6 دقائق قراءة

اليأس يخيم على اللاجئين السوريين المفصولين من المساعدات النقدية الأممية في لبنان

لمواجهة العجز في الميزانية، تلجأ مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي إلى قطع المساعدات النقدية الشهرية عن بعض اللاجئين السوريين في لبنان، الذين يعيش أغلبهم أصلاً في فقرٍ مدقع.


30 نوفمبر 2022

بيروت- قبل أسبوعين تلقى أبو فراس (اسم مستعار)، لاجئ سوري مقيم في مخيمات عرسال بلبنان، رسالة نصية تُبلغه أنّ عائلته ستفقد المساعدة النقدية الشهرية المقدَّمة من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP)، ابتداءً من شهر كانون الثاني/ يناير نظراً لضعف التمويل.

في الوقت ذاته، تلقى عمر، 28 عاماً، المقيم في مخيم بمنطقة سعدنايل رسالةً مشابهة من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي، وهو ما حصل مع شقيقه أيضاً.

جاء إيقاف مساعدات الأمم المتحدة في وقتٍ ترزح لبنان تحت وطأة أزمة اقتصادية عميقة، إذ يعيش ثلاثة أرباع السكان في دائرة الفقر، بما في ذلك اللاجئون والمجتمعات المضيفة على حد سواء.

“تجبرنا محدودية الميزانية على اتخاذ قرارات صعبة، وعدم القدرة على دعم جميع من يحتاج المساعدة”، قالت المتحدثة باسم المفوضية في لبنان، باولا باراتشينا، لـ”سوريا على طول”. وعليه، “تم استبعاد بعض العائلات من قائمة المستفيدين من المساعدات في العام المقبل، لكن هناك عائلات أخرى لم تكن تتلقى المساعدات في السنة الماضية، قد يتم إضافتها في قائمة المستفيدين الجدد”، كما أوضحت.

لا يوجد رقم دقيق لأعداد اللاجئين السوريين في لبنان، الذين قطعت عنهم المساعدات المالية، كما ذكر المتحدثون باسم المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي لـ”سوريا على طول”، فيما لم يردّ المكتب الصحفي لـ”الأغذية العالمي” على طلب الحصول على أرقام حول المساعدات حتى لحظة نشر هذا التقرير.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر، حذَّر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، من إجراء الوكالة لـ”تخفيضات حادة” ما لم تتلق تمويلاً إضافياً بقيمة 700 مليون دولار، معرباً عن وجود مخاوف حيال أجزاء من الشرق الأوسط، دون ذكر دول بعينها. 

ويعود العجز التمويلي للوكالة التابعة للأمم المتحدة إلى النفقات الإضافية التي أسفرت عنها عمليات النزوح جرّاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، واستيلاء طالبان على أفغانستان عام 2021، والفيضانات التي اجتاحت باكستان.

وكانت المفوضية قد حذّرت في وقت سابق من أنّه “لابدّ من تخفيض الدعم [النقدي]” في لبنان في ظل انعدام الدعم الإضافي. وحتى قبل إيقاف المساعدات مؤخراً، لم تتلق 70 ألف عائلة من العائلات اللاجئة الضعيفة مساعدات نقدية، وكانت 277 ألف عائلة سورية مهددة بعدم تلقي مساعدات نقدية إضافية في فصل الشتاء.

كيف سنأكل؟

“عندما قرأت زوجتي الرسالة، كانت في حالة صدمة”، قال أبو فراس، لافتاً إلى أن زوجته “الحامل” لم تعد تستطيع التنفس، فحاول مواساتها بالقول: “الله موجود، لا بدّ أنه سيعوضنا”، أخبرها ذلك “من باب التخفيف عنها، لكن في الحقيقة كنت مخنوقاً ومنزعجاً أكثر منها”.

ينحدر أبو فراس من منطقة القلمون السورية، شمال شرق دمشق، التي غادرها إلى لبنان في عام 2012 بعد انشقاقه عن الجيش السوري.

