5 دقائق قراءة

الطلبة في مناطق المعارضة السورية وصراع نيل الاعتراف

في خضم الحرب التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات يعاني النظام التعليمي السوري من التشظي. وقد أفضى اختلاف المناهج إلى تداعيات جمّة منها عدم الاعتراف بالشهادات الصادرة عن المعارضة.


بقلم ليز موفة

18 يوليو 2021

عمان- في أوائل حزيران/يونيو الماضي، ذكرت وسائل إعلامية موالية لنظام الأسد توافد 900 طالب من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا إلى مناطق سيطرة النظام لتقديم امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا). ورغم أن الرقم قد يكون منطوياً على مبالغة، إلا أنه يظل يعكس المحنة التي يعيشها الطلبة المقيمون في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق. إذ يجهد الطلبة في المراحل الدراسية من الابتدائية وحتى الجامعية للحصول على شهادات معترف بها خارج مناطق المعارضة. وهو ما دفع بعضهم إلى التوجه نحو المؤسسات التعليمية التابعة للنظام. 

في الوقت ذاته، يشهد القطاع التعليمي في شمال غرب سوريا تطوراً سريعاً، يتجلى في افتتاح عدة جامعات تركية في الآونة الأخيرة، رغم أنها ما تزال محط جدل. 

الشهادات الصادرة عن النظام التعليمي للمعارضة غير معترف بها من قبل الحكومة السورية، وعليه، فإن الطلبة الحاصلين على هذه الشهادات غير مخولين بدخول الجامعات أو الحصول على الوظائف في مناطق سيطرة النظام

نظام تعليمي متشظ

في خضم الحرب التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات، صار النظام التعليمي السوري يعاني حالة من التشظي. إذ ظهرت برامج تعليمية جديدة –من قبيل التدريس باللغة الكردية أو تدريس مناهج تتناول تاريخ الثورة السورية العام 2011ـ خارج مناطق سيطرة النظام. كذلك، تم اعتماد ثلاثة مناهج مختلفة في مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يهيمن عليها الأكراد.

وقد أفضى هذا الاختلاف إلى تداعيات جمّة، فالشهادات الصادرة عن النظام التعليمي للمعارضة غير معترف بها من قبل الحكومة السورية، وعليه، فإن الطلبة الحاصلين على هذه الشهادات غير مخولين بدخول الجامعات أو الحصول على الوظائف في مناطق سيطرة النظام. 

لذلك، يتوافد، في كل سنة، بضعة مئات من طلبة شهادة الثانوية العامة إلى مناطق سيطرة النظام لتقديم الامتحانات المعتمدة من الحكومة. فما “يدفعهم للذهاب هو فقدان الثقة في مصير المناطق التي تحكمها المعارضة”، بحسب ما قال أحمد الغربي (اسم مستعار)، مدير مدرسة في محافظة إدلب، لـ”سوريا على طول”. إذ يخشى الطلبة وذووهم المقيمون في آخر معقلٍ للمعارضة، والذي يتقلص باستمرار، أن يتركوا بشهادات لا تغني ولا تسمن من جوع في حال استعاد النظام السيطرة على المنطقة. 

لكن استراتيجية التعايش هذه تثير حفيظة البعض، وغالباً ما تواجه برفض النشطاء والسلطات المحلية. ففي العام 2020، تواردت أنباء عن قيام هيئة تحرير الشام، القوة المهيمنة في محافظة إدلب، بمنع بعض الطلبة من العبور إلى مناطق سيطرة النظام ومصادرة بطاقات الامتحان الخاصة بالطالبات تحديداً.  

ومن وجهة نظر يونس أحمد، الطالب في جامعة حلب الحرة التي أسستها المعارضة في العام 2016، فإنه “لا يمكنني أن أخضع لامتحان النظام لعدة أسباب، أولها عقيدتي السياسية. فمن أجل إسقاط شرعية النظام، أرفض الاعتراف بمنهجه”. كما لا يمكن إغفال المخاوف الأمنية أيضاً، كما أضاف أحمد لـ”سوريا على طول”، إذ “لو سافرت إلى مناطق النظام سيعتقلونني على الفور”.  

إذ لا شك أن الرحلة إلى مناطق النظام محفوفة بالمخاطر. لذلك، فإن قلة فقط من الطلبة يقررون التقدم للامتحانات التي يجريها النظام؛ وهم في الغالب ممن لا يزال لديهم أقرباء يقيمون في تلك المناطق، ومتيقّنون أنهم غير مطلوبين للأجهزة الأمنية لأي سبب كان. وربما تكون هذه الرحلة أقل خطراً على الطالبات، كون وجودهن على قائمة المطلوبين أقل احتمالاً. مع ذلك، فإنهن قد يُحجمن عن الذهاب خشية التحرش بهن. 

