7 دقائق قراءة

النساء شمال غرب سوريا: تحديات يفوقها الإصرار على الحضور والتأثير

"عفواً، أرقام السيدات هنا خاصة، لا يمكنك التحدث إليهن". كان هذا جوهر الرد الذي وصل "سوريا على طول"، أكثر من مرة، أثناء العمل على إنتاج هذا التقرير


13 يوليو 2020

عمّان – “عفواً، أرقام السيدات هنا خاصة، لا يمكنك التحدث إليهن”. كان هذا جوهر الرد الذي وصل “سوريا على طول”، أكثر من مرة، أثناء العمل على إنتاج هذا التقرير عن تمثيل المرأة ودورها في مؤسسات الحكومة السورية المؤقتة (التابعة للمعارضة) ومؤسسات المجتمع المدني في منطقة شمال غرب سوريا التي تعد آخر معاقل المعارضة السورية التي انبثقت عن ثورة 2011 المطالبة بالحرية لكل السوريين بمن فيهم النساء. 

وإضافة إلى “معضلة” الوصول إلى المسؤولات النساء، ما استدعى من “سوريا على طول” الاتصال بعشرات المصادر الذكور في سبيل انجاز التقرير، تبرز قضية العدد المحدود للنساء اللاتي يشغلن مناصب إدارية في مؤسسات الحكومة المؤقتة ومنظمات المجتمع المدني في المنطقة، كما السلطات والصلاحيات الممنوحة لهن.

حضور رمزي في مؤسسات الحكومة

من أصل 300 موظف في وزارة الاقتصاد التابعة للحكومة المؤقتة، على سبيل المثال، لا يتجاوز عدد النساء بينهم 14 سيدة، كما كشف وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة، د. عبد الحكيم المصري، لـ”سوريا على طول”. لكن “لا تختلف صلاحياتهن عن الذكور في مكان عملهن”.

وفيما اعتبر المصري “تواجد النساء ضمن فرق العمل، مهم جداً”، فقد عزا انخفاض نسبتهن في وزارته إلى “طبيعة العمل في المؤسسات التابعة للوزارة، مثل المطاحن والجمارك، خاصة في الورديات [فترات العمل] الليلية أو على المعابر”.

ومن ثم، يقتصر عمل النساء في الوزارة على إدخال بيانات المسافرين على الحاسوب، وتفتيش المسافرات عبر المعابر. إضافة إلى سيدة مسؤولة عن سجن النساء، ومهندسة زراعية تعمل رئيسة قسم في مؤسسة الحبوب، بحسب المصري. مضيفاً أنه “لا يوجد لدينا منصب معاون وزير، ولذلك يعد منصب رئيسة قسم المنصب الثاني في الوزارة”.

ووفقاً لبراءة المصري، مديرة القسم التي أشار إليها الوزير، وهو قسم الموارد البشرية في مؤسسة الحبوب الحرة، هناك سيدتان فقط من أصل عشر موظفين يعملون في المؤسسة.

وقد أعادت التأكيد في حديثها إلى “سوريا على طول” على أن ذلك سببه، كما ذكر الوزير، طبيعة مهام المؤسسة المتمثلة في تأمين الخبز، من خلال شراء القمح من المزارعين، ثم نقله إلى المطاحن والمخابز. فيما يبدو “دور المرأة فعّالاً في مؤسسات أخرى”، بحسب السيدة براءة،  “لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم، حيث تتمتع النساء هناك بصلاحيات أكثر من الذكور”.

ووفقاً للوزير المصري، فإنه “عندما يتم الإعلان عن مسابقة [للتوظيف]، يتم قبول كل المتقدمين؛ سواء كانوا نساء أو رجالاً، ثم يتم اختيار الأنسب”. مشدداً على أن  “الحكومة [المؤقتة] تشجع  عمل النساء”. بل ولفتت السيدة براءة في هذا السياق إلى تخفيف الشروط المطلوبة لتوظيف [النساء] داخل سوريا”، مستدركة بأنه “لا يوجد إقبال من النساء بسبب طبيعة العمل” في مؤسسة الحبوب.

