8 دقائق قراءة

السوريون يواجهون الرصاص التركي ويسلكون طرقاً وعرة هرباً من معركة إدلب المرتقبة

مقاتلو المعارضة المدعومين من تركيا بالقرب من الجدار الحدودي في […]


مقاتلو المعارضة المدعومين من تركيا بالقرب من الجدار الحدودي في محافظة إدلب، تشرين الأول 2017. الصورة من عمر حاج قدور.

 

كسرت صيحات جندي تركي الصمت الذي كان يعمّ المنطقة في الوقت الذي كان فيه سليمان إبراهيم ورفاقه يتجمعون خلف صف من الأشجار الممتدة على طول الجدار الحدودي، الذي يمثل نهاية الأراضي السورية، وبدأ بعد ذلك بإطلاق الرصاص عليهم.

وكانت هذه المرة الرابعة التي يحاول فيها إبراهيم العبور إلى تركيا منذ وصوله إلى محافظة إدلب الشمالية الغربية، الواقعة تحت سيطرة المعارضة، على حافلات الإجلاء التابعة للحكومة السورية منذ أقل من شهر.

وكان إبراهيم، اعلامي من محافظة درعا، واحداً من عشرات الإعلاميين الذين تقطعت بهم السبل في مسقط رأسهم في الجنوب، بعد أن استعادت القوات الموالية للحكومة سيطرتها عليه في تموز، حيث كان يعيش هو والآخرون هناك في خوف دائم من قوات الأمن التابعة للأسد بعد عودتهم إلى الحكم.

واليوم في إدلب، حيث تستعد الحكومة السورية وحلفاؤها لشن هجوم مدمر ضد فصائل المعارضة، يشعر إبراهيم باليأس من عدم قدرته تجنب تكرار ما حدث له في درعا مرة أخرى، وهذه المرة لايوجد مكان آخر في سوريا يمكنه الهروب إليه، حيث كان إبراهيم ينفق كل أسبوع منذ وصوله إلى الإقليم الشمالي الغربي مئات الدولارات نقدًا للمهربين على أمل تأمين عبوره إلى تركيا بشكل غير قانوني.

ويعدّ إبراهيم واحداً من بين الأعداد المتزايدة من السوريين، الذين نزح الكثير منهم من مناطق مختلفة في البلاد سابقاً، الذين يحاولون الآن الفرار من محافظة ادلب إلى تركيا بأي وسيلة ممكنة، مع استعداد الحكومة السورية وحلفائها لشن حملة عسكرية مدمرة في شمال غرب البلاد.

طريق العبور يبدأ بساعات من السير عبر تضاريس وعرة يرشدهم إليها مهربون استغلاليون، قبل أن يتعرضوا لخطر إطلاق النار من قبل الجنود الأتراك المتواجدين على طول الحدود، حيث سجّلت حالات إطلاق نار على اللاجئين وقتل أحياناً.

ولكن مع محاصرة القوات التابعة للحكومة مدينة ادلب بالكامل تقريباً، لم تبقى سوى الحدود التركية الطريق الوحيد المتاح أمام العديد من السوريين في الجيب الواقع تحت سيطرة المعارضة.

وبالنسبة لإبراهيم، فإن العبور إلى بر الأمان كان كفاحاً يائساً، وبحلول أواخر شهر آب، أي بعد ثلاثة أسابيع من مغادرته مدينة درعا، كان إبراهيم قد حاول عبور الحدود وفشل ثلاث مرات، وخلال تلك المحاولات زحف لساعات طويلة على يديه وركبتيه في حقول القطن، وتسلق فوق سياج من الأسلاك الشائكة في الليل وعبر النهر حتى وصلت المياه إلى رقبته، وفي كل مرة كان يعثر حرس الحدود التركي عليه وعلى “المهرب” وعلى رفاقه في نهاية المطاف ويحتجزهم ويتم إعادتهم عبر الحدود إلى سوريا.

ومع ذلك كانت المحاولة الرابعة هي الأسوأ.

