5 دقائق قراءة

الصقيع يكبد مزارعي إدلب خسائر مبكرة ويبدد أحلامهم بأرباح المحاصيل “الباكورية”

يتحمّل المزارعون الأضرار الناجمة عن موجة الصقيع من دون دعم حكومة الإنقاذ، وغياب برامج منظمات المجتمع المدني لتعويض المتضررين، فالمزارع تُرك وحيداً، وسط غياب الجمعيات التعاونية والمؤسسات الزراعية، التي من شأنها دعم المزارعين وتقديم قروض لهم.


12 أبريل 2022

إدلب- أملاً في الخروج بأقل الخسائر، يستصلح المزارع أحمد عبد العزيز موسمه الزراعي الحالي بإعادة زرع أرضه ببذار وشتلات جديدة، بعد أن تعرضت أرضه لموجة الصقيع، في آذار/ مارس الماضي، التي ضربت الأراضي الزراعية في شمال غرب سوريا.

يستثمر عبد العزيز، 27 عاماً، 5 هكتارات في منطقة حزانو بريف إدلب الشمالي، مخصصاً ثلاثة هكتارات لزراعة البندورة في “أنفاق بلاستيكية” مغطاة بعازل بلاستيكي، وهكتارين لزراعة البطيخ الأحمر، لكن الصقيع “قضى على 90% من محصولي” الذي زرعه في شباط/ فبراير الماضي، “وهو الوقت المناسب لزراعة هذه المحاصيل سنوياً”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وتبلغ خسائر عبد العزيز، النازح من قرية كفرعويد بريف إدلب الجنوبي، والأب لطفلين، بنحو 6,500 دولار أميركي في حال تمكن “من تدارك الموسم الحالي”، وإلا قد تكون الخسائر “أضعاف ذلك”،  ناهيك عن تأخير جني محاصيل أرضه التي يعيد زراعتها ، إذ في مثل هذه الأوقات من المواسم الماضية “تكون الأنفاق عامرة بالمزروعات، بينما نقوم الآن بزراعتها من جديد”، على حد تعبيره.

وقدّرت الفرق الفنية التابعة لوزارة الزراعة والري في حكومة الإنقاذ مساحة الأراضي المتضررة من الصقيع بـ 2712 هكتاراً، مزروعة بالخضار الصيفية “الباكورية”، التي تعتمد على البيوت البلاستيكية، وتفاوتت نسبة الضرر بين 40 و90 بالمائة، وفقاً للمهندس عبد اللطيف غزال، رئيس دائرة الشؤون الزراعية والوقاية في الوزارة.

كذلك، تضررت الأراضي المزروعة بالبطاطا الربيعية “بنسبة عالية وصلت إلى 90 بالمائة في بعض الحقول”، وتقدر المساحة المزروعة بهذا المحصول بنحو 900 هكتار، إضافة إلى تضرر 2422 هكتار مزروع بمحصول الفول، بنسبة ضرر وصلت إلى 50 بالمائة، وتضرر نحو 844 هكتار من الأشجار المثمرة بنسبة ضرر تتراوح بين 30 و60 بالمائة، كما قال غزال لـ”سوريا على طول”.

وبذلك، فشلت كل مساعي المزارعين في المنطقة بحماية مزروعاتهم من الصقيع بالطرق الممكنة، ما رتب عليهم تكاليف إضافية “خارج حساباتنا”، وفقاً لعبد العزيز، ما دفع بعضهم إلى الاستدانة لتوفير مستلزمات الزراعة وتدارك استصلاح الموسم الحالي.

تكلفة مضاعفة

مع بدء الموسم الزراعي الحالي، استدان المزارع علي عز الدين (اسم مستعار)، 34 عاماً، النازح من جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، 20,000 دولار أميركي لزراعة أربعة هكتارات من البطيخ الأحمر، ومع تضرر أرضه نتيجة الصقيع “بنسبة 80 بالمائة”، كما قال لـ”سوريا على طول” اضطر إلى استدانة 10,000 دولار إضافية “لتعويض المزروعات التي ضربها الصقيع وزراعتها مجدداً”.

شتلة بندورة ضربها الصقيع رغم زراعتها داخل الأنفاق البلاستيكية، 5/ 4/ 2022 (سوريا على طول)

تشكل الزراعة مصدر الدخل الوحيد لعز الدين، وتتفاوت أرباحه من موسم لآخر، “ووصلت ذروتها في الموسم الماضي، بمبلغ 8,000 دولار للهكتار الواحد”، لكن أكبر همه في الموسم الحالي “تعويض الخسائر وسداد الدين”، بحسب قوله.

من جهته، قدر أحمد عبد العزيز تكلفة زراعة الهكتار الواحد من البندورة “الباكورية” بحوالي 8,000 دولار تقريباً، فيما تبلغ تكلفة زراعة هكتار البطيخ الأحمر بنحو 6,000 دولار، موضحاً أن الزراعة “تبدأ بإنبات البذار ضمن حاويات بلاستيكية خاصة، ومن ثم تزرع في أرض وتغطى بالعوازل البلاستيكية”، وتعتمد عملية الري على “شبكات الري بالتنقيط”. 

وبحسب عبد العزيز، تبلغ تكلفة “الشتلة” الواحدة دولاراً واحداً، لكن تضرر 90 بالمائة من أرضه، كلّفه إنفاق 15 دولاراً إضافياً لكل 200 شتلة، ما يعني أن تكلفة زراعة الهكتار الواحد “ارتفعت إلى 10,000 دولار تقريباً”، أي بزيادة بين 20 و40 بالمائة عن المواسم الماضية.

