9 دقائق قراءة

“المضطر للذهاب عليه أن يذهب”: الحوامل في مخيم الركبان بين مخاطر شح الخدمات الطبية و الولادة في مناطق الحكومة

نساء الركبان يدخلن مستوصفات تديرها الأمم المتحدة في الأردن في […]


نساء الركبان يدخلن مستوصفات تديرها الأمم المتحدة في الأردن في آذار 2017. تصوير خليل مزراوي.

تترقب بشاير موعد ولادتها بقلق شديد من داخل مكان إقامتها في مخيم الركبان، فهي خائفة من الولادة. وفرت الفتاة البالغة من العمر 19 عاماً من مسقط رأسها في ريف حمص بعد أن اقتحم تنظيم الدولة المناطق الريفية المحيطة بها، واستقرت وتزوجت في مخيم الركبان في الصحراء السورية الجنوبية الشرقية. 

وهي الآن في الشهر السابع من الحمل وموعد ولادتها المقرر يقترب بسرعة. 

وعلى الرغم من أن أربع قابلات في المخيم أخبروها أن حملها يتقدم “بشكل جيد”، إلا أنها لاتزال قلقة بشأن الأسابيع القادمة. 

وقالت بشاير لسوريا على طول عبر الواتساب من داخل سكنها المؤقت “هذا هو طفلي الأول، وأول ولادة للمرأة عادة تكون صعبة، وأخشى أن يحدث شيء سيئ” وطلبت حجب اسمها الحقيقي في هذا التقرير خوفاً من الانتقام الحكومي إذا عادت إلى مسقط رأسها في المستقبل.

وفي مخيم الركبان المعزول، الذي كان عبارة عن منطقة صحراوية غير مأهولة قبل أن يصبح موقعاً لتجمع النازحين قبل عدة سنوات، فإن حدوث أمر سيء ليس احتمالًا بعيدًا، وقالت بشاير “لا يوجد أطباء هنا” وهي تخاف أن يؤثر ذلك على حملها – أو ولادتها – ويأخذ منعطفاً غير متوقع نحو الأسوأ. 

وبعد عدة سنوات تحول مخيم الركبان تدريجياً إلى بلدة صحراوية تحتوي على أسواق للماشية، ومدارس من طين، ومحلات البقالة، لما يقارب 50 ألف نازحاً سورياً  فروا من الأراضي التي كانت تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة سابقاً في شرق سوريا، وتقطعت بهم السبل في الصحراء على طول الحدود الشرقية السورية-الأردنية، ولكنهم بذلوا قصارى جهدهم لإكمال حياتهم بشكل طبيعي من بناء المنازل، والتعارف، والزواج.

أما بالنسبة لآلاف النساء والفتيات في مخيم الركبان، فإن الحمل والولادة في هذه الأرض الصحراوية القاحلة من المحتمل أن يكون حدثاً مميتاً. 

وبعد منعهم لمدة أسبوع تقريباً من الدخول إلى النقطة الطبية التي تديرها الأمم المتحدة على الحدود الأردنية، قالت الممرضات المحليات والنساء الحوامل والفتيات داخل الركبان أنهن يشعرن بالقلق أكثر من أي وقت مضى. 

وتعتبر النقطة الطبية التي تديرها الأمم المتحدة على الحدود الأردنية شريان الحياة لعشرات الآلاف من النازحين في مخيم الركبان حيث تعاني العيادات التي تديرها بعض الممرضات من شح كبير في الإمدادات الطبية والكوادر المؤهلة، وفقاً لما أكده الموظفون الطبيون والعاملون في المجال الإنساني داخل المخيم، كما أن الأدوية باهظة الثمن إن وجدت هناك. 

وعلى الرغم من استئناف الوصول إلى النقطة الطبية في 22 أيلول، حيث تم الإعلان عن دخول 232 شخصاً من سكان مخيم الركبان إلى الأردن لتلقي العلاج، قالت الممرضات داخل مخيم الركبان لسوريا على طول أن لا يقل عن سبع نساء حوامل كنّ في حاجة ماسة إلى عمليات قيصرية- وهي غير متوفرة في عيادات المخيم البدائية.

وبالنسبة إلى بشاير، التي تبدو أنها في حالة صحية جيدة مع اقتراب أسابيعها الأخيرة، فإن عدم اليقين بشأن ما إذا كان سيتم السماح لها بالدخول إلى نقطة الأمم المتحدة الطبية يزيد مخاوفها. 

وذكرت “نعم، حملي يسير بشكل طبيعي، ولكنني خائفة جداً”. 

