7 دقائق قراءة

الفرقة الرابعة: إعادة انتشار في جنوب سوريا على وقع “قانون الكبتاجون” والتطبيع العربي

بعد أكثر من عام على انسحابها من الجنوب، تعود الفرقة الرابعة، التي تسعى لزيادة ثروتها عبر التحكم بالطرق الرئيسية والمعابر وتجارة المخدرات، إلى الجنوب، بالتزامن مع "قانون الكبتاجون" ومبادرات عربية إقليمية.


27 يناير 2023

باريس- منذ أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2022، تعمل الفرقة الرابعة، التابعة لجيش النظام السوري، على إعادة تعزيز حضورها في الجنوب السوري، عبر استقدام تعزيزات عسكرية إلى المنطقة وتجنيد المزيد من أبناء حوران في صفوفها.

وقال أبو محمد، مسؤول عسكري سابق في المعارضة، يقيم شمال درعا، أن تعزيزات “الرابعة” وصلت إلى “مدينة درعا، ومعبر نصيب، والقرى الحدودية الواقعة على الشريط الحدودي مع الأردن، بما في ذلك مخافر حرس الحدود المنتشرة على طول الحدود السورية الأردنية من جهة محافظة درعا”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

وكان ذلك، قبل إصدار مكتب الأمن الوطني، التابع لمكتب رئيس الجمهورية وينسق عمل وكالات الاستخبارات، في الثاني من كانون الثاني/ يناير الحالي، قراراً يقضي بإعادة نشر قوات الفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد، على المعابر الشرعية وغير الشرعية، والمراكز الحدودية الرسمية، في عموم مناطق سيطرته، على شكل حواجز من الفرقة الرابعة والأفرع الأمنية الأربعة: الأمن العسكري، الأمن السياسي، أمن الدولة، المخابرات الجوية، بهدف منع تهريب الأموال والمواد والبضائع، والمساعدة بضبط سعر الصرف وضبط الحدود، والقيام بعمليات التفتيش إلى جانب عناصر الجمارك.

وفي إطار تعزيز وجودها، فتحت الفرقة الرابعة باب الانتساب إلى صفوفها في الجنوب السوري، خلال الأسابيع الأخيرة. على خلفية ذلك، حاول مجهولون اغتيال محمد خير الغزالي، في 12 كانون الثاني/ يناير الحالي، في بلدة قرفا بريف درعا الأوسط، التي ينحدر منها، على خلفية تشكيله مجموعات جديدة لصالح “الرابعة”، مهمتها السيطرة على كامل القرى القريبة من أوتستراد دمشق-عمان، بتنسيق وإشراف من حزب الله اللبناني، وفقاً لـ”تجمع أحرار حوران”، مؤسسة إعلامية محلية معارضة.

ورصدت “سوريا على طول” عدة منشورات على “فيسبوك”، من قبل حسابات تابعة للفرقة الرابعة، تعلن عن فتح باب التطوع لصالح الفرقة في مناطق مختلفة من سوريا، براتب شهري يتراوح بين 225 و250 ألف ليرة سوريا شهرياً (بين 33 و37 دولاراً أميركياً، بحسب سعر الصرف في السوق الموازية البالغ 6670 ليرة للدولار)، بدوام 10 أيام مقابل 5 أيام إجازة، ويمكن للمنشقّين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية الالتحاق بها بعد إجراء تسويات لهم.

عودة انتشار الفرقة الرابعة، جاء بعد أكثر من عام على انسحابها من المنطقة، على خلفية اتفاق درعا البلد، الذي جرى توقيعه مع انتهاء العملية العسكرية للنظام ضد أحياء درعا البلد، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وتماشياً مع التفاهمات الدولية، التي قضت بانسحابها من الجنوب السوري آنذاك، مع بقاء مجموعات صغيرة من المتطوعين في صفوفها من أبناء المنطقة.