منذ لجوئه، يقيم أبو فراس مع زوجته وأطفاله في مخيم للاجئين في عرسال، شمال لبنان، وكان يعتمد على المساعدات النقدية المقدمة من مفوضية شؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي لإعالة أسرته، لاسيما مع تدهور الاقتصاد اللبناني، ومن دونها لم يكن يعلم الأب لأربعة أطفال كيف يتدبر أمره.

“بعد أن أبلغت أطفالي [بشأن إيقاف المساعدات]، سألني ابني الأصغر: أبي، كيف سنأكل؟، فأجبته: لا تخف، سنأكل”، بحسب أبو فراس، مضيفاً “لكنني كنت أكذب عليه”.

لقطة شاشة لرسالة نصية مُرسلة إلى لاجئ سوري لإبلاغه بإيقاف مساعدات الأمم المتحدة الشهرية بدءاً من شهر كانون الثاني/ يناير 2023، بسبب محدودية الموارد، 11/2022 (سوريا على طول)

تتلقى عائلة أبو فراس ثلاثة ملايين ليرة لبنانية من الأمم المتحدة (75 دولاراً أميركياً بحسب سعر الصرف في السوق الموازية). هذا المبلغ لا يكفي أصلاً، إذ تدفع العائلة “10 دولارات إيجار خيمتهم في عرسال، و15 دولاراً فاتورة كهرباء، و40 دولاراً رسوم مواصلات للمدرسة”، بحسب أبو فراس، قائلاً: “هذه 65 دولاراً للأساسيات فقط. ولا يمكنني عدم الدفع للحافلة المدرسية لأنّ ذلك يعني خروج أطفالي من المدرسة، ولن أتوقف عن الدفع للكهرباء لأننا سنعيش في الظلام، وإن لم أدفع الإيجار، سنُطرد”.

فقد أبو فراس عمله، كمدير في مبادرة سورية للإغاثة، منذ أكثر من سنتين، ومنذ ذلك الحين وهو يحاول جاهداً إيجاد عمل آخر. عائلته مدينة بنحو 250 دولاراً، وهي من ضمن 96% من العائلات التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في لبنان. “يبلغ سعر ربطة الخبز 60 ألف ليرة لبنانية [1.50 دولار]، ونحتاج واحدة يومياً، فنحن ننفق 1.8 مليون ليرة لبنانية [45 دولاراً] شهرياً من أجل الخبز، أما اللحوم نتناولها في عيد الأضحى فقط”، على حد قوله.

فقدت العملة اللبنانية 90% من قيمتها منذ عام 2019، وبلغ معدل التضخم في أسعار المواد الغذائية في البلاد 208%، وهو ثاني أعلى معدل على مستوى العالم.

يعيش تسعة من أصل عشرة سوريين في فقرٍ مدقع، ودفعت التحديات المتزايدة في لبنان بعضهم إلى العودة  لبلادهم، والبعض الآخر إلى عبور البحر المتوسط في محاولة للوصول إلى أوروبا، رغم العواقب الوخيمة التي تترتب على ذلك. 

عجز تمويل مزمن

يستضيف لبنان، الذي يبلغ عدد سكانه 6 مليون نسمة، نحو 1.5 مليون لاجئ سوري، 831,053 منهم مسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وفي الوقت الحالي، لا تُموَّل عمليات المفوضية في لبنان إلا “بنسبة 50 ٪”، وفقاً للمتحدثة باسم المفوضية، نادين مظلوم، متوقعة أن تكون “فجوة التمويل أكبر” في عام 2023، وكذلك احتياجات اللاجئين والمجتمعات اللبنانية المضيفة.

ولا يقتصر العجز التمويلي على لبنان. هناك حالياً 12 عملية لمفوضية الأمم المتحدة في بلدان مثل العراق، أو الأردن، أو تشاد، أو كولومبيا، ولم تتلق سوى نصف التمويل اللازم. 

ومع ذلك، هناك نحو 89% من عائلات اللاجئين في لبنان تتلقى حالياً إحدى أنواع المساعدات النقدية، كما أشارت باراتشينا، وأهم برامج المساعدات المالية للمفوضية هو برنامج المساعدة النقدية متعددة الأغراض، بقيمة مليون ليرة لبنانية شهرياً (25 دولاراً) للعائلة الواحدة على مدار العام، بالإضافة إلى برنامج المساعدة النقدية الشتوية الذي يمنح مليوني ليرة لبنانية (50 دولاراً) شهرياً للعائلة، لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، ويمكن للاجئين أيضاً الحصول على مساعدة نقدية من برنامج الأغذية العالمي بقيمة 500 ألف ليرة لبنانية [12.50 دولار] للفرد.

