6 دقائق قراءة

الندم بعد “اتفاقية التل”: كل من فقد أحد أبنائه في الثورة لن ينظر يوماً للأسد إلا كمجرم

في 2 كانون الأول، رحل الثوار وعوائلهم عن بلدة التل […]


21 يناير 2017

في 2 كانون الأول، رحل الثوار وعوائلهم عن بلدة التل في شمال دمشق، وفقاً لبنود اتفاقية لوقف إطلاق النار تم التوصل إليها في تشرين الثاني. وعادت المدينة المحاصرة لسيطرة النظام.

وتقع التل والتي تعرف بـ”مدينة المليون نازح” على بعد 11 كم شمال دمشق، وبلغ تعدادها السكاني 100 الف قبل الحرب. وبعد سيطرة الجيش السوري الحر عليها في عام 2012، نزح آلاف الناس إليها من البلدات المجاورة هرباً من قصف النظام. وباتت اليوم تضم 900 ألف نسمة.

ووقعت التل اتفاقية “غير رسمية” مع النظام في عام 2013، وعلى أساسها، لا يدخل النظام المدينة، وبالمقابل لا يستهدف الجيش السوري الحر حواجز النظام وثكناته. وانهارت هذه الهدنة بعد عامين، حين قتل الثوار جنديا للنظام دخل التل. ورداً على ذلك، حاصرت قوات النظام المدينة وقيدّت الحركة منها وإليها.

وفي عام 2015، وخلال الحصار، عرض مسؤولو النظام رفع الحصار في حال سلّم المقاتلون الثوار أسلحتهم، وغادروا المدينة وسلموا أنفسهم. ورفض الأهالي حينها، إذ أن آلاف الرجال مطلوبون للاحتياط .

وفي تشرين الثاني عام 2016، بدأت الحكومة بالضغط على الثوار مرة ثانية لقبول الهدنة، وذلك بالتصويب مباشرة على أطراف المدينة، وفق ما ذكرت العربي الجديد آنذاك.

ومنذ آب 2016، أجبرت الحكومة خمسة بلدات محاصرة أخرى، في طوق دمشق، على دخول الهدنة وهي: داريا، الهامة وقدسيا ومعضمية الشام وخان الشيح. وتلتها التل.

وأعطيت البلدات إنذاراَ أخيراً “يقضي بتسوية أوضاع الثوار، ودخول مؤسسات الدولة إلى المدينة، أو إحراق المدينة”، وفق ما قال عمر الدمشقي، ناشط إعلامي.

وبعد سبعة أسابيع على رحيل الثوار من المدينة، قال بعض الأهالي الذين كانوا من الداعمين للاتفاقية، لمراسلتي سوريا على طول بهيرة الزرير وآلاء نصار، أنهم “ندموا” على موافقتهم مهادنة الحكومة.

رسم جرافيتي في التل: “ممنوع الوقوف، الثورة مستمرة..” حقوق نشر الصورة لـ تنسيقية مدينة التل  

وباستسلام التل، حاز أهلها على “الأمان”؛ فتوقف القصف، واستأنفت مؤسسات الدولة عملها داخل المدينة وتمكن الهلال الأحمر العربي السوري من دخول المدينة وتسليم المساعدات في 12 كانون الثاني.

ولكن الاستسلام “كان له ثمن”، وفق ما قالت أم أشرف، خريجة هندسة الحواسيب، والتي وصفت، وغيرها من الأهالي، عمليات مداهمة النظام لمقرات المعارضة، والاختطاف العشوائي للشباب، والضرائب العالية على البضائع والحاجيات التي يتم إدخالها إلى المدينة، وإزالة كافة البسطات التي تعد مصدر رزق للكثير من الناس.

وبعد تولي النظام السيطرة على المدينة، قال الأهالي إن الجيش بدأ مباشرة بتجنيد آلاف الرجال بالخدمة الاحتياطية، خلافاً لبنود الاتفاقية التي سمحت لهم بفترة زمنية تمتد لمدة 6 أشهر.

  • أحمد البيانوني، مدير تنسيقية التل، صفحة إعلامية معارضة على الفيسبوك، وما تزال مستمرة رغم سيطرة النظام على المدينة.

النظام ليس له أي عهد أو ذمة ويتبع قاعدة إما معي وإما ضدي، وبمجرد خروج الثوار بدأ يستبيح المدينة، وقام بطلب الكثير من الشباب إلى الاحتياط، ليلتحقوا بالجيش بعد الانتهاء من التسوية حيث بلغ عدد المطلوبين للاحتياط في المدينة أكثر من 3 آلاف شاب.

