5 دقائق قراءة

اللاجئون السوريون في لبنان يكافحون بمواجهة شبح انعدام الأمن الغذائي

يبدو التأثير الاقتصادي لوباء "كوفيد-19" بمثابة كارثة جديدة تحل على لبنان، حيث يُتوقع، وفق تقديرات البنك الدولي، ارتفاع نسبة الفقر بحلول العام 2020 إلى 45%، فيما ستصل نسبة الفقر المدقع 22%.


30 يونيو 2020

بيروت- على امتداد السنوات الست الماضية، تقدم انتصار قلّاع، القادمة من الغوطة الشرقية بريف دمشق، العون للاجئين السوريين في لبنان لمساعدتهم على التأقلم مع وضعهم في هذا البلد. لكن في آذار/مارس الماضي، مع بدء قرار الإغلاق العام لاحتواء وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، أحست انتصار بتغلغل اليأس بين اللاجئين بمستويات غير معهودة؛ إذ صار “الوضع سيئاً جداً، فالناس لا تملك حتى رغيف الخبز”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

ومع عجز المساعدات المقدمة من المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية المحلية عن تلبية احتياجات اللاجئين، تواصلت انتصار مع أصدقاء لها في أوروبا قاموا بتحويل مبلغ مالي يكفي لتوزيع المعكرونة والسكر والطحينة على مئة عائلة في وادي البقاع، شرق لبنان، خلال شهر رمضان. مشيرة إلى أن “الناس يحتاجون المزيد، لكن ليس في وسعنا عمل أكثر [مما نفعل]”.

وبشكل عام، يبدو التأثير الاقتصادي لوباء “كوفيد-19” بمثابة كارثة جديدة تحل على لبنان، حيث يُتوقع، وفق تقديرات البنك الدولي، ارتفاع نسبة الفقر بحلول العام 2020 إلى 45%، فيما ستصل نسبة الفقر المدقع 22%.  وفي الأثناء، يلوح شبح انعدام الأمن الغذائي الذي سيطال اللاجئين السوريين خصوصاً في هذا البلد.

تفاقم انعدام الأمن الغذائي

في العام 2019، كان ما نسبته 55% من اللاجئين السوريين في لبنان، والمُقدر عددهم بـ1.5 مليون نسمة، يعيشون بدخل يقل عما يُعرف بـ”سلة الحد الأدنى للإنفاق” (للبقاء على قيد الحياة)، أي أقل من 2.9 دولار للفرد يومياً. لكن تدهور الاقتصاد اللبناني في العام 2020، جعل حتى هذه الأرقام غير ذات صلة حالياً. وبحسب ما ذكر المدير القُطري لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، عبدالله الوردات، لـ”سوريا على طول”، فإن نحو 80% من اللاجئين السوريين، أو 1.2 مليون إنسان، يعيشون بأقل من 2.9 دولار في اليوم.

ويُغطي برنامج الأغذية العالمي بمساعداته 750,000 لاجئ سوري شهرياً، من خلال البطاقة الإلكترونية للأغذية بشكل رئيس (بقيمة 27 دولار للفرد) أو بطاقة السحب الإلكترونية متعددة الأغراض (175 دولار لكل أسرة). لكن أكثر من 350,000 سوري من الذين يعيشون دون سلة الحد الأدنى للإنفاق لا يُغطيهم البرنامج، كما ذكر الوردات. وهو ما دفع كثيرين منهم إلى اعتماد استراتيجيات تأقلم، من خلال اللجوء إلى تخفيض الإنفاق على الصحة، أو الاقتراض، أو التوقف عن إرسال الأطفال إلى المدرسة. وهؤلاء “إن كانوا اعتادوا تناول اللحوم مرتين في الشهر، فإنهم لن يتناولوها ولو مرة، [بل] وأصبحوا يقلصون الوجبات”، كما حذر مسؤول برنامج الأغذية العالمي.

ونتيجة أيضاً لإغلاق المدارس ضمن الإجراءات التي اتخذت لاحتواء “كوفيد-19″، علَق برنامج الأغذية العالمي برنامج الوجبات المدرسية الخفيفة التي كانت تُقدَم لـ34,000 طالب سوري ولبناني من الفئات الأقل حظاً. لكن يفترض أن يتم، بحسب الوردات، استئناف تسليم طرود غذائية عينية لعائلات الطلبة في حزيران/يونيو الحالي.

وكانت أسعار المواد الغذائية الثماني التي تشكل سلة الحد الأدنى للإنفاق قد ارتفعت بنسبة 56% بين أيلول/سبتمبر 2019 ونيسان/أبريل 2020، وفق الوردات. وفي مسعى لمجاراة المستويات المرتفعة للتضخم، عدَل برنامج الأغذية العالمي قيمة المواد الغذائية في مساعداتها، بحيث ارتفعت من 40,000 ليرة إلى 50,000 ليرة في نيسان/أبريل، وستصل إلى 60,000 ليرة في حزيران/يونيو (أي ما يعادل 40 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي، و15 دولاراً بسعر السوق الموازية).

كذلك، أدت التداعيات الاقتصادية لوباء “كوفيد-19″، بحسب دراسة حديثة لمنظمة العمل الدولية، إلى تسريح 60% من اللاجئين السوريين من وظائفهم، في حين انخفضت أجور أولئك الذين ما يزالون يعملون  من ما معدله 365,000 ليرة (نحو 92 دولاراً بسعر السوق الموازية) إلى 77,000 ليرة (نحو 20 دولاراً). كما تبين “انخفاض دخل المشاركين في الدراسة، لبنانيين وسوريين، في آذار/مارس 2020 بأكثر من الثلثين مقارنة بمعدل دخلهم الشهري خلال الأشهر الاثنتي عشرة الماضية”.

