6 دقائق قراءة

الغوطة الشرقية المحاصرة: مكتب الخدمات الموحد ينوب عن البلدية ويسعى للتمويل الذاتي

في عام 2012، طوق النظام السوري ضواحي دمشق الشرقية، والتي […]


26 مارس 2016

في عام 2012، طوق النظام السوري ضواحي دمشق الشرقية، والتي تعرف باسم الغوطة الشرقية، وبذلك انتهت الخدمات التي تقدمها البلدية. فمن يجمع النفايات؟ ويصلح أنابيب المياه؟ ويوفر الكهرباء باستمرار؟. مجموعة من الأهالي ممن لديهم خبرة في هذا المجال تطوعوا لملئ هذا الفراغ.

مكتب الخدمات الموحد الذي أنشئ في سنة 2013، يضم الآن نحو مئتي موظف بينهم مهندسيين وتقنيين. ويعمل مكتب الخدمات الموحد مع المجلس المحلي في الغوطة الشرقية لتأمين المياه، والكهرباء وخدمات الصرف الصحي رغم سنين الحصار والقصف.

عمال مكتب الخدمات الموحد وهم يصحلون أنابيب الصرف الصحي في الغوطة الشرقية في هذا الشهر. حقوق نشر الصورة لمكتب الخدمات الموحد في الغوطة الشرقية.

 

وتحدث بسام زينون، المهندس الكهربائي الذي عمل في جامعة دمشق لثلاثة عشر عاما قبل انطلاق الثورة السورية، عن مشروع مياه ينفذه مكتب الخدمات الموحد في عدة بلدات في الغوطة الشرقية، ويسعى إلى أن يتحرر من اعتماده على التمويل الخارجي، وذلك عن طريق نظام جباية المال من أهالي البلدات أنفسهم.

وأوضح زيتون، لسوريا على طول، أن المشروع “غايته ليست الجباية فقط، وإنما نشر ثقافة التعاون بين الأهالي والمؤسسات التي تقدم الخدمة، من أجل ضمان استمرار الخدمة والتخفيف من مشاريع الدعم الخارجي التشغيلية”.

 

قوات النظام تحاصر الغوطة الشرقية منذ بداية عام 2013، وتقصف الضواحي باستمرار. كيف تمكنتم من العمل وتقديم الخدمة في ظل هذه الظروف؟

تأمين المواد يتم بصعوبة بالغة، إما بطرق مخفية عن حواجز النظام، أو الأنفاق أو من خلال بعض المحلات التي ما تزال تمتلك بعض هذه المواد.

بالنسبة للحصار، فقد أثر كثيرا على سرعة تنفيذ المشاريع أو حتى على نوعية المشاريع المنفذة، والتي اتجهت نحو تنفيذ المشاريع الممكنة أو الضرورية جداً وليس التي تدخل ضمن خطط مستقبلية شاملة.

إلى أي درجة ساهمت اتفاقية “وقف الأعمال العدائية”، التي دخلت قيد التنفذ في آواخر شباط بتوسيع مشاريعكم؟

هذه الأيام انخفضت وتيرة القصف بشكل كبير، باستثناء بعض الجبهات أو القذائف العشوائية بين الفترة والفترة.

طبعاً تاثير هذه الهدنة لم يظهر بشكل كبير على زيادة عدد المشاريع المنفذة حالياً أو المدروسة، لأنه كما هو معروف أي مشروع يحتاج الى دراسة ومن ثم البحث عن ممول بزمن لا يقل عن ثلاثة أو أربع أشهر حتى يتم الموافقة على التنفيذ.

طبعا مع وجود القصف كان العمل يتم بشكل متقطع، ودائما هناك تغيير بخطط التنفيذ، وبالتالي تأخر تنفيذ المشاريع مع عدم التركيز على دقة التنفيذ مع الشعور بالخوف أو حتى عدم الفائدة في بعض الاحيان من العمل، حيث أن كثيرا من الأفكار كانت تصطدم بمقولة: مالفائدة غدا يعود القصف لينسف العمل كله؟.

أما من حيث المشاريع التي تنفذ حاليا فقد سرّعت الهدنة من وتيرة التنفيذ، وزادت الشعور بالطمأنينة أثناء التنفيذ، وخصوصاً لدى العمال مما انعكس ايجابا على دقة التنفيذ.

أكيد مع توفر الأمان وتوقف القصف سيتم الالتزام بخطط التنفيذ بشكل اكبر، والتأخير بالعمل سوف ينخفض أكثر، مع التركيز على جودة تقديم الخدمة والسعي نحو تقديم كل ما هو جديد ومنظم.