وأضافت “الحمل في هذا المخيم صعب جداً، وهذا الخوف يصاحب النساء حتى تنتهي الولادة”. 

ندرة الرعاية الطبية

الولادة في سوريا لا تعادل دائما الصدمة النفسية.

في عام 2010، أي قبل عام من اندلاع الاحتجاجات التي أدت فيما بعد إلى نشوب حرب في سوريا، بلغ معدل وفيات الأمهات في البلاد 49 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة على قيد الحياة – وهو معدل قريب من المعدلات الموجودة في العراق وماليزيا، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة. 

ولكن مع حلول عام 2015، بعد عدة سنوات من القتال والنزوح في جميع أنحاء البلاد، ارتفع هذا المعدل إلى 68 حالة وفاة لكل 100 ألف مولود حي. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا العدد يشمل مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة سابقاً – مثل الغوطة الشرقية، حيث دمر الحصار الذي فرضته الحكومة والذي دام خمس سنوات، خدمات الرعاية الصحية المحلية والبنية التحتية الطبية. 

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة في نيسان، هناك ما يقارب نصف مليون فتاة وامرأة حامل في سوريا بحاجة إلى “مساعدة فورية” نتيجة للحرب، على الرغم من أن 1.5 مليون من النساء والفتات السوريات يعشن في مناطق – مثل الركبان- حيث تكون “المساعدات المحدودة”.

 

مخزن الركبان بيع الأعشاب والأدوية. الصورة من أبو محمد العقيدي. 

وفي الركبان، لم تكن هناك أي خدمات طبية قبل الحرب. وكانت تنتشر الخيام والمنازل الطينية داخل مساحات شاسعة من الصحراء التي يسكنها عدد قليل من المهربين المحليين والقبائل البدوية. وهناك طريق واحد – الطريق السريع بين بغداد ودمشق – يمتد بالقرب من موقع التحالف الذي تديره الولايات المتحدة على الحدود السورية العراقية. 

والعواصف الترابية شائعة، تجتاح المدينة الصحراوية المغبرة بغض النظر عن الموسم. وتحول الأمطار الشتوية الأرض إلى طين حيث تنتشر الأمراض الفيروسية مع القليل من الأدوية اللازمة لعلاجها. وفي الوقت نفسه، يأتي الصيف ولا يحمل معه سوى القليل من الراحة حيث يتفشى في ذلك الوقت التهاب الكبد “أ” والإسهال على نطاق واسع في المخيم، ويكون الأطفال في الغالب الفئات الأكثر تأثراً. وتنتشر عشرات من المقابر المبعثرة في المساحات المفتوحة بين المنازل والمحلات التجارية. 

وبالرغم من ذلك بدأت العائلات الفارة من تنظيم الدولة في شرق سوريا في منتصف عام 2014 بالبحث عن ملجأ على شريط من الأرض المحرمة المنزوعة السلاح بين الحدود السورية والأردنية المعروفة باسم “الساتر الترابي”، على أمل من دخول الأردن في يوم من الأيام عبر المعبر الذي كان يفتح بشكل متقطع حينها. 

ولكن سرعان ما أغلقت الحكومة الأردنية هذا المعبر في عام 2016، وأعلنت المنطقة المحيطة “منطقة عسكرية“، بعد أن أسفر تفجير سيارة مفخخة عن مقتل سبعة جنود أردنيين كانوا متمركزين في موقع أمام الركبان. 

وبالرغم من ذلك بقي الناس هناك. وتظهر صور الأقمار الصناعية التابعة للأمم المتحدة منذ عام 2016 قصص النزوح المستمرة، وتوسع المخيم مع استمرار فرار السوريين من المعارك عبر الصحراء الشرقية للبلاد. 

والآن، يتم منع الأطباء والعاملين في مجال الإغاثة من دخول الساتر الترابي لتقديم المساعدة. وما تبقى من الأدويه القليلة المتوفرة داخل المخيم تصل عادة عن طريق المهربين القادمين إلى المخيم من الأراضي التي تديرها الحكومة السورية، قبل أن يتم بيعها بنسبة 50٪ تقريباً، وفقاً لما أكده خضر الحسين، أحد سكان الركبان، والذي يساعد في إدارة مركز توزيع صغير للمساعدات لسوريا على طول الشهر الماضي. 

وكانت آخر عملية وصول للمعونات في كانون الثاني، عن طريق رافعات أسقطت الطرود فوق حاجز ترابي يرسم خط الحدود. 

