7 دقائق قراءة

العدالة والمحاسبة في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة: “خيارات محدودة” أمام ضحايا جرائم حرب التنظيم

رجل سوري يركب دراجة نارية في الرقة، في شباط. تصوير […]


11 سبتمبر 2018

رجل سوري يركب دراجة نارية في الرقة، في شباط. تصوير ديل سليمان /AFP.

كانت عمليات الإعدام العلنية والقتل الوحشي خارج نطاق القانون وغيرها من الفظائع أمرا معتادا في مناطق سيطرة تنظيم الدولة خلال فترة حكم الجماعة التي دامت أربع سنوات، في مناطق شمال شرق سوريا.

وفي الوقت الحالي، تركت المجموعة وراءها ندوبا عميقة- حتى بعد خروج تنظيم الدولة من الرقة ودير الزور. ولا يعلم أقارب من قتلوا إلى أين يتجهون لتحقيق العدالة، حيث قتل عدد لا يحصى من السوريين بوحشية على يد عناصر التنظيم.

وتقول سارة كيالي، باحثة متخصصة بالشأن السوري في منظمة هيومن رايتس ووتش، تركز على العدالة الانتقالية في سوريا “إن المساءلة – حتى ضمن النطاق الأوسع في سوريا- صعبة للغاية”.

  وتضيف الكيالي، التي زارت الرقة في وقت سابق من هذا العام، إن هزيمة التنظيم في شمال شرق سوريا تثير أسئلة صعبة حول العدالة والمساءلة- بالنسبة للضحايا وكذلك الجناة.

وبالرغم من أن الناجين من فظائع التنظيم يمكن أن يرفعوا دعاوى بموجب مبدأ السلطة القضائية الدولية، إلا أن السعي إلى تحقيق العدالة من خلال الوسائل الدولية هو عملية بطيئة ذات فعالية محدودة، بحسب ما  تقوله الكيالي. كما أن الخيار الآخر المتاح هو إبلاغ قوات سوريا الديمقراطية عن الحالات- وهو حل فعال ولكنه قد يسبب “إشكاليات”.

وتتابع الكيالي “إنه أمر مؤسف، لكن الخيارات محدودة للغاية”.

في الوقت ذاته، تشعر الكيالي ومراقبون آخرون بالقلق من أن السلطات المحلية المدعومة من قبل قوات سوريا الديمقراطية تقوم باعتقال واحتجاز السوريين بسبب الشائعات التي تعتبرها أدلة.

وتقول الكيالي لمراسل سوريا على طول جستن كلارك “تلك عملية إشكالية بشكل لا يصدق… قسد اعتقلت عددا كبيرا من الأشخاص”.

وقد تم الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين منذ ذلك الحين- عادة تمضي أشهر وهم خلف القضبان دون محاكمة- بعد أن اكتشفت قسد “أنهم لم يكونوا مقاتلين مع التنظيم”، بحسب قولها.

ما هي برأيك الأولويات فيما يتعلق بمتابعة العدالة الانتقالية في سوريا ما بعد تنظيم الدولة؟

قمنا بالكثير من العمل لمحاولة الرد على الأسئلة المتعلقة بالعدالة في مرحلة ما بعد التنظيم، ولكن بشكل عام، كيف ستبدو هذه المناطق بعد استعادتها من التنظيم؟

أعتقد أن هناك بعض الأولويات- أو، سؤالان- في السياق الأوسع. أحدها هو كيف تُحاسب معتقلي التنظيم على الانتهاكات التي ارتكبوها خلال فترة خدمتهم في تلك المناطق؟. السؤال الآخر هو كيف تتحرك إلى الأمام؟. ليس فقط فيما يتعلق بالوثائق المدنية الصادرة عن تنظيم الدولة، ولكن أيضا من الحكومة السورية، وكيف سيحدث ذلك الانتقال؟.

هل يمكنك التحدث قليلا عن الأنظمة القانونية المعمول بها حاليا في مناطق ما بعد التنظيم؟ بالتحديد محافظتي الرقة ودير الزور؟

ليس لدي فهم شامل للنظام القانوني، لأنه ما يزال حديثا من نواحي عديدة، ولكن هناك شيء ما يحدث. إن قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية ينشئون هذه المحاكم المخصصة لمكافحة الإرهاب للتعامل مع مقاتلي التنظيم. لم نتمكن من مراقبة أي من هذه الحالات، لكن كنا قادرين على مشاهدة نصف الإجراءات حيث كان من الواضح جدا أن المحكمة ما زالت غير مجهزة للتعامل معها بشكل كامل.

وقد طبقت قسد والمجالس المدنية المرتبطة بها نظام حل النزاع الذي يضم أعضاء القبائل الموجودة في تلك المناطق.

لكن آليات حل النزاع هذه مخصصة للمدنيين. وما فهمته هو أن مقاتلي التنظيم يحاكمون في محاكم مكافحة الإرهاب المخصصة التي أنشأتها قسد.