عقب دخول النظام وتسلمه المدينة بيومين، بدأت عمليات المداهمات للمقرات والأبنية السكنية، ووضع حاجزين عند دوار البانوراما وقرب جامع الفرقان،كما أمر بإزالة كافة البسطات التي تعد مصدر رزق الكثير من الأهالي وأمر بإزالة الشعارات الثورية عن الجدران، وأمر بدفع كافة فواتير الكهرباء منذ 5 سنوات وحتى الآن.

وجدّد النظام عقد عمل أبو أيمن المنفوش على حواجز المدينة، ليتابع حصاره للأهالي بفرض أتاوة على دخول البضائع تتراوح بين 3 و10 آلاف ليرة على كل سيارة بضائع مع تحديد الدخول من حاجز قوس المدينة حصراً، فأبو أيمن بقي “عراب الحروب” ولم ينته دوره بخروج الثوار من التل.

(أبو أيمن المنفوش، تاجر عيّنه النظام في آب لمراقبة دخول البضائع إلى المدينة، ويفرض 100 ليرة سورية على كل كيلو غرام من غذاء أو دواء، أو أي شيء آخر يدخل التل. واستمر بفرض هذه الضريبة، والتي كان يدخر معظمها في جيبه، حتى 15 كانون الثاني، حين أزاله مسؤولوا النظام من الحاجز وتسلموا إدارته).

ماذا كان دور لجنة المصالحة، التي تفاوضت مع النظام بخصوص التسوية؟

لم تتخذ لجنة المصالحة التدابير اللازمة لضمان تحقيق بنود التسوية، فقد عملت على خدمة النظام عن قصد أو بدون قصد بحيث حرضت الأهالي على طرد أبناء مدينتهم أي (الذين لم يقبلوا بالتسوية) على أساس أن النظام سيجلب لهم الأمان، ورغم معرفة الأهالي غدر النظام فهم وافقوا التسليم بالمصالحة خوفا من القصف والموت.

  • فرج أبو أحمد (52 عاماً) من أهالي التل، ابناه الاثنان، كانا يقاتلان مع الجيش السوري الحر، وقُتلا في إحدى المواجهات مع النظام. ولديه ابنتين في سن الجامعة.

بقيت في التل لأن لدي فتاتيين جامعيتين، حرصاً على إكمال دراستهما، بالإضافة لعدم قناعتي بالخروج من مدينتي ومنزلي لأني أرى برحيلي نهاية للثورة بعد مرور أعوام عليها، وقد وضعت نُصب عيني كل الاحتمالات للمضايقات التي سأواجهها من قبل النظام.

لم نكن نتوقع منذ بداية الثورة أن يكون رئيسنا مجرم، من أجل الكرسي ومستعد لإبادتنا، فالثورة والحرية تستحق بذل الأرواح لنيلها ولا يوجد شعب نال حريته دون دماء ودمار بلده.

فالذل الذي نعيشه الآن كان موجوداً قبل الثورة في كل سوريا، ولكنه لم يكن معلناً وذلك بسبب الخوف من الأجهزة الأمنية التي كانت تحكمنا.

ولا يمكن أن يحل السلام في سوريا إذا بقي الأسد على كرسيه، لا سلام مع وجود الأسد كرئيس، فالذي فقد أحد أبنائه في هذه الثورة لن ينظر يوماً للأسد إلا كمجرم.

غيبت كلمة حرية وثورة من مفرداتنا وعدنا لزمن الحيطان لها آذان. الثورة عبارة عن فكرة، والفكرة لا تموت ولن تنتهي ولكنها بحاجة لوقت لتنتصر.

نحافظ على الثورة ببقائنا وصمودنا داخل مدينتنا، لأن الظلم سيقهر ولو بعد حين.

وأنا لم أتوقع أن أحصل على شيء مقابل هذا الاستسلام، بل كنت أعلم ما سيحدث في المدينة بعد دخول النظام فقد شاهدنا ماذا فعل بعد دخوله في عدة مدن وكيف كانت وعوده كاذبة.

والذين خرجوا لم يستسلموا لكن أمر الاستسلام قد فرض عليهم من قبل أهالي التل، ونحن الذين بقينا سنفعل كل ما بوسعنا لنقل صورة ما يجري داخل المدينة ليكون عبرة للأهالي في البلدات الثائرة الأخرى على عدم مصداقية النظام وغدره وإذا أنتم نسيتم فهذا النظام لن ينسى كيف قلتلم “لااا” في وجهه يوماً.

