5 دقائق قراءة

“الخطف والخطف المضاد” ينذران بفتنة طائفية بين درعا والسويداء جنوب سوريا

تنشط "عمليات الخطف والخطف المضاد" بين المحافظتين الجارتين، درعا والسويداء، منذ سنوات، نتيجة انتشار عصابات تمارس الخطف من أجل الابتزاز والحصول على فديات مالية


31 مارس 2020

عمّان – شيعت محافظة السويداء، جنوب سوريا، أول أمس، جثامين 15 شاباً قتلوا في اشتباكات وقعت، يوم الجمعة الماضي، بين فصائل محلية في السويداء ينتمي لها القتلى ومسلحين من مدينة بصرى الشام شرق درعا، ينتمون للفيلق الخامس الذي تشرف عليه روسيا.

اندلعت الاشتباكات التي تعد الأكبر منذ سيطرة النظام على جنوب سوريا صيف العام 2018، في بلدة القريا غرب السويداء واستمرت لعدة ساعات، على خلفية اتهامات متبادلة بتنفيذ عمليات خطف بين المحافظتين، ما ينذر “بمواجهات أكبر” بحسب ما حذرت مصادر من المنطقتين تحدثت لـ”سوريا على طول”. 

وبحسب مصدر إعلامي من الفيلق الخامس، طلب عدم الكشف عن هويته، فإن دورية تابعة للفيلق تعرضت لإطلاق نار أثناء قيامها “بمهمة منع عمليات الخطف على طريق القريا-بصرى الشام”، ما أدى إلى مقتل أحد عناصر الدورية وإصابة اثنين آخرين بجراح، ولتندلع على إثر ذلك “اشتباكات بين الدورية والمسلحين مطلقي النار”.

في المقابل، عزا ريان معروف، مسؤول التحرير في شبكة “السويداء 24″، وهي مؤسسة إعلامية محلية، السبب المباشر للاشتباكات إلى “محاولة مسلحين من بصرى الشام التسلل إلى أراضي بلدة القريا لخطف مدنيين، رداً على اختطاف عصابة من السويداء لشخصين من أبناء بصرى الشام طمعاً بفدية مالية”. مشيراً إلى أن المسلحين أطلقوا النار بعد فشل عملية الاختطاف، فقتلوا مدنياً من البلدة وجرحوا اثنين آخرين، ما أدى إلى اندلاع الاشتباكات بين الجانبين.

تأجيج الفتنة

عقب الاشتباكات، ووفقاً لما قال المصدر الإعلامي في الفيلق الخامس لـ”سوريا على طول”، سحب عناصر الفيلق جثامين مسلحي السويداء إلى بصرى الشام. لكن أهالي السويداء اتهموا العناصر بتصفية مسلحي السويداء الذين وصلوا إلى مستشفى بصرى الشام. ونقل الناشط معروف عن “مقاتلين كانوا في الصفوف الأولى”، أن “شباناً من السويداء نفدت ذخيرتهم وأصيبوا بأطرافهم، وفيما بعد تم الإعلان عن مقتلهم”. وهو ما نفاه المصدر في الفيلق، فيما لم يتسن لـ”سوريا على طول” التوثق من صحة الروايتين.

وفيما نشرت صفحات موالية لحكومة دمشق صوراً لقتلى السويداء في بصرى الشام، معززة في روايتها الاتهامات الموجهة للفيلق الخامس، كما قال معروف، فإنه لفت في الوقت ذاته إلى أن “تصوير الجثامين من قبل الأمن العسكري، كما وصلنا، ونشرها على مواقع التواصل، هدفهما تأجيج حالة الغضب والفتنة بين المحافظتين”.

في السياق ذاته، وفيما أكد عضو في الجناح الإعلامي لحركة رجال الكرامة، وهي فصيل مسلح من الطائفة الدرزية لا يوالي النظام، بأن “لا تطورات عسكرية حالياً في بلدة القريا، حيث تتناوب عدة فصائل في المنطقة [على حراستها] منذ ليلة الاعتداء”، فإنه طالب في حديثه إلى “سوريا على طول” “أهلنا في حوران بالتبرؤ من المدعو أحمد العودة [الذي يتولى قيادة قوات الفيلق الخامس في بصرى الشام] والعمل على محاسبته”.

واتهم عضو “رجال الكرامة” أهالي حوران باتخاذ موقف سلبي مما يجري بين المحافظتين، مذكراً بأنه “عندما وقعت عمليات تعفيش [نهب أثاث ومقتنيات] لمنازل أهالي درعا، خلال العمليات العسكرية [للقوات الحكومية] في تموز/يوليو 2018، صدرت عدة بيانات من كل فعاليات الجبل [جبل الدروز] تحذر من المال المسروق وتمنع التعاطي به. في المقابل لم نشاهد وقفة من أهلنا في درعا ضد كل ما تم من خطف وسرقة بحق أهل الجبل”.

خطف متبادل

مطلع آذار/مارس الحالي، حصلت “سوريا على طول” على تسجيلات صوتية لمحادثات بين أحد مشايخ العقل [الذين يمثلون السلطة العليا للطائفة الدرزية في سوريا] في محافظة السويداء، وأحد وجهاء بصرى الشام، يتباحثان من أجل التوسط للإفراج عن مخطوفين من محافظتي درعا والسويداء.

في أحد التسجيلات، أثني شيخ العقل على أحمد العودة الذي كان قائد فصيل “شباب السنة” المعارض قبل توقيع اتفاقية التسوية مع دمشق، لمساعيه في الإفراج عن مختطفين من السويداء. إذ جاء التسجيل بعد أن توسط العودة مع عدد من وجهاء درعا للإفراج عن أولئك المختطفين، مقابل الإفراج عن مختطفين في الطرف المقابل.

وتنشط “عمليات الخطف والخطف المضاد” بين المحافظتين الجارتين، درعا والسويداء، منذ سنوات، نتيجة انتشار عصابات تمارس الخطف من أجل الابتزاز والحصول على فديات مالية، يرتبط بعضها بالأجهزة الأمنية السورية، بعد أن حصل أفرادها على بطاقات تسوية من دمشق.

أين يصل ملف الخطف؟

وثقت شبكة “السويداء 24” اختطاف أربعة أشخاص من السويداء على يد ما سمتهم “عصابات مجهولة” في درعا في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير الماضيين،. كما شهد العام 2019، بحسب الشبكة ذاتها، اختطاف 25 مدنياً من درعا على يد فصائل محلية وعائلات من السويداء للمطالبة بالإفراج عن سبعة مختطفين من السويداء على يد فصائل محلية من درعا.

وعلى سبيل المثال، اختطف الطبيب محمد أنس الحريري، في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، بعد خروجه من عمله في المستشفى الوطني بمدينة السويداء، على يد عائلة أحد مخطوفي السويداء في درعا. تبع ذلك في اليوم التالي اختطاف الشاب وعد نصر الله نصر من أبناء ريف السويداء.

في المقابل، أفرجت عائلة غرز الدين، من محافظة السويداء، في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، عن الشاب إبراهيم إسماعيل الرفاعي من محافظة درعا، بعد احتجازه رداً على اختطاف أحد أبناء غرز الدين في درعا. وأشارت الأخيرة في بيان لها بأن عملية الإفراج “هي مبادرة حسن نية، من أجل الإسراع في الإفراج عن باقي المحتجزين من المحافظتين، ولإعادة السلم الأهلي والأمن الوطني بين محافظتي درعا والسويداء”.

بالإضافة إلى الخطف المتبادل بين المحافظتين، تنشط عمليات خطف محلية فيهما. وفيما يتعلق بالسويداء تحديداً، كشفت “السويداء 24″، عن تعرض 151 مدنياً للخطف، في العام 2019، طمعاً بفدية مالية، تم الإفراج عن 122 منهم، حتى مطلع العام 2020، مقابل مبالغ مالية، فيما أطلق سراح 12 مختطفاً بعد تعرض الخاطفين لضغوط مختلفة. فيما شهد كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير الماضيين اختطاف  22 مدنياً على يد عصابات مجهولة طمعاً بالفدية المالية، إضافة إلى 7 مدنيين آخرين أرجعت الشبكة مسؤولية اختطافهم إلى فصائل محلية في المحافظة.

هذه الأرقام، إلى جانب ظروف الاشتباك الأخير في بلدة القريا، تثير الخشية من أن الهدوء الذي ساد القريا وبصرى الشام المحاذية لها قد يكون مؤقتاً. إذ في يوم الاشتباك، وصل وفد روسي من أجل التوسط  “لتسليم جثث أبناء السويداء عبر الهلال الأحمر، وتدخل وجهاء من درعا للتهدئة”، كما ذكر الإعلامي في الفيلق الخامس. مستدركاً بأنه “حتى هذه اللحظة لا يوجد حلّ نهائي”.

وهو ما أكد عليه الناشط معروف، إذ إن “بعض وجهاء السويداء قالوا إنه تم التواصل مع الروس للضغط على الفيلق الخامس لتسليم الجثامين وطفلين كانا قد اختطفا وقت الاشتباكات”، كما قال، إلا أنه “لا يمكن اعتبار أن الحادثة قد وصلت إلى حل، كون القضية أخذت بعداً عشائرياً”. لافتاً إلى أنه “في مجتمعات مثل درعا والسويداء لا تحل هذه القضايا في يوم أو يومين. ومن الممكن أن تنفجر صراعات جديدة ما لم يكن هناك صلح عشائري به يمكن حقن الدماء”.

وفيما أعاد المصدر الإعلامي في حركة رجال الكرامة التأكيد على “العلاقات التاريخية بين درعا والسويداء” التي وصفها بأنها “علاقة أهل”، فإنه تمنى وقفة من درعا ضد التصرفات المسيئة، محملاً في الوقت ذاته “الضامن الروسي والحكومة السورية مسؤولية الدماء التي سالت بفعل الفيلق الخامس التابع للجيش السوري”.

شارك هذا المقال