6 دقائق قراءة

الحياة داخل “الباب”: تنظيم الدولة يزرع الرعب.. ومدنيون مسجنون في بيوتهم يحصدون الموت

في صباح يوم بارد في آواخر كانون الثاني، تسلل عبد […]


9 فبراير 2017

في صباح يوم بارد في آواخر كانون الثاني، تسلل عبد السلام أبو عصام، 37عاماً، بصحبة زوجه وطفلته من خلال شوارع مدينة الباب، الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة. وخطا في شمال شرق حلب عبر الشوارع والأبنية المتهاوية التي تضيئها أشعة الشمس المتكاسلة والمخضلة ببرد فجر كانوني.

وخلال الشهور الثلاثة والنصف الماضية، كانت مدينة الباب، وهي آخر معقل رئيسي لتنظيم الدولة في شمال غرب سورية، نقطة محورية لمعركة معقدة وشرسة. وعلى الأرض، تقدمت وحدات الجيش السوري الحر وقوات تركيا الخاصة من الشمال والشرق والغرب. ومنذ منتصف كانون الثاني والجيش العربي السوري يتوغل من الجنوب ، وهو الآن على بعد 7 كم من المدينة.

ورافق القتال البري، والغارات الجوية شبه اليومية لتركيا وروسيا والنظام والتحالف بقيادة الولايات المتحدة.

وفي وسط الحملة على الباب، هناك آلاف المدنيين الذين يعمل تنظيم الدولة بما أوتي من قوة لمنعهم من مغادرة المدينة؛ فقناصته بالمرصاد للفارين من الأهالي. وقتل رصاصه والألغام البرية أيضاً والعبوات الناسفة التي زرعها في محيط المدينة، 50 شخصاً وهم يحاولون الخروج من الباب منذ آواخر كانون الأول.

ومع ذلك وفي فجر ذلك اليوم، في الشهر الماضي، قرر أبو عصام أن يخاطر ويحاول الهروب.

وبعد أن مشى ببطءٍ وبحذر، دون أن يُكتشف في طريقه عبر الباب، تابع أبو عصام وعائلته مسيرهم إلى طريق ترابي ومزروع بالألغام، يُفضي إلى خارج الباب. واتجهوا شمالاً إلى مناطق الجيش السوري الحر. وهو أكثر الطرق المسلوكة إلى خارج المدينة الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة.

وحاول أبو عصام، ست مرات، الهرب وعائلته من قبل، ولكن في كل مرة كان مقاتلو تنظيم الدولة يُمسكون به ويجلدونه. وفي هذه المرة، وفي وقت الفجر، التقى بأخيه، الذي كان ينتظره في ضواحي الباب الليلة طولها مع الدراجات النارية التي أمنها.

أهالي الباب قرب البزاعة، على بعد 2.5 كم شرق المدينة، 18 كانون الثاني. حقوق نشر الصورة لـ عبد السلام أبو عصام.

حالما خرج من المدينة الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة، تنفس أبو عصام الصعداء، والتقط بعض الصور. وسار نحو 30000 شخص من أهالي الباب رحلة أبو عصام ذاتها منذ آواخر كانون الأول عام 2016، وفقاً للأمم المتحدة.

وبينما هو ومعظم أقاربه الآن في ريف حلب الخاضع لسيطرة الجيش السوري الحر، فإن والديه وشقيقه ما يزالون داخل مدينة الباب. لذا طلب أن يشار إليه بلقبه خوفاً عليهم.

وقال أبو عصام لمراسلة سوريا على طول، بهيرة الزرير، من مأواه الجديد في خيمة تبعد نحو 30 كم شمال غرب بلدته الخاضعة لتنظيم الدولة، “كأنني ولدت من جديد”.

وأضاف “أنا الآن موجود في مرج دابق أسكن في خيمة، ولكن بالنسبة لي أفضل بكثير من البقاء تحت سيطرة التنيظم والموت من شدة الخوف”.