“كارثة بالنسبة للنساء”

الممرضة ربى الحمصي هي واحدة من بين عدد غير معروف من المهنيين الطبيين الذين يعالجون السكان داخل المخيم بعد أن تم تهجيرهم إلى المستوطنة المؤقتة على الحدود، “كل يوم نفقد حياة مريض بسبب قلة المساعدة” على حد تعبيرها. 

وفي الوقت الذي توفر فيه عيادتها الرعاية البدائية للمرضى عندما يتوفر الدواء والإمدادات الأخرى، فإنها تعمل أيضًا بتحويل المرضى إلى العيادة التي تديرها الأمم المتحدة عبر الحدود عندما تكون احتياجاتهم خارج قدرات عيادتها. 

ويمكن للمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية أكثر تقدمًا – بما في ذلك العمليات – أن ينتقلوا من عيادة الأمم المتحدة إلى مستشفيات مجهزة بشكل أفضل داخل الأردن. 

ووثقت أحدث بيانات الأمم المتحدة في عيادة الركبان 44 عملية إحالة إلى المستشفيات الأردنية – من أصل 73 إحالة – بالنسبة “لخدمات التوليد” خلال شهر أب. وتلقى أكثر من 1400 من سكان الركبان خدمات التوليد داخل العيادة نفسها خلال نفس الفترة. 

إلا أن فصيلاً معارضاً محلياً موجودا على الجانب السوري من الحدود أوقف الوصول إلى العيادة في الشهر الماضي لأسباب غير واضحة، مما يعني أن الآلاف من مرضى الركبان لم يتمكنوا من العبور لأكثر من أسبوع. 

وفي عيادة الحمصي الميدانية في الركبان، أفادت التقارير بأن حوالي سبع نساء في حاجة إلى أقسام ولادة قيصرية ولم يتمكنوا من دخول نقطة الأمم المتحدة الطبية أثناء إغلاقها. وقالت الحمصي إن النساء السبعة جميعهن “تأخرن عدة أيام” عن الولادة، الأمر الذي يشكل خطراً كبيراً عليهن في حال استمرار إغلاق النقطة الطبية لفترة أطول. 

ومن بين المرضى الذين تم منعهم مؤقتاً من دخول مركز الأمم المتحدة، كانت زوجة خالها، على حد قول الحمصي، والتي كانت حاملا في طفلها الثامن وبحاجة إلى عملية قيصرية، مضيقةً “لقد انتظرنا أسبوعاً ونحن نعاني حتى تمكنا أخيراً من ادخالها إلى العيادة [التابعة للأمم المتحدة]”. 

ووصفت ريما الشامي، وهي قابلة في الركبان، هذا الإغلاق بأنه “كارثة بالنسبة للنساء”. 

وأضافت “إن التأخير في الولادة يمكن أن يؤدي إلى وفاة الأم أو الرضيع”. 

وفي الفترة ما بين ١١ و ٢١ أيلول، “لم يتمكن مرضى الركبان من الوصول إلى العيادة”، بحسب ما قاله ديفيد سوانسون، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة الإقليمي للأزمة السورية، لسوريا على طول، يوم الخميس.

وأضاف أن العيادة نفسها “لم تغلق أبداً”.

وألقى بعض الأهالي، الأسبوع الماضي، باللوم على إحدى جماعات المعارضة بمنع الوصول إلى العيادة من الجانب السوري، وسط أنباء عن احتمال حدوث عمليات إجلاء مقبلة.

ولم يقدم مسؤولو اليونيسف وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وهما وكالتا الأمم المتحدة المسؤولتان عن النقطة، مزيدًا من المعلومات حول العمليات هناك بعد استئناف الوصول إلى العيادة في أواخر أيلول.

الوفيات بين الأمهات تدفع النساء إلى العودة إلى الأراضي الحكومية

من الصعب الحصول على إحصائية لمعدل المواليد في الركبان بسبب عدم وجود أي نظام طبي معترف به على مستوى المخيم.

وقدر شكري شهاب، رئيس عيادة داخل المخيم، أن عدد الولادات خلال الأشهر الستة الأولى من عام  ٢٠١٨ هو حوالي ٤٠٠ مولود في عيادتهم فقط.

وأضاف “وبالنسبة للمخيم بالكامل، من الصعب للغاية تقدير العدد”، مشيرا إلى وجود عيادتين أخرتين على الأقل في المخيم حيث يمكن للنساء اللواتي لا يحتجن إلى إجراء ولادة قيصرية الذهاب إليها.