وفي لبنان عموماً، تتآكل الطبقة الوسطى. ويعاني أولئك الذين يستلمون رواتبهم بالليرة من انخفاض القوة الشرائية للعملة إذ وصلت إلى 4,800 ليرة للدولار في السوق الموازية، في حين يبلغ سعر الصرف الرسمي 1,505 ليرات للدولار.  

ونظراً إلى ندرة الدولار في البلد، أصبح الاستيراد عملية صعبة. وبما أن 80% من السلة الغذائية هي سلع مستوردة، فإن شح الأغذية في الأسواق لم يعد بالسيناريو المستبعد. و”بعد بضعة أشهر، ستكون للأمر تداعيات اجتماعية خطيرة، مع إمكانية حدوث مجاعة طالما أن احتياطي النقد الأجنبي ما يزال في تراجع. إذ ستعاني الأسواق من نقص السلع، فيما ستواصل الأسعار الارتفاع،”، كما قال  هايكو فيمين، مدير مشروع لبنان وسوريا في منظمة “مجموعة الأزمات الدولية”.

وبعد أن تخطى مجموع الدين العام نسبة 170% من الناتج المحلي الإجمالي، تخلف لبنان، في آذار/مارس الماضي، عن تسديد ديون تبلغ قيمتها  1.2 مليار دولار. وتجري الحكومة حاليا محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة إنقاذ اقتصادية. وفي حال تحقق سيناريو التضخم المفرط في لبنان، سيدخل البلد في مزيد من الاضطراب، إذ لن تكون هناك إمكانية لدفع الرواتب، كما لفت فيمين. كما إن نفاد الدولار من خزائن البنك المركزي، والضروري لدعم واردات الوقود، سيؤدي إلى “تضاعف سعر البنزين ثلاث مرات، وبما قد يشكل نقطة تحول أخرى”.

السوريون يتلقون الصفعة 

في ظل التحديات السابقة، يعاني السوريون مزيداً من العرضة للخطر. فسابقاً، كانت هناك الحواجز على الطرقات خلال الانتفاضة اللبنانية، فيما حالياً هناك القيود المفروضة على التنقل بسبب وباء كوفيد-19، وبما يُثقل كاهلهم، لاسيما وأن معظم السوريين في لبنان من عمال المياومة.

“في المخيم [شاتيلا للاجئين الفلسطينيين، ببيروت والذي صار يضم أيضاً لاجئين سوريين]، وحيث الغالبية هناك هم عمال مياومة، فإنه لم يكن بمقدورهم التزام بيوتهم مع تفشي “كوفيد-19″، وفق ما أوضح عمر الصايغ، منسق مركز شاتيلا في منظمة بسمة وزيتونة غير الحكومية. ويبلغ معدل الدخل اليومي للأسرة السورية في هذا المخيم نحو 10,000 ليرة لبنانية (قرابة 6 دولارات بسعر الصرف الرسمي، و2.5 دولار في السوق الموازية”. وأشار الصايغ لسوريا على طول أن “العشاء الآن صار خبزاً فحسب”. مضيفاً أن “بسمة وزيتونة” وزعت قسائم غذائية بقيمة 126,000 ليرة، بالإضافة إلى قسيمة خاصة بالمواد الصحية للوقاية من فيروس كورونا لـ1200 عائلة في المخيم.

المعضلة الأخرى هي التنقل. إذ أن نسبة 77% من اللاجئين السوريين في لبنان لا يقيمون في البلد بشكل قانوني، ما يُترجم إلى حالة من الخوف المستمر من اعتقالهم على نقاط التفتيش. يضاف إلى ذلك أن 330 بلدية كانت فرضت حظر تجول على اللاجئين السوريين بدءاً من كانون الثاني (يناير)، وبعد تفشي “كوفيد-19″، تبنت 21 بلدية أخرى حظر تجول يطبق على السوريين وحدهم، بحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس وتش. وكانت حملة الملاحقة التي نفذتها السلطات اللبنانية، السنة الماضية، بحق السوريين العاملين من دون تصريح، قد دفعت بكثير من العمال السوريين إلى هاوية الفقر المدقع والعوز.

مع ذلك، ورغم الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في لبنان، فإن العودة إلى سوريا لا يبدو خياراً للاجئين السوريين. إذ إن “أولئك الذين أتيحت لهم فرص العودة، عادوا” وفق ما قال فيمين. موضحاً أن الخوف من الاعتقال والتجنيد الإجباري ما يزالان عائقين أساسيين يحولان دون العودة إلى سوريا. كما إن الكثيرين لا يملكون منزلاً يعودون إليه، و”العودة لسوريا لتكون نازحاً ليس خياراً”، بحسب فيمين. 

ومنذ بدء العام الحالي، وثقت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عودة 5,076 شخصاً، فيما عاد 16,709 و24,117 شخصاً إلى سوريا في العامين 2018 و2019، على التوالي، بحسب المسؤولة الإعلامية في المفوضية، ليزا أبو خالد. علماً أن هذه الأرقام تشمل فقط حالات العودة التي وثقتها المفوضية مباشرة، فيما يعتقد أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك.

بالنتيجة، لا يبقى من خيار أمام ما يزيد عن مليون لاجئ سوري في لبنان سوى مواصلة محاولاتهم النجاة من شبح الجوع الذي يستحضرونه مع كل موعد وجبة طعام، لاسيما للأطفال منهم. 

تم نشر أصل هذا التقرير، بنسخته المعدلة، باللغة الإنجليزية، وقامت بترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال