وفي حال حصول العامل على فرصة عبرها “يكون استخراج إذن العمل مضموناً”، وبالتالي يحصل العامل على كامل حقوقه.

حلول خجولة

في إطار سعيه لدعم السوريين في تركيا خلال فترة الحظر الشامل، يعمل منبر الجمعيات السورية، وهو كيان مستقل غير حكومي يساعد في ضمان الحاضنة الاجتماعية الشعبية للسوريين عند الأتراك، على التواصل مع المؤسسات الحكومية التركية والولاة الأتراك، كوالي اسطنبول مثلاً، “للحصول على استثناءات لبعض الموظفين السوريين العاملين مع منظمات المجتمع المدني على إيصال المساعدات للسوريين”، وذلك بهدف “ضمان استمرار وصول المساعدات”، بحسب محمد أكتع، رئيس لجنة العلاقات التركية في المنظمة.

لكن مع ذلك، شدد أكتع على ضرورة “التعامل مع الحظر في تركيا من منظور شامل من دون تخصيصه بالسوريين”، كما قال لـ”سوريا على طول”، معتبراً أن “المعاناة واحدة للسوريّ والتركي”.

من جهتها، تتابع اللجنة السورية التركية المشتركة المتضررين السوريين، وتنظر في التقارير والمعلومات الواردة عنهم، بهدف “التشبيك مع الفرق التطوعية وإيصال المتضرر بها”، بحسب إيناس النجار، وقد دعت “العائلات الأكثر تضرراً إلى مراجعة المنظمات الإنسانية القريبة من أماكن إقامتهم”، مناشدة أيضاً “المنظمات الإنسانية والمتطوعين إلى بذل مزيد من الجهود لتجاوز هذه المرحلة”.

وتلقت اللجنة “طلبات مساعدة من لاجئين سوريين متضررين”، أشارت النجار، “لكن ليس من اختصاصنا تقديم دعم مالي للمتضررين. هناك منظمات متخصصة بذلك”.

ويقدم الهلال الأحمر التركي مساعدات نقدية للاجئين السوريين، بقيمة 120 ليرة تركية (14 دولار) للفرد الواحد، لكنها لا تغطي إلا جزءاً من المصاريف، بحسب عبد الرحمن عبيدة، الذي يحصل على ما مجموعه 600 ليرة (57 دولار) عن 5 أفراد، في الوقت الذي يدفع “أجرة المنزل 1000 ليرة (120 دولار). هذا غير الفواتير والمصاريف الأساسية”، كما أضاف.

أما بالنسبة لمحمد نور الدين، فلم يتلق أي مساعدات منذ وصوله إلى تركيا، حتى من الهلال الأحمر التركي، ليقف عاجزاً عن التفكير في المستقبل، وحائراً “إلى أين أتجه إذا أغلقت كل الأبواب في وجهي؟!”.

شارك هذا المقال