وقال شهاب لسوريا على طول أن عيادته لم تشهد أي وفيات للأمهات في عام ٢٠١٨، إلا أنه قال إنه يعرف أن أحد الحوامل في المخيم توفيت في وقت سابق من هذا العام، بسبب تسمم الحمل، في إحدى عيادات الركبان. ويعتبر تسمم الحمل من المضاعفات التي تحدث في نهاية فترة الحمل والتي تتميز بارتفاع ضغط الدم.

ولم تستطع سوريا على طول التأكد بشكل مستقل من حالة الوفاة التي تحدث عنها. وقالت قابلة في عيادة ربى الحمصي أنه لم تتوفَ أي من مرضاها الحوامل عام ٢٠١٨.

وتدفع المخاطر التي تهدد حياتهن، بعضا من الأمهات إلى التفكير بالعودة إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة للولادة في المستشفيات هناك بدلا من الركبان، بالرغم من أنها رحلة محفوفة بالمخاطر.

وقد تعني العودة ببساطة التقليل من خطر إحدى الحالتين: خطر الدخول في المخاض في مخيم حدودي غير مجهز من الناحية الصحية إذا لم تتمكن الحامل من الوصول إلى عيادة الأمم المتحدة في الوقت المناسب، أو مواجهة خطر الاعتقال في حال تم تهريبها عبر حواجز الجيش الحكومي بحثا عن مستشفى معتمد بالقرب من المنزل.

مها، امرأة حامل في الثلث الأخير من الحمل، مشتتة بشأن اتخاذ القرار. وفي حديثها مع سوريا على طول، خلال فترة انقطاع الوصول إلى عيادة الأمم المتحدة الشهر الماضي، قالت إنها “بالتأكيد” تحتاج إلى ولادة قيصرية، لأن أطفالها السابقين ولدوا بهذه الطريقة، لكنها أضافت أنها تخشى العودة إلى مسقط رأسها في سوريا الخاضع لسيطرة الحكومة.

وتابعت مها “أنا خائفة من أن أتعرض للاعتقال، ماذا سيحل بي؟”، وطلبت أيضا حجب اسمها الحقيقي خشية الملاحقة الأمنية.

“من يضطر للذهاب، عليه أن يذهب”

قالت بشاير إنها تفكر أيضاً في اختيار مستشفى في سوريا، رغم الخوف من التعرض للاعتقال. وبالنسبة لها، فإن سبب الخوف واضح – حيث أن زوجها الذي تزوجته بعد وصولها إلى الركبان، هو مقاتل سابق في جيش أحرار العشائر، وهو فصيل معارض موجود داخل المخيم وحوله.

وبالرغم من أن الشابة البالغة من العمر ١٩ عاما قد تمكنت مؤخرا من دخول العيادة الطبية التي تديرها الأمم المتحدة لإجراء فحص روتيني، إلا أنها تقول أنه في بعض الأحيان يجب أن تنتظر “١٠ أيام أو أكثر” للحصول على فرصة لرؤية الأطباء هناك- وهي فترة من الزمن يمكن أن تعني الحياة أو الموت بالنسبة لها مع اقتراب موعد ولادتها.

وعندما تحدثت بشاير إلى سوريا على طول عن مخاوفها، تذكرت أحد قريباتها التي وضعت طفلها في وقت سابق من هذا العام. وكما هو الحال مع بشاير، طمأنت الممرضات داخل الركبان قريبتها بأن حملها “طبيعي”، وأن ولادتها ستكون طبيعية في المخيم دون الدخول إلى الأردن للحصول على رعاية طارئة.

وسرعان ما تجاوزت قريبتها موعد ولادتها دون إشارة إلى أنها ستلد، حيث أخبرتها الممرضات في الركبان أنه لا يوجد “شيء يمكن فعله”، بحسب ما قالته بشاير. ولحسن الحظ، تمكنت من الوصول إلى عيادة الأمم المتحدة، ثم إلى الأردن، لتدخل قسم الولادة القيصرية الطارئة.

لكن مع انقطاع الوصول إلى العيادة مؤخرا، تخشى بشاير من أنها قد لا تكون محظوظة إذا واجهت أي مشاكل خطيرة أثناء حملها.

وقالت لسوريا على طول “أخشى أن تكون هناك صعوبات في الولادة. ولم يكن بمقدوري الدخول إلى الأردن، فسأذهب إلى دمشق”.

“الناس يخافون الاعتقال، ولكن من يضطر للذهاب، عليه أن يذهب”.

 

هذا التقرير هو جزءا من تغطية سوريا على طول لأوضاع النازحين في سوريا بالتعاون مع منظمة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض هناك. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

 

 

شارك هذا المقال