أما عبد الرحمن الأخرس، 56 عاماً، وهو نازح من سهل الغاب بريف حماة إلى سهل الروج بريف إدلب الغربي، كان محظوظاً نسبياً مقارنة بغيره من المزارعين المتضررين، إذا اقتصرت أضرار محصول البطاطا، الذي يزرعه على مساحة ثلاثة هكتارات بتكلفة 5,000 دولار للهكتار الواحد، على “حرق أوراق النبتة، وبعد ارتفاع درجات الحرارة بدأت تنبت من جديد”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

لكن هذا لا يعني تجاوز الخسارة، “فمن المؤكد أن الصقيع سيؤثر على كمية الإنتاج ونوعيته”، وفقاً للأخرس، لذلك إذا لم ينتج الهكتار الواحد 50 طناً، ويباع بسعر أعلى من الموسم الماضي الذي بلغ 170 دولاراً للطن الواحد “فإن الخسارة محتمة”.

حلول قد لا تنجح!

غالباً ما يتوارث المزارعون في سوريا، ومنها محافظة إدلب، الزراعة عن آبائهم، ويتداولون أساليب التعامل مع الظروف الطارئة التي قد تفتك بمحاصيلهم، لكن في حالات استثنائية، كما في موجة الصقيع التي ضربت الموسم الحالي قد لا تجدي الأساليب نفعاً، نظراً لقساواتها.

ومع بدء موجة الصقيع، في آذار/ مارس الماضي، لجأ المزارعون إلى تغطية الأنفاق بطبقة عزل إضافية، أو بأقمشة بالية اشتروها، بحسب المزارع علي عز الدين، الذي اشترى 500 كيلو غراماً من الأقمشة بمبلغ 150 دولار أميركي.

كذلك، نثر المزارعون داخل الأنفاق البلاستيكية مادة التبن، وهي عبارة عن أعشاب مجففة، بهدف الحفاظ على درجات حرارة مناسبة للمحاصيل، ما حمّلهم تكاليف إضافية، إذ يبلغ سعر الطن الواحد 225 دولاراً، وكانت آخر الحلول تغطية “الشتلات” بأكواب ورقية، ومع ذلك لم يفلحوا في تجاوز هذه الموجة.

محاصيل البندورة التي ضربها الصقيع في أرض المزارع أحمد عبد العزيز، رغم تغطيتها بـ”التبن” للحفاظ على درجة حرارة مناسبة لها، 5/ 4/ 2022، (سوريا على طول)

وعادة ما يكون الحل الأفضل لحماية المزروعات من الصقيع “استخدام مرشات المياه”، وفقاً لعز الدين، لكن “في الزراعة الباكورية لا يمكن استخدام هذه الطريقة، لأن المحاصيل يجب أن تبقى داخل الأنفاق البلاستيكية خلال الشهر الثاني والثالث للموسم”. حتى إن كان استخدام المرشات ممكناً “لن نستطيع شراءها نظراً لتكلفتها المرتفعة”.

موسم استثنائي

من باب الدعابة، أطلق رواد التواصل الاجتماعي اسم “كانون الرابع” على آذار/ مارس الماضي، الذي يصادف فصل الربيع، نظراً لتأثر المنطقة بمنخفض جوي أدى إلى تساقط الثلوج وتسبب بموجة صقيع في سوريا والدول المجاورة لها.

ففي آذار/ مارس، تأثرت المنطقة “باندفاع كتلة هوائية قطبية المنشأ جافة، تمركزت فوق تركيا، أدت إلى انخفاض درجات الحرارة إلى 4 تحت الصفر”، وفقاً للمهندس الزراعي أنس الرحمون، الناشط في مجال أبحاث المناخ والبيئة في إدلب.

لذلك، لم يكن مستغرباً حدوث موجات صقيع في بلاد الشام خلال شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل، لكن طول موجة الصقيع التي استمرت لسبعة أيام “كانت ظرفاً استثنائيا”، بحسب الرحمون، لذلك كان موت أصناف من المزروعات، من قبيل البندورة “محتماً”، فيما قد تتجاوز محاصيل البطاطا والفول الصقيع وتنبت مجدداً “نمواً خضارياً لكن بانخفاض المحصول مقارنة مع المواسم من دون صقيع”.

أمام هذا الموسم الاستثنائي، قدم الفنيون في وزارة الزراعة التابعة لحكومة الإنقاذ، عبر الدوائر المنتشرة في محافظة إدلب المشورة للمزارعين، بضرورة “دعم الخضار والأشجار المثمرة بالأسمدة والأحماض الأمينية والعناصر الصغرى [كبريتات الحديد والزنك] بهدف تجاوز النباتات هذه المرحلة وتعويض جزء من الإنتاج”، وفقاً للمهندس عبد اللطيف غزال.

وبذلك، يتحمّل المزارعون الأضرار الناجمة عن موجة الصقيع من دون دعم حكومة الإنقاذ، التي تقع المنطقة تحت نفوذها، وغياب برامج منظمات المجتمع المدني لتعويض المتضررين، وفقاً لأحمد عبد العزيز، معتبراً أن “المزارع تُرك وحيداً”، وسط غياب الجمعيات التعاونية والمؤسسات الزراعية، التي من شأنها دعم المزارعين وتقديم قروض لهم.

شارك هذا المقال