لكن، حتى في القطاع التعليمي الذين تشغل فيه النساء حيزاً كبيراً نسبياً بحكم عملهن كمعلمات في المدارس، يبرز ضعف حضور المرأة على المستوى الإداري. فإضافة إلى وزيرة التربية والتعليم هدى العبسي، هناك سيدة أخرى فقط تعمل مديرة مكتب المعلوماتية في وزارة التربية، بحسب العبسي، التي تؤكد في حديثها إلى “سوريا على طول” أن دور المرأة على المستوى القيادي للقطاع التعليمي “قليل بالنسبة للمقدرات وعدد الإناث”.

من ضمن أسباب ذلك، “نظرة المجتمع الدونية للمرأة، وعدم تقبل وجودها في العمل الإداري في المديريات والتجمعات التربوية، واقتصار عملهن الإداري على المدارس”، بحسب الوزيرة، لاسيما وأن “المتحكم هم الأغلبية الذكورية الذين يسيطر على تفكيرهم أنه يجب أن لا تقودهم امرأة”. معتبرة أن “المجتمع بشكل عام ذكوري، ويرى أن مكان المرأة في البيت، وأكثر مهنة مقبولة لها، برأي المجتمع، هي التدريس والعمل مع الإناث”.

مراكز نسوية خاوية

في غرفة صغيرة، كما وصفتها، تجلس سلوى محمد (اسم مستعار) وثلاث من زميلاتها، بانتظار شكاوى النساء أو طلبات مساعدة من مكتب المرأة الذي يعملن فيه.

قبل أربع سنوات، هُجرت سلوى، التي تبلغ 32 عاماً، مع عائلتها من ريف دمشق إلى مناطق المعارضة شمال حلب، أو ما يعرف بمناطق “درع الفرات”، نسبة إلى عملية “درع الفرات” التي أطلقتها القوات التركية وفصائل المعارضة في آب/أغسطس 2016 لطرد “تنظيم الدولة” (داعش) من ريف حلب الشمالي. وقد التحقت سلوى قبل عام ونصف العام بمكتب المرأة في أحد المجالس المحلية في “درع الفرات”، فور تشكيله.

ويتمثل دور مكتب المرأة، كما أوضحت في حديثها لـ”سوريا على طول” طالبة عدم الكشف عن اسمها الحقيقي، في “تسهيل أمور النساء في المجتمع، واستقبال الشكاوى منهن في حال واجهتهن مشاكل أو تعرضن لعنف”.

لكن منذ تأسيسه، كما أكدت سلوى، “لم تصل أي شكوى أو طلب مساعدة للمكتب من النساء في المنطقة، ولا حتى سمعنا بوجود هكذا حالات”. وهو ما فسرته بأنه “في مجتمعنا لو وجدت حالات عنف أو أذى أو مشاكل تواجه النساء، يكون هناك خوف لديهن أو خجل من الحديث. لذلك غالباً لا يتحدثن أو يطلبن المساعدة”.

للتغلب على هذه المشكلة، سعى المكتب إلى تعريف النساء في المنطقة بعمله وما يقدمه من خدمات، من قبيل “إيصال صوتهن للقانون في حال تعرضن لأي مشاكل أو عنف”، عبر حضور أعضاء المكتب في جميع ورش العمل التي تعقد في المنطقة وحث النساء على زيارة المكتب، بحسب سلوى.

وفيما يتعلق بالمجلس المحلي الذي يتبع له مكتب المرأة، يبلغ عدد النساء العاملات فيه أربع نساء من أصل قرابة 20 موظفاً، مع ذلك فإن “الصلاحيات الممنوحة للشخص في المجلس تعتمد على المنصب [المسمى] الوظيفي، لا فرق إن كان ذكراً أو أنثى”، وفقاً لسلوى التي رأت أيضاً أن “المهام الموكلة لنا على صعيد المسمى الوظيفي كافية، لكن دائماً الطموح أكبر بأن نتطور أكثر ونتسلم مناصب أعلى”. 

منظمات المجتمع المدني

تشكل المراكز النسائية في منظمة “الدفاع المدني السوري” (المعروفة بـ”الخوذ البيضاء”)، “ركيزة أساسية من عمل المنظمة الإنساني التي تسعى إلى تقديم خدماتها المتنوعة لفئات المجتمع السوري كافة، بمختلف انتماءاته”، بحسب ما قال مدير المنظمة، رائد الصالح، لـ”سوريا على طول”.