أفق التعليم العالي “المعارض”

لا يختلف الأمر بالنسبة للشهادات التي تمنحها الجامعات في مناطق سيطرة المعارضة، فهي، أسوة بالشهادات المدرسية، غير معترف بها أيضاً. وهناك جامعتان تتسيّدان واقع التعليم العالي في تلك المناطق، هما جامعة حلب الحرة الواقعة في ريف حلب الشمالي الخاضع لإدارة الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من تركيا، وجامعة إدلب التي تديرها حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام. يضاف إلى ذلك عدد قليل من الجامعات السورية الخاصة التي لم تعتمدها إلا سلطات المعارضة، وفروع لجامعات تركية.

وقد التحق معظم الطلبة الجامعيين في شمال غرب سوريا بجامعة إدلب، بحيث بلغ عدد طلبتها في العام 2019، خمسة عشر ألف طالب من أصل ثلاثة وعشرين ألف طالب جامعي في مناطق سيطرة المعارضة وهيئة تحرير الشام. 

واختارت ثائرة العلي (اسم مستعار)، الطالبة الجامعية والناشطة الإعلامية، الدراسة في جامعة إدلب لقربها من منزلها. إذ “لكوني امرأة، فإنني أتحاشى الذهاب لمسافات بعيدة، فربما ينطوي السفر على مخاطر”، كما ذكرت لـ”سوريا على طول”. لافتة في الوقت نفسه إلى التعقيدات اللوجستية التي تواجهها بصفتها أماً لأطفال. وأنها فكرت في الانتقال “في سنتي الأخيرة إلى جامعة حلب لأنها معتمدة في تركيا”. 

إذ تمتاز المؤسسات التعليمية في شمال حلب عموماً باعتراف أفضل عالمياً مقارنة بنظيراتها في إدلب، المرتبطة بحكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام المصنفة تنظيماً إرهابياً. كما تستفيد الحكومة السورية المؤقتة في شمال حلب من علاقتها الوثيقة بتركيا، ما شجع على ظهور خدمات وشركات تركيّة في شمال غرب سوريا، لكنه أثار في الآن نفسه انتقاد البعض الذي اعتبره سياسة إلحاق ثقافي واقتصادي للمنطقة بتركيا. 

نفوذ متزايد للجامعات التركية

سنوياً، يحظى عدد قليل من طلبة شمال غرب سوريا بمنحة دراسية تخولهم السفر إلى تركيا. أما أولئك الذين لا يحصلون على هكذا منحة، ولا قدرة لهم على تحمل تكاليف التعليم في تركيا، فيمكنهم الالتحاق بواحدة من الجامعات التي افتتحتها تركيا العام الماضي في شمال حلب.

يسهم تطوير التعليم في مناطق المعارضة بجعلها أكثر جاذبية. كما أن ذلك قد يدعم جهود تركيا لإعادة توطين اللاجئين السوريين لديها في بلدهم.

“وغالباً ما تستقطب الجامعات التركية السوريين التركمان. فرغم أنهم أقلية، إلا أنهم يتحدثون التركية، ما يُيّسر دخولهم الجامعات التركية”، كما أشار الغربي. لافتاً إلى أنهم “يحظون بدعم كبير من الأتراك، على المستوى التعليمي والعسكري والمالي”.

وفي شباط/فبراير الماضي، أعلنت تركيا افتتاح كلية طبية تابعة لجامعة “العلوم الصحية” في إسطنبول في مدينة الراعي ذات الأغلبية التركمانية، شمال شرق محافظة حلب. قبل ذلك، افتتحت جامعة غازي عنتاب، العام 2019، ثلاث كليات في عفرين واعزاز والباب في شمال محافظة حلب.

ويسهم تطوير التعليم في مناطق المعارضة بجعلها أكثر جاذبية. كما أن ذلك قد يدعم جهود تركيا لإعادة توطين اللاجئين السوريين لديها في بلدهم. لكن هذه السياسة لاقت ردود فعل متباينة، إذ يخشى البعض من تعاظم الغزو التركي الثقافي والاقتصادي في شمال سوريا.

أياً يكن، يظل أن الطلبة الجامعيين في مناطق المعارضة قد يسعدون بإتاحة عدد أكبر من الخيارات والفرص أمامهم لإتمام تعليمهم الجامعي، بما في ذلك إمكانية حيازة شهادات معترف بها خارج الأراضي السورية. و”هناك الكثير من الأشخاص الذين يودون الدراسة في الجامعات التركية لأنها تؤمن لهم مستقبلاً أكاديميا ًأكثر تميزاً”، كما لفت أحمد. مشيراً في الوقت ذاته إلى أن هذا لا يضمن بالضرورة للدارسين في هذه الجامعات إمكانية الهجرة إلى تركيا بعد إتمام دراستهم. 

بالمحصلة “يحظى القطاع التعليمي في مناطق المعارضة بتطور هائل، بينما هو في تراجع في مناطق النظام”، برأي الغربي. “وهذا سبب آخر لقلة اكتراث الطلبة بالذهاب [إلى مناطق النظام]، وتفضيل كثيرين البقاء في مناطق المعارضة؛ فهم يرون أنها تتيح لهم فرصاً أكثر”.

تم نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.

شارك هذا المقال