لم تكن المجموعة، الأسبوع الماضي، قد وصلت إلى الجدار الحدودي بعد عندما سمع إبراهيم صوت الجندي التركي وهو يصرخ في الظلام ويسلط ضوء الكاشف عليهم ليكشف عن مكان اختبائهم على بعد أمتار قليلة من الجدار، على الجانب السوري وبدأ بإطلاق النار عليهم.

شعر إبراهيم بأحد الرصاصات التي لامست جسده، وللحظة، كان متأكداً من أنه أصيب، وقال لسوريا على طول “شعرت بحرارة الطلقة على كتفي” وعندما تفقد جسده لم يعثر على أي جرح، ولكن الدم كان يتدفق من كتف صديقه ورفيقه في السفر الذي كان يجلس إلى جواره.

وعلى الرغم من أن الرجل نجا، إلا أن إبراهيم والآخرين أمضوا ساعة كاملة إلى أن تمكنوا من إسعافه، وقال “كانت الجندرمة تطلق النار على طريقنا”.

ولم يكن لديهم في نهاية المطاف خياراً سوى العودة إلى إدلب بحثاً عن مستشفى والتخلي عن العبور مرة أخرى.

خطر وقوع “كارثة إنسانية” في إدلب

قُتل ما لا يقل عن ستة أشخاص أثناء عبورهم إلى تركيا خلال شهر آب وحده، وفقاً لما ذكره باحث في حقوق الإنسان في سوريا، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام.

ووثقت جماعات حقوق الإنسان منذ فترة طويلة انتهاكات ارتكبها جنود الحدود التركية المكلفة بمنع اللاجئين من دخول البلاد، ووثق تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش، نشر في شهر شباط، وفاة 10 أشخاص أثناء محاولتهم العبور إلى تركيا من إدلب خلال النصف الثاني من عام 2017.

وتضمن التقرير حوادث إطلاق النار من قبل الجنود الأتراك بالإضافة إلى استهداف متعمد لمجموعات من طالبي اللجوء بمن فيهم الأطفال، وفي بعض الحالات قام أفراد الأمن باعتقال الأشخاص الذين تمكنوا من العبور إلى الأراضي التركية وترحيلهم إلى سوريا، منتهكين بذلك القانون الدولي المتعلق بعدم الإعادة القسرية الذي يحظر العودة القسرية لطالبي اللجوء، وفي بعض الأحيان كان يواجه اللاجئون الضرب والإساءة اللفظية قبل أن يتم ترحيلهم، وفقاً لما قاله بعض الذين حاولوا عبور الحدود لسوريا على طول.

وتستضيف تركيا حالياً أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري مسجل في الأمم المتحدة، وتتصدر قائمة البلدان المستضيفة للسوريين، كما تدير أنقرة سلسلة من مخيمات النازحين على طول الحدود السورية التركية، في منطقة تقع في محافظة حلب الشمالية السورية التي تسيطر عليها جماعات المعارضة المدعومة من تركيا.

لكن الحدود لا تزال مغلقة رسمياً في وجه اللاجئين السوريين الذين يأملون في الفرار إلى بر الأمان، ولا يسمح بذلك إلا للأشخاص الذين يحتاجون إلى علاج طبي طارئ، وتم انشاء جدار على طول الحدود التركية التي يبلغ طولها حوالي 1000 كيلومتر مع سوريا.

وإن امكانية حدوث مزيد من التصعيد في إدلب قد يختبر قريباً سياسة الحدود السورية التركية، حيث يرى إبراهيم وغيره من الأشخاص المحاصرين في إدلب أن تركيا هي السبيل الوحيد للخروج إلى بر الأمان.

الدفاع المدني بعد تفجير في ريف إدلب يوم الثلاثاء. صورة من الدفاع المدني السوري.

بعد أن سيطرت القوات الموالية للحكومة على جميع مناطق جنوب غرب درعا والقنيطرة في الشهر الماضي في هجوم بري وجوي شامل، تحولت جميع الأنظار إلى إدلب.

