4 دقائق قراءة

الملكية العقارية في سوريا: المشرّع السوري يحميها ويهددها

مع أن السجل العقاري السوري اشتمل على كل ما يتطلبه التسجيل العقاري، وكرّس استقراراً في إدارة الملكية العقارية في سوريا طيلة قرن كامل، إلا أن الملكية المحمية بقانون السجل العقاري مهددة بعدد من القوانين


29 يونيو 2021

البقاع- تشكل العقارات والأموال غير المنقولة الثروة الوطنية الثابتة لأي بلد. لذلك، تصدر الدول، بما في ذلك سوريا، تشريعات خاصة بالملكية العقارية بهدف الحفاظ عليها. إذ حرص المشرّع السوري على أن تحظى هذه الثروة بالحماية الكاملة.

ويعرّف القرار 186 للعام 1926 العقار على أنه: “قطع معينة من سطح الأرض ذات نوع شرعي واحد موجودة ضمن خط مقفول مع ما فيه من نباتات أو أغراس التي هي أجزاء متممة له، وجار عليه صفة ملك أو تصرف من مالك واحد أو عدة ملاكين مشتركين فيها إشراكاً مشاعاً”. هذا القرار، والذي يعرف بـ “قانون التحديد والتحرير”، يبين كيفية تحديد العقارات والأموال المنقولة وغير المنقولة، من خلال أعمال فنية تقوم بها فرق مساحية يرأسها مهندس، وتحت إشراف قضائي كامل.

أما قانون السجل العقاري، المعروف بالقانون 188 للعام 1926، فيبيّن فيه المشرّع كيفية فتح السجل العقاري من قبل مدير المصالح العقارية فور ورود محاضر التحديد والتحرير إليه من قبل القاضي العقاري. كما يوضح كيفية نقل وتعديل الملكية والحقوق العينية على صحائف العقارات، وفق أسس وضوابط صارمة ومحددة بالقانون.

وينص القانون المدني السوري، الصادر بموجب المرسوم التشريعي رقم 84 للعام 1949، في المادة 825 على أنه: “تُكتسب الحقوق العينية العقارية وتنتقل بتسجيلها في السجل العقاري”. وقد أعطى القانون لوثائق السجل العقاري القوة الثبوتية المطلقة، باعتبارها اعترافاً رسمياً بملكية المالك للعقار.

ومع أن السجل العقاري السوري اشتمل على كل ما يتطلبه التسجيل العقاري، وكرّس استقراراً في إدارة الملكية العقارية في سوريا طيلة قرن كامل، إلا أن الملكية المحمية بقانون السجل العقاري مهددة بعدد من القوانين، نناقش في هذا المقال اثنين منها.

قانون الاستملاك رقم 20 للعام 1983

منح هذا القانون كل جهات القطاع العام حق الاستملاك لتنفيذ مشاريعها ذات النفع العام. ويعني الاستملاك نزع الملكية العقارية الخاصة من صاحبها للاستفادة منها بمنفعة عامة من خلال إجراء إداري مقابل تعويض يدفع لمالك العقار.

وتتمثل خطورة هذا القانون إذا ما استخدم بطريقة سيئة، أو إذا استعمله متنفذون في السلطة للمنفعة الشخصية بدلاً من الصالح العام. كذلك، قد تتأخر الدولة في دفع التعويض لصاحب الملكية المستملكة لسنوات طويلة، وبأسعار أقل من القيمة الحقيقية.

أيضاً، أجاز القانون 20 للعام 1983 اقتطاع مساحة ربع العقار المستملك مجاناً، والذي يعرف بـ”الربع المجاني” أو “الربع النظامي”. فإذا كانت مساحة الجزء المستملك تقع في حدود “الربع النظامي”، يحق للجهة العامة استملاكه من دون دفع أي تعويض عن هذا الجزء.

الأسوأ من ذلك بالنسبة لصاحب الملكية أن يتم تحديد التعويض بالليرة السورية في وقت تتدهور قيمتها، كما هو حاصل الآن، وأن يتم التسديد بعد خسارة الليرة لمزيد من قيمتها، ما يفقد التعويض قيمته المسجلة في حينه.

ومن أوجه استغلال هذا القانون لتحقيق مكاسب خاصة لصالح مسؤولين إداريين في مؤسسات الدولة أن يتم استملاك عقارات للنفع العام، ومن ثم تصدر الجهة المستملكة قراراً يلغي تخصيص القرار للنفع العام، وتالياً التصرف بالعقار المستملك باعتباره أملاك دولة خاصة إما ببيعه أو تأجيره لتجار تربطهم مصلحة خاصة بالمسؤولين.

القانون رقم 10 للعام 2018 الخاص بتنظيم المدن 

من حق الدولة تنظيم المدن، وأن تعتمد لتحقيق ذلك أساليب وطرقاً تكفل التطور العمراني لهذه المدن، وأن تسخّر إمكاناتها لتحقيق هذه الغايات. لكن في المقابل، من صميم واجب الدولة حماية حقوق مواطنيها وملكياتهم العقارية، والتي تعدّ، كما أسلفنا سابقاً، الثروة الحقيقية والثابتة في البلاد.

لذلك، فإن أكثر ما يؤخذ على القانون رقم 10 هو توقيت صدوره، والذي جاء بعد تهجير ملايين السوريين من مدنهم وبلداتهم، ما أوجد خشية لدى هؤلاء من استغلال الحكومة السورية غيابهم وعجزهم عن المطالبة بحقوقهم للاستيلاء على أملاكهم، من مبدأ أن التصرف بهذه الملكيات مشروع بموجب القانون.

وبحسب الفقرة المادة 6 من القانون رقم 10، الفقرة (أ) منها: “تدعو الوحدة الإدارية خلال شهر من صدور مرسوم إحداث المنطقة [التنظيمية] المالكين وأصحاب الحقوق العينية فيها بإعلان ينشر في صحيفة محلية واحدة على الأقل وفي إحدى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والموقع الالكتروني لها وفي لوحة إعلاناتها ولوحة إعلانات المنطقة للتصريح بحقوقهم وعلى هؤلاء وكل من له علاقة بعقارات المنطقة التنظيمية أصالة أو وصاية أو وكالة أن يتقدم إلى الوحدة الإدارية خلال ثلاثين يوما من تاريخ الإعلان بطلب يعين فيه محل إقامته المختار ضمن الوحدة الإدارية مرفقاً بالوثائق والمستندات المؤيدة لحقوقه أو صور عنها إن وجدت وفي حال عدم وجودها عليه أن يذكر في طلبه المواقع والحدود والحصص والنوع الشرعي والقانوني للعقار أو الحقوق التي يدعي بها وجميع الدعاوى المرفوعة له أو عليه”.

لكن كيف لملايين السوريين في خارج البلاد أو في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أن يتقدموا إلى الوحدة الإدارية بثبوتياتهم خلال شهر من إعلان الوحدات الإدارية، خاصة وأن كثيراً منهم تلاحقهم مذكرات اعتقال، ما قد يعني عدم قدرتهم على العودة أو توكيل من ينوب عنهم في متابعة ملكياتهم، خصوصاً مع اشتراط النظام “الموافقة الأمنية” على أي وكالة قانونية؟

أيضاً، لم يحدد القانون رقم 10 نسبة محددة من المنطقة التنظيمية لاستخدامها كمشيدات عامة، من قبيل المدارس والحدائق والمساجد والكنائس ودوائر الخدمة العامة. وبما أن القانون لم يحدد النسبة، فهذا يعني أن الوحدة الإدارية المسؤولة تأخذ 50% أو 60% من المنطقة التنظيمية كأملاك عامة على حساب ملاكي العقارات.

كذلك، فإن تكلفة إنشاء المنطقة التنظيمية يتحملها ملاك هذه المنطقة، بحيث تتولى الإدارة المشرفة على المنطقة تخصيص صناديق لتمويل نفقات المنطقة التنظيمية، موارد هذا الصندوق يتم تغطيتها من القروض مقابل أن تعيد الإدارة المشرفة هذه القروض بعد بيع حصص وأسهم من المنطقة التنظيمية، ما يعني أن تكلفة الإنشاء أخيراً تقع على عاتق الملاك، لأن بيع الحصص والأسهم سيخفّض من مساحات أسهمهم ومقاسمهم.

* محامٍ وناشط حقوقي 

شارك هذا المقال