6 دقائق قراءة

السياحة في زمن الحرب: زيارة صنّاع المحتوى الأجانب “اليوتيوبرز” إلى سوريا تخدم رواية الأسد

يحكم صانع المحتوى الذي يزور سوريا على أن الحياة رخيصة فيها عندما يشرب فنجان قهوة مقابل دولار واحد، هي كذلك للقادمين من الخارج، ولكن ليس لمن يعيش فيها ويكافح من أجل تأمين الخبز والغاز.


5 أغسطس 2022

غازي عنتاب- على نحو متزايد، تسقبل مناطق النظام السوري مئات آلاف السياح العرب والأجانب، لا سيما مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (اليوتيوبرز)، الذين يساهمون بدورهم – عن قصد أو غير قصد – في رسم صورة مغايرة لا تعكس حقيقة الواقع على الأرض.

ووفق أرقام وزارة السياحة في حكومة دمشق، استقبلت سوريا نحو 700 ألف زائر خلال النصف الأول من عام 2022، بينهم صناع محتوى (يوتيوبرز)، وهو أعلى من إجمالي عدد الزوار لعام 2021، البالغ نحو 660 ألف زائر.

وقال معاون وزير السياحة غياث الفراح في حديثه لإذاعة ميلودي “الموالية”، إن مشاركة أشخاص مهمين “متابعين بشكل كبير وعند مشاركتهم لقطات زيارتهم لهذه الأماكن يعتبر هذا بحد ذاته ترويج لسوريا”، وبالتالي “نستعيض عن المشاركات الخارجية بظل الحصار بالتنسيق مع المكاتب السياحية واتحاد غرف السياحة وغيرهم”.

وبدأ نشاط القطاع السياحي السوري منذ عام 2019، حيث خفّت وتيرة القتال والقصف بين المعارضة والنظام، حيث سيطر الأخير على مساحات واسعة وسط البلاد وجنوبها، بموجب اتفاقيات تسوية، في عام 2018، أفضت إلى تهجير مقاتلي المعارضة وآلاف المقاتلين الرافضين لـ”التسوية”، كما حدث في الغوطة الشرقية، وريف حمص الشمالي، وجنوب دمشق، ومحافظتي درعا والقنيطرة.

ومع تخفيف القيود العالمية التي فرضتها جائحة كوفيد-19، زاد تدفق السياح إلى سوريا، بما في ذلك صنّاع المحتوى، إذ رصدت “سوريا على طول” زيارة ما لا يقل عن 10 شخصيات، في غضون عام واحد، يحظون بمتابعات كبيرة، منهم: سيمون ويلسون، ونجم “أصلع ومفلس” بنيامين ريتش، وجانيت نيونهام، وغوكهان يلدريم.

وفي أحد الفيديوهات التي نشرها سيمون ويلسون على قناته في يوتيوب، يوثق فيه زيارته مع بنيامين ريتش إلى سوريا، يقف الإثنان في قلعة حلب، ويطلّان على الأحياء المدمرة. يعلق ريتش بأنه كزائر “لم أشعر أبي خطر هنا“، في رسالة متناقضة مع التقارير الحقوقية والدولية التي تشدد على أن سوريا ليست آمنة لعودة اللاجئين.

وفي الفيديو ذاته يسأل ويلسون دليله السوري، أثناء سيرهما في منطقة مدمرة بحلب، عما حدث، يخبره الدليل أن “المسلحين” دمروها بين امي 2012 و2016، مستخدمين “جميع أنواع الأسلحة”. وبينما يسير ويلسون باتجاه القلعة سأل دليله عن إعادة الإعمار، فقال الدليل: “نريد أن نتأكد من أن سوريا بأكملها آمنة، وتحرير الأجزاء الأخيرة من شمال غرب سوريا… نريد استعادة جميع أراضينا، ومن ثم يمكننا التحدث عن إعادة البناء”.

وأشار ويلسون خلال زيارته إلى انتشار صور بشار الأسد في كل مكان، حتى داخل المطاعم والفنادق.