من أين جائت فكرة مكتب الخدمات الموحد، ومن هم العاملين عليه؟

تأسس مكتب الخدمات الموحد في شباط 2013، وانطلقت  فكرته من الواقع الصعب الذي مرت به المنطقة بعد التحرير، من نقص الكفاءات والخبرات وسحب النظام لمعظم آليات العمل الخدمية وبدء الحصار.

هدفه كان نقل التجارب والخبرات بين المكاتب الخدمية في المجالس المحلية، وإيجاد الحلول للمشاكل الخدمية التي بدأت تظهر بعد الحصار، وتنفيذ بعض المشاريع   بجهود وتعاون ذاتي بين البلدات. من ثم انتقلنا الى دراسة مشاريع خدمية حيوية والحصول على تمويل لتنفيذها وكان تخصصنا قطاع الخدمات.

ويبلغ عدد الموظفين الذين يتقاضون رواتب من المكتب 200 موظف يتوزعون على كامل المشاريع، منهم خمسة مهندسين وخمسة طلاب جامعات، بالاضافة الى  خريجي معاهد وفنيين وعمال.

وانا مهندس كهرباء خريج جامعة دمشق، عملي كان قبل الثورة في قسم الدراسات والإشراف على المشاريع في الجامعة لمدة 13 عاما.

ما الذي دفعكم إلى فرض قانون الجباية على أهالي الغوطة الشرقية؟ وما الفائدة التي ستعود على الأهالي؟

موضوع الجباية مهم جداً لضمان استمرارية المشاريع وخصوصاً الخدمية منها، ويأتي مشروع تشغيل شبكة المياه في بلدات الغوطة الشرقية وفق استراتيجية المكتب في تنفيذ المشاريع.

بالطبع هي تجربة جديدة نحاول تطبيقها بالتنسيق مع المجالس المحلية، تعتمد على تقديم الخدمة لفترة من الزمن وإقناع المستفيد بقدرة التزام المؤسسة بالاستمرار في تقديم الخدمة وتحسينها، ومن ثم تبدأ الجباية بعد اكتساب ثقة المواطن، وقد قمنا بهذه الخطوة لنخفف من الاعتماد الكلي على الدعم الخارجي. ولضمان استمرار مشاريعنا الخدمية وسعياً منا لتمويل مشاريعنا ذاتيا دون الحاجة لأحد.

 

قلت أن الهدف من نظام الجباية هو تخفيف اعتماد مكتب الخدمات الموحد على التمويل الخارجي؟ فمن يمولكم؟

هناك اكتر من مؤسسة تدعمنا مؤسسة مجلس الديمقراطية ، وهي مؤسسة امريكية ومن أكبر الممولين لنا، وهم من مولوا مشروع النظافة منذ عامين الى الآن. البرنامج الإقليمي السوري، مكتب دعم التنمية والمشاريع الصغيرة، وحدة تنسيق الدعم، مؤسسة STC.

بلغت قيمة المشاريع التي نفذها المكتب خلال عامي 2014 و2015 بحدود 950 الف دولار، تنوعت بين مشاريع النظافة وتشغيل مضخات المياه وحفر الأبار وصيانة شبكات الصرف الصحي ورش المبيدات الحشرية وبناء عنفة مائية لتوليد الكهرباء وكذلك حفر الغاز الحيوي.

 

كيف ستتم جباية الأموال من الأهالي؟ وما هو المبلغ الواجب على كل عائلة دفعه؟ وما وضع العائلات الفقيرة التي لا تستطيع دفع المبلغ المترتب عليها، هل ستستفيد من الخدمات المطروحة؟

من خلال المجلس المحلي في كل بلدة. فقد تم تحديد رسوم الجباية الشهرية بالتنسيق بين المجلس المحلي ومكتب الخدمات الموحد وفق مذكرة تفاهم، وتحدد بقيمة 600 ليرة شهريا على كل عائلة، مع العلم أن التكلفة لاتقل عن  ألف إلى ألفي ليرة شهريا في القطاع الخاص في حال وجوده.

العائلة التي لاتستطيع دفع الرسوم المترتبة عليها يمكنها أن تتقدم بطلب إلى المجلس المحلي تشرح فيه وضعها ليتم إعفاءها منها، فالمجلس يدرس أوضاع كل عائلة ويمكن أن تستثنى العائلات الأشد فقراً من الرسوم، فالمشروع غايته ليست الجباية فقط وإنما نشر ثقافة التعاون بين الأهالي والمؤسسات التي تقدم الخدمة من أجل ضمان استمرار الخدمة والتخفيف من مشاريع الدعم الخارجي التشغيلية، فليس الهدف أن أغطي كامل النفقات من الأهالي وإنما جزءا منها، ومع تطور المشروع وتحسن الحالة الاقتصادية للسكان يمكن أن نرفع مبلغ الجباية قليلا بحيث نحسن الخدمة ونستمر بها.

