6 دقائق قراءة

السوريون في عرسال على “قائمة الانتظار” للانتقال من بيوت إلى خيام

طلبت 500 عائلة سورية تصاريح من بلدية عرسال للانتقال من منزلٍ أو شقة إلى خيمة خلال السنة الماضية، حيث دفعت الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت لبنان سنة 2019 تسعة من أصل عشرة سوريين إلى مستوى الفقر المدقع. 


25 مايو 2022

عرسال- في صبيحة يومٍ ربيعي مشرق، بعد ذوبان الثلوج عن قمم الجبال المحيطة بعرسال في شمال لبنان، وضع صالح عبد الواحد، 52 عاماً، قطعة من الطوب على الأرض، قائلاً “هذا سيكون الممر، وهنا سنقيم الغرفتين”، بينما ابنه يضيف الماء للخلطة الخرسانية، أو ما يطلق عليها “المونة الإسمنتية”.

منذ أن فرت عائلة عبد الواحد من موطنها الأصلي في منطقة القلمون السورية، عام 2013، تنقلت بين عدة شقق في عرسال، لكن بعد تسع سنوات من النزوح، لم يعد بوسعهم تحمل تكاليف الإيجار الشهري، ما دفعهم إلى الانتقال لأول مرة للإقامة في خيمة بأحد المخيمات العشوائية.

طلبت 500 عائلة سورية، من بينها عائلة عبد الواحد، تصريحاً من بلدية عرسال للانتقال من منزلٍ أو شقة إلى خيمة خلال السنة الماضية، حيث دفعت الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت لبنان سنة 2019 تسعة من أصل عشرة سوريين إلى مستوى الفقر المدقع. 


“في غضون عشرة أيام سنعيش هنا”، قال عبد الواحد، وهو يقف وسط الهيكل الخشبي غير المكتمل، حيث سينتقل مع زوجته وأطفالهما الثمانية إلى خيمة تنسجم مع المعايير التي فرضتها السلطات اللبنانية بأن تكون مواد البناء غير دائمة كالخشب والبلاستيك، وأن لا يتجاوز ارتفاع جدران الإسمنت متراً واحداً، باستثناء الحمام.

في سوريا، كان يعمل عبد الواحد في التجارة، إلا أنّ إيجاد عمل في لبنان ليس سهلاً، ما اضطره للانتقال إلى الخيمة “لنتمكن من العيش لا أكثر”، بحسب قوله، إذ “لم يعد بوسعي دفع الإيجار، ومساعدات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لا تكفي”.

وتبلغ قيمة الإيجار الشهري لشقتهم مليون ليرة لبنانية (34 دولاراً بحسب سعر الصرف في السوق الموازي)، في حين يبلغ إجمالي إيجار الخيمتين 400 ألف ليرة لبنانية (13 دولار)، ناهيك عن أنه “يقع على كاهلك تحمل كل المصاريف في المنزل، بينما في المخيم يتولى المجلس النرويجي للاجئين المساعدة بتأمين الخشب، وتدعمنا منظمات غير حكومية أخرى”، وفقاً لعبد الواحد. قدم المجلس النرويجي، العام الماضي، مواد بناء خيام لـ150 عائلة.

في الخيام المصنوعة من الخشب والبلاستيك، يواجه اللاجئون شتاءات عرسال القاسية، ومع ذلك يبدو عبد الواحد متفائلاً بأنّ “الشتاء في الخيام أقل برداً من المنازل”. قاطعه أحد الجيران معلقاً: “الأمر ليس كما تتصور، صدقني. البرد قارسٌ هنا”. صمت عبد الواحد برهةً، ثم قال: “لا أعلم. لم يسبق لي السكن في المخيم، إنها تجربتي الأولى”.

وتابع “أتمنى لو أني أستطيع العودة إلى مكان سكني في سوريا”، لكن لا يمكن لعائلة عبد الواحد العودة إلى سوريا، لأن ثلاثة شبان منهم في سن التجنيد الإلزامي، وقد يتم سوقهم إلى الخدمة العسكرية حال عودتهم.

إلى جوار الخيمة التي يبنيها عبد الواحد تقع خيمة إيمان، التي تنحدر من مدينة إدلب، إذ قررت الانتقال إلى المخيم “بعدما عجزنا عن دفع الإيجار لعدة أشهر”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، مضيفة “حينما دخلنا الخيمة للمرة الأولى، كان ذلك قاسٍ جداً، ولم نعتد عليها بعد”. نصف الخيام في هذا المخيم، من أصل 24 خيمة، هي خيام جديدة.

