4 دقائق قراءة

الليرة السورية تعاود الانهيار نحو انعدام القيمة

مع كسر سعر الصرف لحواجز نفسية، فإنه مع الوقت سيصبح [سعر الصرف البالغ] ـ4,000 ليرة أمام الدولار سعراً عادياً، ويمهد لأسعار أعلى


2 مارس 2021

عمّان – يستمر سعر صرف الليرة السورية في التأرجح، ليسجل اليوم، 2 آذار/ مارس، رقماً غير مسبوق في تاريخ البلاد، إذ بلغ 4,000 ليرة للدولار الواحد في السوق الموازية في مقابل 1,256 ليرة وفق سعر الصرف الرسمي (بما في ذلك السعر التفضيلي) .

وتأتي هذه الانهيارات في وقت تتكامل فيه مجموعة من العوامل التي تساعد في دفع العملة السورية إلى مزيد من الانحدار، من قبيل إصدار دمشق فئة نقدية جديدة بقيمة 5,000 ليرة، وأزمة رامي مخلوف الذي كان يسيطر على مفاصل الاقتصاد السوري، وقرارات مصرف سورية المركزي المتخبطة، وإغلاق الحكومة عدداً من شركات الصرافة، وأزمة القمح التي نتج عنها أزمة على صعيد توفر الخبز، وقانون قيصر، وتسلط حلفاء نظام الأسد على مقدرات البلاد مع عدم تدخلهم، في الوقت ذاته، لوقف الانهيار الاقتصادي.

 

ومنذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، ارتفع سعر الدولار من 47 ليرة إلى الأرقام المتأرجحة الحالية مقتربة من 4,000 ليرة.

وتسبب هذا التدهور في انتشار المضاربة بالعملات الأجنبية، وزيادة اقتنائها، وتفاقم معاناة معيشة المواطنين نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأساسية والخدمات بالتوازي مع انهيار القدرة الشرائية للعملة الوطنية.

في حزيران/يونيو 2019، أرجع حاكم مصرف سورية المركزي (البنك المركزي)، حازم قرفول، ارتفاع سعر صرف الدولار إلى “حملة ممنهجة لإضعاف الليرة والاقتصاد وزعزعة الثقة بالمصرف المركزي، ودفع المواطنين إلى الخوف والتخلي عن عملتهم الوطنية”. معتبراً أن الارتفاع في سعر الصرف “وهمي وليس له أي مبررات اقتصادية وليس له أي مستند على الأرض إطلاقاً”. 

لكن هذه التبريرات ووجهت بانتقادات واسعة حتى من أعضاء مجلس الشعب التابع للنظام، إذ اعتبرها عضو المجلس بسيم الناعمة “غير متناسبة، بل بعيدة كل البعد عن الواقع”.

الانهيارات المفاجئة

تعد الانهيارات المفاجئة والشديدة في آن السمة الأبرز لانهيار الليرة المستمر منذ اندلاع الثورة السورية، وبالنظر إلى الانهيار السريع الأخير، فإنه يأتي بعد سلسلة من الانهيارات الطفيفة المستمرة منذ آب/ أغسطس الماضي، والتي سبقها انهيارات مماثلة لما يحدث الآن عند منتصف العام الماضي.

مع ذلك، فإن الانهيار الحالي ربما أسهم طرح فئة 5,000 ليرة في الأسواق دوراً رئيساً فيه، إضافة إلى مجموعة العوامل السابقة.

وكان البنك المركزي السوري طرح أوراق نقدية جديد من فئة الـ 5,000 ليرة، أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، في محاولة من لمجاراة التضخم المالي الحاصل جراء استمرار انهيار العملة الوطنية.

ويرى الباحث الاقتصادي السوري مناف قومان أن “أهم سبب للانخفاض الحاد لليرة الآن هو عدم حصول أي شيء يؤدي إلى تحسنها”، إضافة إلى “طرح النظام فئة 5,000 ليرة”. إذ، كما أضاف قومان لـ”سوريا على طول”، لم تكن الأسواق “تنتظر طرح ورقة نقدية جديدة، بل تنتظر تحسناً في مستويات الإنتاج، وتوفراً للسلع والخدمات في الأسواق، وانخفاضاً للأسعار، وتحسناً للقدرة الشرائية”.