حدثنا عن الأوضاع المعيشية داخل الباب؟

الأوضاع المعيشية سيئة جداً، فالباب محاصرة من كل الجهات.

وبالنسبة للغذاء، فلا شيء يدخل إلى الباب والمحروقات غير متوفرة، وحتى رغيف الخبز لا نستطيع تأمينه لأطفالنا.

والسكر ممنوع تداوله والسماد أيضاً وذلك خوفاً من استخدامه لصناعة المتفجرات.

فأولادي كانوا يقومون بجمع بقايا الطعام لسد حاجاتنا. وأنا كنت غير قادر على الخروج من المنزل والعمل، فالحياة اليومية متوقفة للرجال داخل المدينة؛ ولا يستطيعون القيام بأي عمل لأنّ داعش يضيق عليهم، وخوفاً على أرواحهم لأنّ روحهم لا قيمة لها عند التنظيم.

والأكثر سوءاً هو الوضع الطبي في الباب، فلا يوجد مستوصفات ولا مشافي ولا أطباء لعلاج الأهالي أو المصابين من المدنيين، والخدمات الطبية المتوفرة مقدمة لعناصر التنظيم وعوائلهم فقط، فهناك الكثير من مرضى الكلى والسرطان ماتوا دون أن يعالجوا، فالذي يمرض يعرف أنّ نهايته الموت دون مراجعة أو استشارة أيّ طبيب.

ماهي ممارسات التنظيم بحقّ أهالي الباب؟

تنظيم الدولة زرع الخوف والترهيب بقلب كل شخص في الباب، فنحن بتنا غير قادرين على النطق بكلمة حتى أمام ظلنا لأنّ ثمنها سيكون حياتنا.

ممارسات داعش كانت على كلّ الأصعدة، فمثلاً أمي عمرها 57 عاما، خرجت للتنظيف أمام منزلنا فرآها عنصر من داعش فجلدوا والدي البالغ من العمر 65 عاماً، 100 جلدة، عقوبة له لأنّها زوجته.

وامرأة من حينا أيضاً خرجت لتنادي على فتاتها الصغيرة لتعود إلى البيت كذلك الأمر عاقبوا زوجها بـ100 جلدة أيضا.

بالإضافة لتزويج النساء من عناصر من التنظيم رغما عنهن وعن أهلهن، وأيضا الممارسات في أداء الصلاة فالناس تركت الصلاة بسبب الانتقادات التي توجه للمصلين أثناء أدائها في المسجد، والتضييق على الناس ليجبروا الشباب للانضمام لهم.

فهذه بعض الأمثلة على ممارسات التنظيم بحقّ الأهالي فكلّ شيء بات محرماً ومنكراً وهم يفعلون الحرام والمنكر ولا يمتّون للإسلام بصلة.  

 حقوق نشر الصورة لـ عبد السلام أبو عصام.

هل فعل المدنيون داخل مدينة الباب أيّ شيء ضد أوامر التنظيم سواء كان بالسر أو بالعلن؟ وماذا كانت ردة فعل التنظيم؟

الفكرة بالتمرد كانت موجودة عند العديد من أهالي الباب، ولكن الخوف والترهيب الذي زرعه التنظيم بقلوبنا يمنعنا من الكلام، لأننا كنا على علم بأنّ أيّ غلطة ولو كانت صغيرة ستكلفنا حياتنا، وستكون الخطأ الأول والأخير الذي نرتكبه. وهذا ما جعلنا نفكر في تأمين رغيف الخبز وحاجاتنا الأساسية لأبنائنا.

هل عناصر تنظيم الدولة هم من أبناء المدينة أو من مناطق وبلدات أخرى؟ وهل هناك أي تغيير بالتعامل معهم في الفترة الأخيرة؟

هناك بعض الشبان من مدينة الباب ذوي النفوس الضعيفة، انضموا إلى صفوف الدولة، بسبب حاجتهم إلى المال فقط، ولكن عناصر التنظيم من جنسيات أجنبية، وعربية، كفرنسا، أفغانستان، والأردن وباكستان والعراق والمغرب وتونس وغيرها.

