6 دقائق قراءة

اللاذقية المنكوبة: اختفاء مساعدات وغياب خطة “سكن بديل” للمتضررين من الزلزال

وصلت 194 طائرة محملة بالمواد الغذائية والطبية وفرق الإنقاذ إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، في إطار الاستجابة للزلزال، ومع ذلك لا تتناسب الاستجابة مع حجم المساعدات.


21 فبراير 2023

دمشق- في فجر السادس من شباط/ فبراير الحالي، خرج أبو فراس من منزله في قرية اسطامو بريف اللاذقية، لشراء الخبز من مخبز القرية، لكن ما إن وصل إلى المكان حتى شعّر بهزّة أرضية، فعاد مسرعاً إلى منزله ليجد البناء مدمراً بالكامل فوق رؤوس قاطنيه.

كان أبو فراس، سائق سيارة عمومي، يسكن مع زوجته وأربعة أبناء، في الطابق الثالث من بناء مكون من خمسة طوابق، لكن الزلزال الذي ضرب خمس محافظات سورية، وجنوب تركيا، حوّل البناء إلى أثرٍ بعد عين، وخسر ثلاثة من أبنائه، فيما نجت زوجته وابنته الصغيرة، كما قال لـ”سوريا على طول”.

أودى زلزال السادس من شباط/ فبراير بحياة 45 ألف شخص تقريباً وإصابة عشرات الآلاف، في كلا البلدين، منهم 3891 قتيلاً و14814 مصاباً في سوريا، بينهم 1414 قتيلاً و2357 مصاباً في مناطق سيطرة الحكومة السورية، بحسب أرقام وزارة الصحة السورية.

إنفوغرافيك الضحايا البشرية والأبنية المدمرة كليًا أو جزئيًا في اللاذقية، سوريا بعد زلزال 6 شباط/ فبراير 2023 (سوريا على طول، صورة الخلفية: كريم صاحب / أ ف ب)

فوضى وقرى بلا مساعدات

وصلت قوافل مساعدات من عدة دول إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق، بعد حدوث الزلزال المدمر، كما نشطت جمعيات ومبادرات فردية، مرخصة سابقاً، في تقديم الدعم والمساندة للمنكوبين. وفي هذا الإطار، وصلت 194 طائرة مساعدات إلى مطارات حلب واللاذقية ودمشق، محملة بالمواد الغذائية والطبية وفرق الإنقاذ، منها 85 طائرة من الإمارات، بحسب أثر برس، وسيلة إعلامية محلية.

وبعد أسبوع من الزلزال، قررت الحكومة السورية تقديم التسهيلات الممكنة لتنظيم المساعدات المقدمة استجابة لآثار الزلزال من الداخل السوري، عبر مديري المناطق في المحافظات، لاستلام المساعدات ومتابعة توزيعها على مستحقيها، بالتنسيق مع اللجان الفرعية للإغاثة، التي تتبع للجنة الإغاثة الرئيسية في دمشق، برئاسة وزير الإدارة المحلية. 

لكن “الفوضى” كانت تحكم الاستجابة الطارئة، على حدّ تعبير المحامي والناشط المدني كمال سليمان، المقيم في اللاذقية، مقابل “استجابة ضعيفة من الحكومة السورية، تفتقد لخطة عمل واضحة”، كما وصفها سليمان في حديثه لـ”سوريا على طول”.

ورغم أن عمل المجتمع المدني، سار على نحو جيد، بعد يومين من وقوع الزلزال، إلا أن “الواقع على الأرض كان كارثياً”، بحسب سليمان، مشيراً إلى أن هناك قرى في ريف اللاذقية، المحافظة الأكثر تضرراً بالزلزال في مناطق حكومة دمشق، “لم تصلها مساعدات بالشكل المطلوب”.

في المقابل، أعطيت المناطق، التي شهدت دماراً كلياً في بعض أبنيتها، “أولوية في الإغاثة”، من قبيل: المشروع العاشر، الرمل الجنوبي، وجبلة، وهي مناطق “أكثر إلحاحاً كونها مكتظة بالسكان، وليست كالقرى البعيدة، التي كانت نسبة الأضرار فيها أقل”، وفق سليمان، مشيراً إلى أن سبب عدم وصول المساعدات إلى تلك القرى كونها “بعيدة، ولا تتوفر آليات أو وقود لتحريك الآليات الموجودة إلى تلك المناطق”، وفق سليمان.

