5 دقائق قراءة

الهجرة نافذة السوريين في مناطق سيطرة النظام للهروب من سوء المعيشة 

فيما تضاءلت فرص السوريين في الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، الذي شدد الرقابة على حدوده، وأوكل مسؤولية حمايتها لليبيا وتركيا من خلال إبرام اتفاقيات معها لإبعاد المهاجرين، يحاولون إيجاد طرق تهريب أخرى، أو بلدان يمكن أن تستقبلهم بغض النظر عن ظروفها المعيشية والأمنية.


23 يونيو 2022

دمشق- بعد كل محاولات التمسك بالبقاء في سوريا، قررت سلوى حسني، ذات التسعة وثلاثين عاماً، مغادرة البلاد بحثاً عن فرصة عمل تؤمن لها استقراراً مالياً لم يتحقق من عملها في أحد البنوك الحكومية بدمشق لمدة ثمانية أعوام.

حاولت حسني التأقلم مع الظروف الأمنية والاقتصادية التي شهدتها سوريا، طيلة أحد عشر عاماً، لكن مع تدهور الواقع الاقتصادي غير المسبوق مقابل ارتفاع أسعار المواد الأساسية وسوء الخدمات، قدمت استقالتها وتنتظر”موافقة جهة العمل للبدء بإجراءات السفر”، كما قالت لـ”سوريا على طول” الشابة العزباء التي تعيش مع عائلتها في أحد أحياء دمشق العشوائية.

وتشهد مناطق سيطرة النظام السوري موجة هجرة جديدة لآلاف السوريين مستغلين تسهيل بعض الدول إجراءات دخول السوريين إليها بعد أن كانت معلقة في السنوات السابقة، من قبيل: الإمارات، وكردستان العراق، وليبيا، والصومال إلى جانب محاولات الهجرة غير النظامية إلى أوروبا رغم ما تحمله من مخاطر على حياتهم.

اختارت حسني السفر إلى الإمارات، حيث تعمل أختها بدخل شهري مقداره 7000 درهم إماراتي (1900 دولاراً أميركياً)، معتمدة عليها في تمويل تكاليف سفرها بالكامل، كونها لا تملك ثمن تذكرة الطائرة ولا تكاليف السفر، بحسب قولها، إذ يبلغ راتبها الشهري 150 ألف ليرة سورية (38 دولاراً بحسب سعر الصرف الحالي البالغ 3985 ليرة للدولار الواحد)، وهو “لا يغطي جزءاً صغيراً من احتياجاتنا”.

مطب جواز السفر

تشهد مراكز الهجرة والجوازات التابعة لوزارة داخلية النظام السوري ازدحاماً شديداً للمواطنين الراغبين بالحصول على جواز سفر، ما دفع حكومة دمشق إلى اتخاذ تدابير للتخفيف من أزمة الجوازات، منها إطلاق نافذة “الدور الإلكتروني”، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، يمكن عبرها حجز دور للحصول على جواز سفر في محافظتي دمشق وريفها.  

وبدلاً من أن يستفيد المواطن السوري من “الدور الإلكتروني”، استفاد سماسرة من هذه المنصة مستغلين توقفها عن العمل وتزايد أعداد طالبي الجوازات، حتى وصلت مواعيد “الدور الإلكتروني” لعام 2024، بحسب ما تداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي.

وعليه، اضطرت سلوى حسني إلى “دفع 300 دولار لسمسارٍ في الهجرة والجوازات بدمشق، مقابل حجز الدور واستصدار الجواز”، بحسب قولها.

وعلى خلفية الازدحامات في دائرة الهجرة والجوازات، افتتحت وزارة الداخلية مبنى إدارة الهجرة والجوازات في الزبلطاني بدمشق، في 13 حزيران/ يونيو الحالي، حرصاً “على تقديم التسهيلات للمواطنين وتبسيط الإجراءات والحصول على أفضل الخدمات بأيسر الطرق وأسهلها”، بحسب تصريح وزير الداخلية محمد الرحمون لوكالة الأنباء السورية (سانا).

وفي 24 أيار/ مايو الماضي، زادت وزارة الداخلية السورية رسوم الحصول على جواز مستعجل، للمقيمين في سوريا، ثلاثة أضعاف رسومه السابقة، ليبلغ 300 ألف ليرة (76 دولاراً) بدلاً من 100 ألف ليرة (25 دولاراً)، وبحسب القرار يمكن استخراج الجواز المستعجل من دون الحاجة إلى حجز دور عبر المنصة الإلكترونية المخصصة لحجز الدور، على أن يتم تسليم الجواز لصاحب العلاقة بنفس اليوم. فيما تبلغ رسوم استخراج الجواز غير المستعجل للمقيمين داخل سوريا 50 ألف ليرة (12.5 دولاراً)، ويتطلب الحصول عليه الحجز على المنصة الإلكترونية.

وبحسب الرسوم المحددة، يتعين على الموظف السوري المقيم داخل سوريا دفع نصف راتبه الشهري تقريباً للحصول على جواز السفر، في حالة الجواز غير المستعجل، لكنه قد يضطر إلى دفع ثلاثة أضعاف راتبه للحصول على جواز مستعجل. إذ يقدر متوسط الرواتب في بلد يعيش أكثر من 90% من سكانها تحت خط الفقر، بنحو 92 ألف ليرة (23 دولاراً)

حياة شبه مستحيلة

“الله يرحم أيام القذائف والحرب، كنا نأكل ونشرب، وكل شيء متوفر بأسعار مقبولة”، قال آدم، 30 عاماً لـ”سوريا على طول”، بينما “الناس تموت ألف موتة اليوم لتأمين مصاريفها”، لدرجة أن الشاب المقيم في دمشق لم يعد قادراً على العيش، وراتبه الشهري “يغطي عشرة أيام فقط”، مشيراً إلى أن نصف الراتب يذهب لأجرة المنزل والفواتير الرئيسية.

