4 دقائق قراءة

اللجنة الدستورية السورية: اتفاق على الفشل وخلاف على المآل

كسابقاتها، انتهت إلى لاشيء الجولة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية السورية التي عقدت في جنيف بين 25 و29 كانون الثاني/يناير الماضي، بما في ذلك عدم تحديد موعد لاجتماع جديد


8 فبراير 2021

عمّان – كسابقاتها، انتهت إلى لاشيء الجولة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية السورية التي عقدت في جنيف بين 25 و29 كانون الثاني/يناير الماضي، بما في ذلك عدم تحديد موعد لاجتماع جديد.

رداً على ذلك، أعلن العميد عوض العلي استقالته من عضوية اللجنة المصغرة للجنة الدستورية عن وفد المعارضة، معللاً ذلك بـ”عبثية” العملية التفاوضية كما وصفها في بيان مصور، وأن المشاركة في أعمال اللجنة “تعطي انطباعاً أن هناك عملية سياسية وأن النظام متفاعل معها بينما الحقيقة غير ذلك”. وفيما تعد هذه الاستقالة هي الأولى لأحد أعضاء اللجنة الدستورية منذ بدء أولى جولاتها أواخر العام 2019، فإن ثمة جدل أوسع حول جدوى المفاوضات الدستورية.

في هذا السياق، رأى المحامي أحمد الصواف، المقيم في تركيا، أن “الدخول في أي مسار سياسي مع نظام مجرم هو كالضحك على اللحى”. موضحاً لـ”سوريا على طول” أن نظام الأسد “لو كان متقبلاً للحل السياسي لقدّم استقالته منذ الأيام الأولى للثورة، ولما لطخ يديه بدماء شعبه”، وهو اليوم “يلعب لعبة المتاهة مع مفاوضيه من خلال إغراقهم بالتفاصيل وتمييع الحل السياسي”، ما يوجب “إنهاء هذه المهزلة”.

وفيما أكد الصحافي عمران الرحال المهجر من حمص إلى إدلب تأييده لمقاطعة المفاوضات، لأن “المعضلة السورية يستحيل حلها بشكل سياسي مع النظام”، فقد عبر في الوقت ذاته عن عدم الثقة “بالائتلاف المعارض ولا بشخصياته التفاوضية التي قبلت أن تفاوض النظام على تعديل الدستور وليس على نقل السلطة ومحاكمة رأس النظام”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

في المقابل، اعتبرت أمل الشامي (اسم مستعار)، الموظفة الحكومية المقيمة في دمشق، أن “سكان العاصمة في غالبيتهم لا يعطون أي أهمية لما يحصل في أروقة غرف التفاوض في جنيف”، وأنه “بدل أن يتفاوض الطرفان على تعديل الدستور ونقل السلطة، كان الأجدر بهما التوصل إلى حل ينهي معاناة الأهالي اليومية في تأمين المواد الأساسية”.

مسؤولية الفشل

في تصريح صحفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، أوضح هادي البحرة، الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن هيئة التفاوض السورية المعارضة، بأن فشل جولة المفاوضات الأخيرة كان سببه وفد النظام الذي رفض “اقتراحا مقدماً من ممثلي هيئة التفاوض بخصوص منهجية لإدارة النقاشات في اللجنة كي تكون مثمرة، ورفضوا اقتراحنا لوضع إطار زمني للعملية”. كما رفضوا “التقدم باقتراح لصياغات لمبادئ دستورية أساسية، مصرين على حصر طروحاتهم في إطار الإعداد والنقاش لمبادئ خارج سياق الصياغات الدستورية”. 

 لكن أصل فشل جولات اللجنة الدستورية هو في تمكن النظام وحليفته إيران من تعطيل تنفيذ القرار الأممي 2254، بحسب فراس الخالدي، رئيس منصة القاهرة في وفد المعارضة السورية، والتي تأسست العام 2017 في مصر وانضمت إلى الهيئة العليا للمفاوضات في العام نفسه.

إذ كان يجب تشكيل هيئة حكم انتقالي ثم صياغة الدستور، لكن النظام وإيران “قدّما الدستور على هيئة الحكم الانتقالي وجمّدا بقية بنود القرار، ثم أكملا لعبتهما بإغراق الجميع بالتفاصيل، لكسب وقت يخلق ظروف أمنية وعسكرية رجّحت كفة النظام على حساب المعارضة عسكرياّ على الأرض السورية”، كما أضاف الخالدي لـ”سوريا على طول”، الأمر الذي “سمح لأطراف أخرى مقربة من النظام أن تلعب بما يناسب مصالحها، فتم خلق مسار أستانة الذي نجح في خطف الأضواء من مسار جنيف رويداً رويداً”. 