إذ يبلغ عدد هذه المراكز النسائية قرابة 33 مركزاً موزعة في شمال غرب سوريا، وتعمل فيها 228 متطوعة. علماً أن العدد الكلي لمتطوعي الخوذ البيضاء يزيد عن 2,800 متطوع ومتطوعة، بحسب الصالح. مضيفاً أن المنظمة تعمل “بشكل مستمر على تعزيز دور زميلاتنا المتطوعات في المؤسسة، وافساح المجال لهن لشغل مناصب قيادية، كما في الادارة الرئيسة لمؤسسة الدفاع المدني السوري من خلال مجلس إدارته”. ورغم عدم الوصول إلى “التوازن بهذا المجال، أعتقد أننا على الطريق الصحيحة، وفلسفة المؤسسة تؤتي ثمارها”. 

وفيما تبدو مساحة المشاركة المتوفرة للنساء في منظمات المجتمع المدني أوسع من المتاح في مؤسسات الحكومة المؤقتة، يظل انعدام التوازن الذي أشار إليه الصالح، وغياب التمثيل الحقيقي للنساء، قاسماً مشتركاً بين هذه المنظمات.

فالمرأة، برأي مديرة مركز سحابة وطن بمدينة الباب شمال حلب، ثريا محمد الهادي، حققت “نجاحاً لا بأس به في منظمات المجتمع المدني رغم الإمكانات البسيطة، ومجتمعنا الذكوري”. مضيفة لـ”سوريا على طول” أنه “رغم كل التسلط الموجود لدى الرجال وحب الذات، تصارع المرأة جاهدة لإثبات دورها الفعال في بناء المجتمع”. 

لكن “إلى الآن، هناك قيود على النساء”، كما قالت مديرة “مركز النساء والأطفال” في بلدة إعزاز شمال حلب، أليف مولوي. “وصلاحيات المرأة [العاملة] محدودة مقارنة بالذكور”. وهو ما يعني، كما قالت لـ”سوريا على طول”، أن “دور الحكومة المؤقتة ومنظمات المجتمع المدني في تمكين النساء بجوانبه كافة يحتاج إلى المزيد من الاهتمام والتطوير”. 

مساحات خاصة

برغم الصعوبات المختلفة، اجتماعية وأمنية وسواها، ما تزال مناطق سيطرة المعارضة السورية، وحتى مناطق هيئة تحرير الشام، مكاناً خصباً لخلق مساحات نسائية خاصة، تعمل على دعم المرأة وتمكينها.  وبحيث ظهر خلال السنوات الأخيرة العديد من المراكز النسائية في شمال غرب سوريا، وإن بشكل متفاوت بين منطقة وأخرى، وفقاً للجهة العسكرية المسيطرة، ضمن عوامل أخرى.

ففي كانون الثاني/يناير 2019، أنشأت ميسا المحمود “مركز تنمية الأسرة” في عفرين، والذي تشكل النساء كامل كادره، إضافة إلى رجلين، يعمل أحدهما إعلامياً في المركز، فيما يتولى الثاني مهام لوجستية. 

وقد سبق للمحمود تأسيس مركز في ريف حلب الغربي، حمل اسم “مركز بناء الأسرة”، قبل أن تضطر لتركه ومغادرة المنطقة بسبب “ظروف أمنية”. كما ساهمت في تأسيس “هيئة نساء إدلب”.

في المؤسسات الثلاث، يتركز عمل المحمود على تمكين النساء وبناء قدراتهن، بما في ذلك التمكين الثقافي والفكري، ودمج النساء المهجرات إلى شمال غرب سوريا مع نساء المنطقة المضيفة، وتقريب وجهات النظر بين السيدات. كما عملت أيضاً مع ناجيات من الاعتقال، وزوجات وأمهات المعتقلين، وفي مجال التوعية ضد زواج القاصرات.

وفي الآونة الأخيرة، تركز عمل المحمود على ملف النساء في منطقة عفرين شمال غرب حلب، نتيجة ضعف نشاط تمكين المرأة هناك، بحكم “عدم وجود مراكز خاصة بالنساء تديرها سيدات، أو فريق نسائي يعمل بمعزل عن التبعية”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، و”إنما كانت توجد مكاتب المرأة التي تتبع لمنظمات أو مجالس محلية”.

أيضاً، في أيلول/سبتمبر 2018، عقدت عشرات النساء شمال حلب مؤتمراً تأسيسياً لتشكيل تجمع “سحابة وطن”، ضمن هدف “تغيير واقع المرأة في المجتمع السوري، وإبراز دورها الفعال في النهوض بالمجتمع. إضافة إلى تقديم دورات مهنية لتمكين النساء، ونشاطات ثقافية واجتماعية وتعليمية”، وفقاً لثريا الهادي.

وحالياً، يقوم على التجمع نساء فقط يبلغ عددهن 23 سيدة، يتولين مهمة تمكين النساء “من الناحية العلمية والاقتصادية، لزجهن في سوق العمل”، كما ذكرت الهادي.

وبرأي سلوى محمد، فإن “توفر مراكز نسائية تكاد تخلو من وجود الذكور، وتقدم خدمات متنوعة اجتماعية وثقافية، يعتبر أمراً جيداً يناسب كل فئات النساء الموجودات في المجتمع، لاسيما اللواتي لا يحبذن فكرة الاختلاط بالرجال، لكن لديهن رغبة شديدة في التطور والتعلم”.

وفي محافظة إدلب، تحاول العديد من منظمات دعم المرأة وتمكينها العمل في المحافظة الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، على الرغم من الصعوبات والتحديات المتمثلة في رفض “الهيئة” لمثل هذه الأنشطة. فقبل سنوات، اعتقلت “جبهة النصرة” (الاسم السابق لهيئة تحرير الشام) ميسا المحمود بتهمة “العلمانية”، كما ذكرت. مضيفة: “كنت بنظرهم علمانية، وأعمل على موضوع التحرر. لكن لم أكن كذلك، أنا فقط أعمل على تمكين المرأة لتعرف حقوقها وواجباتها، وأن تكون واعية ومثقفة، وأن لا تزوج بناتها وهن قاصرات صغار”.

تغيير تدريجي

مع بداية عملها، واجهت سلوى مشاكل عدة، من بينها تقبل المجتمع لعملها بحكم طبيعة المنطقة وعاداتها وتقاليدها. أما اليوم، فقد “صار الأمر أسهل”، كما وصفت، وهناك “احترام متبادل مع الزملاء”.

وهو ما أكدته أيضاً، براءة المصري في أن “الزملاء يتقبلون العمل ولا تختلف نظرتهم بين عمل الرجل أو عمل المرأة”.

وفيما ذهبت أليف مولوي إلى أن 40% من أفراد المجتمع وزملاء النساء في العمل يرفضون عمل المرأة وتعلمها، بينما 60% يشجعون ذلك، فإنها بالمحصلة ترى تغيراً إيجابياً في النظرة المجتمعية، سببها “التدريبات [ضمن ورش تمكين المرأة] والفائدة التي تحصدها سيدات تمكنَّ من إثبات وجودهن وتحسين مستوى معيشتهنّ من خلال الالتحاق بوظائف والقيام بمشاريع بسيطة لمساعدة رب الأسرة في الحياة اليومية”.

لكن ميسا المحمود تعتقد أن كثيراً من العادات والتقاليد والنظرات النمطية تغيرت في ظل الثورة السورية التي “أجبرت المرأة على أن تكون موجودة وتشارك. ومشاركتها صارت أكثر من أيام النظام [السوري]، وأخذت [المرأة] حرية كبيرة”.

في السياق ذاته، يلفت رائد الصالح إلى الدور المحوري للمؤسسات ذاتها في تمكين المرأة. فالأنظمة الداخلية لمنظمة الدفاع المدني السوري، كما أوضح، “سمحت بتقوية ثقافة التقبل وحماية كيان المتطوعات وتفرد عملهن”. 

لكن إضافة إلى استمرار “تهميش المرأة وإبعادها عن استلام مناصب قيادية، وتزايد عدد الذكور مقارنة بالإناث في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية” بحسب مولوي، تبرز مشكلة إساءة توظيف واستغلال ملف المرأة في المنطقة، كما خارجها.

إذ “يتم استغلال قضية النساء ضمن المحافل الدولية، ومن قبل الأحزاب السياسية وحتى الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني”، برأي المحمود. مستشهدة على ذلك كمثال باهتمام الجهات المانحة حالياً بزواج القاصرات، “بحيث نشاهد الجميع يتجه بهذا الاتجاه ليسفيد بعض الأشخاص، بينما النساء اللواتي بحاجة إلى دعم حقيقي لا يصلهن شيء”.

شارك هذا المقال