كما قال الرئيس السوري بشار الأسد لوسائل الإعلام الروسية أواخر الشهر الماضي “إدلب هو هدفنا الآن” في إشارة إلى اقتراب معركة الجنوب.

وفي الأسبوع الماضي، أعلن الجيش الروسي عن ارسال بارجتين حربيتين السواحل السورية على البحر الأبيض المتوسط، لتنضم إلى ثلاث سفن أخرى تم رصدها مؤخراً متجهة إلى هناك، وفقاً لرويترز، وأفادت الأنباء عن انتشار ميليشيات عراقية، وهي لواء الإمام الحسين، بالقرب من محافظة إدلب، بينما تمركزت القوات البرية الموالية للحكومة، بما فيها قوات النمر، بالقرب من إدلب في نهاية الأسبوع.

وفي الوقت نفسه، أدى القصف التابع للحكومة في شهر آب إلى مقتل العشرات من المدنيين في جميع أنحاء إدلب وتشريد آلاف آخرين.

وارتفعت أعمال العنف في وقت سابق من هذا الأسبوع عندما قصفت الطائرات الحربية السورية والروسية ريف إدلب الغربي، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل، وأدى استمرار عمليات القصف على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في إدلب إلى وقوع مزيد من الخسائر في صفوف المدنيين.

وحذّر مجلس اللاجئين النرويجي في بيان له، نشر يوم الأربعاء، من أن القتال في إدلب قد “يتحول بسرعة إلى كارثة إنسانية”، وتنباً بأن 700 ألف شخصاً قد يصبحون مشردين في حالة وقوع هجوم كبير تابع للحكومة.

صنعة تهريب البشر

تعمل شبكات التهريب، المتمركزة في شمال غرب سوريا، على تلبية الطلبات المتزايدة من قبل السوريين الخائفين الذين يبحثون عن مخرج.

وفي إحدى صفقات البيع والشراء المحلية على فيسبوك في مدينة إدلب الريفية، هناك بعض الإعلانات التي تتضمن أرقام الهواتف المحمولة، والتي تعرض إعلانات للمعدات الزراعية وأثاث غرف المعيشة.

وفي إحدى المشاركات التي نشرت في بداية هذا الأسبوع، كتب أحد مستخدمي الفيسبوك “أعرف امرأة ولديها طفلين يرغبون في دخول تركيا… أي شخص لديه طريقة، يرسل لي رسالة على الخاص”.

وتعلن بعض المنشورات في مجموعة “السوق” في مدينة أخرى عن خدمات المهربين المحليين “طريق التهريب للذهاب إلى تركيا رجالاً ونساءً” وتضمن الإعلان رقم هاتف للمهربين، وكان الناس يتساءلون في التعليقات عن تفاصيل حول الطريق والأسعار.

وهناك شبكة واسعة الانتشار من سكان إدلب على مايبدو ذوي العقلية التجارية يستغلون الطلبات المتزايدة على عبور الطرق غير النظامية إلى تركيا، والنتيجة: صنعة تهريب الأشخاص عبر الحدود.

وعندما تواصلت سوريا على طول مع أحد أرقام الهواتف التي يتم الإعلان عنها على موقع فيسبوك، أجاب رجل، يعمل في بلدة بشمال ادلب بالقرب من الحدود، وعرض لنا أسعاره وطرق التهريب التي يسلكها.

وقال الرجل “لدينا مناظير لمراقبة الجدار وتحركات الجندرمة التركية” مضيفاً “عندما يكون الجدار آمناً ننقل الأشخاص من الجانب السوري إلى الجانب التركي باستخدام سلم”.

ثم طلب الرجل مبلغ 450 دولاراً مقابل نقل كل شخص بالغ و 550 دولار لكل طفل، وسيقوم المهربون بتوجيه السوريين خلال رحلة “تتراوح بين ساعة إلى ساعة ونصف أو ساعتان”، وعندما تصل المجموعة إلى أطراف مدينة أنطاكيا، وهي مدينة في مقاطعة هاتاي التركية الموازية لمدينة إدلب، يقوم المهربون بإرسال فيديو إلى المكتب في سوريا، للتأكيد أن الجميع تمكنوا من العبور.