ماهي المشاريع التي تم بدء العمل بها من أموال الجباية؟ وماهي البلدات التي استفادت من مشاريعكم الخدمية؟

الخطوة الأولى ستتم في مشروع المياه، ومن المخطط له توسعة المشروع ليشمل رسوم خدمات عامة (نظافة، صرف صحي، كهرباء المولدات).

البلدات المستهدفة في المشروع حاليا هي: جسرين، سقبا، حمورية، وكفر بطنا، بدأنا بمشروع المياه في بلدة جسرين، في شهر كانون الثاني، وانتهينا الشهر الماضي من عملية تجريب وتشغيل الشبكة، وبعد التأكد من وصول المياه إلى 80% من السكان واكتفاء البلدة من المياه، تم البدء بتطبيق نظام الجباية في البلدة على الأهالي.

وفي بلدة سقبا انتهينا من أعمال الصيانة وتأهيل الشبكة، ونحن الآن بمرحلة تجريب الضخ على الشبكة وإصلاح الأعطال، في حين أنه من المقرر ضخ المياه بشكل رسمي الأسبوع القادم والبدء بتطبيق نظام الجباية.

كما نعمل على مشروع  تشغيل ثلاث مطاحن للحبوب بأجور رمزية سيتم تنفيذه خلال مدة أقصاها ستة أشهر، ومن المخطط له أن يتم تشغيل اشتراكات كهرباء من خلال المولدة المخصصة للمطحنة، ففي الوقت الحالي يوجد مطاحن خاصة تطحن الحبوب وتأخذ مبلغ عن كل كيلو غرام، لكن نحن من خلال هذا المشروع سنقوم بطحن الحبوب للسكان بربع القيمة أو التعاقد مع أفران بحيث نخفض سعر الطحين المقدم للفرن على أن يقوم بتخفيض سعر ربطة الخبز بما لا يؤثر على السوق المحلية بشكل فجائي.

مشروع تشغيل شبكة المياه وتوصيلها إلى المنازل في بلدة جسرين ذاع صيته بسرعة بين البلدات، وأصبحنا نتلقى طلبات من البلدات الأخرى غير الداخلة في المشروع مثل: عربين، مسرابا، وعين ترما، باستعدادهم لجمع جباية شهرية في حال استطعنا تشغيل شبكة المياه في بلداتهم، ونحن بصدد دراسة توسعة المشروع حاليا.

في حال تم تنفيذ المشاريع الاخرى المطروحة هل سيتم مضاعفة مبلغ الجباية وتحديد مبلغ شهري لكل مشروع يفرض على العائلة الواحدة؟

نعم ستتم، ولكن مع مراعاة التدرج والحالة الاقتصادية للسكان، فمن الممكن أن يزيد المبلغ ليصل إلى ألف ليرة شهريا لكل عائلة.

وهناك الكثير من العائلات تدفع مبلغ ألف ليرة اسبوعياً مقابل الاشتراك في 3 ساعات من كهرباء القطاع الخاص.

في حين أن بعض البلدات تقوم بجمع تبرعات ورسوم من المحلات التجارية ولكن دون خطة أو نظام لتسد نفقات مجالسها المحلية بينما نحن نسعى لأن تكون الجباية وفق نظام محدد ومخطط له.

أنتم تسعون إلى تقديم بديل عن الأسعار المرتفعة في القطاع الخاص، فكيف كانت استجابة القطاع الخاص؟

بالنسبة للقطاع الخاص، من المؤكد أن يكون هناك خوف من المنافسة لكن نحن نقوم بالعمل، وتقديم الخدمة بشكل مدروس بحيث لا يكون هناك قفزات في السوق والأسعار تؤثر على مجريات النشاط.

علماً أنه لا يمكن لأي مؤسسة أن تقوم بتقدم  كامل الخدمات لوحدها وسيكون هنا دائما هامش للعمل للقطاع الخاص.

ونحن ضمن سياسة مكتبنا أن نساهم في تفعيل القطاع الخاص، لأنه ينشط الحالة الاقتصادية في المنطقة، ونعمل على ذلك من خلال إدخال القطاع الخاص ببعض مشاريعنا أو أجزاء منها عبر المناقصات التي نطرحها في السوق (استئجار مولدات، تعهد حفر ابار، وممكن بالمستقبل تعهدات صيانة شبكات الصرف الصحي).

بالمحصلة نحاول أن نوازن بين توفير الخدمة لكافة قطاعات المجتمع الفقيرة والمتوسطة والغنية تجاوزاً وترك هامش العمل للقطاع الخاص.

 

ترجمة : فاطمة عاشور

شارك هذا المقال