كيف يتم ذلك؟ هل يمكن أن تحدّثينا عن كيفية اعتقال قوات سوريا الديمقراطية للمشتبه بهم من عناصر التنظيم؟

هناك بشكل أساسي آليتان يمكن أن تعتمدهما قسد لاعتقال مقاتلين مشتبه بهم. أحدهما بالاعتماد على المخبرين والاستخبارات للقبض على أعضاء بارزين في تنظيم الدولة. أما الآخر- وهو مقلق لأنه يبدو افتراضيا وعشوائيا للغاية- هو من خلال التحري عن كل شخص نزح ومن ثم إعادة توجيهه إلى مخيمات النازحين.

وبعد ذلك، هم ببساطة يختارون الناس للاعتقال من مخيمات النزوح أو الحواجز. أجريت عدة مقابلات حول الطرق التي أجرت بها قسد تحقيقاتها. إنه لأمر مفاجئ أن تعلم عدد الأشخاص الذين تم القبض عليهم، والذين يشتبه بأنهم من مقاتلي التنظيم. احتجزتهم قوات سوريا الديمقراطية لعدة أشهر، ثم أطلقوا سراحهم بعد أن اكتشفوا أنهم ليسوا مقاتلين من التنظيم.

واعتقلت قسد أشخاص لهم علاقات مع مقاتلي التنظيم، ثم قاموا باستجوابهم بطريقة تمكنهم من الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات حول مكان وجود مقاتلي تنظيم الدولة. ولدينا شهادة موثوقة حول مدى اكتظاظ هذه المعتقلات، إلى جانب الظروف الإنسانية هناك وبعض ما قيل عن سوء المعاملة.

في معظم الحالات، يكون مقاتلو تنظيم الدولة المشتبه بهم في مراكز الاحتجاز هذه لعدة أشهر دون رؤية محكمة. بعد ذلك، سيتم إطلاق سراحهم دون المرور من خلال هذه العملية، أو سيتعين عليهم التوقيع على تصريح ثم الانتقال إلى المحاكم.

من جهتنا لم نتمكن من الحصول على إذن لمشاهدة أي من إجراءات المحكمة.

[وفقا لتقرير نشره مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في منظمة هيومان رايتس ووتش، نديم حوري، فإن تعامل قوات سوريا الديمقراطية مع المعتقلين المرتبطين بتنظيم الدولة يحدث ب “سرية تامة دون حماية قانونية أساسية. ويتصف بسوء المعاملة”].

إن السبب وراء الجدال هو أن إجراءات مكافحة الإرهاب التي تمت مشاهدتها لم تحقق، في المقام الأول، متطلبات الإجراءات الفعلية. ثانيا، هذه المحاكمات يكثر فيها عدد المحتجزين الخاضعين لسيطرة قسد. وركزت في بحثي على كيفية اعتقال المشتبه بهم. هذه العملية إشكالية بشكل كبير.

إن مشكلة الاعتماد على هذا النوع من الأدلة من المخبرين- حتى بالتحري الأولي- هي أنه إذا كان جارك لا يحبك ويقول عنك أنك مقاتل من التنظيم فيمكن أن يكون من الصعب جدا إثبات غير ذلك.

لا أستطيع أن أتخيل نفسي في مركز احتجاز مزدحم مثل هذا، وأحاول إثبات براءتي. يبدو وكأنه أمر غير مجدي لشخص وضع في هذا الموقف. هل يشرف التحالف الدولي أو أي جهة أخرى على هذه العملية؟ أم أن هذا يتم بشكل صارم من قبل السلطات المحلية التي تديرها قسد؟

الولايات المتحدة معنية بذلك، خاصة مع مقاتلي التنظيم، ولديها معرفة بالسجون والسياسات هناك. هذا هو فهمنا لما يجري بناء على محادثاتنا مع المعتقلين.

ولكن هناك أسئلة عن مقاتلي تنظيم الدولة الأجانب، إلى أين سيذهبون، لأن قوات سوريا الديمقراطية لا تريد التعامل معهم. لقد غسلت الولايات المتحدة يدها من كل شيء، وكذلك دول المقاتلين الأجانب الذين لا يريدون أخذهم.

بالنسبة لأولئك الذين يسعون إلى العدالة- ضحايا وحشية التنظيم- ما هي السبل التي يمكن أن يلجؤوا إليها فعليا من أجل محاسبة الجناة؟ هل هو فقط من خلال كونك مخبرا لقسد، أم هل هناك طرق أخرى؟

ليس علي أن أخبرك بأن المساءلة، حتى ضمن السياق الأوسع في سوريا، صعبة للغاية. ولكن هناك عدد قليل من الطرق التي يمكن لضحايا الانتهاكات اتباعها. أحدها هو حالات الولاية القضائية الدولية.

هذه الأمور تتم حاليا ولا تزال على مستوى بسيط جدا، أو تركز فقط على الحكومة السورية.

هذا هو الطريق النشط في السياق السوري أكثر مما هو عليه في أي نزاع آخر، وهو شيء سنرى تقدمه.

