6 دقائق قراءة

الخدمات الطبية في مخيم الهول: ضعف كفاءة وتمييز وحصار 

عمان- يبدو أمراً أقرب إلى "المعجزة" الحصول على "ورقة الدور" التي تخوّل حاملها الحصول على خدمة طبية في مخيم الهول، بمحافظة الحسكة شرق سوريا. لكنها مع ذلك، كما يروي قاطنو المخيم، قد لا تكون معجزة كافية بالضرورة لإنقاذ حياة مريض.


3 سبتمبر 2019

عمان- يبدو أمراً أقرب إلى “المعجزة” الحصول على “ورقة الدور” التي تخوّل حاملها الحصول على خدمة طبية في مخيم الهول، بمحافظة الحسكة شرق سوريا. لكنها مع ذلك، كما يروي قاطنو المخيم، قد لا تكون معجزة كافية بالضرورة لإنقاذ حياة مريض.

إذ استغرقت منى عبد الوهاب، (25 عاماً)، من محافظة دير الزور، فترة أسابيع للحصول على “ورقة دور” لطفلتها ذات التسعة أشهر. ولم يكن ذلك ممكناً لولا مساعدة إحدى المقيمات الأخريات في المخيم”، وبعد أن ساءت حالة الرضيعة “وظهرت عليها أعراض سوء التغذية”، بحسب ما قالت لـ”سوريا على طول”.

رغم كل ذلك، ما تزال ابنة منى محظوظة مقارنة بحالات أخرى، فارق فيها الأطفال الحياة قبل تمكنهم من نيل رعاية طبية ملحة. وقد كشف مدير الصحة والإدارة المشتركة في الهلال الأحمر الكردي، الدكتور شيروان بري، في حديث إلى “سوريا على طول”، عن وصول حالات إلى المراكز الطبية “وقد فارقت الحياة، أو تفارق الحياة أثناء تقديم العلاج اللازم لها”.

والملفت أن “أغلب الحالات”، بحسب بري، هي “لأطفال يعانون من سوء التغذية، إذ لا توجد أغذية مخصصة للأطفال في المخيم، ما يدفع الأهالي إلى التعويض عن ذلك بغذاء للبالغين”. 

في الوقت ذاته، “لا توجد سوى غرفة واحدة لعلاج هؤلاء في مركز الهلال الأحمر الكردي، بحيث يستخدم السرير الواحد لمعاينة أكثر من طفل في وقت واحد”.

وتشير الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة، أول أمس الأحد، إلى وجود 68,823 شخصاً في المخيم، 94%  منهم نساء وأطفال، فيما تبلغ نسبة الأطفال دون سن 18 عاماً 67%.

وعلى خلفية الواقع الصحي المتردي في “الهول”، كانت منظمة أطباء بلا حدود، أصدرت بياناً صحافياً في أيار/مايو الماضي، دعت فيه إلى “مواصلة تقديم المساعدات الإنسانيّة في مخيم الهول وتوسيع نطاق عملها وفي ‏نفس الوقت، يجب السماح لمنظمات الإغاثة بالوصول إلى كافة أقسام المخيم، ومعاملة جميع الناس بطريقة عادلة ‏وإنسانيّة”.

وأشار بري إلى أن منظمته “وقعت اتفاقية مع منظمة “لجنة الإنقاذ الدولية” (آي. آر. سي)، لبناء مركز متخصص في علاج سوء التغذية عند الأطفال، داخل المخيم”، يتوقع إنجازه “خلال أشهر قليلة”.

خدمات بالحد الأدنى

أودعت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عائلة رقاوية في مخيم الهول، بعد أن ضبطتها دورية تابعة لـ”الأسايش” (قوات الأمن الداخلي الكردية) بتهمة السكن في مدينة الحسكة من دون كفيل، بحسب ما ذكر ربّ الأسرة لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن هويته.

إحدى أفراد العائلة تعاني من مرض “الربو”. ورغم وجود مراكز طبية في المخيم، إلا أن حالتها ساءت نظراً “لعدم كفاءة الكوادر الطبية” هناك، بحسب والد الفتاة، إذ إن “عمل الكوادر داخل المخيم يقتصر على الأمراض العادية، التي لا تحتاج أخصائيين”.