وتزامنت هذه التغيرات مع إقرار الرئيس الأميركي جو بايدن، لقانون محاربة الكبتاجون، في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2022. إذ جاء في مشروع القانون أن تجارة المخدرات المرتبطة بالنظام تعد “تهديداً أمنياً عابراً”، لذا يتوجب على الوكالات الأميركية وضع استراتيجية مكتوبة خلال مدة أقصاها 180 يوماً، من أجل تعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات المرتبطة بالنظام داخل سوريا وفي دول الجوار.

لماذا “الرابعة” إلى الجنوب؟

لطالما لعبت الفرقة الرابعة، المحسوبة على التيار الإيراني، دوراً رئيسياً في استعادة النظام السيطرة على مناطق عدة من الأراضي السوري الخارجة عن سيطرته. إذ نمت الفرقة خلال العقد الماضي لتصبح الفرقة العسكرية الأكبر في جيش النظام من حيث العدد والقوة، بعدما فتحت باب الانتساب في صفوفها، لا سيما في أعقاب اتفاقيات المصالحة والتسوية، التي جرت عام 2018، في الغوطة الشرقية وريف حمص وجنوب دمشق وحوران.

وإلى جانب دورها العسكري، تدير الفرقة الرابعة العديد من الأنشطة الاقتصادية غير الشرعية للنظام السوري، وهي متهمة في إدارة عمليات تصنيع وتهريب المخدرات، وتهريب البشر، وفرض الإتاوات أو ما يعرف بـ”الترفيق” وغيرها.

خلال العامين الماضيين ازدادت عمليات تهريب المخدرات عبر الشريط الحدودي إلى الأردن بشكل لافت. لكن في الآونة الأخيرة، بات عدد من تجار المخدرات، الذين عملوا لصالح النظام وحزب الله اللبناني، يعملون لحسابهم الخاص، كما قال مصدران عسكريان سابقان مقيمان في درعا لـ”سوريا على طول”.

وعليه، فإن عودة الفرقة الرابعة إلى الجنوب “مرتبط بإعادة تنظيم عمليات إنتاج وتهريب المخدرات”، بحسب أبو زيد، قيادي عسكري مقيم في ريف درعا، مستدلاً على ذلك بـ”اعتقال النظام خلال الأسابيع الماضية بعض تجار المخدرات من درعا والسويداء، قبل أن يعود لإطلاق سراحهم مرة أخرى”.

كذلك، وقعت اشتباكات بين مجموعتين متهمتين بتجارة المخدرات في ريف درعا، في العاشر من الشهر الحالي، وهو ما يشير إلى “وجود تنافس بين العصابات التي تعمل لصالحها، وليس كما كانت سابقاً تعمل لمشغلها، وهو ما لا يريده النظام”، كما أضاف أبو زيد لـ”سوريا على طول”.

وبدوره، اعتبر المسؤول العسكري أبو محمد، أن قرار إعادة انتشار الفرقة الرابعة له أبعاد اقتصادية، تتعلق بسعي الأخيرة إلى “زيادة ثروتها من خلال التحكم بالطرق الرئيسية والفرعية والمعابر الشرعية وغير الشرعية في كل المناطق السورية، وليس الجنوب فقط”، واصفاً إياها بـ”ماكينة جمع الأموال لماهر الأسد”.

رغم علاقتها بالمخدرات، إلا أن “تجارة المخدرات ليس الهدف الأساسي من عودة الفرقة الرابعة”،  كما قال الباحث الأردني صلاح ملكاوي، المتخصص في الشأن السوري، لـ”سوريا على طول”، معتبراً أن الأمر “يتعلق بالمساعي العربية والروسية لإعادة تأهيل النظام السوري”. إذ يقابل التحركات الأميركية، تنامي الجهود العربية والإقليمية والروسية الرامية إلى حل الأزمة السورية بعيداً عن المعسكر الغربي. 

لذا فإن عودة الفرقة الرابعة للسيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، وسيطرتها على الأراضي السورية الموازية للحدود اللبنانية، يعني “حصر تجارة المخدرات بالفرقة الرابعة”، ما يعني أن دمشق بذلك “تكون قادرة على ضبط هذه التجارة ووقفها في حال التوصل إلى أي حل سياسي” أو اتفاق مع الدول الإقليمية، وفقاً لملكاوي.

لكن، المستشار والمحلل السياسي، رامي الشاعر، المقرب من وزارة الخارجية الروسية، اعتبر أنه “من الطبيعي انتشار الفرقة الرابعة والجيش السوري، وأن تتواجد نقاط مراقبة على كامل الحدود السورية تسمى حرس الحدود”، لكن “في الأوضاع غير الطبيعية يتم تعزيز حرس الحدود بقوات عسكرية أخرى”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

المبادرة العربية وروسيا!

منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، عاد الاهتمام الدولي بالملف السوري مرة أخرى، مع وجود ثلاثة أطراف تتنافس حول هذا الملف. الأول موسكو، التي تحاول “تغيير البيئة الاستراتيجية لسوريا، عبر إحداث تقارب بين النظام وتركيا بمباركة إيرانية”، وهو ما يزعج واشنطن، لأنه “قد يؤدي إلى تغيير استراتيجي كبير في الإقليم، وفرض أمر واقع جديد، قد يصل حد الضغط على الأميركان للخروج من الملف السوري”، بحسب ملكاوي.

واشنطن، الطرف الثاني، وترى أن ما تقوم به موسكو حالياً “يضر بالمصالح الأميركية”، لذلك عملت على إقرار “قانون محاربة الكبتاجون”، الذي “يتبعه أوراق أخرى حسب ما يردنا من واشنطن، من قبيل: العمل على بناء معارضة سورية جديدة، إعادة تأهيل القوات الموجودة في منطقة التنف، وإعادة تنشيط قنوات التواصل بين الأميركان وقيادات عسكرية من الجنوب السوري”، وفقاً لملكاوي.

ويتمثل الطرف الثالث ببعض الدول العربية التي “ترى أن هناك أملاً في عدم تكرار سيناريو خسارة العراق، بمعنى أنهم لا يريدون تكرار النموذج العراقي في سوريا، ويرون أنه هناك مجال لإعادة التواصل مع النظام السوري، والحصول على موطئ قدم عربي في سوريا قد يمنع الانزياح الكامل للنظام باتجاه إيران”، كما قال ملكاوي.

في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أن بلاده تحشد لمبادرة عربية لحل الأزمة السورية، وأنها “تدعو إلى دور عربي جماعي لإنهائها بالتنسيق مع أصدقائنا وشركائنا”.

وأشار الصفدي إلى أن المبادرة قد تكون بقيادة عربية تشمل السعودية ودولاً أخرى، وسوف تستند إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لوضع خارطة طريق لتسوية تفاوضية. يتناغم الموقف العربي مع الموقف الروسي، على عكس الموقف الأميركي الرافض لعملية التطبيع مع الأسد.

وفي الوقت الذي تعمل موسكو على تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، تحاول أيضاً تبديد مخاوف عمّان في الجنوب “ومعالجة الوضع غير الطبيعي”، وفقاً للمستشار والمحلل السياسي رامي الشاعر.

ففي الحادي عشر من الشهر الحالي، زار وفد روسي رفيع المستوى برئاسة مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، العاصمة الأردنية عمّان، والتقى بوزير خارجيتها أيمن الصفدي، وبحث الجانبان ملف الجنوب السوري ومواجهة تهريب المخدرات إلى الأردن.

أمام هذا الاهتمام، تبرز تحركات الفرقة الرابعة كأنها رسالة للطرف الثالث -العربي- مفادها أن النظام “يستطيع حصر وضبط تجارة المخدرات”، ما يعني إمكانية فتح باب التواصل معه لعقد اتفاقيات مستقبلية، لاسيما وأنه “استخدم تجارة المخدرات لغرض الابتزاز”. تتماشى هذه الرسالة مع الطروحات الروسية، التي تستخدم هي الأخرى “المخدرات” كورقة ضغط على الأردن ودول الخليج العربي، وفقاً لملكاوي.