والطريقة الأخرى التي يمكنهم اتباعها هي تحقيق العدالة من خلال محاكم قوات سوريا الديمقراطية، حيث تتم مقاضاة مقاتلي التنظيم السوريين. لقد أوضحت قوات سوريا الديمقراطية أنها ليست لديها أي نية لمقاضاة المقاتلين الأجانب لأنهم ليسوا ضمن نطاق ولايتها ولا في حدود قدرتها على القيام بذلك.  وللأسف، المحكمة الجنائية الدولية ليست حاضرة في المشهد بسبب الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

[استخدام الفيتو بشكل متكرر من قبل روسيا والصين لمنع المحكمة الجنائية الدولية من ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا].

إنه أمر مؤسف، ولكن الخيارات محدودة للغاية.

هناك قضية أخرى في هذه المجالات يتم تجاهلها في كثير من الأحيان فيما يتعلق بالنزاع السوري: أولئك السوريون الذين سجلوا أحداثا حياتية رئيسية- الولادات، حالات الزواج، شراء الممتلكات، الوفيات- أثناء حكم التنظيم.

كان لدى التنظيم سجل مدني نشط للغاية يوثق كل هذه الأحداث. ولكن إذا كان لدى شخص ما شهادة زواج صادرة عن تنظيم الدولة، على سبيل المثال، ما الذي يتعين عليه القيام به من أجل جعل زواجه قانونيا من خلال محاكم قسد؟

أعتقد أن هذا قد يكون القضية الأكثر أهمية. فهي تحدد كيف يمكن للناس أن يعيشوا حياتهم.

في النزاع بين التنظيم وقسد، لم نشهد أي انتقام أو عدم اعتراف بالوثائق التي تم إصدارها خلال فترة حكم التنظيم. وأشارت السلطات إلى استعدادها للتعامل مع هذه القضايا بطريقة بناءة.

وأعتقد أن السؤال هنا يتعلق بالقدرة، من حيث كيفية التعامل مع هذه الوثائق وما هي العملية. لكن ليس لدينا الكثير من المعلومات المتعلقة بذلك.

الشيء الثاني هو ما سيحدث على المدى الطويل. أنا متأكد من أنك على علم بأن مركز إيداع الأوراق المالية على اتصال بالحكومة السورية تحديدا بشأن هذه المشكلات، و بشأن مسائل التوثيق المدني وتوفير الخدمات الأساسية.

أعتقد أن الأمر صعب، لأن قسد لن تنقل السجلات- من جهتي لا أعتقد ذلك- إلى أن يحصلوا على السلطة في ذلك. الأمر معقد للغاية. ولكن بقدر ما رأيت، فإن قسد قد اعترفت بالزيجات والولادات التي تمت في ظل التنظيم.

في الوقت نفسه، قتل عدد كبير جدا من المدنيين في الرقة بسبب الغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف، لذا هناك أكثر من بعد للعدالة في فترة ما بعد التنظيم، أليس كذلك؟

سؤال رئيسي آخر هو مسؤولية التحالف الأمريكي عن الكثير من الأضرار التي وقعت لمدن وضحايا الغارات الجوية. هل سيقدمون تعويضات؟ هل سيتحققون من هذه الضربات؟

في العراق ومناطق النزاع الأخرى هناك عملية رسمية لطلب التعويضات، أو المطالبة بنوع من التعويض عن الأضرار والموت بسبب الغارات الجوية- هل هناك آلية مماثلة في سوريا؟ ما هي النظرة المستقبلية لحدوث شيء مماثل، في ضوء موقف الإدارة الأمريكية الحالي من سوريا؟

في العراق يسعون لتحقيق ذلك. إنه ليس تعويضا، ولكنه أقرب إلى يكون الهدية- على أي حال، يمكن للعائلات الذهاب ورفع دعاوى.

النموذج العراقي ليس نموذجا سيئا من ناحية اتباعه. لكن ما زال يحتاج إلى القليل من العمل، وهو متقدم بأميال عما هو عليه في سوريا.

في سوريا هذا الأمر مغيب كليا- إنه غير موجود ولم يتحدث أحد عنه. وهذا غريب جدا. في هذه المرحلة، ما زلنا نتحدث عن التحالف كونه معني بما حدث حتى نعرف عدد الإصابات في صفوف المدنيين- لم نصل بعد إلى مرحلة مناقشة التعويض.

أوقفت الولايات المتحدة تمويل دعم الاستقرار وبالكاد يحققون في هذه الضربات. حتى عندما يفعلون ذلك، من الصعب جدا دفعهم للاعتراف بأي شيء.

ولكن هذا لا يعني أن يتهربوا من مسؤوليتهم الأخلاقية للقيام بذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار مدى نشاطهم في حل هذه المشكلة بالقوة. ليس من المنطقي تهربهم من مسؤوليتهم لمجرد أن القضية تحتاج لوقت لتتم إثارتها .

هذه المقابلة هي جزء من تغطية سوريا على طول، لمدة شهر كامل، للأراضي التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة سابقا، وذلك بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض في سوريا. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

 

ترجمة: سما محمد

 

شارك هذا المقال