وفي ذلك، قال المهندس أيمن عبد النور، رئيس منظمة مسيحيون سوريون من أجل السلام، المقيم في واشنطن، أن “صناع المحتوى الذين يزورون سوريا يخدمون مصالح النظام بشكل أو بآخر، وينقلون ما يرغب النظام تصديره فقط”، من قبيل “الترويج لعودة الحياة الطبيعية إلى سوريا بدلاً من نقل الواقع الذي يعيشه المدنيون هناك”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

المرافقة والتحكم بالمحتوى

عادة، يتجول السياح في مناطق سيطرة النظام بمساعدة مرشدين محلّيين، بدعوى أنهم مستقلين، ويعملون على إظهار الجانب الإيجابي في تلك المناطق للسائح، من خلال توجيهه إلى الأسواق والمواقع التراثية، وكأنهم يتبنون رسالة النظام ويبيّضون صورته، ما عرّضهم لانتقادات من نشطاء سوريين.

ويتوقف منح “تأشيرة زيارة” للسياح، الذين يتطلب دخولهم الحصول عليها، على تصريح أمني أو موافقة من مديرية المخابرات العامة، وهو إجراء يمكن تداركه غالباً بمساعدة شركة سفر سورية قادرة على استصدار الموافقة، “ويًمنع مواطنو بعض البلدان منها”، كما قال أحد أصحاب الشركات السياحية في دمشق لـ”سوريا على طول”.

وتقوم شركات السياحة بمرافقة السياح الأجانب داخل المدن السورية، ويسمح لهم “اختيار المكان الذين يريدون الذهاب إليه، باستثناء بعض الطرق والبلدات المحظورة عليهم لأسباب أمنية أو لكونها غير آمنة”، وفقاً لصاحب شركة السياحة، طالباً عدم الكشف عن اسمه أو اسم شركته لدواع أمنية.

ويرسل الفرع الأمني الذي صدرت عنه الموافقة الأمنية لدخول المصور أو صانع المحتوى “عنصرين أمن لمرافقته، من أجل عدم تعرض الحواجز الأمنية له”، ولا تفصح الجهة الأمنية عن العنصرين، وإنما “نخبرهم أن هؤلاء من فريقنا”، وفقاً للمصدر.

وتطلب الأفرع الأمنية من شركات السياحة “توجيه فرق التصوير إلى بعض الأماكن السياحية والتاريخية، وتفادي إظهار الأحياء الفقيرة والمدمرة، أو إجراء مقابلات من الأشخاص الذين يعانون من الفقر والجوع”، كما قال المصدر، مشيراً إلى أنه “يُحظر عليهم استخدام طائرات الدرون من دون طيار للتصوير، لأنها تكشف جميع ملامح المنطقة”.

يتجنب صناع المحتوى الخوض في أحاديث سياسية، كما أوضحت جانيت نيوينهام، في الفيديو المشار إليه، إذ “لا يُقصد بأي مقطع فيديو في هذه السلسلة من سوريا أن يكون تعليقاً سياسياً، وإنما هو نظرة على تجربتي الشخصية”، وهو أمر متوقع، وفقاً لصاحب شركة السياحة في دمشق، معتبراً أن “السيّاح يفرضون رقابة ذاتية على أنفسهم لتجنب مساءلة الأجهزة الأمنية”. مضيفاً: “هم على دراية أن أي خطأ يمكن أن يعرض حياتهم للخطر”

التأثير على الرأي العام

تستغل دمشق هذه زيارات صناع المحتوى سياسياً، وتوظفها لخلق رأي عام عالمي بأن الحرب انتهت، وأن الأوضاع عادت إلى ما كانت عليه قبل عام 2011.

لكن مهما حاول النظام الاستفادة مما ينتجه صناع المحتوى الغربيين “لدعم سرديته بما يخص الحرب، فإن فعالية أسلوبه محدودة”، كما قال الباحث الاقتصادي، كرم شعار، مدير قسم البحوث في مركز السياسات وبحوث العمليات، وعزا ذلك إلى “وجود ما يوثق الجرائم الفظيعة التي ارتكبها النظام في سوريا”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

ويرى شعار أن تأثير محتوى “اليوتيوبر” يقتصر على “السوريين من مؤيدي النظام في الخارج، والأجانب المعادين لسياسات حكومات بلادهم”.

من جانبه، حذّر المهندس أيمن عبد النور من “خطر المحتوى الذي ينتجه صناع المحتوى الغربيين في سوريا”، معتبراً أن تأثيرهم أكبر إذا وصلت رسالتهم إلى “المتابعين في المناطق ذات الكثافة السكانية القليلة”، وبالتالي يمكن لهؤلاء “الضغط على البرلمانيين الذين يمثلونهم في تلك المناطق”، لاتخاذ مواقف داعمة للنظام.

