6 دقائق قراءة

المصالح فوق الإيديولوجيا: هل تفسد أنقرة مساعي الجولاني في مشروعه التوسعي بحلب؟

واقع التطورات العسكرية الحالية، يشير إلى تمسك هيئة تحرير الشام في الاحتفاظ بمناطق توسعها الجديدة ومواصلة دعمها العسكري في ريف حلب، خاصة بعد إجراء شخصيات من حكومة الإنقاذ التابعة له جولات ميدانية في عفرين


14 أكتوبر 2022

باريس- بعد دخولها على خط المواجهة ضد الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري، سيطرت هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها من الجيش الوطني على مدينة عفرين ومناطق أخرى في ريف حلب الشمالي، وتحاول فرض نفسها كسلطة أمر واقع في المنطقة.

إذ نشرت “إدارة المناطق المحررة” في حكومة الإنقاذ، التابعة لهيئة تحرير الشام، صوراً من جولة مشتركة مع مديرية الشؤون الإنسانية شملت عدة قرى ومخيمات بريف عفرين، التي سيطرت عليها الهيئة مؤخراً، وتظهر الصور لقاءات الشخصيات التابعة لـ”الإنقاذ”، مع المدنيين وتوزيع مادة الخبز على الأهالي.

في مساء 11 تشرين الأول/ أكتوبر، اقتحمت هيئة تحرير الشام، التي يتركز نفوذها على إدلب وريفها وأجزاء من ريفي حماة الشمالي وحلب الغربي، مناطق سيطرة الجيش الوطني، إلى جانب فرقة الحمزة (الحمزات)، التي تعرضت لهجوم من الفيلق الثالث على خلفية تورط قيادات وعناصر فيها بتدبير وتنفيذ عملية اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف أبو غنوم وزوجته وجنينهما بمدينة الباب.

وجاء تدخل الهيئة بعد أن طرد الفيلق الثالث فرقة الحمزة من مدينة الباب ومن الكلية العسكرية (مدرسة الزراعة سابقاً)، الواقعة على أطراف المدينة، التي تتخذها “الحمزات” مقراً رئيساً لهم، إضافة إلى طردها من مقراتها بريف عفرين.

تشكيل اصطفافات جديدة

في صبيحة 12 تشرين الأول/ أكتوبر، تشكلت ملامح الاصطفافات بشكل علني، إذ انضمت فرقة السلطان سليمان شاه بقيادة “أبو عمشة”، إلى جانب هيئة تحرير الشام وفرقة الحمزة، كما انضمت الفرقة 32، التي تعرف باسم “أحرار الشام القطاع الشرقي” إلى هذا الحلف، إضافة إلى انضمام هيئة ثائرون للتحرير، بشكل غير معلن، وهي ثاني أكبر تجمع عسكري في الجيش الوطني بعد الفيلق الثالث.

من جانبه، عمل فيلق الشام، التابع للجيش الوطني، على فتح المجال لدخول أرتال “تحرير الشام” من دون مقاومة، وهي المرة الثانية التي يسهّل الفيلق، الذي ينتشر في المناطق المحاذية لسيطرة “تحرير الشام” في إدلب، مرور الأخيرة إلى ريف حلب الشمالي، إذ سبق أن سهل دخولها، في تموز/ يوليو الماضي، بعد اندلاع اشتباكات بين الفيلق الثالث وأحرار الشام القطاع الشرقي، وتدخلت الهيئة لصالح الأحرار، لكنها انسحبت بعد ساعات.

في المقابل، وجد الفيلق الثالث، الذي تشكل الجبهة الشامية القوة الأكبر فيه، وحيداً في مواجهة حلفاء “الحمزات”، بعد أن استنزفت هيئة تحرير الشام قوة جيش الشرقية، الذي شارك إلى جانب الفيلق في بداية العملية العسكرية، وسيطرتها على مناطق انتشاره في ريف عفرين، وكذلك التزام حركة التحرير والبناء موقف الحياد، وتسليم مناطقها ومعبر الحمام مع تركيا لـ”تحرير الشام”، مقابل خروج عناصرها بأمان، بعد أن كانت في البداية إلى جانب الفيلق الثالث.

ومع سيطرة “تحرير الشام” والفصائل المشاركة معها على مدينة عفرين وناحية جنديرس وما حولهما، انسحب الفيلق الثالث باتجاه مدينة اعزاز، المعقل الرئيس للجبهة الشامية، وتركز وجود جيش الإسلام، المنضوي في الفيلق، بمدينة الباب.