وهو ما أكد عليه أيضاً  الباحث الاقتصادي السوري، د. كرم شعار، بأن “زيادة كمية المعروض من النقد تسببت في حالة التضخم، سواء نتيجة إصدار فئة 5,000 ليرة أو ضخ غيرها من الفئات”.

إذ مع طرح النظام للفئة الأخيرة، تخوف السوريون من “زيادة التضخم” في حال قام النظام بزيادة الكتلة النقدية، عبر ضخم الفئة الجديدة من دون سحب الكمية المكافئة لها من الفئات الأخرى أو الأوراق التالفة، خلافاً لتأكيد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة دمشق، محمد سامر خليل، بأن “طرح الفئة النقدية الجديدة لن يؤدي إلى التضخم”، كونه “لا زيادة في الكتلة النقدية والأمر هو استبدال أوراقٍ نقدية بأخرى”.

مع كسر سعر الصرف لحواجز نفسية، فإنه مع الوقت سيصبح سعر الصرف البالغ 4,000 ليرة أمام الدولار سعراً عادياً، ويمهد لأسعار أعلى

مستقبل الانهيار

“سعر الصرف” بشكل عام يرتبط بـ”عوامل نفسية”، كما لفت د. شعار، ما يجعل من الصعب التنبؤ بالتغيرات التي تطرأ عليه، لاسيما على المستوى القريب، وهو ما ينطبق برأيه أيضاً على الحالة السورية عموماً. مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أنه “على المدى القريب فإن التنبؤ شبه مستحيل، نتيجة إمكانية تدخل الحكومة، وبالتالي قد ينخفض سعر الصرف بمقدار 200 أو 300 ليرة مثلاً”. مستدركاً: “لكن لا نعلم [بشأن] مقدرة الحكومة على التدخل، وهل هي قادرة على ذلك، أو حتى رغبة الحكومة في التدخل”.

في المقابل، رأى د. شعار أنه على المدى البعيد “يمكن أن نتنبأ بأن قيمة الليرة ستستمر في الانخفاض، لكون الحكومة، ببساطة، تستمر في طباعة النقد بشكل متسارع، وبالتالي يحدث التضخم في البلد”. مضيفاً: “اليوم أرقام دائرة الإحصاء تقول إن الأسعار [ارتفعت] بما قدره 20 ضعفاً عن 2010”. ونتيجة لحالة التضخم وضعف قيمة النقد، فإنه “من المؤكد أن نتوقع المزيد من التدهور في سعر الصرف الليرة”. 

وذهب قومان، في السياق ذاته، إلى أنه “مع كسر سعر الصرف لحواجز نفسية، فإنه مع الوقت سيصبح [سعر الصرف البالغ] ـ4,000 ليرة أمام الدولار سعراً عادياً، ويمهد لأسعار أعلى”. بحيث “نصل لحالة يقول فيها الموظف أن لا داعي لذهابه للعمل ولا داعي لصرف ثماني ساعات في العمل يومياً لجني 40 ألف ليرة في الشهر بالكاد تكفي شراء احتياجات أول خمسة أيام من الشهر مثلاً”، إذ “في تلك اللحظة سيرى العمال والموظفون أنه لم يعد هناك قيمة في العمل والأشياء التي يقومون بها، وقد يؤدي هذا إلى توقف قسم كبير من الأعمال الحكومية والنشاطات وكذلك فقدان متزايد في الثقة بالليرة، وبالتالي انهيارها أكثر”. 

“في تلك اللحظة سيعرف السوريون طعماً أكثر مرارة لما يفعله هذا النظام بهم، وحياة أكثر قساوة جلبها لهم النظام”، اختتم قومان.

شارك هذا المقال