7 دقائق قراءة

“الدم بالدم”: انتشار الثأر العشائري في الصحراء الشرقية لسوريا انتقاماً للانتهاكات في عهد التنظيم

اجتماع لزعماء عشائر دير الزور مع قوات سوريا الديمقراطية في […]


4 سبتمبر 2018

اجتماع لزعماء عشائر دير الزور مع قوات سوريا الديمقراطية في آب. تصوير: قوات سوريا من الجبهة

كان مروان خارج منزله يشتري الخضار من أحد محلات البقالة، في مسقط رأسه في بلدة أبو حردوب شرقي دير الزور، قبل ثلاثة أشهر، عندما اقترب فجأة رجل يحمل مسدسا موجها إليه. 

كانت تلك اللحظة متوقعة. فقبل أربع سنوات، عندما كان عمره 15 عاما فقط، انضم مروان إلى تنظيم الدولة حيث استولت المجموعة المتشددة على جزء كبير من الصحراء الشرقية في سوريا- بما في ذلك مسقط رأسه الذي يقع داخل منعطف شرقي نهر الفرات، بالقرب من الحدود مع العراق. 

ورغم مراهقته، لعب مروان دورا مهما في المساعدة على فرض حكم الجماعة المتشدد العنيف على دير الزور، بحسب شقيقه الأكبر عثمان الذي لم ينضم إليهم. وقال عثمان أنه بعد انضمام مروان إلى التنظيم، شارك في دورية أطلقت النار وقتلت رجلاً متهما بامتلاك جهاز راوتر- وهو جهاز محظور بموجب تفسير التنظيم الصارم لأحكام الشريعة الإسلامية. كما تسبب تبادل إطلاق النار بمقتل طفل كان متواجدا في المكان حينها. وتم تغيير اسم كل من الأخوين في هذا التقرير لأسباب أمنية. 

لم تنس عائلة الضحية ما حدث أبدا، والآن وبعد سنوات، صوب أحد الأقارب مسدسه باتجاه مروان في منتصف الشارع. وبحسب عثمان، أطلق ذلك الشخص النار على مروان في وضح النهار وقتله “فالدم بالدم”. 

وعثمان هو من بين ستة من المصادر التي أخبرت سوريا على طول أنهم يشهدون سلسلة من عمليات الانتقام في المناطق الريفية التي تحكمها العشائر في دير الزور، حيث تسعى العائلات للانتقام بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها التنظيم خلال فترة حكمه. 

وبالرغم من أن الأرقام الرسمية غير معروفة، إلا أن عمليات القتل هي دليل على الندوب الاجتماعية العميقة التي خلفها التنظيم والتي تهدد بانهيار النظام القبلي لدير الزور لسنوات قادمة، حتى في الوقت الذي يتم فيه القضاء على الجماعة المتشددة ومحو أثرها في ما كانت تسميه سابقا ب”الخلافة” السورية. 

التحالفات والمجازر 

عندما داهم التنظيم محافظة دير الزور الغنية بالنفط في سوريا عام 2014، فعل أكثر بكثير من مجرد غزو للبلدات والقرى التي تمتد على طول نهر الفرات. ومع توغل الجماعة في المنطقة، استغل التنظيم الأسس العشائرية المحلية لترسيخ حكمه، وتشكيل تحالفات استراتيجية مع بعض العشائر بينما كان يقمع بوحشية قبائل أخرى.

  

صورة لمذبحة الشعيطات، 2014، ظهرت في فيديو نشره الفرات بوست

وتم تشجيع أولئك الذين انضموا إلى الجماعة على إرسال أبنائهم للقتال من أجل تنظيم الدولة وتزويج بناتهم إلى قادة المجموعة، ودمج المقاتلين في المجتمع المحلي. 

وسارت الأمور لصالح التنظيم، في حين فازت المجموعة بأعداء كثر على المدى الطويل- سواء بالنسبة للتنظيم نفسه أو لحلفائه من القبائل المحلية. 

وفي آب 2014، تمردت قبيلة الشعيطات، وهي إحدى قبائل جنوب شرق دير الزور. رداً على ذلك، قمع التنظيم تمردهم بوحشية كبيرة، وجعل منها مثالاً للقبائل الأخرى، حيث اقتيد أكثر من 700 شاب من شباب الشعيطات إلى الصحراء وصور المقاتلون أنفسهم وهم يقطعون رؤوسهم ويطلقون النار على رجال العشيرة. 