حتى الآن، لم تسيطر هيئة تحرير الشام إلا على “بعض الأماكن التابعة لنا”، كما قال سراج الدين العمر، مدير المكتب الإعلامي في الفيلق الثالث لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن المساحات التي تقدمت إليها الهيئة “ليست تحت سيطرة الفيلق وإنما تابعة أساساً للحمزات والعمشات [نسبة إلى أبو عمشة] وثائرون”.

وبتراجع الفيلق الثالث إلى المناطق التي يسيطر عليها في اعزاز والباب وكفرجنة وقطمة تصبح “المقاومة أكثر فاعلية، على اعتبار أن هذه المناطق هي مناطق نفوذنا”، وفقاً للعمر.

من جانبه، قال مصدر إداري في الجيش الوطني أن “فتح الجبهات ضد الفيلق الثالث من عفرين إلى الباب وجرابلس، يزيد من صعوبة المواجهة المباشرة، لذلك قرر التحصن في مراكز نفوذه إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق ما”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

أمام هذه المعطيات “لا يمكن للفيلق الثالث المواجهة أو الصمود طويلاً أمام تحرير الشام”، كما قال باحث في العلوم السياسية، من مكان إقامته في تركيا، طالباً عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، مشيراً إلى أن “فصائل الجيش الوطني عموماً لا تملك تجربة القتال ضد تحرير الشام، ومن خاض هذه التجربة هم مجموعات من جيش الإسلام وجيش الشرقية ومجموعات ريف حلب الغربي وجبل الزاوية”، تلك المجموعات “صغيرة وغير موحدة ضمن كيان واحد يمكنهم من الصمود”، بحسب قوله.

لذلك، يبدو حتى الآن أن “الواقع العسكري لصالح تحرير الشام، فهي تتحرك باستراتيجية لا تملكها الفصائل، كما أن الأخيرة لا تملك العقيدة الكافية ولا التسليح لمواجهة الهيئة”، بحسب الباحث.

ماذا يريد الجولاني؟

كشف تسارع العمليات العسكرية بين الأطراف في شمال غرب سوريا أن “الجميع كان يستعدّ للمواجهة، وما حادثة مقتل أبو غنوم وكشف الجناة إلا شرارة أدت إلى اندلاع المواجهات، التي يُحضّر لها منذ أشهر”، كما قال وائل علوان، الباحث في مركز جسور للدراسات، ومقره تركيا.

ومع أن المواجهات اندلعت بين فرقة الحمزة والفيلق الثالث، إلا أن الصراع الحقيقي هو بين الأخير وهيئة تحرير الشام، وهو “صراع وجود وليس صراع امتداد ونفوذ”، من وجهة نظر علوان، لذلك يسعى أبو محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، من دعم فرقة الحمزة إلى “تحويلها مع فصيل أبو عمشة إلى تجمع قويّ يكون موازياً من حيث القوة للفيلق الثالث”.

من شأن هذا التجمع، الذي يهدف الجولاني إلى بنائه في ريف حلب الشمالي، أن يحقق له “مكاسب اقتصادية كبيرة، عبر خلق معادلة جديدة، بحيث يكون له شركاء في قطاعات واسعة وبشكل قوي”. في المقابل يعود هذا التجمع على مكوناته بالنفع، إذ من دون دعم الجولاني “لا يمكن مقارنة قوة الحمزات والعمشات مجتمعين بقوة الفيلق الثالث، لذلك يحاول الجولاني تعزيز قوة شركائه”، بحسب علوان.

وجاءت تحركات الجولاني الأخيرة بعد أن “نجح في ضبط فضاء نفوذه في إدلب، عبر ضبط تحركات خصومه والفصائل الموجودة هناك، وضبط المشهد المدني من خلال حكومة الإنقاذ التابعة له”، كما أوضح الباحث في العلوم السياسية، وهو ما دفعه إلى “الطموح لإعادة رسم خريطة القوى شمال حلب عبر مجموعة من الأدوات، منها الحمزات”، وفقاً للباحث في العلوم السياسية.

على مدار الأشهر الماضية، استخدمت هيئة تحرير الشام مجموعة من الأدوات الدبلوماسية والعسكرية لتمهيد دخولها إلى شمال حلب، إذ “أرسلت قادة عسكريين ومسؤولين اقتصاديين لعقد لقاءات مع قيادات في الجيش الوطني، وسمحت لبعض فصائل الأخير إنشاء نقاط عسكرية على خطوط النار مع النظام في مناطق نفوذها بريف حلب الغربي على أن تبقى تحت أنظارها، وزرعت عملاء لها في مناطق الجيش الوطني”، بحسب الباحث.