تضرر في محافظة اللاذقية، أكثر من 142 ألف مواطن بفعل الزلزال، الذي أدى إلى تدمير 103 أبنية كلياً، و247 بناء جزئياً آيل للسقوط، وسجلت المحافظة 805 حالات وفاة، و1131 مصاباً، وفقاً لتصريحات محافظ اللاذقية عامر هلال، في 13 شباط/ فبراير الحالي.

وبلغ عدد المباني، التي تم الكشف عليها من قبل لجان السلامة الإنشائية في فرع الشركة العامة للدراسات الهندسية في اللاذقية، 11732 مبنى في عموم المحافظة، كما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، عن سراج جديد مدير الشركة. 

في قرية اسطامو، أخلي نحو 70 بناءً متضرراً، بعد انهيار 12 بناء في مواقع مختلفة منها، وتضررت ثلاثة آلاف عائلة، منها عائلة أبو فراس، الذي لجأ إلى أحد أقاربه في قرية مجاورة، بسبب اكتظاظ مركز الإيواء الوحيد في قريته بالنازحين من منازلهم. 

وتشرف “الأمانة السورية للتنمية” ووزارة التموين السورية بالتنسيق مع لجان الإغاثة الفرعية على 226 مركز إيواء بمناطق سيطرة حكومة دمشق، أنشئت في المحافظات المناطق المنكوبة لاستقبال نحو 298 ألف شخص.

سرقة وفساد!

بعد حدوث الزلزال، أخلت ملك، 45 عاماً، منزلها في حي الرمل الجنوبي بمحافظة اللاذقية، بعد إغلاقه بالشمع الأحمر، لأنه “غير صالح للسكن”، لتذهب إلى مركز إيواء المدينة الرياضية بمدينة اللاذقية، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

تعاني ملك من “عشوائية توزيع المساعدات على المتضررين”، كما أنها غير متأقلمة مع “الحياة في مركز الإيواء وضيق المساحة التي تشغلها مع أولادها الست داخل المركز”، إضافة إلى عدم قدرتها على الاستحمام وخوفها من انتشار الأمراض وإصابة أطفالها.

وفي هذا السياق، قال المحامي كمال سليمان، أن “مراكز الإيواء في اللاذقية، تعاني من نقص الخدمات الطبية والعلاجية، بسبب القطاع الصحي عموماً”، موضحاً أن دعم الجانب الصحي يتم عبر “عدد من الجمعيات المحلية والهلال الأحمر”، إضافة إلى “المتبرعين، الذين وفروا بعض الخدمات الصحية للمتضررين بدلاً من الدولة”.

ورغم حجم المساعدات الواصلة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، إلا أن أبو فراس، الذي تدمّر منزله كلياً، لم يحصل على أي منها، كونه خارج مركز الإيواء، وتأخرت الآليات في الوصول إلى قريته.

تعليقاً على ذلك، قال سامر، ناشط مدني يعمل مع فريق إغاثي تابع لجمعية خيرية في اللاذقية، أن “توزيع المساعدات في مراكز الإيواء، خلال اليوم الأول والثاني من الزلزال، كان عشوائياً”، مستشهداً على ذلك بـ”حصول عائلات نازحة على وجبة واحدة في اليوم، بينما تحصل عائلات أخرى على أكثر من ثلاث”.

وكشف سامر، الذي طلب التعريف عنه باسم الأول فقط، عن حدوث “سرقة مساعدات”، مشيراً إلى “اختفاء بعض المساعدات بعد وصولها إلى مراكز الإغاثة التي تعمل تحت إشراف الأمانة السورية للتنمية والهلال الأحمر العربي السوري وجمعية العرين. 

للحد من التجاوزات، طلبت محافظة اللاذقية من النازحين إلى مراكز الإيواء المعتمدة، تقديم وثيقة تثبت إقامتهم في الأبنية المدمرة أو التي تم إخلاؤها، قبل حدوث كارثة الزلزال.