يُقدر حدّ المال الأدنى اللازم للبقاء على قيد الحياة في لبنان الذي تشير إليه الأمم المتحدة بسلة الحد الأدنى للإنفاق (SMEB) بـ 3,941,540 ليرة لبنانية [98 دولاراً] للعائلة الواحدة شهرياً.

منذ بداية الأزمة الاقتصادية في عام 2019، ازداد عدد العائلات السورية التي تتلقى مساعدات نقدية متعددة الأغراض أو المساعدات الشتوية، مقابل ذلك كان حجم الاحتياجات يزداد بشكلٍ أكبر.

“كنت أدفع الإيجار بتلك المساعدة، إن لم أدفع الإيجار، إلى أين أذهب؟” قال عمر، الذي علم أيضاً في وقتٍ سابق من هذا الشهر أنّ المساعدة النقدية ستنقطع عنه في كانون الثاني/ يناير. 

ينحدر عمر من مدينة داريا في ريف دمشق، التي غادرها إلى لبنان، في عام 2013، ويعيش حالياً مع والدته وأشقائه في منزلٍ بمنطقة سعدنايل. 

تتلقى عائلة عمر حالياً من الأمم المتحدة 500 ألف ليرة لبنانية (12.50 دولار) لكل فرد شهرياً، كما أنَّ شقيقته، المسجلة بملف خاص بها في المفوضية أٌبلغت بإيقاف المساعدة النقدية عنها في عام 2023.

“كنت اقتصد في الإنفاق على الغذاء لتأمين مبلغ الإيجار، فماذا أفعل الآن؟” تساءل عمر. الذي صُدم قبل ذلك برفع مالك منزله الأجرة الشهرية من 100 إلى 150 دولاراً “لأنّهم يسمعون أنّ السوريين يتلقون المال من الأمم المتحدة”، على حد قوله.

يعمل عمر كعامل مياومة، بأجرٍ غير ثابت، ومن الصعب أن يتعايش مع الوضع في لبنان، ولكن حتى مع انقطاع المساعدات النقدية واستمرار دوامة الانهيار الاقتصادي في لبنان، لا يرى في العودة إلى سوريا خياراً بديلاً، لأنه “مطلوب مع شقيقي للخدمة العسكرية، وأبي اعتُقل على يد النظام”، كما أوضح.

يحاول عبثاً أن يجد المغزى وراء قطع المساعدات النقدية عن اللاجئين، لا سيما مع ازدياد صعوبة الحياة في لبنان، وينتقد ما يرى أنّه يُوضع في سلم أولويات التمويل.

“قبل [أزمة 2019]، كان الفرد يتلقى 27 دولاراً، بينما الآن 500 ألف ليرة لبنانية، أي 12 دولاراً. في  المقابل يتقاضى الموظف في الأمم المتحدة أكثر من ستة آلاف دولار”، بحسب عمر، مستدركاً “أنا لا أقول إنهم لا يستحقونها. أعلم أنهم درسوا وتعبوا، ولكنهم يعملون لخدمة هؤلاء الناس [اللاجئين] وهم يعيشون ملوك زمانهم”.

لا يرى أبو فراس، المنشق عن الجيش السوري، أن العودة إلى بلده خياراً ممكناً “لأنني سأقتل في اللحظة التي أدخل فيها؛ لا يمكن أن أتخذ هذه الخطوة، وأفضل الغرق في البحر على العودة”، كما قال، معتبراً أن “تخفيض الميزانية هو وسيلة ضغط علينا من أجل العودة. هذا رأيي”. 

مع قدوم فصل الشتاء على الأبواب، ودخول عام 2023 من دون مساعدات نقدية، لا أمل لديه سوى في إعادة التوطين “حتى لو كان إلى السودان”، وفقا لأبو فراس.

تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية سلام الأمين.

شارك هذا المقال