ويأتي تحالف الهيئة مع “الحمزات” و”العمشات”، رغم الاختلاف الإيديولوجي، باعتباره “الوسيلة والأداة لتحقيق أهداف تحرير الشام”، التي لطالما “اتهمت الفصيلين الحلفين اليوم بالكفر والعمالة!”، كما قال الباحث.

ومع أن “تحرير الشام” قطعت شوطاً في طريق تحقيق أهدافها بريف حلب، إلا أنه لا يمكن رسم شكل التواجد الذي ترمي إليه الهيئة في ريف حلب حتى الآن، بحسب الباحث، لأن ذلك يتوقف على مجموعة من العوامل، أهمها: “موقف الحاضنة الشعبية، لاسيما أن ريف حلب الشمالي يضم عدداً كبيراً من المعارضين والمطلوبين لتحرير الشام”، والأهم من ذلك “الموقف التركي من هذا التوسع”، الذي ما يزال غير واضحاً.

هل تكسر أنقرة صمتها؟

لم تبدِ أنقرة أي موقف حيال ما يحدث من اقتتال بين الفصائل المنضوية تحت الجيش الوطني السوري (المعارض) المدعوم منها، والمتمركز في مناطق نفوذها، ولم تتخذ أي إجراءات عسكرية لمنع دخول هيئة تحرير الشام، التي دخلت إلى عفرين.

لكن، وائل علوان، توقع أن تتدخل أنقرة، كما في مرات سابقة، “لوقف الصراع وإجبار تحرير الشام على الانسحاب من مناطق الجيش الوطني، بعد إجراء تسوية بين الفصائل المتنازعة من الجيش الوطني”.

واتفق الباحث المقيم في تركيا مع هذا الطرح، معتبراً أن “الدور التركي سيكون حاسماً في الصراع الحالي”، لكن تأخر أنقرة في التدخل فيه مصلحة لها “خاصة أن رجلهم الأول أبو عمشة، هو من يقاتل إلى جانب الجولاني”.

وأضاف: “تسعى تركيا إلى تقليم أظافر الجبهة الشامية ووضع حدود لها، لكن لأنها لا تريد التدخل بشكل مباشر وعلني ضد الفصائل الكبرى، مثل الشامية وتحرير الشام، فهي ترغب أن تصطدم هاتان القوتان مع بعضهما، من أجل تأديب الشامية من جهة، ووقوع الهيئة في خطأ فادح”، بحسب الباحث، معتبراً أن “دخول الهيئة إلى ريف حلب قد يكون بمثابة طعم لها لإعادة ضبطها”.

“يدرك الأتراك أن الجولاني ليس بديلاً مفيداً لهم، لأن وجوده قد يعطل أي شكل من أشكال التفاهم مع النظام السوري، وسيكون حجة بيد النظام والروس ضد تركيا”، بحسب الباحث.

واقع التطورات العسكرية الحالية، يشير إلى تمسك هيئة تحرير الشام الاحتفاظ بمناطق توسعها الجديدة ومواصلة دعمها العسكري في ريف حلب، خاصة بعد إجراء شخصيات من حكومة الإنقاذ التابعة لها جولات ميدانية في عفرين.

لكن “سيناريو تقدم الجولاني بعد عفرين لن يكون سهلاً عليه”، وفق الباحث وائل علوان، معتبراً أن استراتيجية تحرير الشام الحالية “تتمثل في إضعاف الفيلق الثالث وحلفائه مقابل تقوية أعدائهم، ومن ثم الانسحاب”، بهدف تقوية شركائها وشراكتها معهم “وهي مبنية على أساس تبادل المصالح الأمنية والاقتصادية في آن واحد”، بحسب علوان.

من جهته، اعتبر الباحث المقيم في تركيا، أن فرصة توسع “تحرير الشام”، في ريف حلب الشمالي، محكومة بثلاثة عوامل: “الموقف التركي، قدرة الفصائل على تشكيل جبهة مضادة للهيئة، وموقف الحاضنة الشعبية”، معتبراً أن الحاضنة الشعبية “لعبت دوراً كبيراً في تعزيز الصمود أمام الهيئة وتنظيم الدولة سابقاً، لكن اليوم المدنيون فقدوا الثقة بالفصائل ويشعرون أنهم يدفعون الضريبة الأكبر في وقت تنتهي أزمة الفصائل بالصلح”.

إجبار هيئة تحرير الشام على الانسحاب من مناطق نفوذ الجيش الوطني في ريف حلب هذه المرة  لن ينهي “طموح الجولاني بالسيطرة على كل هذه الجغرافية”، بحسب الباحث، لكن يبقى السؤال: “هل تسمح أنقرة بذلك؟”.

شارك هذا المقال