وكذلك، اجتمع مجلس محافظة اللاذقية، لـ”تقرير آلية معينة لمحاسبة بعض الانتهازيين”، بحسب المحامي سليمان، مشيراً إلى “وجود أشخاص لم تطلهم الكارثة ولم تتأثر منازلهم بالزلزال، لكن نتيجة الفقر والحاجة تم تدوين أسماء أشخاص ليسوا من المناطق المتضررة”.

وكشف المحامي سليمان عن “عزل مختار في إحدى قرى جبلة، لأنه أعطى شخصاً وثيقة تثبت أنه من سكان منطقة متضررة، وهو ليس كذلك”.

لا أفق لسكن بديل

بعد أكثر من أسبوعين على الزلزال، وفي ظل عدم الحديث عن خطة سكن بديل للمتضررين من الزلزال، تتخوف السيدة الأربعينية ملك وأولادها الستة من خسارة منزلها  من دون بديل، وأن تبقى في مركز الإيواء لفترة غير محددة.

وعليه، شدد المحامي سليمان على ضرورة “تأمين سكن بديل لأصحاب المنازل المدمرة أو المتضررة جزئياً، التي أخليت نتيجة تصدعها”، خاصة في ظل “عدم وجود خطة استجابة سريعة للترميم”.

واعتبر سليمان أن بقاء الناس في مراكز إيواء وتقديم الخدمات لهم “إشكالية تفاقم الأزمة”، مطالباً  أن تكون “آلية تأمين سكن بديل وترميم المساكن المتضررة عبر منحة من الدولة”، لافتاً إلى أن “الحكومة قادرة على إعادة الاستقرار وتأمين سكن بديل وليست عاجزة، بعد قدوم مساعدات كبيرة”، لكن ذلك “يتطلب جدية وإدارة الأزمة بشكل صحيح”، كما قال. 

من جهته، اعتبر الباحث الاقتصادي يونس الكريم أن عملية إعادة الإعمار، تسبقها عمليات إزالة الأنقاض، وهي بالغة الصعوبة لناحية تكلفة إزالتها والتخلص منها، كما أنها “قد تشمل إزالة الأبنية المتصدعة بفعل الحرب، إلى جانب المهدمة والمتضررة بفعل الزلزال، ما يعني إعادة إعمار المحافظات الأربعة الأساسية المتضررة، وجزء من دمشق وحلب وإدلب وجزء من الرقة”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”. 

ورأى الكريم أن الصندوق الوطني لإعادة تأهيل المناطق المنكوبة، الذي أُعلن عنه في اليوم الرابع للزلزال، سيكون “نواة لإطلاق إعادة إعمار سوريا بالكامل وفق رؤية النظام واستراتيجياته دون تدخل دولي يحمي حقوق المواطنين، وكذلك أداة استملاك منازل المعارضين بحجة الصالح العام على أن تضررت من الزلزال”.

رسمياً، دعا وزير الأشغال العامة والإسكان، سهيل عبد اللطيف، الشركات الإنشائية إلى التجهيز الفوري لـ 300 وحدة سكنية مسبقة الصنع متوفرة لديهم لتكون جاهزة للتسليم، خلال اجتماع، في 15 شباط/ فبراير، عقده مع مديري الشركات والمؤسسات الإنشائية. 

ومن جانبه، أطلق مصرف الوطنية للتمويل الأصغر “قرض ساند” المخصص لترميم وإعادة تأهيل المساكن المتضررة من الزلزال في محافظات حلب واللاذقية وحماة، بقيمة تمويل تصل حتى 18 مليون ليرة سورية (2450 دولار أميركي بحسب سعر الصرف في السوق السوداء، البالغ 7350 ليرة للدولار)  من دون فوائد، وعلى فترة سداد تمتد لست سنوات.

ومع ذلك، لا يتوقع أبو فراس الحصول على سكن بديل في وقت قريب، ويستبعد إعادة إعماره بقرض “مهما كان بلا فائدة”، لأنه كما غيره من السوريين يعيشون حياتهم “يوماً بيوم”، بمعنى لا قدرة مالية لديه من سداد الأقساط، لذلك يبحث حالياً عن منزل يستأجره في إحدى ضواحي المدينة.

شارك هذا المقال