لا زلنا نستطيع أن نناقش مواضيع الثورة والثوار ولكن كما كنا في بدايات الثورة، في أماكن مغلقة، لأن الكلام بها في الأماكن العامة، يؤدي لاعتقالنا بسبب وجود عدد لا بأس به من عملاء للنظام في المدينة.

  • أم أشرف، ناشطة من مدينة التل، عمرها 30 عام، خريجة هندسة حواسيب.  

برأيي النظام ليس له عهد أو ميثاق، وبالنسبة لي لا يمكن تحقيق السلام في سوريا عن طريق الهدن، ولن يكون ذلك إلا بحل عسكري يقضي على الأسد بشكل كامل، أو بالضغط على روسيا لإجبارها على أن  تتخلى عن الأسد.

إما أن تعيش حراً أو أن تموت كريماً رافع الرأس، لا يوجد ندم وتحتاج إلى تضحية، حتى لا تعيش حياة الذل.

انا استسلمت مقابل أن أحصل على العيش في أرضي وبلدي، حصلت على العيش في بلدي ولكن في خوف وترقب شديد فأنا في أي لحظة مُعرّضة إلى الاعتقال، أشعر بالخيبة لأني لا أستطيع التحرك بحريتي.

بعد دخول النظام لم أعد أستطيع أن اتكلم بأمور الثورة لأن ذلك سيشكل خطراً عليّ. أستطيع أن أتناقش فقط مع العائلة ومع الأصدقاء الذين أثق بهم أو أعبر عن رأيي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعية ولكن باسم غير حقيقي.

نعم نادمة على ذلك فالنظام لم يترك الشباب وشأنهم بعد أن عادت المدينة إلى كنفه حيث أن أكثر من 90% من الشباب الذي بقوا تطوعوا قسرياً مع قوات النظام هذا دوناً عمّن قاموا باعتقالهم ولا ندري عنهم شيئا.

أنا الآن أبحث عن طريق لأرحل خارج المدينة فالحياة لم تعد تطاق، رغم الخطورة الكبيرة لذلك علي، ولكنها أفضل من البقاء والانضمام لقوات النظام؛ فهم الآن يسحبون الرجال ومع الأيام لربما يسحبونا نحن النساء لنقاتل معهم، أو يعتقلوننا ليذلونا أكثر وأكثر.

النظام يحاول أن يُري العالم أنه حمل وديع، يحتوي ويساعد أهالي المناطق التي عادت لسيطرته خصوصاً بعد انتشار تقارير عديدة عن معاملته السيئة لأهالي التل عقب توقيع الاتفاق.

  • عمر الدمشقي، ناشط إعلامي من مدينة التل.

صعّد النظام من هجماته على بلدة التل عقب تقديمه مقترح هدنة يوم الأربعاء 23 أيلول مدتها 48 ساعة تنتهي يوم الجمعة، ليتم خلالها التفاوض على مقترح يقضي بتسوية أوضاع الثوار، ودخول مؤسسات الدولة إلى المدينة، أو إحراق المدينة.

وتم التوافق على المقترح ولكن بتعديل بند أن الثوار لا يريدون تسوية أوضاعهم لدى النظام بل يريدون الانتقال إلى إدلب، على أن يتم البدء بتنفيذه صباح يوم الخميس وتسجيل أسماء المطلوبين للخروج.

إلا أن تعنت بعض قادة الفصائل حينها ورجوعهم عن الموافقة على الاتفاق أدى بالنظام للتصعيد على المنطقة وقصفها بـ8 براميل متفجرة على مدار أسبوع.

فخرج أهالي التل بمظاهرة حاشدة جابت المدينة بعد صلاة الجمعة (26 تشرين الثاني) تطالب بالتهدئة من الجميع تحت عنوان “لا للحرب”، وذلك عقب إغلاق النظام المعبر الوحيد في المدينة ومنع خروج الموظفين إلى عملهم كما كان سابقا.

وكان الأهالي مع خروج الثوار كون المنطقة تعتبر خزاناً بشرياً تحوي نحو مليوني مدني بين ساكن ونازح، فإن نزلت قذيفة واحدة ستقتل عدداً كبيرا ًمن المدنيين فالبيوت والمدارس في المدينة تعج بالنازحين.

  • أبو أحمد،35عاماً، أحد أهالي التل.

اخترنا التسوية على الحرب مع النظام؛ لحقن الدماء ولأننا لم نحتمل سقوط بضعة براميل، فكيف لنا بدخول حرب إبادة مع النظام يستخدم فيها كافة الأسلحة المحرّمة على المدنيين وعلى مرأى من العالم بأسره دون أن يردعه أحد، ورغم أن معظمنا لا يرغب بدخول النظام للمدينة ولكننا مجبورون.

شارك هذا المقال