شهد المخيم الذي يقيم فيه صالح عبد الواحد وإيمان توسعة لاستيعاب العائلات السورية التي لم يعد بوسعها دفع إيجارات منازلها، 13/ 5/ 2022 (أليثيا مدينا، سوريا على طول)

انتقلت إيمان وزوجها وأطفالهما الثلاثة ووالدة زوجها إلى الخيمة في الشتاء الماضي، لأن راتب زوجها، الذي يعمل في مقالع الحجر بشكل متقطع، مع ما يتلقونه من مساعدة شهرية من مفوضية شؤون اللاجئين، لا يكفي لدفع إيجار منزلهم البالغ 50 دولاراً. أما الآن يدفعون 200 ألف ليرة لبنانية (6.60 دولاراً) لقاء العيش في خيمة، ويحصلون على الكهرباء “من الألواح الشمسية وتزودنا الأمم المتحدة بالمياه”، بحسب قولها.

في عام 2021، اضطرت 21% من العائلات السورية في لبنان إلى تغيير مكان إقامتها تنفيذاً لقرارات الإخلاء، وكان عدد السوريين الذين تلقوا إشعاراً بالإخلاء يزداد باطراد من 2.7 % في عام 2018 إلى 3.7% في عام 2019، ومن 4.9% في عام 2020 إلى 5.4% في عام 2021، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة. 

في سقف خيمة إيمان المصنوعة من القنّب، تخللت أشعة الشمس عبر الثقوب الموجودة، لكن قبل يومين هطلت الأمطار بغزارة “كنا خائفين. تدفقت المياه داخل الخيمة من خلال زواياها”، قالت إيمان، ونظراً لغياب العزل الكافي “كان الصغار يبكون من شدة البرد هذا الشتاء”.

لوجستيات تغيير المأوى

أمضت عائلة إيمان أربعة أشهر، وعائلة عبد الواحد شهرين، في انتظار موافقة من السلطات اللبنانية تخوّلهما الانتقال إلى خيمة، إذ لا يمكن للسوريين تغيير مكان إقامتهم إلى خيمة من دون الحصول على موافقة من المالك، ومن ثم طلب تصريح من بلدية عرسال.

“يتقدمون بدعوى تشرح حالتهم وتثبت عجزهم عن دفع الإيجار، ويطلبون بناء خيمة في المخيم، ثم تتحقق البلدية من صحة دعواهم”، كما أوضحت رويدة فليتي، من وحدة الاستجابة للطوارئ، ومن ثم تحيل البلدية الملف إلى أجهزة المخابرات للحصول على موافقة أمنية، وفي الختام تتولى منظمات، مثل المجلس النرويجي للاجئين تزويدهم بالمواد اللازمة لبناء الخيام.

“من كانوا يدفعون إيجارات منخفضة رُفعت إيجاراتهم، أما من أعفوا سابقاً من دفع الإيجار طلب منهم الآن دفعه”، وفقاً لفليتي.

في كانون الأول/ ديسمبر 2021، منعت وزارة الداخلية توسيع المخيمات في عرسال، “لكن في ظل الظروف الراهنة، أصدرت الوزارة في شباط/ فبراير 2022 استثناءً [في عرسال] يتيح للناس تشييد خيمة”، بحسب فليتي.

وتقع عرسال في محافظة بعلبك-الهرمل، التي يقطنها 340 ألف لاجئ سوري، 53% منهم يعيشون في مساكن مؤقتة مقارنةَ بـ22% في جميع أنحاء البلاد. 

مع بداية عام 2021، بلغت نسبة العائلات السورية التي تعيش في هياكل غير صالحة للسكن 57%، ويبين المخطط البياني التالي انخفاضاً حاداً في أعداد السوريين الذين يعيشون في بيوت سكنية (منازل)، في حين ازدادت نسبة المساكن المؤقتة (الخيام) عبر السنوات الماضية، علماً أن تأثير الانتقال إلى الخيام في عرسال لم ينعكس بعد.


وفقاً لخطّة استجابة لبنان للأزمة في عام 2021، منذ أمد طويل يعاني قطاع الإيواء من “نقص حاد في التمويل، وعليه فإن نسبة كبيرة من اللاجئين السوريين تعيش في هياكل غير صالحة للسكن، في الوقت الذي تستفحل الأزمة الاقتصادية”. في عام 2021، بلغ إجمالي متطلبات التمويل أكثر من 5.8 مليار دولاراً، تم تأمين 32.9% منها، فيما حاز قطاع الأمن الغذائي والتعليم -من أصل 13 قطاعاً- على القدر الأكبر من التمويل، وحلّ قطاع الإيواء في المرتبة الثامنة، إذ لم يتم تأمين سوى 18.6% من الاحتياجات البالغة قيمتها 31.7 مليون دولار. 