التغيير تمثل بالتشديد على المدنيين أكثر بكثير من السابق، وكلّ خوف التنظيم هو من الموبايلات الحديثة فهي ممنوعة بشكل نهائي ومن يكتشفون أنّها بحوزته كانوا يقطعون رأسه، والموبايل المسموح به هو التلفون الذي لا يوجد فيه نت، خوفاً من التواصل مع جهات من قسد أو درع الفرات وتحديد أماكنهم ومن ثم قصفها.

هلّا وصفت لي شعورك عندما كنت في مدينتك قبيل  مغادرتها؟

أحسست بالفرح الشديد بخروجي من مدينتي ووصولي إلى الحدود التركية والمناطق الآمنة، كأنني ولدت من جديد، لأنني تخلصت من الخوف والإرهاب الذي مارسه تنظيم الدولة علي وعلى أهالي الباب كلهم ونحن في مدينتنا.

وحزنت قليلاً على مدينتي التي ولدت وعشت فيها، وعلى الرغم من معرفتي بأنّ داعش بعد خروجي سيحتلون منزلي ويحرقون الأثاث، ولكن كلّ ما أملك لا يعادل عندي دقيقة خوف قضيتها وأنا في منزلي وفي مدينتي.

حدثنا عن خروجك من مدينة الباب؟

خرجت على دراجة نارية مع زوجتي وابنتي، ومعنا ثلاثة دراجات لأقاربي من طريق ترابي مليء بالألغام طبعاً كانت هذه المحاولة السابعة بعد ست محاولات فاشلة كانت عناصر داعش تلقي القبض علينا، وكنا دون مهرب، لأن وجود المهرب صعب جداً، لأنّ داعش قتلت أشخاصاً بتهمة التهريب، والسبب الآخر إن وجد مهرب فإنّه يطلب مبلغ 100$ للشخص.

طريق الخروج الأشهر كان طريق ترابي يقع بين الباب وبلدة بزاعة يتجه شمالاً باتجاه جبل االدير حيث يتواجد الجيش الحر، بقينا لمدة ساعتين ونصف.

وأنا الآن موجود في مرج دابق أسكن في خيمة، ولكن بالنسبة لي أفضل بكثير من البقاء تحت سيطرة التنيظم والموت من شدة الخوف.

كيف كان الوضع داخل المدينة في القصف الأخير؟

القصف الأخير على المدينة كان جوياً ومدفعياً من قبل طيران النظام والتحالف.

الدواعش اختاروا مقرات لهم ضمن الأبنية السكنية، ولم ينشئوا مقرات خارج المدينة أو على أطرافها خوفاً من القصف.

الوضع في المدينة سيء جداً، فالجثث مبعثرة في الأرض ولا أحد يستطيع أن يقترب من الجثة، حتى لو كان ابنه.

تستخدم داعش الناس كدروع لها تختبىء وراءها دون تقديم الحماية لهم، حيث تقوم بتجميع الأهالي المدنيين في نقطة واحدة، وهدفهم أن يكون الموتى أكبر رقم من المدنيين.

هل هناك أية مشاكل تواجهك الآن مع قوات الجيش الحر كونك كنت في مناطق تابعة لتنطيم الدولة؟

منذ بداية دخولي إلى مرج دابق كان الجيش الحر يقوم بدوره لحفظ الأمن والأمان، وكان هناك تفتيش دقيق للسيارات التي كانت تقلنا، وعند وصولي إلى مرج دابق استقبلني أحد أصدقائي للدخول، وعند إعلام الجيش بأني أعرف أحداً من ريف حلب فكان بمثابة كفيل لي.

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال