10 دقائق قراءة

المساعدات عبر الحدود إلى سوريا: الاحتياجات الإنسانية في مواجهة القرار السياسي

تسربت أخبار قبل بضعة أيام عن اجتماع إقليمي بين الوكالات الأممية، تم فيه إبلاغ الوكالات بأن مكتب الشؤون القانونية للأمم المتحدة يرى في حال عدم تجديد مجلس الأمن للقرار تعليق كافة العمليات فوراً،  بما فيها العقود والتمويلات، حتى تلك التي لا تنتهي في 10 تموز/ يوليو 2022. 


22 يونيو 2022

في العاشر من تموز المقبل، سيجري مجلس الأمن تصويتاً على تجديد قرار مرور المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا، وقد يؤدي عدم تجديده إلى كارثة حقيقية، بحسب الصورة التي ترسمها الجهات المؤيدة لتجديد القرار، سواء كانت وكالات الأمم المتحدة أو منظمات إنسانية غير حكومية، أو حتى بعثات دبلوماسية معنية بالشأن السوري، فهل حقاً لا يوجد حلول بديلة في حال عدم التصويت لصالح تجديد القرار، أم أن أحداً لا يريد حلولاً بديلة؟

عدم التجديد أمر واقع

هناك عدة نقاط حاضرة عند الحديث عن تجديد قرار مجلس الأمن رقم 2585 لعام 2021، أولها وأهمها أن عدم التجديد أمر واقع منذ حوالي عامين، حيث يعاني ما يزيد عن مليوني سوري في شمال شرق سوريا من توقف وكالات الأمم المتحدة عن إدخال المساعدات عبر معبر اليعربية، فور صدور القرار 2533 في تموز/ يوليو 2020، الذي ألغي بموجبه العمل عبر معبر اليعربية مع كردستان العراق، وحُصر الوصول بمعبر واحد، وهو معبر باب الهوى الذي يخدم سكان شمال غرب سوريا، ومن حينها تستخدم المنظمات الإنسانية في شرق سوريا معبر سيمالكا مع كردستان لتمرير المساعدات، ولا تدخل عبر هذا المعبر أي مساعدات أممية.

ما سبق يقودنا إلى نقطة ثانية، وهي أن أي تطمينات من الدول المانحة، على رأسها الدول أعضاء مجلس الأمن، بأن القرار سيتجدد في تموز/ يوليو، قد لا تكون حقيقية، ولا يمكن البناء على هذه التطمينات بأن القرار سيتم تجديده.

“الشريان المنقذ للحياة” كما وصفته مراراً ممثلة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، السفيرة غرينفيلد، مقطوع أساساً عن شمال شرق سوريا، تلك المنطقة التي يفترض أنها أولوية لدى الحكومة الأميركية، وفيما تضمنت التصريحات الدبلوماسية المؤيدة لتجديد قرار “عبر الحدود” العام الماضي ضرورة إعادة تفعيل معبر اليعربية، فإن التصريحات هذا العام تكتفي بالتشديد على ضرورة زيارة المعابر الإنسانية من دون تحديد المنطقة. هاتان النقطتان توضحان أن الكارثة محتملة ويجب أن نستعد لها.

لا بد من الإشارة إلى أن الشكل الأفضل للاستجابة الإنسانية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام هي الاستجابة عبر الحدود وبوجود وكالات الأمم المتحدة، وذلك لأن الاستجابة لهذه المناطق لا يمكن أن تمر عبر دمشق، كون النظام السوري له تاريخ طويل بعرقلة المساعدات الإنسانية، كما أن انسحاب وكالات الأمم المتحدة سيحدث فجوة لا يمكن معاوضتها تقنياً، ناهيك عن أن وجود الوكالات الأممية يضفي راحة كبيرة للمانحين لتخصيص تمويلات كبيرة، ويعطي حماية للمنظمات المحلية في الدول المضيفة، خاصة مع ازدياد الضغط التركي على عمل المنظمات الإنسانية.

هذا الشكل من الاستجابة يجري حالياً عبر قرار مجلس الأمن، فما هي احتمالات الحفاظ على الآلية نفسها من دون قرار مجلس الأمن، ومن دون الجهود المضنية سنوياً للضغط على روسيا لتجديده؟ 

وكم التكلفة التي تًدفع في التفاوض مع الروس؟ وهل تفوق تكلفة إيجاد حلول بديلة بعد سبع سنوات من تجديد القرار؟ 

مساعدات أم سياسة عبر الحدود: 

تعيد غرينفيلد وعدد من الدبلوماسيين الغربيين، هذا العام، نداءات العام الماضي ذاتها لتجديد القرار، بمشاهد مماثلة و لقاءات مماثلة مع نفس الفاعلين، حيث زارت غرينفيلد المناطق الحدودية وأجرت مجموعة من اللقاءات في تركيا. 

ومن الجانب التركي هناك اهتمام كبير بتجديد قرار “عبر الحدود”، الذي تزداد أهميته في حال تمكنت تركيا من تنفيذ خطتها الرامية إلى إعادة مليون لاجئ، التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أيار/ مايو 2022، ما يعني مزيداً من تدهور الأوضاع الإنسانية في منطقة يعيش فيها نحو 1.7 مليون في مخيمات النزوح، وتنفيذ الخطة التركية من شأنه أن يفاقم مشكلة توفير المأوى والخدمات، خاصة في ظل التراجع الكبير في التمويل للاستجابة الإنسانية، بما في ذلك قطاعي الصحة والتعليم، اللذين يعانيان من نقص حاد في التمويل، قد يؤدي إلى إغلاق عشرات المشافي ومئات المدارس. 

تركيا دوناً عن غيرها تحتاج كل الأقنية للحفاظ على استمرار وصول المساعدات إلى شمال غرب سوريا، وإن كان لها تحفظات سابقة أسهمت في وقف استمرار نفس الأقنية شمال شرق البلاد الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلا أنها الدولة ذات الحدود الأطول مع سوريا، ويقطن في الطرف المقابل من تلك الحدود ستة ملايين نسمة.

ويبدو واضحاً أن المعابر التي ما تزال تعمل هي تلك التي ترغب تركيا باستمرارها، فيما أغلقت المعابر التي تتحفظ على استمرارها.

في العام الماضي، كما كل عام، استخدم ملف “عبر الحدود” سياسياً إلى أبعد حد، لدرجة أن الرئيس الأميركي جو بايدن طرح الملف في اجتماعه مع بوتين، وبحسب السفير الأسبق روبرت فورد فإن بايدن لم يستعد كفاية لمناقشة الملف السوري في هذا اللقاء، في حين جاء بوتين مع كافة مستشاريه عن الملف السوري، وهذا يدل على جدّية الروس في التعامل مع الملف، مقابل استخدام الملف إعلامياً من الجانب الأميركي.

تختلف الديناميكيات، هذا العام، في ظل الحرب الروسية-الأوكرانية، ومهما صرح المسؤولون الأميركيون بأنهم يحاولون فصل تعاملهم مع الأزمتين فإن الفاعلين الرئيسيين هم الروس أنفسهم، ولا تغيب الحكومة التركية عن المشهد في الأزمتين نهائياً. 

عبر مجلس الأمن أم عبر الحدود ؟

توقف القرار هو عملياً توقف لصلاحية وكالات الأمم المتحدة بالتنفيذ عبر الحدود، وليس توقف ضخ المساعدات، فالمساعدات دخلت عبر الحدود قبل قرار مجلس الأمن عام 2014.

فعلياً لا يوجد مصلحة لأي من أعضاء مجلس الأمن بعدم تجديد القرار، بما فيهم الروس، لكن القرار ورقة تفاوض يستخدمها الروس كل عام للحصول على مكاسب، وإلغاؤه يعني أنهم استغنوا عن الدجاجة التي تبيض بيضة ذهبية كل عام. ما تزال روسيا تضغط باتجاه إزالة العقوبات عن سوريا، وهناك ما يتم تداوله في الأروقة حول احتمال تمرير القرار مقابل بعض المرونة في العقوبات.

أما باقي أعضاء مجلس الأمن لن يعطوا سابقة لدخول مساعدات أممية عبر الحدود في نزاع غير دولي دون موافقة مجلس الأمن، فهذا يعني أن وكالات الأمم المتحدة تستطيع أن تستخدم هذه السابقة في دول أخرى لربما يكون هناك أعضاء آخرين غير راغبين بدخول المساعدات إليها. 

بدأت العمليات الإنسانية عبر الحدود منذ الأيام الأولى لسيطرة قوات المعارضة على المعابر الحدودية مع دول الجوار عام 2012، بتيسير من دول الجوار نفسها، وتم ذلك بدعم من المغتربين السوريين، الجمعيات الأهلية في دول الاغتراب، والمنظمات العربية والدولية بمختلف أشكالها، ولم ينتظر أحد من تلك الجهات وكالات الأمم المتحدة.

مع تفاقم الاحتياج بدأت تتشكل مجموعات عمل ومنتديات وتحالفات لهذه المنظمات في دول الجوار لتنسيق عملها، ومن ثم بدأت المنصات الإنسانية الأممية بالتشكل. على سبيل المثال نسق الاستجابة عبر الحدود في عامي 2013 و2014 منتدى المنظمات غير الحكومية في شمال غرب سوريا وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة قد باشر عمله فعلياً في غازي عنتاب جنوب تركيا قبل صدور أي من هذه القرارات. 

بعد ذلك، أصبح ملحّاً تدخل الأمم المتحدة عملياتياً، خاصة مع العراقيل الكبيرة التي وضعها النظام السوري أمام وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، وبالفعل صدر قرار مجلس الأمن رقم 2139 في شباط، فبراير 2014، الذي سمح بتنفيذ العمليات الإنسانية عبر الحدود ودعا كافة الأطراف لتسهيل هذه العمليات.

لم يحتو هذا القرار على أي إطار زمني أو جغرافي للتنفيذ، وبالتالي فإن الدخول عبر الحدود أصبح تبعاً لهذا القرار مسموحاً من كافة المعابر الحدودية، ودون فترة صلاحية تستدعي التجديد، وبالفعل دخلت أول قافلة أممية إلى الأراضي السورية عبر الحدود من معبر الرمثا على الحدود الأردنية في نيسان/ أبريل 2014، أي قبل قرار 2165، الذي صدر في تموز/ يوليو 2014، ويقضي السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر أربع نقاط حدودية، اثنتان منها عبر تركيا، وهما باب السلام وباب الهوى، وواحدة عبر معبر الرمثا الحدودي الأردني، وواحدة عبر معبر اليعربية العراقي.

خلال خمسة أشهر عملت روسيا على وضع قيود على القرار 2139، وأعادت التنفيذ ليكون عبر قبة مجلس الأمن، وفي إطار جغرافي محدد بأربع معابر حدودية حصراً، وإطار زمني يجدد كل ستة أشهر أو سنة، وضمن آلية رقابة تحت قيادة الأمين العام للأمم المتحدة، وذلك ضمن القرار 2165، وما زالت كل النسخ التالية له تعتمده  في التجديد وليس للقرار 2139. 

فعلياً، كان قرار 2165 بمثابة إعادة السيطرة على العملية الإنسانية لقبة مجلس الأمن بعد أن أطلقها قرار 2139. بالتأكيد هذا ليس من مصلحة أي من الجهات العاملة في الحقل الإنساني بما فيها وكالات الأمم المتحدة، لكن بالتأكيد أيضاً هو من مصلحة كافة الدول أعضاء مجلس الأمن التي تريد لنفسها الحفاظ على مرجعية القرار وعلى استخدامه سياسياً.

استمرت النسخ التالية لقرار 2165 بسحب صلاحيات العمليات عبر الحدود لصالح إعادة سيطرة دمشق على العملية الإنسانية، وتغيير صياغة القرار، وتضييق الدخول جغرافياً، إلى أن صدر القرار 2533 في تموز/ يوليو 2020، الذي حصر الدخول عبر الحدود بمعبر باب الهوى، وبذلك لم يعد هناك أي دخول للمساعدات الإنسانية الأممية إلى شمال شرق سوريا ولا محافظة درعا جنوب البلاد.

في تموز/ يوليو 2021 كانت النسخة الجديدة من القرار رقم 2585 لا تحمل تراجعاً للعمليات عبر الحدود فحسب، وإنما حملت تغييراً في اللهجة وفي شروط القرار، إذ ربط القرار تقدم المساعدات عبر الحدود بتقدمها من دمشق عبر خطوط التماس إلى مناطق المعارضة.

شجعت النسخة الأخيرة من القرار على تقديم مساعدات التعافي المبكر وخصّتها عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي اقتصرت عملياتها في سوريا على العمل من دمشق دون أي عمليات عبر الحدود.

منذ تموز/ يوليو 2021، دخلت خمس قوافل، على الأقل، من دمشق إلى مناطق المعارضة في شمال غرب سوريا، وهذا لم يحدث مطلقاً في السنوات السابقة، وكان صندوق الغذاء العالمي المساهم الرئيس في هذه القوافل قد نفذها دون تخطيط مسبق مع أي منظمة لتنفيذ المساعدات في إدلب، وبالتالي دخلت القوافل لإثبات القدرة على التنفيذ من دمشق فقط.

وفيما قوبل دخول المساعدات من دمشق بالرفض من المنظمات السورية العاملة في شمال غرب سوريا، التي تتعاون ضمن شراكات برامجية مع وكالات الأمم المتحدة منذ أعوام، فإن السلطات المحلية التي تتبع لهيئة تحرير الشام لم تمانع دخول المساعدات من دمشق.

وبحسب ما يدور في أروقة الغرف الإنسانية، فإن وكالات الأمم المتحدة ستلجأ إلى التعاقد مع شركات من القطاع الخاص لتنفيذ هذه المساعدات عبر خطوط التماس من دمشق، في حال رفضت المنظمات الإنسانية مع مكاتب دمشق، وهذا من شأنه أن يضعف الشفافية حول الخطط المستقبلية لوكالات الأمم المتحدة بشأن التنفيذ عبر الحدود، وأحياناً تضارب المعلومات بين وكالة وأخرى.

مفاجآت أممية: 

تسربت أخبار قبل بضعة أيام عن اجتماع إقليمي بين الوكالات الأممية، تم فيه إبلاغ الوكالات بأن مكتب الشؤون القانونية للأمم المتحدة يرى في حال عدم تجديد مجلس الأمن للقرار تعليق كافة العمليات فوراً،  بما فيها العقود والتمويلات، حتى تلك التي لا تنتهي في 10 تموز/ يوليو 2022. 

هذا الرأي بالنسبة للوكالات هو درب السلامة، الذي سيوجه لهم أقل ضغط ممكن من الأطراف الدولية وعلى رأسها الحكومة السورية، وسيحافظ على علاقات الوكالات مع دمشق، الذي هو أولوية لهم أكثر من الوصول للفئات المحتاجة، و لكن هذا يعني انقطاعاً مفاجئاً للمساعدات من دون وجود بدائل أو خطط طوارئ للاستعاضة عن هذه المساعدات. 

في تحليل قانوني أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وجامعة أكسفورد منذ بضعة أعوام، رصد بُعداً مهماً من أبعاد العمليات الإنسانية عبر الحدود، وهو البعد القانوني، وذهب التحليل إلى إمكانية العمل عبر الحدود من دون موافقة مجلس الأمن في النزاعات غير الدولية، كما في حالة سوريا، حيث أن تمرير المساعدات الدولية عبر الحدود دون موافقة الدولة المعنية أو صاحبة الأرض يعتبر انتهاكاً للسيادة الوطنية، بينما هناك اعتبارات أخرى  في النزاعات الدولية. 

تصف الورقة بوضوح أن في حالات مماثلة رفضت محكمة العدل الدولية سابقاً شكوى مقدمة حول استجابة عبر الحدود في نيكاراغوا من دون موافقة مجلس الأمن، ولكن بالطبع سيكون سهلاً لدول مثل تركيا، الولايات المتحدة، أو حتى اسرائيل أن تمرر مساعدات عبر الحدود إلى سوريا، فالدول الثلاث تنفذ عمليات عسكرية على أراضي أو في أجواء الدولة السورية، ولن يوقفها البعد القانوني عن تنفيذ عمليات إنسانية إن رغبت في ذلك، بينما لا تستطيع وكالات الأمم المتحدة إلا الامتثال لما يفرضه القانون الدولي الإنساني. 

وتقترح الورقة ثلاثة أشكال ممكنة من العمل عبر الحدود، يمكن من خلالها تجاوز عقدة  موافقة الدولة المعنية وعقدة موافقة مجلس الأمن:

1- مساعدات وتمويل بشكل غير مباشر، ومن دون انخراط الكوادر الدولية في التنفيذ، ومن دون تواجد فيزيائي لهم على أراضي الدولة التي تحدث فيها الاستجابة.

2- الدور التنسيقي ودعم طلبات التمويل.

3- جمع المعلومات عن الاحتياجات بهدف المناصرة.

على مدار أعوام، دأبت وكالات الأمم المتحدة، عند كل تجديد، على طمأنة شركائها بأن خطتها في الضغط لتجديد القرار هي عدم وجود خطة بديلة، وبالتالي لا يملك مجلس الأمن خياراً سوى التجديد، معتبرة أن التجديد سيتم على الأغلب، وأنهم مستمرون في دعم الشركاء السوريين عبر الحدود حتى لو لم يتجدد القرار، وفي أسوأ الاحتمالات يمكن العمل عبر مرحلة انتقالية تنتقل فيها العمليات عبر الحدود من يد الأمم المتحدة ليد المنظمات الشريكة الدولية و السورية. 

الدرس المستفاد من إغلاق معبر اليعربية في شمال شرق سوريا هو أن كل هذه التطمينات غير حقيقية، فمنذ تموز/ يوليو 2020 لا يوجد مساعدات أممية لتلك المنطقة، حيث انسحبت الوكالات الأممية مباشرة بعد استثناء معبر اليعربية من القرار، ولم تحدث فترة انتقالية، وما زال المانحون حتى الآن يطورون الأقنية البديلة للاستجابة هناك، مع فشل واضح في التنفيذ عبر الخطوط، واستجابة كوفيد 19، عبر مكاتب الأمم المتحدة في القامشلي، مثال واضح على هذا الفشل، ناهيك عن عشرات الأمثلة في المناطق المحاصرة لأعوام.

إذا أخذنا بعين الاعتبار البيروقراطية العالية التي تحكم تمويل العملية الإنسانية، سيحتاج المانحون الدوليون، وعلى رأسهم دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، عدة سنوات لتطوير أقنية بديلة عن وكالات الأمم المتحدة لإيصال المساعدات، ويمكن رؤية هذه الفجوة بوضوح في شمال شرق.

كما أن العودة لنموذج العمل قبل عام 2014 حين كانت الاستجابة تعتمد على المنظمات الأهلية والتبرعات من الجالية السورية في المهجر غير قابل للتطبيق، ناهيك عن عدم جدواه حالياً، فالحكومة التركية كانت تبدي مرونة كبيرة مع كل من يرغب في العمل عبر الحدود آنذاك، لكن هذه المرونة اختفت تماماً، كما أن حجم الاحتياج تضاعف عدة مرات منذ عام 2014 حتى اليوم. 

منذ عام 2014 حتى اليوم دخل ما يزيد عن 50 ألف شاحنة من المساعدات الأممية، وتزايد عدد السكان من بضعة مئات من الآلاف إلى 4.1 مليون يقطنون مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب سوريا، التي تحصل على المساعدات عبر معبر باب الهوى الحدودي، من بين هؤلاء 3.4 مليون نسمة يحتاجون أحد أنواع المساعدات على الأقل، ومن إجمالي العدد 1.7 مليون نسمة يقطنون في المخيمات.

منذ عام 2015، قدم المانحون من خلال صندوق الاستجابة الطارئة عبر الحدود، الذي ينفذه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ما يزيد عن 726 مليون دولار أميركي. هذا الرقم هو الصندوق الطارئ فقط، بينما نفذت الوكالات الأممية أضعاف هذا الرقم من التمويل، وحالياً لا يوجد آلية بديلة لمرور التمويل في حال انسحبت الوكالات، كما لا يوجد رأي ضاغط لبقاء الوكالات الأممية حتى لو لم يتجدد القرار.

إذن، في حال تغيرت المعادلات السياسية حول تجديد القرار و لم يجد الروس مكاسب كافية من التجديد، قد تصبح الكارثة التي تصفها غرينفيلد أمر واقع في شمال غرب، ومن دون إيجاد آليات بديلة، فإن كل الفاعلين يقامرون بمصير الكتلة السكانية الكبيرة المعتمدة على المساعدات في شمال سوريا. 

على مدار أعوام من العمل عبر الحدود لم توضع خطط بديلة للعمليات ولأقنية التمويل واللوجستيات، ولا لآليات عمل تستعيض عن وجود الأمم المتحدة، التي ستغادر وكالاتها شمال غرب سوريا، كما فعلت في شمال شرق سوريا في حال لم يتجدد القرار.

لم يعمل الفاعلون في الاستجابة الإنسانية على المناصرة لرأي قانوني يضغط مقابل رأي المكتب القانوني للأمم المتحدة، في حين كان المثال أمامهم واضحاً في شمال شرق سوريا منذ عامين حين توقف معبر اليعربية، وغادرت كل الوكالات الأممية فجأة دون أي خطط بديلة. 

لم يستطع هؤلاء الفاعلون خلال عامين أخذ دروس مستفادة عبر خطوط التماس ومناطق السيطرة بين شمال شرق سوريا وشمالها الغربي لإيجاد آليات بديلة عن المساعدات التي تمر عبر الحدود ولا تمر عبر مجلس الأمن عاماً بعد عام. 

شارك هذا المقال