ثم أرسل عدة مقاطع فيديو على الهاتف الخلوي تظهر مجموعات من خمسة أشخاص، رجالاً ونساءً، الذين تم تهريبهم إلى مناطق آمنة في تركيا منذ أواخر الشهر الماضي.

لكن إبراهيم، الصحفي السابق في درعا، وثلاثة آخرين أخبروا سوريا على طول بأنها رحلة شاقة تستغرق أحياناً أياماً طويلة لعبور الأراضي السورية والتركية.

وقدّر الناشط الإعلامي محمود سعيد، الذي وصل إلى مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا الشهر الماضي، أن رحلته استغرقت 26 ساعة، وكان قد قرر القيام برحلة العبور بعد وصوله إلى إدلب قبل عدة أسابيع من مدينة درعا مسقط رأسه عبر حافلات الإجلاء الحكومية.

وبعد أن تسلق سلماً خشبياً لعبور الجدار الحدودي، شقّ هو ورفاقه بحذر طريقهم عبر الوديان وبساتين الزيتون، وكانوا يختبئون كلما رصدوا سيارة أمن تركية.

وقال الشاب البالغ من العمر٢٠ عاماً “كنت أرتدي صندلاً، قيل لي أن الرحلة سوف تستغرق ١٥ دقيقة وستكون سهلة”.

وبحلول الوقت الذي وصل فيه إلى غازي عينتاب، كان السعيد قد تعرض لإصابة في يده وساقيه أثناء تسلقه المرتفعات الصخرية، ولم تتناول المجموعة المكونة من ٣٥ رجلاً وامرأة وطفلاً سوى وجبة واحدة، غير مشمولة ضمن التكلفة الأصلية للرحلة، وشربوا المياه من بئر موحلة في الغابة.

لكن بعيداً عن معركة إدلب التي تلوح في الأفق، قال السعيد إن الرحلة كانت تستحق العناء.

وتابع الشاب “إن ما سيحدث في إدلب سيكون مماثلا لسيناريو درعا”.

وحالياً، يعيش سعيد في شقة استأجرها في غازي عينتاب عثر عليها عن طريق معارفه من درعا.

في الوقت ذاته، لم يحالف الحظ إبراهيم. حيث ينتقل من منزل إيجار إلى آخر في ريف إدلب الشمالي إلى جانب أصدقائه من درعا، ويبحث عن مهربين على أمل أن تكون محاولاته التالية ناجحة.

وقال إن الخروج من سوريا هو هدفه الوحيد.

وتابع إبراهيم لسوريا على طول “تلقت إدلب تهديدات مؤخراً تبدو وكأنها بداية لحملة عسكرية وشيكة، ولا أريد أن أعيش هذه المعاناة مجددا”.

وأضاف “أريد أن أعيش بأمان، خارج سوريا”.

* شارك سليمان إبراهيم في دورة تدريبية لسوريا على طول في عمان- الأردن في الربيع قبل العودة طواعية إلى سوريا، في وقت سابق من هذا العام، واصل عمله في الإعلام إلى أن أطلقت القوات الموالية للحكومة حملة لاستعادة جنوب غرب سوريا الذي كان خاضعا لسيطرة المعارضة، في حزيران.

تحديث: وصل سليمان إبراهيم إلى غازي عنتاب، بعد محاولة ناجحة، ليلة الخميس – الجمعة، مع حوالي 60 شخص معظمهم نساء وأطفال، ويفكر أن يقيم في غازي عنتاب لفترة زمنية من أجل الراحة ومن ثم يقرر أين يستقر.

 

هذا التقرير هو جزء من تغطية سوريا على طول لأوضاع النازحين في سوريا، لمدة شهر كامل، بالتعاون مع منظمة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض هناك. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

شارك هذا المقال