استبعد ملكاوي أن يكون لموسكو سلطة على الجنوب، مشيراً إلى أن الأردن “تدرك منذ عام 2016 أن الروس يقدمون وعوداً ولا يلتزمون بها، وأنهم موجودون بشكل رمزي في الجنوب السوري، ولا سلطة عسكرية لهم على طول الحدود”، وبالتالي “لا قدرة حقيقية لإيقاف تجارة المخدرات ولا مصلحة لهم بذلك”.

الأردن: في كنف “قانون الكبتاجون”!

نص اتفاق إعادة افتتاح معبر نصيب-جابر بين سوريا والأردن، الذي وُقّع في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، على تسلم الأمن السياسي السوري معبر نصيب، وبالتالي يعد قرار تسليم المعبر للفرقة الرابعة، خرقاً للاتفاق، لاسيما وأن “الرابعة” متهمة بإدارة إنتاج وتهريب المخدرات، حيث اتهم مسؤولون أردنيون “الفرقة” في العديد من المرات بتهريب المخدرات عبر الحدود، ما يعني أن عودتها إلى الحدود يزيد من مخاوف عمان بشأن زيادة تدفق المخدرات.

في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قال الشاعر في مقابلة صحفية نشرها موقع سوري محلي، أن “عدم الاستقرار في الجنوب السوري ونشاط عصابات تهريب المخدرات والأسلحة، أصبح يشكل خطراً على الأمن والاستقرار في الأردن”، وتوقع آنذاك أن تضطر الأردن للقيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي السورية، للقضاء على عصابات تجارة المخدرات وعمليات التهريب المستمرة. 

ورداً على سؤال ما إذا كان هذا السيناريو وارداً، قال الشاعر: “إن الجهود المشتركة بين روسيا والأردن وسورية ستحول دون اضطرار الأردن للقيام بعملية عسكرية على الأراضي السورية في الجنوب”.

واتفق ملكاوي مع الشاعر، مستبعداً قيام الأردن بأي عملية عسكرية داخل الحدود السورية، خاصة أنها “تدرك عدم سيطرة النظام على كامل الجغرافيا السورية، وأن هناك ضباط وميليشيا متورطين بتجارة المخدرات، لذلك لا توجه عمّان كامل اللوم لدمشق”.

لكن، بدلاً من ذلك، تقوم الأردن بـ”تشديد الحراسة على الحدود، وطورنا خلال السنة الأخيرة تكتيكات جديدة للتعامل مع عمليات التهريب”، بحسب ملكاوي.

وتوقع ملكاوي أن تستفيد الأردن من “قانون محاربة الكبتاجون” بصفتها إحدى الدول المتضررة من المخدرات التي ينتجها النظام السوري وحليف للولايات المتحدة الأميركية. إذ سوف تستفيد عمّان من “برامج تدريبية وإعادة تأهيل ورفع كفاءة لأجهزة إدارة مكافحة المخدرات والجمارك الأردنية ومؤسسات إنفاذ القانون الأخرى”، بحسب قوله.

وأوضح ملكاوي أن “التنسيق بدأ مع الجهات الأمريكية”، وأنه “سيكون هناك تعاون استخباراتي، لأن الأردن لديها قدر كبير من المعلومات المتعلقة بطرق التهريب وأماكن المعامل وأسماء الأشخاص المتورطين بهذه التجارة، وكبار التجار والضباط المتورطين”.

وجود الأردن كأحد المستفيدين من القانون الأميركي الجديد، يطرح سؤالاً، ما إذا كان القانون سيفسد على موسكو التقارب أو التأثير في المبادرة العربية، التي لم يتضح شكلها حتى الآن، وما إذا كانت الفرقة الرابعة هدفاً مباشراً في حالة تفعيل القانون.

شارك هذا المقال