واستشهد عبد النور بزيارة تولسي غابارد، البرلمانية عن ولاية هاواي الأميركية إلى سوريا، التي التقت بشار الأسد في عام 2017، وقد عبرت بحسب عبد النور “عن تأثرها بالأصوات في المنطقة، وأنها ترى النظام السوري محارباُ للإرهاب”.

ورداً على ذلك، تعمل المنظمات والجاليات السورية في الولايات المتحدة على “التصدي لمثل هذه التحركات”، مستفيدين من “سياسة الدول الغربية، التي ما تزال ضد التطبيع مع النظام”، وفقاً لعبد النور.

في المقابل، ربما تحدّ الانتهاكات التي وثقتها جماعات حقوق الإنسان من جهود النظام السوري في تجميل صورته عالمياً، وإقناع الدول العربية والغربية للتطبيع معه، إذ تركت مجزرة التضامن – على سبيل المثال- صدى واسعاً عالمياً، ونسفت جهود دمشق.

المحتوى لا يعكس الواقع

نشر صانع المحتوى الأذربيجاني داوود أخوندزادا مقطعاً مصوراً له أثناء تجوله في أسواق دمشق برفقة مرشدته السياحية، التي تعرض له أصناف المواد الغذائية والتوابل الموجودة في السوق، ليقوم داوود بشراء بعضها ومقارنة سعرها بالدولار، في إشارة إلى رخص أسعار المدينة.

يتناقض ذلك مع الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة، إذ بحسب برنامج الأغذية العالمي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في آذار/ مارس 2022 بنسبة 24% خلال شهر واحد، في أعقاب زيادة بنسبة 800% في العامين الماضيين.

وتفاعل سوريون بسخرية واستنكار على تداول صفحات موالية للنظام خبر زيارة البريطاني سيمون ويلسون من مدينة دمشق، يروج فيه للصورة الجميلة في سوريا، من قبيل “كونوا بريطاني فمعناتها يستعين بصحيفة الغارديان، هنّ بيعطوه معلومات مع فيديوهات وصور”، في إشارة إلى التحقيق الذي نشرته الصحيفة البريطانية، في 27 نيسان/ أبريل الماضي، عن مجزرة التضامن بدمشق.

وجاء في تعليق آخر: “لا تروّج، أخي أنت لأنك زائر، بالنسبة لنا نحن السوريين لا في أمن ولا أمان، بلد المافيات والفساد”.

وحاولت “سوريا على طول” التواصل مع كلّ من: داوود أخوندزادا، سيمون ويلسون، بنيامين ريتش، جانيت نيونهام، وغوكهان يلدريم، الذين زاروا سوريا مؤخراً، لكن لم تتلق ردوداً منهم حتى لحظة نشر هذا التقرير.

بدوره، قال أحد سكان دمشق لـ”سوريا على طول” أن “الحياة الطبيعية التي يصورها صناع المحتوى هي جحيم بالنسبة للمدنيين”، مستذكراً مشهد تجمهر أعداد كبيرة تحت جسر الرئيس في دمشق “منتظرين الإفراج عن أقربائهم المعتقلين”.

وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه لدواع أمنية، “لا أظن أن ما يعيشه المدنيون من فقر وذل وقبضة وتهديد أمني يندرج تحت إطار الحياة الطبيعية”، مشيراً إلى أن “راتب الموظف هنا لا يتجاوز 30 دولاراً أميركيا شهرياً، بينما الحد الأدنى لتغطية احتياجاتنا اليومية يصل إلى 300 دولار”.

وختم المصدر حديثه: “يأتي صانع المحتوى ويشرب فنجان قهوة بدولار واحد، ويحكم بناء على ذلك بأن سوريا رخيصة للعيش”، هي كذلك “للقادمين من الخارج وليس لمن يعيش فيها ويكافح من أجل تأمين الخبز والغاز”.

 

ملاحظة: نُسب أحد الاقتباسات في النسخة الأولى من هذا التقرير لـ”سيمون ويلسون” بالخطأ، وتم تصحيحها بتاريخ 08/ 08/ 2022.

شارك هذا المقال