4 دقائق قراءة

“الكوليرا” تحرم المسافرين السوريين عبر الأردن من خيرات بلادهم

في إطار الإجراءات الاحترازية الأردنية لمنع دخول "الكوليرا" إلى الأردن، تتلف عمّان أصنافاً من المواد الغذائية "النيئة" للمسافرين، الذين يمرون عبر حدود جابر إلى دول الخليج، وهو "قرار جائر ومكلف" بالنسبة للسوريين


16 نوفمبر 2022

عمان- تحت سقف مظلة معدنية كبيرة “هَنْجَر” في مركز حدود جابر الأردني، يصطف عشرات المسافرين السوريين، العائدين من بلادهم براً عبر الأردن إلى مكان إقامتهم في دول الخليج، وتتكدس حولهم صناديق الخضار والفواكه والمواد الغذائية (المؤونة) وعبوات زيت الزيتون الفارغة بعد سكب محتواها في قنوات الصرف الصحي بالمركز الحدودي، كما وصفت أم أحمد المشهد لـ”سوريا على طول”.

في 28 تشرين الأول/ أكتوبر، بينما علت أصوات المسافرين المصدومين من مصادرة السلطات الأردنية لمُؤنهم وإتلافها، حاولت أم أحمد، 37 عاماً، ثني أحد مفتشي الجمارك الأردنية في حدود جابر عن إتلاف موادها، لكنه “أخبرني بأنه لا يستطيع مخالفات التعليمات”. وفي المحصلة، لم تستطع إنقاذ سوى “بضعة حبات من الفواكه لتناولها أثناء طريق عودتنا إلى السعودية”.

وكانت وزارة الصحة الأردنية ولجنة الأوبئة المنبثقة عنها، أصدرت في 18 أيلول/ سبتمبر الماضي، قراراً يلزم مركز حدود جابر بإتلاف المواد الغذائية غير المعلبة، التي يحملها المسافرون القادمون من سوريا، كإجراء احترازي على خلفية إعلان وزارة الصحة التابعة للنظام السوري ارتفاع أعداد الإصابات بـ”الكوليرا”، وتسجيل وفيات بين المصابين.

الإجراءات الأردنية “مستمرة، ولن تتغير حتى انتهاء حالات الإصابة بالكوليرا في سوريا ولبنان، تحسباً لتفشّيه في الأردن”، بحسب تصريح مستشار رئاسة الوزراء لشؤون الصحة الدكتور عادل البلبيسي لـ”سوريا على طول”، 

وعزا البلبيسي قرار إتلاف المواد الغذائية القادمة من سوريا عبر معبر جابر الحدودي، إلى أن غالبيتها تمثل “الوسيط” لانتشار وباء الكوليرا، وينطبق القرار على “كافة المواد الغذائية التي تؤكل نيئة، مثل الألبان والأجبان والمخللات، فيما يستثنى المعلبات المغلقة بإحكام”، أما عن زيت الزيتون “يمنع إدخاله إلى الأردن من قبل هذا القرار”، كما أوضح.

وفي إطار التدابير الحكومية الأردنية، أصدرت وزارة الزراعة، في 16 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قراراً يقضي بمنع دخول “الإرساليات الواردة من سوريا ولبنان” إلى الأسواق، إلا بعد أخذ عينات وفحصها “عبر المؤسسة العامة للغذاء والدواء، للتأكد من خلوها من جرثومة الكوليرا”.

خسائر نفسية ومالية

عند مصادرة مؤونتها من “الجبنة، اللبنة، السمنة، المكدوس، وزيت الزيتون”، وإتلافها أمام ناظريها، شعرت أم أحمد بأنها فقدت عزيزاً، مستذكرة “جهد والدتي في إعداد وتحضير المؤونة المنتجة من خيرات بلادي التي غادرتها مع زوجي وأطفالي عام 2011″، كما قالت.

قبل إتلاف مواد أم أحمد بأيام، أتلفت الجمارك الأردنية، في 24 تشرين الأول/ أكتوبر، المواد الغذائية التي حملها أبو ماهر، 63 عاماً، بسيارته الخاصة من مدينة حمص، عند مغادرته البلاد إلى العاصمة السعودية الرياض، حيث يعمل هناك، ليُفاجأ بالإجراءات الاحترازية المتبعة من الجانب الأردني. 

حاول أبو ماهر إرجاع ما بحوزته من مواد إلى حمص مع أحد سيارات الأجرة القادمة من الأردن إلى سوريا، لكن “موظفي الجمارك أصروا على مصادرتها وإتلافها، تنفيذاً للتعليمات”، كما قال لـ”سوريا على طول”، مبيناً أنه كان يحمل “20 لتراً من زيت الزيتون، وبضعة صناديق من الحلويات السورية، وأصنافاً من المخللات والمكدوس والزيتون، تبلغ قيمتها الإجمالية مليون ليرة [192 دولاراً]”.