كذلك، اعتبر ربّ العائلة الرقاوية أن “تدخل حزب الاتحاد الديمقراطي (بي. يي. دي) في شؤون النازحين داخل المراكز الصحية ومعاملتهم السيئة، يؤثر على الوضع الطبي في المخيم”.

من جانبه، أوضح شيخموس الأحمد، مسؤول مكتب شؤون النازحين واللاجئين والمنكوبين في “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، أن “مخيم الهول يحتوي على ثلاثة مستشفيات رئيسة لكنها لا تقدم سوى الخدمات العلاجية الأولية”. وهي تتبع لـ”منظمة الهلال الأحمر الكردي”، و”الصليب الأحمر الدولي”، و”جمعية كنيسة السريان”. مضيفاً في حديثه إلى “سوريا على طول” أن هذه المستشفيات “لا تجري أي عمليات جراحية، وإنما تقوم بتحويل الحالات الجراحية والمستعصية إلى محافظة الحسكة، عبر منظمتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري”.

كما أكد الأحمد شهادات حصلت عليها “سوريا على طول” من مصادر داخل المخيم، بأن “نقص الأخصائيين الطبيين في المخيم أدى إلى علاج المصابين إصابات حرب بطرق غير صحيحة”.

عاملة في الهلال الأحمر الكردي تتحدث إلى سيدات في مركز طبي في مخيم الهول بمحافظة الحسكة، شمال شرق سوريا، 23/7/2019 (AFP) 

 

خدمات تبعاً للجنسية

تعود نشأة مخيم الهول إلى فترة حرب الخليج في العام 1991؛ إذ كان ملاذاً لآلاف العراقيين والفلسطينيين الذين فرّوا من العراق إبان الحرب. وقد تم تشغيله آنذاك من الحكومة السورية، بإشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. 

حالياً، يُعد “الهول” مكان إقامة جبرية لآلاف العراقيين الذين يمثلون النسبة الأكبر من قاطنيه، بعد أن اتخذته قوات “قسد” مركز إيواء للعائلات التي كانت تقيم في مناطق سيطرة “تنظيم الدولة” (داعش) على ضفتي نهر الفرات.

وبحسب الأمم المتحدة، في تقريرها الصادر أول أمس الأحد، تبلغ نسبة العراقيين في المخيم 45%، في مقابل 41% مواطنين سوريين، و14% من جنسيات أخرى.

تبعاً لذلك، تم توزيع قاطني المخيم على عدة قطاعات، بحيث تم فصل السوريين عن باقي الجنسيات. كما تتفاوت الخدمات المقدمة بين قطاع وآخر. 

ففيما تخدم المراكز الطبية الثلاثة السوريين في المخيم، تحصل المتهمات بارتباطهن بـ”داعش” من غير السوريات، على خدمات طبية أقل، تقدمها “عيادات متنقلة من منظمتي “أطباء بلا حدود” و”آي. آر. سي”، لساعات محدودة يومياً”، بحسب ما ذكر الدكتور شاهين محمد، مسؤول الصحة في مقاطعة الحسكة، التابعة لـ”الإدارة الذاتية”.

وفيما وصفت منى عبد الوهاب المخيم الذي غادرته مؤخراً إلى مكان إقامتها في دير الزور، بأنه “عبارة عن سجن، والخيام فيه كالزنازين. إذ يحيط به سياج عسكري، ويقع تحت حراسة مشددة من عناصر مدججين بالسلاح”، فإن ظروف إقامتها في “الهول” تظل، كونها سورية، أفضل من تلك التي يعايشها رعايا البلدان الأخرى.

وتؤكد “أطباء بلا حدود” في بيانها الصحافي الصادر في أيار/ مايو الماضي، أن خدمات الرعاية الصحية الأساسية “غير موزعة بشكل جيد أو على قدم المساواة بين جميع سكان المخيم، إذ في منطقة مسوّرة يقطن 11 ألف شخص من جنسيات غير سورية، بينهم 7 آلاف طفل، يمنعون من التنقل بحرية إلى الأقسام الأخرى في المخيم حيث تتواجد المرافق الصحية الأساسية”.