في المقابل، اعتبر مهند دليقان، ممثل منصة موسكو في هيئة التفاوض واللجنة الدستورية المصغرة، أن فشل المفاوضات في جولاتها السابقة هو “نتيجة طبيعية بسبب سيطرة المتشددين عليها ورافضي الحل السياسي من الأطراف كافة”.

مستقبل اللجنة 

خمس جولات تفاوض كان حصادها على امتداد أكثر من عام عدم إحراز أي تقدم من أي نوع، طرح سؤالاً حول ما إذا كان استمرار عمل اللجنة الدستورية مجدياً، وعلى ماذا يعوّل أعضاؤها في الجولات التفاوضية القادمة.

برأي د. يحيى العريضي، الناطق باسم هيئة التفاوض العليا عن وفد المعارضة، فإنه “لا جدوى من استمرار عمل اللجنة على هذا النهج”. مضيفاً لـ”سوريا على طول” أن فشل الجولات التفاوضية جعل “إنهاء أعمال اللجنة أمراً وارداً”.

في المقابل، ذهب دليقان إلى ضرورة الحفاظ على عمل اللجنة، لكونها “تعتبر مفتاح العملية السياسية لتنفيذ القرار 2254 والبدء الفوري بالعمل على تطبيق المرحلة الانتقالية للسلطة”. معتبراً أن فشل المفاوضات لا يعني “أن نوقف عمل اللجنة ونخسر كل أشكال التفاوض القائمة، وأن نعود إلى ما قبل العام 2014”. متسائلاً عما إذا كان “من يفكر بهذا الطرح يملك حلاً بديلاً، أم أنه لا يزال يحلم بتدخل عسكري خارجي أو حظر جوي؟”.

وبرأي دليقان، فإن الطريق الوحيدة التي يمكّن اللجنة من العمل بشكل يومي للوصول إلى نتائج حقيقية في المفاوضات، هو “بانتقالها إلى دمشق مع تأمين ضمانات الحماية الأممية لأعضائها، وأن تكون متلفزة وعلنية، ليرى ويسمع السوريون ما يقوله من يدّعون تمثيلهم من مختلف الأطراف”. داعياً جميع الأطراف الانضمام  لهذا المطلب “إن كانت لديهم الجرأة لخوض المفاوضات أمام السوريين كخوضها في القاعات المغلقة”.

في السياق ذاته، رأى الخالدي أنه “لا يزال هناك بصيص أمل لاستمرار المفاوضات ونجاحها”، معوّلا على “اتخاذ روسيا دوراً بالضغط على النظام السوري وحليفه الإيراني، لأنهما بإفشال المفاوضات يضيّعان الوقت على الروس الذين ينتظرون إعادة إعمار سوريا وإنهاء الأعمال القتالية للجيش الروسي، وإلا فإن العملية السياسية ستفشل برمتها وليس الدستور فقط”. 

لكن كيريل سيمينوف، الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي (RIAC)، استبعد أن تكون موسكو قادرة على “دفع النظام السوري إلى التغيير، وهي تنتهك حقوق الإنسان على أراضيها، بحيث أصبحت أشبه بسوريا الأسد”. مرجحاً في المقابل سعي موسكو إلى إيجاد “طرق أخرى تظهر من خلالها للعالم أن نظام الأسد مستعد للتغيير، على الرغم من وضوح أنه لن ينفذ شيئاً في النهاية”، كما أضاف لـ”سوريا على طول”؛ إذ 

“ستحاول روسيا في الأيام القادمة اتخاذ أي إجراء قد يشير إلى حدوث تغييرات إيجابية في سوريا”، من قبيل تقديم “مرشح من المعارضين الحقيقيين لنظام الأسد، على أن يكون مستعداً للتعاون مع النظام في هذه المرحلة”. 

لكن “يجب أن لا ننسى أن الأسد نفسه يعارض مثل تلك المبادرات، فهو لا يريد لأحد مهما كان متعاوناً أن ينافسه في الميدان السياسي في سوريا”، برأي سيمينوف.

شارك هذا المقال