مصادرة مؤن السوريين المغادرين لبلادهم عبر الأردن “قرار جائر ومكلف”، بحسب أم أحمد، التي خسرت مواداً غذائية بقيمة مليون ونصف مليون الليرة (288 دولاراً أميركياً بحسب سعر الصرف في السوق الموازية البالغ 5210 ليرة للدولار)، يزيد من هول المبلغ عندما تفكر بأبناء بلدها، حيث يعيش نحو 90% من السوريين تحت خط الفقر، ويبلغ متوسط الدخل الشهري 92 ألف ليرة (17.5 دولاراً).

شعر أبو ماهر “بغصة وقهر”، بعد أن حرم “من نكهة الطعام البلدي الذي يخفف من غربتنا، ويعيد ذاكرتنا لطاولة الطعام التي تجمعني بوالديّ المتوفين”، ناهيك عن أن “المغتربين السوريين يعتمدون بشكل أساسي على المؤن المصنعة في بلادهم”، على حد قوله.

صورة نشرها أحد المسافرين في مجموعة خاصة عبر الفيسبوك لعامل يقف أمام مجموعة من المواد الغذائية المصادرة في مركز حدود جابر، 19/ 09/ 2022

من جهته، مُنع أحمد سلوم من اصطحاب مؤونته معه إلى السعودية، لكنه تمكن من إعادتها إلى حمص، عندما رفضت الجمارك الأردنية عبورها، في أيلول/ سبتمبر الماضي، معتبراً أن “تكلفة إعادتها بسيارة أجرة لا تساوي شيئاً من الناحيتين المالية النفسية، مقابل استفادة عائلتي من المواد الغذائية بدلاً من إتلافها”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

ويبدو سلوم محظوظاً مقارنة بغيره من المسافرين، إذ وثقت “سوريا على طول” شهادات عدد من السوريين الذين أتلفت موادهم الغذائية، مقارنة بقلة استطاعوا إعادتها إلى مصدرها للاستفادة منها.

المشكلة بتعميم القرار؟

قبل انطلاق حافلته من سوريا، يحذر السائق مصطفى حروب، الذي يعمل مع إحدى شركات نقل الركاب بين سوريا والسعودية، من حمل مواد غذائية، ويخبرهم بقرار الأردن “إتلافها”، لكنهم لا ينصاعون له “متوقعين إمكانية إقناع موظفي الحدود الأردنية بمرورها”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

وأضاف حروب، حتى لو استطاع بعض المسافرين “إخفاء بعض المؤن وتمريرها من حدود جابر، سيعرضون أنفسهم لغرامة مالية مقدارها 500 ريال سعودي [133 دولاراً]”، وهي مخالفة الراكب الذي “يصل الحدود السعودية حاملاً مع أمتعته مواداً غذائية”. حاولت “سوريا على طول” الحصول على توضيح من الجهات السلطات السعودية، لكنها لم تتمكن من ذلك حتى لحظة نشر هذا التقرير.

ورداً على شكوى المسافرين الذين تحدثوا إلى “سوريا على طول” من عدم علمهم بقرار الأردن وأسبابه، قال مدير عام دائرة الجمارك الأردنية، اللواء جلال القضاة، أنه القرار عُمم على كافة الجهات المعنية، منذ إصداره، بما في ذلك شركات السياحة والسفر.

وأشار القضاة في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن استمرار نقل المسافرين السوريين للمواد الغذائية، رغم الإعلان عن قرار المنع، يعود إلى محاولات “البحارة” -وهو اسم يُطلق على مهرّبي البضائع الغذائية عبر الحدود السورية- الأردنية- إدخال مواد لأغراض تجارية متذرّعين بـ”الاستخدام الشخصي”.

ويعزز مخاوف الأردن، عدم شفافية الجانب السوري فيما يخص الوباء، إذ في الوقت الذي أعلنت وزارة الصحة التابعة لحكومة دمشق عن إصابة 1398 شخصاً بالكوليرا، بينهم 49 حالة وفاة، أمس الثلاثاء، سجلت منظمة الصحة العالمية حتى الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 81 حالة وفاة في سوريا بسبب الكوليرا، وأكثر من 24 ألف حالة مشتبه بها.

بانتظار إنهاء إجراءات تفتيش بقية ركاب الحافلة، التي كانت تقلّ أم أحمد، جلست السيدة في مقعدها تراقب أكوام المؤن المتلفة وجالونات الزيت الفارغة، التي تزيد شيئاً فشيئاً، مشبهة هذه الأكوام بـ”همومنا التي تكبر”.

شارك هذا المقال