يعمل آدم مهندس حاسوب في شركة خاصة بدمشق، مقابل 300 دولار شهرياً، وهو دخل جيد مقارنة بمتوسط الرواتب في سوريا، لكن دخله لا يكفي في بلد بلغ متوسط تكاليف معيشة العائلة المكونة من خمسة أفراد 2.8 مليون ليرة (714 دولاراً)، وفق تقديرات مؤشر قاسيون الاقتصادي التابع لحزب الإرادة الشعبية السوري، ما دفعه إلى التفكير في ترك عمله “والبحث عن فرصة عمل في دولة أخرى”.

وأملاً في “توفير رسوم استخراج جواز سفر وعدم الدخول في متاهة الإجراءات”، يسعى آدم إلى مغادرة البلاد مستغلاً صلاحية جوازه الذي ينتهي في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

حدد آدم دبي وجهة له، متوقعاً إيجاد فرصة عمل بتخصصه تدر عليه دخلاً جيداً، كما قال، وينتظر الحصول على تأشيرة سياحية لمدة ثلاثة أشهر، بمساعدة صديقه، تخوّله الدخول إلى الإمارات والبحث ميدانياً عن فرصة عمل هناك.

ويسير آدم على خطى عزيز محمد، 29 عاماً، الذي وصل قبل شهر إلى الإمارات على نفقة صديقه الذي “أرسل لي 600 دولار تكاليف السفر من دمشق إلى الإمارات”، كما قال لـ”سوريا على طول.

وعلى عكس كثير من الشبان السوريين الذين يغادرون البلاد هرباً من التجنيد الإجباري، غادر محمد، الذي كان يعمل مدرساً لمادة الرياضيات في إحدى مدارس دمشق، بسبب “غلاء المعيشية وانخفاض دخلي”.

ولحسن الحظ، تمكن محمد من إيجاد فرصة عمل كمحاسب بمطعم في أبو ظبي براتب شهري مقداره 5000 درهم (1360 دولاراً)، بعد أن كان يتقاضى من مهنة التدريس في سوريا 200 ألف ليرة (50 دولاراً). راتب محمد ليس كبيراً مقارنة بحجم المصاريف في الإمارات، لكنه خطوة مهمة “في تأمين حياة كريمة” يسعى لها، بحسب قوله.

خيارات محدودة

في وقت تروجّ بعض الدول المستضيفة للاجئين السوريين لفكرة “العودة الطوعية”، كان آخرها إعلان الحكومة التركية عزمها إعادة مليون لاجئ سوري، ومن قبلها الدنمارك التي اعتبرت دمشق وريفها آمنتين للعودة، يبحث السوريون في مناطق سيطرة النظام عن فرصة لمغادرة البلاد.

وفيما تضاءلت فرص السوريين في الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، الذي شدد الرقابة على حدوده، وأوكل مسؤولية حمايتها لليبيا وتركيا من خلال إبرام اتفاقيات معها لإبعاد المهاجرين، يحاولون إيجاد طرق تهريب أخرى، أو بلدان يمكن أن تستقبلهم بغض النظر عن ظروفها المعيشية والأمنية.

[irp posts=”44070″ name=”بلدان غير آمنة” ملاذ سوريين هاربين من التجنيد في بلادهم”]

وتعدّ الإمارات وكردستان العراق وجهتين رئيسيتين للسوريين الراغبين بمغادرة البلاد حالياً، نظراً لإمكانية الحصول على تأشيرات دخول إليهما، في المقابل يبحث آخرون عن فرص للسفر إلى تركيا، مصر، الصومال، السودان، وليبيا.

وتتراوح تكاليف التأشيرة إلى كردستان العراق بين 250 و300 دولار، فيما تتراوح تكاليفها إلى الإمارات بين 205 و230 دولاراً، وتختلف هذه الأسعار من مكتب سياحة إلى آخر، في حين تصل تكلفة الدخول إلى مصر إلى 1200 دولار، شاملة رسوم الفيزا وتذكرة السفر وأجور مكتب السياحة الذي يؤمن تأشيرة الدخول التي فرضتها مصر على السوريين، والتي تعرف بـ”الموافقة الأمنية”. 

وفي إطار البحث المستمر عن بلدان تستقبل السوريين، أو طرق تتيح وصول السوريين إلى أوروبا، تبرز بلدان على قائمة اهتمام السوريين بين فترة وأخرى، من قبيل الوصول إلى فرنسا من خلال الحصول على تأشيرة برازيلية، والانتقال منها إلى جزيرة غويانا المحاذية للبرازيل، وقبل ذلك الوصول إلى أوروبا عبر تأشيرة سياحية من بيلاروسيا.

مقابل موجة الهجرة الجديدة، ما يزال النظام السوري يعقد جلسات ومؤتمرات عودة اللاجئين، في العاصمة دمشق، بالتنسيق مع روسيا، رغم توثيق انتهاكات بحق العائدين، كما أوضحت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقاريرها.

شارك هذا المقال