ورغم أن الاحترازات الأمنية التي تتبعها “قسد” في مخيم الهول جاءت تحسباً لوجود خلايا لـ”داعش” بين المتواجدين هناك، يعتبر الناشط الحقوقي ومدير مركز “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، أن “التخوف الأمني ليس مبرراً لاتخاذ أي إجراءات من شأنها التضييق الطبي. وبموازاة اتخاذ الاحتياطات الأمنية المناسبة، يجب السماح بوصول المساعدات الإنسانية والطبية”.

وحذّر الناشط الحقوقي في حديثه إلى “سوريا على طول” من أن “الخلايا الإرهابية قد تستخدم التضييق على قاطني المخيم لمصالحها الشخصية، ودعماً للبروبوغاندا الخاصة بها”.

حصار طبي

روايات من غادروا مخيّم الهول، وتحدثوا لـ”سوريا على طول”، من مثل منى عبدالوهاب، تتطابق إلى حد بعيد مع التقارير والبيانات الصحافية لمنظمات دولية. كما أن تصريحات مسؤولين طبيين في شمال شرق سوريا، لا تنفي سوء الواقع الطبي كذلك، إلا أن جوهر الخلاف يكمن في أسباب ذلك.

ففي تصريح لـ”سوريا على طول”، عزا مدير الإغاثة الإنسانية والعلاقات الإقليمية في “التحالف متعدد الأديان من أجل اللاجئين السوريين”، شادي مارتيني، التحديات التي تواجه المنظمات الدولية في الوصول إلى شمال شرق سوريا، بما فيها مخيم الهول، إلى “وجود إجراءات معقدة وبيروقراطية لإدخال المساعدات من إقليم كردستان العراق. إذ تطلب الجهات المعنية كثيراً من الأوراق”. 

يضاف إلى ذلك “عدم وجود أي معابر إلى المنطقة مع تركيا”. لافتاً إلى أن “بعض القوافل تبقى لأشهر في كردستان العراق، إلى أن يسمح لها بالدخول، وهو ما يترتب عليه دفع نحو 8 إلى 10 آلاف دولار أميركي كرسوم أرضيات للحاوية الواحدة”.

ويرسل “التحالف متعدد الأديان”، كما أوضح مارتيني، قوافل المساعدات من أميركا إلى مرفأ مرسين في تركيا. وبعد إجراء معاملات التخليص يتم نقل القوافل إلى كردستان العراق، حيث تنتظر على الحدود مع تركيا لفترة طويلة. ويتكرر ذلك بين حدود كردستان وسوريا. مشدداً على أنه “لا توجد أي تسهيلات حقيقية، أو إجراءات مشجعة لتسريع العمل الإنساني”.

وكان يُفترض أن يتم التنسيق بين “التحالف متعدد الأديان” و”التحالف الدولي للقضاء على داعش” بشأن برامج مخصصة لإدخال المساعدات إلى شمال شرق سوريا، عبر طائرات شحن. لكن تعطّل المشروع بعد تصريحات للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالانسحاب من سوريا، بحسب مارتيني.

وفيما تتهم “الإدارة الذاتية”، عبر تصريح لمسؤول الصحة شاهين محمد، “الدول المحيطة والنظام السوري بحصار المخيم”، ما يتسبب “بحالة إرباك لإدارة المخيم، جراء نقص المواد الطبية وضعف الإمكانات”، يطالب الناشط الأحمد هذه الإدارة بـ”تخفيف القيود على عمل المنظمات الدولية وتقديم تسهيلات لها لتشجيع العمل في مخيم الهول وباقي المخيمات والمناطق المنكوبة في شرق سوريا”.

واتهم الأحمد الإدارة الذاتية بأنها “تعطي الأولوية لمنظمات محلية على حساب منظمات أخرى”، مشدداً على فتح المجال أمام تنفيذ المنظمات الإنسانية أعمالها بشكل حر، إضافة إلى فتح ممر من المخيم إلى المشافي في مناطق أخرى مثل رأس العين والقامشلي”.

 

تم إنجاز هذا التقرير ضمن مشروع مؤسسة سوريا على طول “ربط المجتمعات من خلال التشارك المهني” والذي ينفذ بالشراكة مع برنامج “دايركت إيد” التابع للسفارة الأسترالية في عمان.

شارك هذا المقال