وفي أعقاب المجزرة، قام أفراد من عدة عشائر حليفة للتنظيم بنهب المنازل المهجورة لعائلات الشعيطات التي فرت من المحافظة. 

وما تزال جريمة قتل رجال قبيلة الشعيطات واحدة من أكبر عمليات القتل الجماعي الموثقة التي ارتكبها التنظيم حتى الآن. 

وتم استئصال التنظيم تقريباً بشكل كلي من سوريا بعد حملتين عسكريتين ضخمتين قامت بها الحكومة السورية وحلفاؤها في العام الماضي، بالإضافة إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وقوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، والتي ساهمت في طرد التنظيم مما كان يسميه ب “الخلافة”. ولم يبق تحت سيطرة التنظيم سوى مناطق فارغة من صحراء دير الزور وحفنة من القرى بالقرب من الحدود العراقية. 

كما أن هناك منطقة صحراوية أخرى معزولة تبعد حوالي 400 كيلومتر جنوب غرب البادية السورية تخضع أيضاً لسيطرة تنظيم الدولة. 

ومنذ هزيمة المجموعة في دير الزور، شاهد السكان والمراقبون ارتفاعا كبيرا في العنف المماثل لما كان يفعله التنظيم وهو القتل العمد. 

وقال أحد رؤساء البلديات في ريف دير الزور، والذي طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث إلى الصحافة “ليس لدينا أي إحصائيات دقيقة، لكن عمليات القتل تختلف من منطقة إلى أخرى”. 

وأضاف “يرى الناس شخصا سبق أن أساء لهم يتجول في أنحاء المدينة دون أن يتحمل مسؤولية أفعاله. الآن هم يريدون الحصول على “حقهم” عن طريق أخذ حقهم بأيديهم”. 

“المزيد من القتل” 

لا تستهدف عمليات القتل في كل الأحيان مقاتلين سابقين في التنظيم، وإنما قد تكون جزءا مما يفسره بعض السكان من شرعية القانون العشائري الذي يمكن أن يتغاضى عن عمليات العقاب العنيف.

مقطع فيديو من مجزرة الشعيطات، ظهر في فيلم وثائقي نشره الفرات بوست

وأخبر هاني، وهو معلم في مدرسة ابتدائية في بلدة غرانيج في شرقي دير الزور، سوريا على طول كيف رأى عمه غسان البالغ من العمر ٤٣ عاما والذي قتل أمامه من قبل أفراد عائلة منافسة قبل ثلاثة أشهر. وتم تغيير اسمه واسم أفراد عائلته لأسباب أمنية. 

وعلى الرغم من أن غسان كان مزارعا ولم يحمل السلاح أبدا، إلا أن ابنه- ولا يزال حتى يومنا هذا- عضوا في الحسبة، وهي الشرطة الأخلاقية التابعة للتنظيم. 

وقال هاني “اعتقل ابن عمي، أكثر من مرة، الناس بسبب اتهامات واهية، بما في ذلك الأشخاص الذين كانوا يدخنون، أو كانوا يمتلكون أجهزة الإنترنت أو كانوا يعملون على تهريب الآخرين من مناطق التنظيم”. كانت تلك وظيفة من شأنها أن تكسبه الكثير من الأعداء. 

وتبع ابن عم هاني المجموعة المتشددة بعد تراجعها شرقا نحو الحدود العراقية. وترك غسان خلفه في بلدته غرانيج، ليواجه أعداء ابنه بمفرده. 

وفي آذار، جاء – أقارب الأشخاص الذين اعتقلوا على مر السنين على يد ابن غسان واقتحموا منزل الأسرة المتواضع، وأطلقوا النار عليه وسقط قتيلا في حديقته، وكان يجلس مع هاني قبل لحظات من ذلك. 

ولايزال هاني مستاءً من جريمة قتل عمه ويحمل تنظيم الدولة كامل المسؤولية، وقال لسوريا على طول “حذرت [ابن عمي] عدة مرات من عاقبة معاملته السيئة مع الآخرين، لكنه لم يستمع”. 

وأضاف هاني “الثأئر في مجتمعنا العشائري أمر عادي جداً منذ العصور القديمة، وفي الوقت الحالي لا يوجد في مجتمعنا شيء اسمه محكمة شرعية أو دعوة قضائية” للتعامل مع قضية عمه بالشكل الصحيح، متابعاً “أتمنى أن يتدخل وجهاء العشائر وقيادات قسد من أجل إنهاء مسألة القتل والطعن”.

أما بالنسبة لأفراد عائلته الذين لايزالون على قيد الحياة، “ليس لدينا أي نية للثأر [لمقتل غسان]” على حد قوله.

وذكر أن “رد القتل بالقتل سيكون خطأ كبيرا”. 

قانون العشائر التقليدي “قد لا يكون كافياً”

وتثير قضية هاني تساؤلات حول الطرف المسؤول أو القادر على تحقيق العدالة وسط الشبكة المعقدة من النزاعات العشائرية التي تنشأ الآن في أعقاب انتهاكات تنظيم الدولة.

وقبل الحرب، كانت مدونة العدالة التقليدية التي كانت تستخدمها عشائر المنطقة والمعروفة باسم “العرف” تلعب دور الوسيط عندما كانت تنشأ خلافات بين العشائر المعارضة.

وقال الدكتور حيان دخان، باحث سوري، متخصص في دراسة العلاقة بين الدولة والقبائل البدوية في سوريا في جامعة سانت اندروز في اسكتلندا “إذا كان هناك على سبيل المثال جريمة شرف، فإن العرف عادة مايكون هو العامل المسيطر في حل مثل هذه الجريمة”. 

[ لقراءة المقابلة الكاملة التي أجرتها سوريا على طول مع الدكتور حيان دخان هنا

ولكن لم يكن هناك مثيل لهذا النوع من إراقة الدماء القبلية الجماعية كالتي حدثت خلال سنوات سيطرة تنظيم الدولة، على حد قول الدخان، مضيفاً “عندما تفكر في المجازر الواسعة النطاق التي وقعت أثناء الحرب، أخشى أن يكون العرف يتعامل مع حالات لم يتعامل معها من قبل” مشيراً إلى جرائم القتل الجماعية في الشعيطات عام 2014، ووصف عمليات القتل على أنها “شكل من أشكال الإبادة الجماعية”. 

وصرح الدخان “قد لا يكون العرف بمفرده كافياً لحل كل هذه المشاكل” وإذا لم يتم التعامل مع هذا الوضع فإن عدم الاستقرار يمكن أن “يسمح لمجموعات مثل داعش بالظهور مرة أخرى”. 

وأضاف “لأن داعش كان يلعب دائماً على نقاط الإختلاف بين هذه العشائر، ويستخدم أسلوب التقسيم والسيطرة من أجل التحكم بهؤلاء السكان”.

وتساءلت جميع المصادر التي تمت مقابلتها في هذا التقرير، بما في ذلك رئيس بلدية تابعة للإدارة الذاتية، من الذي يمكنه أن يملأ الفراغ؟. إن القوات ذات الأغلبية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة تبقى بعيدة عن النزاعات القائمة بين العشائر في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

وقال رئيس البلدية “في بعض الأحيان تتجمع بعض الشخصيات من بعض المناطق من أجل حل المشاكل الصغيرة”.

وبالنسبة للنزاعات الأكبر التي تنطوي على جرائم القتل والثأر، فإن السلطات ذات الغالبية الكردية “لم تقدم أي حلول” وفقاً لما قاله رئيس البلدية. 

مضيفاً “لا توجد أي منظمات مهتمة بموضوع الثأر، وعلى العكس الكل يريد أن تسيل الدماء بشكل غزير دون رأفة”. 

وفي بلدة أبو هردوب، قال عثمان أنه “قدم شكوى رسمية” إلى سلطات قسد المحلية حول قتل أخيه الأصغر، مجند سابق لتنظيم الدولة،  في شهر آيار، مضيفاً “قامت دورية تابعة لقسد بمداهمة القتلة وإلقاء القبض على أربع أشخاص من مسببي الجريمة”. ولم تتمكن سوريا على طول من التحقق بشكل مستقل من المعلومات حول الاعتقالات.

وذكر عثمان أنهم ” مازالوا في السجن”.

وكما هو الحال بالنسبة لهاني، أكد عثمان أن ليس لديه نية للثأر “إذا قتلنا شخصاً مقابل قتل أخي لن يجدي ذلك نفعاً، بل سيزيد الأمر تعقيداً”.

وختم “أعرف أن هذا لن يزرع سوى الفتنة”.

 

شارك في إعداد التقرير: أيمن علاو في ريف دير الزور.

 

هذا التقرير هو جزء من تغطية سوريا على طول الإخبارية، لمدة شهر كامل، للأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم في سوريا مع مؤسسة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض في سوريا. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

 

 

شارك هذا المقال