كان الإيجار الشهري في المخيمات العشوائية 50 ألف ليرة لبنانية في السنوات الأخيرة، إلا أنه ارتفع إلى 200 ليرة لبنانية (6.60 دولار)، ومع ذلك “تأمينه أسهل بكثير مقارنة بإيجار المنازل”، كما أوضحت فليتي، مشيرة إلى أن المنظمات غير الحكومية تتولى دفع الإيجار في بعض المخيمات، وهنا “يتلقون حجم مساعدة أكبر، من قبيل الطرود الغذائية أو المازوت مقارنة بالمنازل”.

على قائمة الانتظار

يعيش أحمد محمد وزوجته كوثر خلف مع طفليهما البالغة أعمارهما 11 و12 سنة، في مرآب بلا نوافذ بمنطقة عرسال. 

فرت العائلة، التي تنحدر من حمص، إلى لبنان في عام 2011، وسكنوا في شقق سكنية، وبعد ثلاث سنوات انتقلوا للعيش في المرآب، وهم اليوم على قائمة الانتظار للحصول على خيمة.

“نعيش حياتنا يوماً بيوم” قالت كوثر، إذ مع عمل زوجها المتقطع في الزراعة ومساعدة المفوضية لا يمكنهما تأمين الإيجار وقدره 300 ألف ليرة لبنانية (10 دولارات) أو مثلها للكهرباء، أو 150 ليرة لبنانية (5 دولارات) مصاريف غاز الطبخ أسبوعياً. 

وأضاف زوجها: “إنها حياة صعبة. ما نتلقاه من مساعدة لا يكفينا عشرة أيام، لا يمكنني شراء كيلو لبن، والخبز سعره 13 ألف ليرة لبنانية”.

منذ تشرين الأول/ أكتوبر، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في لبنان 404%، ما جعل الكثيرين عاجزين عن شرائها، لا سيما السوريين الذين يعيشون على مبلغ أقل من 490,000 ليرة لبنانية (16.30دولار) شهرياً وتصل نسبتهم إلى 88%.  

بقلق، تنتظر صباح محمد مطر الحصول على موافقة للانتقال إلى خيمة، وترك الشقة التي تتقاسمها مع ابنها سليمان، 25 عاماً، وزوجته وطفليه، في عرسال. فرّت السيدة وعائلتها من منزلهم في مدينة القصير بمحافظة حمص، في عام 2012، بعد أن أخفي زوجها قسرياً في عام 2011، ومنذ وصولهم إلى لبنان يعيشون على مساعدات المفوضية الشهرية.

يتكون منزل العائلة من غرفة واحدة ومطبخٍ وفناءٍ وحمام، ويستخدمون الكهرباء الحكومية فقط، أي أنها لا تصلهم أكثر من ساعة واحدة يومياً، إضافة إلى لوحي طاقة شمسية مثبّتين فوق نافذة المنزل، يشغّلان لمبة صغيرة.

أشار ابنها سليمان إلى الجدار قائلاً: “انظري إلى الرطوبة على الجدار، تتسرب المياه شتاءً عبر هذا الجدار”، وأضافت أمه: “أصيب الأطفال بالربو نتيجةً لذلك”، معتبرة أنه “لا فرق بين الجلوس داخل المنزل أو خارجه في الشتاء”، في إشارة إلى أن البيت لا يقيهم برد الشتاء.

تدفع العائلة حالياً 500 ألف ليرة لبنانية (16.6) أجرة المنزل شهرياً، ولكن المالك طلب منهم رفع المبلغ إلى 700 ألف ليرة لبنانية (23.30 دولار). منذ الشتاء تنتظر عائلة مطر “الموافقة للانتقال إلى الخيمة”، بحسب سليمان. أضافت أمه: “الناس في المخيمات يتلقون الطرود الغذائية، ونحن لا يصلنا شيئاً منذ عامين”.

تعاني العائلة من مشكلة تصريف الصرف الصحي في المبنى، وكثيراً ما تفيض “جورة” تجميع الصرف، لدرجة “كدنا نختنق البارحة من رائحة مياه المجاري”، بحسب صباح، معتبرة أن “المخيم لن يكون أسوأ من هذا”.

 

تم نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية سلام الأمين

شارك هذا المقال